60

Dam Wa Cadala

الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر

Genres

5

عند هذا الحد تنتهي تقريبا قصة نقل الدم في إنجلترا. وخلال فصل الصيف، أخذ لوور ونديمه أنطوني وود يبحثان احتمال زواج لوور بالسيدة اتش - وهي أرملة في البلدة. وكانت السيدة اتش تسكن في جارسينجتون القريبة، وكتبت في 8 أغسطس 1665 رسالة تعرب فيها عن رفضها عرض لوور للزواج. من غير المرجح أن يكون قلب لوور قد انفطر، لكن المؤكد أن آماله بالتخلي عن العزوبية وإيجاد زوجة ثرية قد تحطمت مؤقتا. فكان الحل أمامه هو العودة إلى موطنه، إلى كورنوول. وبعد يومين من تلقي لوور الرفض التقى هو ووود وعدد من الأصدقاء في قلعة تافرن وشربوا نخب لوور متمنيين له التوفيق في مسعاه.

وقد أحبط ذلك بويل إحباطا شديدا. فقد كانت خبرة لوور ضرورية لأي عمل يتعلق بالحقن أو نقل الدم، ومن ثم توقفت التجارب بمغادرته. وزاد شعوره بالإحباط من عدم القدرة على مواصلة هذا العمل في 25 سبتمبر 1665 عندما وصل الملك وحاشيته إلى أكسفورد ومعهم نسخة من كتاب ألماني نشر مؤخرا. وتضمن كتاب «الحقن الحديث» الذي كتبه يوهان سيجيسموند إلشولتس وصفا مفصلا لحقن محاليل مختلفة في أجسام المرضى. كان من الواضح أن ثمة آخرين في أرجاء القارة مشتغلون بدراسة هذه القضية، وكانت إنجلترا معرضة لخطر فقدان مكانتها الريادية في البحث في مجال الدم.

مع ذلك - على المدى القصير - لم يكن بإمكان بويل فعل الكثير إزاء هذا الشأن. إضافة إلى ذلك، خلق قدوم الملك إلى أكسفورد مشكلة جديدة تتمثل في رجال الحاشية. فقد كانوا في كل مكان، بل الأسوأ - عند بويل - أنهم عكفوا على زيارته. ربما لم يكن لديهم ما يفعلونه طوال اليوم، لكن بويل كان لديه عمل سيؤديه. وكان عليه طلب العلم. وفي النهاية سئم المقاطعة المستمرة لعمله ففر من المدينة في منتصف نوفمبر، وانتقل إلى ستانتون سانت جون، وهي قرية تقع على بعد ثلاثة أميال شمال شرقي أكسفورد. وهناك نسي كل أفكاره حول نقل الدم، وانشغل بتدوين الاكتشافات التي توصل إليها جراء سلسلة من التجارب الهادفة إلى فهم الضغط الجوي والهيدروستاتيكا أو علم توازن السوائل.

الفصل الرابع

المجتمع العلمي

لم يضيع جون باتيست دوني وقتا طويلا بعد وصوله إلى باريس عام 1664 ليصبح خيطا من نسيج الحياة الأكاديمية. وبحلول عام 1665، كان قد نصب لنفسه مكانة بوصفه أستاذا جامعيا، وتعرف إلى دائرة المفكرين الديكارتيين. كان صغيرا لامع الذكاء ومتشوقا للدخول إلى لب القضايا الجدلية الهامة وحفر اسمه في تلك المدينة المزدهرة.

لا بد وأن «الموقع ثم الموقع ثم الموقع» - وهو على ما يبدو العامل الجوهري والأكثر تأثيرا عند افتتاح أي متجر، كان على رأس ما وضعه دوني في اعتباره عند بحثه عن منزل. ووقع اختيار هذا الشاب الطموح على شقة في بناية من أربعة طوابق تطل على طريق أوجستين (طريق جراند أوجستين في يومنا هذا) وهو الطريق المحاذي لضفة نهر السين على الجهة المقابلة لبلاس دو دوفين في جزيرة إيل دو لا سيتي، حيث برج كنيسة سانت شابيل المذهل يكاد يلامس عنان السماء. كان من السهل الوصول إلى ذلك المكان الذي يقع بالقرب من نهاية جسر بونت نوف وفي نهاية الطريق القادم من جسر سانت ميشيل. كما كان المكان ساحرا؛ فبالنظر إلى اليسار من النوافذ الممتدة من الأرضية حتى السقف ترى واجهة اللوفر المحاذية للنهر؛ أما إلى اليمين، فتستحوذ كنيسة نوتردام على المنظر.

كان اختيار دوني للموقع جزءا من خطته لتحقيق الشهرة من خلال إلقاء المحاضرات؛ وقد نجحت بالفعل. فقد امتلأت محاضراته بالحضور، ولمع نجمه، ولم يستغرق الأمر طويلا قبل أن يدعوه مونتمور إلى الانضمام إلى دائرته. فرحب دوني بالدعوة أشد ترحيب؛ إذ لم يكن الأمر يقتصر على الاحتكاك بمجموعة من المفكرين، بل كان من المعروف عن مونتمور كذلك أنه يعطي المال مكافأة لمن يجرون عملا مثيرا للاهتمام. ربما كانت الشهرة هدف دوني بعيد الأمد، لكن في ذلك الوقت كانت النقود تشكل له منفعة كبيرة.

لقد كانت مجموعة مونتمور ذاتها نتاجا لثورة هادئة في الأنماط الفكرية. وبينما يستحيل تحديد اللحظة التي بدأت فيها تلك الثورة، إلا أنه يصح القول إن الفيلسوف ورجل الدولة الإنجليزي فرانسيس بيكون هو من دفع عجلة التغيير. تخلى بيكون عن المنطق الأرسطي لصالح مذهب يبحث عن الدليل المادي لبناء النظريات - متنكرا بذلك للقرون السوالف. وأصر على تفسير جميع الشواهد في التجارب وعدم تجاهل أي بيانات يمكن ألا تتواءم مع نظرية مفضلة.

Unknown page