72

Darajat Sitt

الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك

Genres

الأول ، إذا كنت ستعزو احتمالات التعطل لنقاط التلاقي على نحو عشوائي، حتى لو وضعت في الاعتبار الاختلافات الفردية بين نقاط التلاقي هذه، فستغفل عن جزء رئيسي من المشكلة: دور المصادفة. كما أشرنا من قبل، لم يكن العطل الكبير الذي حدث يوم 10 أغسطس من عام 1996 نتيجة لأعطال مستقلة متعددة، بل سلسلة متعاقبة من الأعطال، جعل كل منها الأعطال التالية عليه أكثر احتمالا. وتكون السلاسل المتتالية للأعطال الطارئة التي يعتمد بعضها على بعض أكثر تعقيدا، فلا يمكن وضعها في نموذج، مقارنة بمشكلات التخلل التي تناولناها حتى الآن، لكنها تحدث دائما، وليس فقط في النظم الهندسية كشبكة الطاقة الكهربائية. في الواقع، إن أكثر مجموعة من مشكلات السلاسل انتشارا وإثارة تكمن في دوائر صنع القرارات الاقتصادية والاجتماعية، وهذه المشكلات المهمة والمذهلة وشديدة الغموض هي التي سنتحول إليها الآن.

الفصل السابع

القرارات والأوهام وجنون الجماهير

لم يمض وقت طويل على تركي الطقس الرائع لسانتا في إلى أمطار كامبريدج بولاية ماساتشوستس وصقيعها (وصلت هناك وسط إعصار فلويد بالضبط) حتى بدأت في التساؤل هل الدروس التي تعلمتها أنا ومارك من دراساتنا لانتشار الأمراض يمكن أن تطبق على مشكلة العدوى في الأسواق المالية أم لا. كنا في خريف عام 1999 وفقاعة الإنترنت تصل إلى ذروتها، كانت أموال رأس المال المخاطر تتدفق بحرية إلى أي شخص لديه خطة عمل مقبولة بعض الشيء، وفي مسكني المؤقت بكلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لم يطق الطلاب صبرا للتخرج وتكوين ثرواتهم؛ ارتفعت حمى بدء المشروعات، حتى إن شركة «ميريل لينش»، التي تعد واحدة من أكبر الشركات التي توظف خريجي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، باتت تهدد بإلغاء عملية التوظيف السنوية التي تجريها؛ لأنه ما من أحد يحضر عروضها التقديمية!

في خضم كل هذه الإثارة، اقترح آندرو لو، وهو عالم اقتصاد مالي والشخص الذي كنت أسترشد بنصائحه آنذاك، أن أطلع على كتاب عنوانه «أوهام شعبية استثنائية وجنون الجماهير» بقلم تشارلز ماكاي، وكما يوضح عنوان هذا الكتاب الجذاب، فهو دراسة للعديد من صور الجنون، بدءا من محاكمات الساحرات وصولا إلى الحملات الصليبية، التي ينتهي فيها المآل عادة بأشخاص مثقفين إلى انتهاج سلوكيات يصعب فهمها فيما بعد. والجنون، كما يوضح ماكاي، ليس له صديق أفضل من المال. وبعد مرور عام واحد وانفجار فقاعة الإنترنت، صار واضحا أن كل هؤلاء الحاصلين على ماجستير إدارة الأعمال (العاطلين عن العمل حاليا)، ناهيك عن العديد من المحللين ببورصة وول ستريت، تملكتهم بالفعل «أوهام استثنائية».

لكن ربما يخامر المرء أيضا شعور بأن الهلاوس واسعة الانتشار عن القيمة الوهمية - ولا يقتصر ذلك فحسب على الولع بالتكنولوجيا الذي انتشر في أواخر تسعينيات القرن العشرين، بل ينسحب أيضا على أزمة قروض ومدخرات تكساس في ثمانينيات القرن نفسه، وانهيار سوق الأوراق المالية في أكتوبر 1987، وأزمة البيزو المكسيكي، واقتصاديات الفقاعات في اليابان، ثم في كوريا وتايلاند وإندونيسيا - هي سمة حديثة نسبيا للمناخ المالي الذي تتزايد غلظته وغدره بشكل دائم، وقد نظن بالطبع أنه قبل ظهور نظم التجارة الأوتوماتيكية والأسواق العاملة على مدار الساعة وتدفقات رأس المال الدولية دون انقطاع - بل قبل ظهور الهاتف والتلغراف والسكك الحديدية العابرة للقارات أيضا - كان الانتشار السريع لمعتقد عار من الصحة، ومسارعة رأس المال لدعمه، أمرا مستحيلا، على الأقل على نطاق واسع، لكن هذا ليس صحيحا، فقد نشر كتاب «أوهام شعبية استثنائية وجنون الجماهير» في عام 1841، وحينئذ كان موضوع ماكاي قديما بنحو قرنين من الزمان. (1) اقتصاديات التيوليب

لا تقل الأزمات المالية في قدمها - كما علمت من آندي بعد فترة قصيرة - عن عمر الإمبراطورية الرومانية، لكن المثال الأول عليها في العصر الحديث، وإحدى القصص المشوقة التي رواها ماكاي في كتابه، يعرف بفقاعة التيوليب الهولندية؛ ففي عام 1634، الذي بدأت فيه تلك الأزمة، كانت زهور التيوليب قد وصلت لتوها إلى أوروبا الغربية من موطنها الأصلي؛ تركيا، ومن الواضح أنها جلبت معها قدرا كبيرا من الطابع الاجتماعي لذلك الموطن؛ ارتفع سعر بصيلات التيوليب ارتفاعا هائلا بالفعل في سوق الأزهار بأمستردام نتيجة لزيادة الرغبة في تلك الأزهار؛ نظرا لطبيعتها الرقيقة والصعبة بوجه عام، لكن قبل أن يمر وقت طويل تدخل المضاربون و«سماسرة الأوراق المالية» المحترفون ليرفعوا أسعار بصيلات التيوليب على نحو مفتعل بنية إعادة بيعها في وقت لاحق مقابل أسعار أعلى. اشترك الجميع - بما في ذلك المواطنون العاديون - في ذلك الجنون، لحد وصل إلى هجر الأعمال الاقتصادية الروتينية تقريبا، وكان سبب ذلك افتتان الناس بوعد الغنى الفوري واطمئنانهم للتدفق الهائل لرأس المال من المستثمرين الأجانب. ويقول ماكاي إن البصيلة الواحدة من نوع «فايسوري» النادر كانت تستبدل في أوج تلك الأزمة ب «حوالي ألفي كيلوجرام من القمح، وأربعة آلاف كيلوجرام من الجاودار، وأربعة ثيران سمان، وثمانية خنازير سمينة، واثني عشر خروفا سمينا، وبرميلين من النبيذ، وأربعة أطنان من الجعة، وطنين من الزبد، وخمسمائة كيلوجرام من الجبن، وسرير كامل، وطقم من الملابس، وكأس شراب فضي». وإذا بدا ذلك منافيا للعقل، فقد كان أفضل أنواع التيوليب المعروف باسم سيمبر أوجستس يصل سعره إلى أكثر من ضعف ذلك. ليس ذلك شيئا أختلقه.

مع استثمار هذا القدر الكبير من الأموال الفعلية في سلعة بمثل هذه القيمة الموضوعية المنخفضة للغاية، كان من الطبيعي أن يبدأ الهولنديون في التصرف بشكل لا يمكن وصفه إلا بأنه غريب؛ فكانوا في بعض الحالات يبيعون سبل رزقهم بالكامل في مقابل أن يمتلكوا واحدا أو أكثر من جذور زهرة قيمة، وصار من اليسير شراء الأصول العينية التي لم يعد لها قيمة نسبيا، ومن ثم صار كل من البيع والشراء والاقتراض والإنفاق غزيرا. ويقول ماكاي إن هولندا أصبحت لفترة قصيرة مركزا لتكوين الثروات. وبالطبع، لم يكن ممكنا أن تظل كذلك للأبد؛ ففي نهاية الأمر، زهرة التيوليب هي زهرة تيوليب، وأكثر الهولنديين خبلا لا يمكن أن يدعي غير ذلك للأبد، فحدث الانهيار الحتمي في عام 1636؛ انخفضت أسعار التيوليب إلى أقل من 10 بالمائة مما وصلت إليه من قيم مرتفعة قبل ذلك بشهور فقط، مما أدى إلى مزيد من الجنون بين الحشود التي غلب عليها الغضب آنذاك وصارت تبحث دون جدوى عن أكباش فداء، وسعوا للتخلص من دينهم المتزايد على نحو سريع.

بعد عدة عقود - لكن قبل أكثر من قرن من نشر كتاب ماكاي - أصيبت اثنتان من الدول الاستعمارية الكبرى، وهما فرنسا وإنجلترا، بشكل متزامن تقريبا بفقاعات مالية تشابهت مع أزمة التيوليب، ليس فقط في أصولها ومسارها الرئيسي، بل أيضا في مستوى السخف الذي أثارته في مواطنيها، كانت المضاربة هذه المرة على أسهم شركتين، وهما شركة «ساوث سي» في إنجلترا وشركة «مسيسيبي» في فرنسا، اللتان كانتا تبشران بعائدات ضخمة بفضل وصولهما إلى حدود جديدة غير مستغلة (جنوب المحيط الهادئ للشركة الإنجليزية، والمستعمرات الجنوبية لما سيعرف بالولايات المتحدة الأمريكية للشركة الفرنسية)، وكما كان الحال مع التيوليب، تهافت المستثمرون على المضاربة وارتفعت أسعار الأسهم ارتفاعا هائلا، الأمر الذي أدى إلى مزيد من المضاربة ومزيد من الطلب ومزيد من الضغط المتصاعد على الأسعار، وغمرت إنجلترا وفرنسا، شأنهما شأن هولندا، النقود الورقية التي كانت تستبدل بالمزيد من الأصول الفعلية، فنتج عن ذلك أوهام بثروة هائلة واستمرار للارتفاع المتزايد غير المستقر للأسعار، ومثلما حدث مع الهولنديين، ومستثمري شركات الإنترنت في نهاية تسعينيات القرن العشرين، وعدد كبير من الحمقى وما أنفقوه من أموال بين الفترتين، انفجرت الفقاعة في النهاية، لتتبدد أوهام وثروات أفراد كانوا غارقين في الأحلام السعيدة. (2) الخوف والطمع والعقلانية

لماذا لم نتعلم الدرس إذن؟ بعد ما يقرب من أربعمائة عام، ما الذي تتسم به الفقاعات المالية ويجعل الفقاعة التالية لا تبدو وكأنها ستنفجر إلا بعد فوات الأوان؟ الإجابة السوداوية هنا هي أن الجشع والخوف سمتان غير محدودتين بمكان أو زمان، شأنهما في ذلك شأن أي سمات بشرية أخرى، وما إن يثرهما أي شيء، حتى لا يمكن للتحليل العميق، بل الخبرات السابقة أيضا، أن تقف أمامهما، فلولا الاحتمال المبشر بجني ثروة شخصية هائلة، ما كان المحامون الناجحون سيهرعون للعمل لمصلحة شركة ناشئة تبيع البقالة على الإنترنت، وما كان أي هولندي عاقل سيبيع شقته في أمستردام مقابل بصيلة تيوليب، ولولا الفزع الذي لا يتسبب فيه سوى شك راسخ بانعدام تام للقيمة، ما كان الانهيار المفاجئ والمتزامن تقريبا لعدد هائل من الشركات المرتبطة بالإنترنت - كان من الممكن لبعضها أن يستحق البقاء في أجواء أكثر وعيا - ليحدث، لكن هذا التفسير، شأنه شأن أغلب التفسيرات السوداوية، لا يفيد كثيرا، فهو يحكم علينا بأن نعيش المكافئ المالي لفيلم «عيد فأر الأرض» لكن بدون النهاية الهوليوودية (تعلم بيل موراي الدرس أخيرا). يدعي المتشائمون أنه ليس بإمكاننا تغيير الناس، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن هذا الادعاء لا يخبرنا بأي شيء فيما يتعلق بآليات حدوث الأزمات المالية فعلا، أو كيف تختلف كل أزمة عن الأخرى، أو كيف يمكننا تصميم «مؤسسات» تساعد على الأقل الناس على التعايش بسلام مع مخاوفهم.

Unknown page