ربما كان الضمير دائما في أزمة، وسبب الأزمة قبل كل شيء هو الوسط الذي يعيش فيه ويستدعى فيه فيصل أو يخفق في الوصول. لكن الضمير اليوم، نظرا لانفصاله عن جذوره التقليدية في الفضيلة الرومانية والأخلاقيات المسيحية وفلسفة التنوير، وانجرافه في عالم يحفل بحوادث الانتهاك، قد يكون مهددا أكثر من أي وقت مضى. لقد اعترفت بالفعل أن الضمير يعاني مما قد يطلق عليه «مشكلة هوية»، فهو لا يملك أي مضمون ثابت أو متأصل خاص به، وقد يحفز للدفاع عن موقف ما أو الموقف المضاد له على حد سواء. وثمة مجتمعات أخرى أدت مهامها من الناحية الأخلاقية بلا أي ضمير على الإطلاق. فما الذي نفقده حقا إذن إن وجدنا أنفسنا بلا ضمير مثل شخصية أنطونيو في مسرحية شكسبير الذي لم يشعر قط بوجود هذا الكيان المقدس داخل صدره وكان يعتبره أقل أهمية من تورم إصبع قدمه؟
ليس الشخص المحافظ على الأخلاق بحاجة إلى مفردات الضمير أو تعاليمه كي يشعر بالصدمة والاستياء لرؤية إنسان عار مقيد مغطى الرأس يتعرض للتعذيب بمعزل عن الدعم البشري وعرضة لكل أشكال السخط والسخرية، فبالطبع سوف يستنكر كل فرد محترم أخلاقيا في «أي» مجتمع ذلك المشهد معبرا عن ذلك بالكلمات والمفاهيم المتاحة في ثقافته. وفي حقيقة الأمر، لا يمكن القول إن التعاليم الغربية للضمير قد أيدت مرتكبي هذه الجرائم البشعة في سجن أبو غريب، سواء في حالة المجندين الفاسدين الذين كان سلوكهم مخزيا وحقيرا إلى أقصى درجة، أو الضباط، أو تساهل الحكومة مع تلك الأفعال أو حتى تشجيعها لها. لكن يظل الضمير هو المجال الأخلاقي الذي تستند إليه في الغالب صرخات الغضب، وذلك بالنسبة للتعاليم الأنجلو أمريكية والأوروبية. وعندما تضعف تعاليم الضمير ويخفت صوته أو لا يسمع مثلما حدث في أبو غريب، سوف نصبح الأفقر أخلاقيا.
كنت قد أشرت في نهاية الفصل السابق إلى أن قوة الضمير الخاصة تكمن في التزامه بالفعل الإصلاحي، وإذا ما قيمنا سجن أبو غريب بهذا المقياس، فسيتحتم علينا بالطبع أن نحكم على أبو غريب بالفشل الذريع. لم يتم عقاب أي مسئول عالي الرتبة؛ وأغلق السجن ثم أعيد فتحه تحت رعاية جهة أخرى؛ وأقرت الإدارة الأمريكية الحالية صورا جديدة من الاعتقال الجبري؛ ولا يعلم أحد ما الذي حل ب «سائق سيارة الأجرة» الذي كان يتعرض للتعذيب. وكي يزدهر الضمير ويكون على مستوى أفضل تعاليمه وأقواها، يجب ألا يقتصر على أحاسيس بغض الخطأ الفطرية، بل عليه أن يتعلم من جديد القدرة على التعبير عن نفسه من خلال الأفعال أيضا.
هوامش
المراجع
مقدمة
Henry Chadwick,
Some Reflections on Conscience: Greek, Jewish and Christian (London: Council of Christians and Jews, 1968). I am indebted to conversations with Robert Alter of University of California, Berkeley, on the Hebrew conscience and the etymology of
matzpun.
Ethics in the Confucian Tradition (Indianapolis: Hackett, 2002);
Unknown page