116

Duha Islam

ضحى الإسلام

Genres

وعلى الجملة فقد انتقل الناس في العهد العباسي إلى عادات الأمم الأخرى وتقاليدهم، وأفرطوا في ذلك كل الإفراط، على العكس من العهد الأموي، ومن ثم انقطعت الصلات الاجتماعية والمشاكلات بين المسلمين في العراق والمسلمين في جزيرة العرب، أو كادت. ويحدثنا الأغاني حديثا طريفا عن ناهض بن ثومة؛ وهو شاعر بدوي جاف من الشعراء في العهد العباسي، شهد حفلة عرس في حلب فدار عقله واختبل فكره مما رأى، مما لا عهد له به في البادية، عجب وأفرط في العجب من الاحتفاء بالعروس، ومن ألوان الملابس، ومن ألوان الأطعمة والشراب، ومن آلات الغناء الفارسية، حتى أمعن الناس في الضحك من إمعانه في الغفلة!

4

ولقد كان يجن حقا لو شهد حفلة العرس هذه في بغداد. •••

أفرط قوم من الناس في هذا العصر في اللذائذ يتحرونها، ويتفننون في الاستمتاع بها، وكلما ملوا نوعا ابتكروا نوعا، وإذا أخذوا يهدءون نشط الدعاة يستحثونهم على الإغراق فيها، والأخذ بأكبر حظ منها. ونحن إذا تتبعنا تاريخ الدولة العباسية في هذا الباب وجدنا أن الدولة كانت تسير خطوات متدرجة إلى هذه الغاية، وأن كل خليفة كان يعلو غالبا درجة في سلم الترف والنعيم عمن قبله. وأننا لو خططنا رسما بيانيا لاتجه صاعدا باستمرار في عصر كل خليفة تقريبا، والناس في كل عصر وخاصة في هذه العصور تبع لإمامهم.

بدأت الدولة العباسية، وحولها أعداء كثيرون؛ من أمويين وصنائعهم، ولما اختير للخلافة السفاح ثم المنصور غضب كثيرون من البيت العباسي نفسه، وغضب شيعة علي، فكان لابد لقيام الدولة من خلفاء جادين غير لاهين، يصرفون كل وقتهم في تأسيس الدولة، واصطناع الموالين، وكبح جماح الثائرين، وسفك دم الخارجين، حتى إذا انتهى هذا الدور، ومهدت الأمور، وقتل الخارجون، واستكان أمثالهم؛ هدأت الدولة، فكان أمام الخليفة الذي يأتي بعد وقت من الفراغ والهدوء يجد فيه متسعا لشيء من اللهو والترف والنعيم، ولكن ليس يجد كل وقته، فعليه تنظيم داخل المملكة، بعد أن كان أكثرهم من قبله موجها إلى تنظيم الأمور الخارجية، حتى إذا استتب الخارج والداخل جاء خلفاء، وقد جرت الأمور في نصابها، وسارت على الأسس التي شيد الأولون بنيانها، ورأى هؤلاء الخلفاء المال الكثير يجبى إليهم في سعة، من جراء ما وضع الأولون من حماية للخارج، وتنظيم للداخل، فنعموا وأسرفوا في النعيم، وكان من وقتهم متسع لذلك كله!

كان يمثل هذه الأدوار تماما الخلفاء العباسيون، وتاريخهم شاهد على ما نقول؛ فأبو العباس السفاح (أولهم) كان يؤثر الجد والعلم على ضرب اللهو، يقول: «إنما العجب ممن يترك أن يزداد علما، ويختار أن يزداد جهلا! فقال له أبو بكر الهذلي: ما تأويل هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال يترك مجالسة مثلك وأمثال أصحابك، ويدخل إلى امرأة أو جارية، فلا يزال يسمع سخفا، ويروي نقصا!». ولما تزوج أم سلمة حلف لها ألا يتزوج عليها ولا يتسرى، وحاول بعض المقربين إليه في خلافته أن يوسوس إليه، ويثير ملاذه وشهواته بذكر الجواري وأنواعهن فلم يفلح.

5

وكانت حياته حياة سفك للدماء،

6

وقضاء على المعارضين.

Unknown page