ولو قيل لأحد : إن كنزا بمكان كذا وكذا ، لدأب وتعب ونصب ، وأنفق الأموال ليتفق له الحال ، وحاد عن المطال .
لكن المرجئة أغرقت بالمعاصي طلابها ، وسهلت إلى الشهوات أسبابا وفترت النفوس عن الطاعة ، باستغناء الناس عنها بقول : لا إله إلا الله . فلم يدعوا شيئا يوجب عمل الطاعة إلا أوهنوه حتى قالوا : أمة أحمد لا تعرض على النار .
فأين الخوف والرجاء والعمل والتقى مع هذا ؟ فلهذا لعنهم رسول الله عليه السلام ، ولعنهم سبعون نبيا ممن ابتلوا بهم ونسوا ما ذكروا به من قبل ، قال الله - عز وجل - : ( ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) . ما على أمة أحمد عليه السلام أضر منهم ولا لإبليس أعون فيهم ، ولا للآخرة أجهل منهم سحقا بهم وسحقا .
وأما القدرية فأنهم ناهبوا الله - عز وجل - في أفضل خلقه ورموا الشركة بينهم وبين ربهم ، فله خلق ولهم خلق ، غير أنهم حازوا أفضل الأشياء لأنفسهم وهو التوحيد والإسلام والإيمان ، وتركوه وأفعال البهائم والأنعام وسائر الأعراض والأجسام ، ونقضوا قول الله تعالى : ( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ) .
فقالت القدرية : لا أحد إلا نحن ، وهؤلاء وإخوانهم من المرجئة ممن لعنهم الأنبياء ، وكل نبي مجاب الدعوة .
وذلك أن الأنبياء يدعون عباد الله إلى الله - عز وجل - ترغيبا وترهيبا ، من بلغ في الإجابة إلى دينهم ، وبلغ في العبادة إلى غاية ما نظر إلى نفسه بعين الإجلال ، واقتداره على مثل هذه الأفعال فقال : إن الله تعالى بريء من الظلم ، ولم يعذب أحدا إلا على فعله ، ولا يرجوه أحد إلا على فعله . فنسبوا الأفعال إلى أنفسهم ، إذ لا تصح الشركة في فعل أحد .
ولو نسبت إلى الله تعالى ، لكان قد عذبهم على ما لم يفعلوا وهو يقول : جزاء بما كانوا يعملون ، ويفعلون ، فردوها إلى أنفسهم دونه .
Page 56