Dam Wa Cadala
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
Genres
باستعراض تلك التجارب في ضوء ما نعتبره الآن أخلاقيات القرن الحادي والعشرين، يتضح لنا فورا أن مسألة حقوق الحيوان لم تكن قضية ذات شأن في إنجلترا في القرن السابع عشر. ومع ذلك، كان الباحثون يميلون إلى استئناس أي حيوانات تنجو من التجارب، والعجيب أنه روي أن بويل كان قلبه يرق للحيوانات الخاضعة للتجارب.
لقد كان هناك ولع شديد بالتجارب العلمية، وفي بعض الأحيان، كان الناس يجلبون حيواناتهم المريضة ليتمكن «الفضوليون» من تجربة آخر أفكارهم عليها. وإن نجحت فقد تستعيد الحيوانات حيويتها وصحتها مرة أخرى، ويمتلك أصحابها تحفة ثمينة؛ أما إن فشلت فقد استمتعوا على الأقل برؤية العلم يأخذ مجراه. وكانت فائدة ذلك للعلم هي مشاهدة العامة تلك المحاولات الجديدة مباشرة، إلا أنها من السهل أن تتدنى إلى مستوى عرض سيرك ترفيهي. وبعد مرور ثلاثمائة وخمسين عاما، لم يحدث تغيير كبير. فمعظم التغطية الإعلامية التي أحاطت بالنعجة دوللي، والمناقشات اللاحقة التي تناولت تكنولوجيات الاستنساخ العلاجي لم تبذل جهدا كبيرا لترفع مستوى الإدراك العلمي لدى عامة الناس. على العكس، كانت هذه المحافل العلمية تعتبر في بعض الأحيان فرصة للترفيه «الغريب والمدهش» أو وسيلة لتوليد الرعب والصدمة. وفي كلتا الحالتين، كان العلم ولا يزال أداة للترفيه، وكان من الصعب جعل أي شخص ينظر إلى القضايا الكامنة بجدية.
كانت حقوق الإنسان ترى هي الأخرى في القرن السابع عشر من منظور مختلف عن يومنا هذا؛ إذ كانت عقوبة الإعدام تطبق على نطاق واسع للقضاء على المجرمين اتباعا للحكم الإنجيلي الوارد في العهد القديم. وأكسب هذا حياة الإنسان قيمة عالية، وكان ذلك يعني أن قتل شخص بريء عمل خطير، بل كان الشخص المدان بارتكاب جريمة شنعاء مثل القتل يحرم مما نسميه اليوم «حقوق الإنسان». وانطبق هذا بصفة خاصة على أصحاب الطبقات الاجتماعية الدنيا.
لكن القتل لم يكن الجريمة الوحيدة التي كان من الممكن أن توقع مرتكبها في مشكلات خطيرة. فقد كان ذلك عالما يرى في اعتناق الآراء الدينية أو السياسية الخاطئة ما يخرج صاحبها من عناية الرب وحبه، وكان ضحايا العدالة في بعض الأحيان يحرقون أو يشنقون ويسحلون ويقطعون إربا. وبالمقارنة بهذا، كان من الممكن أن يبدو الاشتراك في التجارب العلمية أمرا يسيرا بالتأكيد.
لذا، لا بد أن اتجاه العلماء إلى تجربة حقن الخمور في دم الإنسان فور نجاحهم في حقنها في دماء الحيوانات لم يثر كثيرا من الدهشة. وكان أول من خضع لتلك التجربة خادم دوق بوردو، وهو السفير الفرنسي الذي كان يعيش بلندن. ويعلق بويل قائلا إن الرجل كان خادما وضيعا «استحق الشنق»؛
3
وبذلك ينفي عن نفسه أي اتهام بسوء الممارسة الطبية. جرت التجربة في خريف عام 1657، أي بعد بضعة أشهر من وفاة هارفي حيث كان رين قد انتقل إلى لندن في وقت سابق ليتولى وظيفة أستاذ في علوم الفلك بكلية جريشام. وحقن رين بمساعدة زميله والطبيب الرائد تيموثي كلارك مستخلص الزعفران في جسم الرجل المسكين. وبمجرد أن بدآ الحقن فقد الرجل الوعي وسقط أرضا - إما على نحو مصطنع أو بحق. وقرر العالمان إيقاف التجربة خشية قتل الخادم؛ إذ لم تكن هناك محاكم عديدة ستسبب لهما إزعاجا لمجرد إجرائهما تجربة على شخص مؤذ، لكنهما كانا سيقعان في مأزق لو قتلا الرجل. فما لم تدن المحكمة الشخص، كان من الممكن اعتبار موته جريمة قتل دون ريب، وهذا يعني بالطبع تطبيق عقوبة الإعدام.
كانت لدى رين فكرة أخرى إلى جانب دهشته من الآثار الفعالة لحقن المواد المخدرة أو السامة في مجرى الدم؛ إذ هل كان من الممكن حقن المواد الغذائية مباشرة في الأوعية الدموية، متجاوزين الحاجة إلى هضم أي شيء؟ لقد أدرك أنه في حالة نجاح الفكرة سيكون بمقدوره صناعة جهاز طبي كبير يمكن الأطباء من إبقاء المرضى ذوي الحالات الحرجة على قيد الحياة حتى يتحسنوا بدرجة كافية ليعاودوا تناول الطعام من جديد. وبالتعاون مع كلارك حاول رين حقن أجسام الكلاب بكل أنواع السوائل التي تحوي العناصر الغذائية بما فيها المرق واللبن ومصل اللبن وحتى الدم ذاته. وكان واضحا أن لمعظمها آثارا ضارة على الحيوانات، لكنها لم تكن خطرة بدرجة تكفي لدفعهما لإيقاف تقصي الاحتمالات.
كانت إقامة رين في لندن قصيرة، حيث عاد بعد ثلاث سنوات - في عام 1660 - إلى أكسفورد ليتولى كرسي سافيل في الفلك. وبذلك عاد وسط تطورات جديدة في دراسة الدم هناك. ورغم أن التاريخ يعتبره «أول من أجرى تجربة حقن الخمر في أوردة الحيوانات التشريحية العظيمة»، فإن دراسات علم الأحياء التي أجراها يبدو أنها كانت تدور حول اكتشاف تركيب الجهاز العصبي ووصفه.
التقدم الذي أحرزه لوور
Unknown page