عندما عدت من المجمع وجدت عبد الظاهر ينتظرني في مدخل الحارة. قال إنه يريدني في أمر هام، دعوته للدخول فأبى قائلا إنه يفضل أن نتحدث في الخارج.
قادني صامتا عبر عدد من الدروب والأزقة. الأرض موحلة من أمطار أول أمس. ولاحظت أنه يتصرف بطريقة غريبة إذ يتطلع خلفه بين الحين والآخر كأنما يخشى أن يكون أحد في أثرنا. ثم طلب مني أن أحلف على المصحف بألا أذكر لأحد شيئا مما سيقوله لي. حلفت مستغربا. قال: إن جند الفرنساوية صاروا ملولين متذمرين، وبعضهم يريد العودة إلى بلده. وإن هناك بعض المخلصين الذين يريدون مساعدتهم لتتخلص البلاد منهم، ومن هؤلاء أمير من المماليك يتحمل النفقات.
سألته عن شأني بذلك. قال إنهم يحتاجون إلى من يعرف اللغة ليتفاهم مع الهاربين لحين خروجهم من المدينة. لجمت الدهشة لساني. وأكد لي عبد الظاهر أني لن أتعرض لأي خطر. كل ما سأفعله هو أن أصحب أحدهم من البيت الذي يختفي فيه حتى إخراجه من المدينة.
الإثنين 11 نوفمبر
تأكدت من جاستون من الكلمات الفرنسية التي يمكن أن يطمئن الواحد بها شخصا مرعوبا.
الأربعاء 13 نوفمبر
امتطيت حماري عند الغروب، وخرجت إلى بين القصرين ثم مضيت فيه حتى بوابة المتولي، وانحرفت جنوبا حتى باب الخرق. عبرت الباب دون أن يستوقفني أحد من الحرسية، وهناك انتظرت وقلبي يخفق في صدري متمنيا أن تفشل الخطة.
أخيرا ظهر عبد الظاهر على قدميه فأردفته خلفي وسرنا قليلا في منطقة من البيوت القديمة المسورة حيث يندر المارة وتكثر الكلاب الشرسة. وتوقفنا أمام باب بيت يبدو كالمهجور، كانت واجهته مبنية من الحجر الفص النحيت بها بابا حانوتين مغلقين. هبط عبد الظاهر وتطلع حوله وعندما اطمأن إلى أننا لم نلفت انتباه أحد اقترب من الباب ودق عليه بيده مرة ثم أردف دقتين. وأضاف دقتين أخريين.
فتح الباب بعد لحظات. دخلت بحماري خلف عبد الظاهر إلى حوش كبير. استقبلنا شيخ جليل المنظر رحب بنا، ثم قادنا خلف عبد الظاهر إلى باب مربع دخلنا منه، وولجنا قاعة وجدنا الفرنساوي بها.
كان متوسط القامة يرتدي جلبابا، ويضع على رأسه عمامة أظهرت خصلات صفراء من شعره. تداولنا في أمر مظهره واستقر رأينا على أن يرتدي ثياب امرأة ويلتحف بعباءة سوداء تغطيه، ولا تكشف إلا عن جانب من شعره الأشقر.
Unknown page