تاريخ علم الفراسة‏

موضوع هذا الكتاب‏

مقدمات تمهيدية‏

فراسة الأعضاء بالتفصيل‏

فراسة الأمم‏

فراسة الرأس‏

فراسة المهن والصناعات‏

فراسة الحيوان‏

فراسة المقابلة‏

تاريخ علم الفراسة‏

موضوع هذا الكتاب‏

مقدمات تمهيدية‏

فراسة الأعضاء بالتفصيل‏

فراسة الأمم‏

فراسة الرأس‏

فراسة المهن والصناعات‏

فراسة الحيوان‏

فراسة المقابلة‏

علم الفراسة الحديث

علم الفراسة الحديث

تأليف

جرجي زيدان

تاريخ علم الفراسة

الفراسة عند العرب «علم من العلوم الطبيعية تعرف به أخلاق الناس الباطنة من النظر إلى أحوالهم الظاهرة، كالألوان والأشكال والأعضاء، أو هي الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن»، وأما الإفرنج فيسمونه بلسانهم

physiognomy

وهو اسم يوناني الأصل مركب من لفظين معناهما معا «قياس الطبيعة أو قاعدتها» والمراد به هنا الاستدلال على قوى الإنسان وأخلاقه من النظر إلى ظواهر جسمه.

والفراسة قديمة؛ يقال إن هوميروس الشاعر اليوناني كتب شيئا منها في علم الكف نحو القرن العاشر قبل الميلاد، وأنكر بعضهم ذلك، ولكنهم لا ينكرون أنه كان على بينة من هذا الفن؛ يستدلون من وصفه ترسيتس، وإليك قوله في ذلك نقلا عما نظمه البستاني من الإلياذة:

سفه له قذف الشتائم ديدن

وخصومة الحكام أقبح خطة

وقح تجاوز كل حد وهو إن

يستضحك القوم استطال ببهجة

لم يرع قط مقامه وغدا بهم

خلقا وخلقا شر أهل الحملة

هو أكبس وأمك أفدع أعرج

وشعوره كادت تعد بشعرة

كتفاه قوستا لخامل صدره

وبصدره لم يحو غير ضغينة

يريدون أنه استدل على أخلاق ترسيتس الباطنة من أوصافه الظاهرة.

ولكن أبقراط أبا الطب أشار إلى شيء من هذا العلم سنة 450 قبل الميلاد مختصرا، وهو يعتقد بتأثير العوارض الخارجية على الأخلاق وظهور أثر ذلك في الملامح، وغالينوس أقلوديوس الحكيم اليوناني من أهل القرن الثاني للميلاد كتب فصولا مطولة في علم الفراسة.

ولاحظ آخرون أن المصريين القدماء كانوا على شيء من علم الفراسة؛ بدليل ما قرءوه في بعض قراطيس البردي المكتوبة في عصر العائلة الثانية عشرة في «نحو القرن العشرين قبل الميلاد».

وذكر يوسيفوس المؤرخ الإسرائيلي في كلامه عن قيصر أنه استطلع نفاق ألكسندر من النظر إلى خشونة كفيه.

على أن الفراسة لم تدون وتعتبر علما مستقلا قبل ما كتبه أرسطو الفيلسوف اليوناني الشهير في القرن الرابع قبل الميلاد؛ فقد خصص لهذا العلم ستة فصول، فذكر في الإنسان علامات تدل على قوته أو ضعفه، على ذكائه أو غباوته، على حذقه أو بلادته، واستدل على ذلك أيضا من الملامح والألوان وأشكال الشعر والأعضاء والقامة والصوت، ومن مقابلة أوجه الناس بأوجه الحيوانات، فمن كان في وجهه ملامح أحد الحيوانات حكم بقرب أخلاقه من أخلاق ذلك الحيوان. وعنده لكل حيوان أخلاق خاصة كما سنبينه في بعض فصول هذا الكتاب.

وانتشرت فراسة أرسطو هذه في الأجيال المظلمة وعول الناس عليها وترجموها إلى أكثر اللغات، وألف غيره على مثالها مما يضيق هذا المقام عن استيفائه.

أما العرب فقد كانوا في الجاهلية يعتقدون أشياء تعد من قبيل الفراسة؛ كالقيافة والريافة والعيافة.

وكانت القيافة عندهم صناعة يستدل بها على معرفة أحوال الإنسان يسمونها قيافة البشر؛ لأن صاحبها ينظر إلى بشرات الناس وجلودهم وما يتبع ذلك من هيئات الأعضاء وخصوصا الأقدام، ويستدل بتلك الأحوال على الأنساب، والريافة عبارة عن تعريف الرائف للماء المستجن في الأرض أقريب هو أم بعيد بشم رائحة ترابها ورؤية نباتها وحيوانها ومراقبة حركاته، والعيافة تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر في الطرق التي تتشكل بشكل القدم التي تقع عليها، ومن ذلك علم «الاختلاج»، وهو الاستدلال على ما سيقع للإنسان من النظر إلى اختلاج أعضائه من الرأس إلى القدم.

أما في الإسلام فقد نقلوا علم الفراسة في جملة ما نقلوه عن اليونان والرومان من علوم الطب وغيرها، فألف فيه بعضهم كتبا مستقلة، وذكره آخرون في جملة ما كتبوه في علوم الطب، كالرازي الطبيب فإنه لخص كتاب أرسطو وزاد فيه، وابن سينا أشار إلى كثير منه في كتبه، وكذلك ابن رشد والشافعي وابن العربي وغيرهم.

وكانت كتب هؤلاء وأمثالهم من علماء الإسلام عمدة الإفرنج في أجيالهم المظلمة، وعنهم أخذ غيرهم من كتاب العربية في ذلك الزمن، ولم يصل إلينا منها إلا القليل.

ومن أشهر ما وصل إلينا من كتب العرب في علم الفراسة كتاب «السياسة في علم الفراسة» لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري المتوفى سنة 737 للهجرة، وفيه أحكام علم الفراسة منسوبة إلى أصحابها بأحرف يرمز كل حرف إلى اسم القائل، وقد طبع هذا الكتاب بمصر سنة 1882.

وعثرنا في المكتبة الخديوية بالقاهرة على منظومة خطية في علم الفراسة «لمحمد غرس الدين ابن غرس الدين بن محمد بن خليل خطيب الحرم النبوي»، وعلى كتاب خطي اسمه «البهجة الأنسية في الفراسة الإنسانية» للعارف بالله زين العابدين محمد العمري المرصفي، وعلى «مختصر في علم الفراسة»، وعلى رسالة «في الفراسة والرمل»، وأخرى في «علم الفراسة لأجل السياسة»، ذلك كل ما ظفرنا عليه من الكتب العربية في هذا الموضوع، وكلها مختصرات لا تشفي غليلا.

وقد اطلعنا على شذرات في بعض كتب الأدب كالمستطرف للأبشيهي، وسعود المطالع للإبياري، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والكشكول، وفي حياة الحيوان، وكشف الظنون، وغيرها.

وانتشر علم الفراسة في الأجيال المظلمة، ولم يكتف أصحابه بالاستدلال من الملامح على الأخلاق والقوى، ولكنهم صاروا يتنبئون بالغيب، وتوسعوا بذلك حتى صاروا يستدلون من خطوط الكف وخطوط الجبين وبأشكال الأعضاء على مستقبل الإنسان من سعد أو نحس، وخلطوا بينها وبين النجامة والسحر، فأصبحت الفراسة من العلوم الخرافية، وزادت الناس أوهاما على أوهامهم، والمرء إن لم يزجره العلم أو الدين فإنه صائر إلى الأوهام من تلقاء نفسه، وعظم البلاء في أوروبا حتى أصدر جورج الثاني ملك إنكلترا أمرا بجلد كل من يدعي هذا العلم أو يتعاطاه، وفعل مثل ذلك غيره من ولاة الأمور ورجال الدين، فقلت ثقة الناس بعلم الفراسة وكاد يتلاشى أمره.

ثم عاد فلبس ثوبا جديدا على أثر ظهور فجر التمدن الحديث المؤسس على العلم الصحيح؛ إذ أخذ الناس في تمحيص الحقائق، فنظروا في علم الفراسة بعين العلم الطبيعي المبني على المشاهدة والاختبار، فألف ببتيستابورتا أحد الإيطاليان في أواخر القرن السادس عشر رسالة في الفراسة الإنسانية بين فيها حقيقة هذا العلم وفرق بينه وبين ما أدخلوه فيه من الخرافات والأوهام، وهو أول من نبه الأذهان إلى ذلك، وكتب غيره وبعده ولكنهم لم يفوا الموضوع حقه.

وفي 1778 ظهر كتاب العالم الألماني والباحث الشهير جون كسبار لافاتر، وقد بحث في هذا العلم بحثا طبيعيا مبنيا على الفيسيولوجيا والتشريح ونواميس الأخلاق، وزينه بالرسوم العديدة. ولم يكد يظهر في عالم المطبوعات حتى نقل إلى كل لغات أوروبا، وبين يدينا نسخة من ترجمته الإنكليزية في طبعة حديثة متقنة، تزيد صفحاتها على خمسمائة صفحة ورسومها على أربعمائة رسم. ولكن الكتاب لا يخلو من المغالط والأوهام، ولا غرو؛ لأن لافاتر ذكر في كتابه خلاصة ملاحظاته ومطالعاته الخصوصية على طريقة البحث الجديد، وكل جديد يحتاج إلى تنقيح، على أن كتابه هذا أول كتاب استوفى هذا البحث، وأما ما تطرق إلى أحكامه من الأوهام فقد استدركها من جاء بعده من الباحثين، وأكثرهم نسج على منواله، وفيهم الألمان والإنكليز والفرنساويون.

وأوسع ما وقع إلينا من هذه المؤلفات كتاب بالإنكليزية تأليف صموئيل ولس، صاحب جريدة الفرينولوجيا، نشر في نيويورك سنة 1866 في نحو ثمانمائة صفحة، وفيه ألف رسم.

فعلى ما تقدم ذكره من الكتب العربية والإفرنجية جل معتمدنا في كتابة هذا الكتاب، ناهيك بما وقفنا عليه من آراء أهل العلم غير هؤلاء، وما رجعنا إليه من كتب المراجعة كالموسوعات والقواميس والفهارس، وما اختبرناه بنفسنا أو استدللنا عليه بمطالعاتنا، وعلى الله الاتكال.

موضوع هذا الكتاب

أولا:

صدرنا الكتاب بمقدمات تمهيدية في «هل الفراسة علم صحيح؟» و«هل هي تصدق دائما؟» و«أن الفراسة قريحة خاصة.»

ثم ذكرنا تعليل الفراسة، وأتينا على خلاصة تشريحية وافية، ثم بينا ناموس التشابه وناموس التناسب، واستطرقنا من ذلك إلى باب فراسة الأمزجة، ففصلنا الأمزجة ودلائلها وأنواعها على رأي القدماء وعلى رأي المحدثين، ثم تكلمنا عن زاوية الوجه وشكله ونسبة ذلك إلى الأخلاق.

ثانيا:

عمدنا إلى فراسة الأعضاء بالتفصيل، فبدأنا بفراسة الذقن ثم فراسة الفم فالأنف فالعين فالحاجب فالخد فالجبهة فالعنق فالأذن فالشعر، وفصلنا فراسة كل من هذه الأعضاء تفصيلا حسنا، وذيلنا كلامنا عن كل منها بما جاء فيه من أقوال العرب. ثم تكلمنا عن فراسة الأيدي، ففراسة الأقدام، فعلم الكف، ثم فراسة الخطوط ودلالتها على الأخلاق، ثم فراسة المشي والإشارات وفراسة الأزياء، وكل ذلك بعبارة واضحة مزينة بالرسوم والأشكال.

ثالثا:

لما فرغنا من فراسة أعضاء الإنسان ودلالة كل منها على أخلاق صاحبه جئنا إلى البحث في فراسة الأمم، فذكرنا أصناف الناس ومميزات كل صنف منهم، وتطرقنا إلى البحث في الأمم على اختلاف أماكنها وممالكها وفراسة كل أمة على حدة، وبينا ما اختصت به كل منها من الأخلاق والأطوار.

رابعا:

أتينا على خلاصة علم من أهم علوم الفراسة، نعني به علم الفرينولوجيا (فراسة الرأس)، وهو يدل على أخلاق الناس وقواهم من النظر إلى أشكال رءوسهم وما فيها من الارتفاع أو الانخفاض أو السعة والضيق.

خامسا:

ذكرنا مقالة إضافية في فراسة المهن والصناعات كالقواد ورجال السياسة والمصورين والشعراء والموسيقيين والممثلين ورجال الدين والمخترعين والمكتشفين والفلاسفة والمصارعين والجراحين والخطباء، ونشرنا رسوم مشاهير كل مهنة في صورة واحدة للمقابلة وبيان ما يشتركون فيه من الظواهر وما تدل عليه تلك الظواهر من الأخلاق.

سادسا:

لما فرغنا من فراسة البشر على اختلاف فروعها جئنا إلى فراسة الحيوانات، واستطرقنا منها إلى فراسة المقابلة بين الإنسان وأنواع الحيوان، وهي الاستدلال على أخلاق البشر بأخلاق ما يشبههم من ضروب الحيوان.

سابعا:

أوضحنا كل ما تقدم من الأبواب والفصول برسوم يزيد عددها على مائتين وسبعين رسما، وفيها رسوم نخبة مشاهير الناس على اختلاف الأزمنة والأماكن.

فجاء كتابا فريدا في بابه، فعسى أن يلاقي استحسان حضرات القراء، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

مقدمات تمهيدية

هل الفراسة علم صحيح

للعلماء في علم الفراسة أقوال متناقضة، فمن قائل بصحته إلى أدق جزئياته، وقائل بفساده من أساسه، وبينهما أقوال متفاوتة لا محل لتفصيلها، وعندنا أن الفراسة علم صحيح إلى حد محدود، إذ لا يختلف اثنان في إمكان الاستدلال على أخلاق الناس من النظر إلى ظواهرهم، من منا لا يتفق له أن يرى رجلا فيتوسم فيه الذكاء والفهم وسلامة النية ويرى رجلا آخر فيحكم عليه بالحمق والرياء أو خبث النية، وكم نرى من رجال لا نتمالك إذا نظرنا إلى هاماتهم وتكوين جماجمهم عن أن نحكم بشجاعتهم أو جبنهم بذكائهم أو عيهم، وفي التاريخ أدلة لا تحصى تؤيد ما نقوله بأجلى بيان فضلا عما جاء على ألسنة الأنبياء والحكماء.

ففي أمثال سليمان: «ذو الإثم هو رجل بليعال، فإنه يسعى بخيانة الفم يغمز بعينيه ويتكلم برجليه ويعلم بأصابعه»، و«من أغمض عينيه فلكي يفكر في الخدائع، ومن عض على شفتيه فقد أتم الشر» و«في وجه الفطن تضيء الحكمة، وعينا الجاهل في أقاسي الأرض.»

وقال يشوع بن سيراخ في كتابه (ص13 ع31 و32): «قلب الإنسان يغير وجهه إما إلى الخير وإما إلى الشر، طلاقة الوجه من طيب القلب، والبحث عن الأمثال يجهد الأفكار» و(ص19 ع26 و27) «من منظره يعرف الرجل، ومن استقبال وجهه يعرف العاقل، لبسة الرجل وضحكة الأسنان ومشية الإنسان تخبر بما هو عليه.»

وفي القرآن:

إن في ذلك لآيات للمتوسمين

و

تعرفهم بسيماهم

وفي الحديث: «اتقوا فراسة المؤمن»، و«اطلبوا الخير عند حسان الوجوه»، وقال الإمام علي: «ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.» ومن الحكم المأثورة: «عين المرء عنوان قلبه.»

ولعلماء الأخلاق أقوال عديدة تؤيد ما تقدم لا حاجة بنا إلى إيرادها، وإنما نعمد إلى الأدلة الحسية والشواهد العيانية، ألم يكن محمد علي باشا الكبير لحسن فراسته يستطلع أخلاق المذنب ويحكم عليه لمجرد ما يظهر له من ملامحه؟ وقد كان يفعل مثل ذلك أيضا علي بك الكبير أمير المماليك في القرن الثامن عشر، وكثيرا ما نسمع بأمثال هذه الفراسة عن الأمير بشير الشهابي الشهير وعن إبراهيم باشا المصري وغيرهما من رجال الذكاء والاقتدار ممن عاصرناهم أو سمعنا عنهم، ناهيك بما في التاريخ من أمثلة هذه الحوادث مما يضيق المقام عن استيفائه، ومرجعه إلى أن بواطن الإنسان تتجلى في ظواهره وخصوصا في وجهه.

إذا جاءك شاب يلتمس منك مصلحة فلا بد من أن يؤثر منظره فيك تأثيرا تبني عليه حكمك في أخلاقه، فقد يتبادر إلى ذهنك أنه نشيط مقدام أو كسول خامل أو خفيف الروح أو ثقيلها أو ذكي الفؤاد أو أحمق أو غير ذلك، ولو سئلت عما حملك على ذلك الحكم ما استطعت تفصيل السبب، وقد تقول إنك استطلعت ذلك من شكل عينيه أو حجم رأسه أو ما شاكل، ولكن ذلك التأثير لم يحدث عبثا، ولا بد من روابط بين الظواهر والبواطن، وهذا هو أساس البحث في علم الفراسة، فإن أصحاب هذا الفن نظروا في تلك العلاقات ورتبوها في أبواب، وأيدوها بالحقائق الطبيعية أو العقلية إلى ما بلغ إليه جهدهم، فوجدوا لشكل الذقن مثلا علاقة بالمحبة والبغض والثبات والتقلب، ورأوا لألوان العين وأشكالها علاقة بالذكاء والبله. ووجدوا نحو تلك العلاقة في أشكال الجبين وأقداره، فرتبوا ذلك بشكل علم له قواعد وروابط.

ولكن بعضهم تطرفوا في تلك الدلالات حتى نسبوا إلى كل نكتة في البدن خلقا أو قوة. فقالوا مثلا: «من كان على جانبي عنقه شامة كان تقيا وفيا»، و«من كان بإحدى أصابع يده شامة كان رديء الحظ ممقوتا سيئ الأخلاق»، وقس على ذلك دلالات خطوط الكف ونحوها.

ومن الأدلة على صحة علم الفراسة اختلاف الناس في أخلاقهم وقواهم باختلاف طبائعهم وأمزجتهم، فإن أهل كل مزاج يشتركون بظواهر متشابهة وبواطن متشابهة كما سنبينه في حينه. وكذلك اختلاف طبائع الناس باختلاف أصنافهم، فللقوقاسي سحنة يشترك فيها كل القوقاسيين، وهم يشتركون أيضا في أخلاقهم وعقولهم وسائر أحوالهم، والزنوج يتشابهون في أشكال وجوههم ورءوسهم وأبدانهم، ويتشابهون أيضا بأخلاقهم وعقولهم، ويقال مثل ذلك في الصنف الأحمر والأصفر.

ومن هذا القبيل أيضا فراسة الأمم واشتراك كل أمة بأخلاق ظاهرة تدل على أخلاقها الباطنة، فإن للمصري مثلا سحنة خصوصية وأخلاقا خصوصية، وكذلك الهندي والصيني، ولرأس الألماني شكل خاص وله مزايا خاصة يمتاز بها عن الفرنساوي كما تمتاز سحنته عن سحنته، وقد كان للرومان سحنة غير سحنة اليونان، وكان لهم أخلاق غير أخلاقهم ومواهب غير مواهبهم .

وزد على ذلك أنك لو أمعنت النظر لرأيت لأهل المهن العقلية صفات خاصة بكل مهنة تشترك بين أفرادها ظاهرا وباطنا وتمتاز عما لأهل المهن الأخرى؛ فللمصورين سحن متشابهة، وهم متشابهون في الأخلاق، ويصدق ذلك أيضا على القواد ورجال الدين والموسيقيين والشعراء وغيرهم، وسنأتي على تفصيل ذلك فيما بعد، وبالجملة فالفراسة علم طبيعي مبني على قواعد ثابتة إلى حد محدود كما سنبينه في مواضعه.

هل تصدق الفراسة دائما

وحجة القائلين بفساد علم الفراسة أن أحكامه لا تصدق دائما، فمن أحكامه مثلا أن سعة الجبهة وبروزها وعلوها تدل على الذكاء والتعقل، ولكنك ترى كثيرين من أصحاب هذه الجباه ضعفاء العقول، وقس عليه حكمهم في عكس ذلك، والسبب في حدوث هذا الخطأ أننا نحكم على أخلاق الرجل بالنظر إلى دليل واحد ولا نعتبر الأدلة الأخرى، وقد يكون في ظواهر أعضائه الأخرى ما يناقض دليل جبهته ويدل على ضعفه أو بالعكس.

وقد يكون السبب عارضا على ذلك الرجل طرأ عليه في أثناء حياته من سوء تصرفه أو فساد تربيته، أو أن يكون ذلك الفساد قد تطرق إليه من أجداده، ولإيضاح ذلك نفرض رجلا باسلا مقداما، وأدلة الشجاعة ظاهرة في عرض أكتافه وطول قامته وتكوين جمجمته، فولد أولادا أبدانهم مثل بدنه وفيهم كل ما فيه من ظواهر الشجاعة والقوة، ولكن بعضهم انغمس في الترف وانقطع للقصف واللهو والإفراط والإسراف حتى استنزف قواه وأنهك جسمه وأمات عواطفه، وأما ما ورثه من ظواهر الشجاعة فلا يزال ظاهرا فيه، ثم أورث ذلك الضعف لأولاده فشبوا وظواهرهم لا تدل على بواطنهم، فأخطأت الفراسة فيهم، وكثيرا ما يقع ذلك في العشائر القديمة المتسلسلة من أجداد تفردوا بمواهب رفعتهم إلى منازل الأمراء أو الملوك ثم انغمس أعقابهم في الملذات والقصف ونحوهما من أسباب الرخاء، فضعفت قواهم وظلت ملامح القوة ظاهرة في تكوين جماجمهم وأكتافهم وغيرها من الأعضاء الصلبة التي قلما يؤثر التغيير في شكلها، على أن دلائل ذلك الانحطاط قد تظهر في عيونهم أو ملامحهم، وقد يظهر تغيير العينين في الشخص الواحد حالما تتبدل طرق معائشه، فالشاب قد يشب ذكيا ودلائل الذكاء ظاهرة في عينيه، فإذا فسدت تربيته وانغمس في المسكرات حتى صار سكيرا رأيت سحنته تغيرت وظهر ذلك خصوصا في العينين؛ لأن أنسجتهما لدنة نحيفة، وفي الشكل

1

صور بعض السكيرين، فإنك تراهم يتشابهون في أشكال عيونهم، ولو أتيح لنا أن نرى صورهم قبل ابتلائهم بالسكر لرأينا بين الحالين بونا شاسعا.

شكل 1: وجوه السكيرين.

ويقال مثل ذلك في من يصاب بالجنون؛ فإن سحنته تتغير تغيرا كليا، حتى إذا كنت تعرفه في حال تعقله ورأيته في حال جنونه فتكاد لا تعرفه، وكثيرا ما نشاهد ذلك في من يصابون بحمى الدماغ ويعتريهم جنون وقتي؛ فإن سحنتهم تتبدل، فإذا فارقتهم الحمى عادوا إلى ما كانوا عليه، أليس ذلك كله لعلاقة ثابتة بين حال الدماغ وظواهر السحنة؟!

وبناء على ما قدمناه فالفراسة علم طبيعي صحيح، وإذا أخطأت أحكامه في بعض الأحوال فلعوارض طارئة كما تقدم، أو لقصر الأبحاث فيه حتى الآن مما يرجى ملافاته بالبحث الطويل على مرور الأيام بما يكتشفونه من العلاقات والأسباب.

وفي كل حال فإن الحكم الصحيح في هذا الفن لا يتأتى إلا للذين يحسنون دراسته وتفهمه ويعتبرون ما قدمناه وإلا كان حكمهم عرضة للخطأ، ولذلك قال الطرسوسي: «إن علم الفراسة حرام على الأغبياء.»

الفراسة قريحة خاصة

وعندنا مع ذلك أن الفراسة ملكة لا ينبغ فيها إلا أناس فيهم استعداد خاص لها، فهي كالشعر ونحوه من الفنون الجميلة، فقد ينظم غير الشاعر ولكنه لا يكون شاعرا، وكذلك التصوير فإنه لا يبرع فيه إلا الذين فطروا عليه منذ ولادتهم، وهكذا يقال في الموسيقى، وهي أقرب تلك الفنون إلى علم الفراسة، فإن الموسيقي الحقيقي يدرك من طبقات الأنغام ما لا يدركه غيره، فقد تسمع لحنا فتطرب له ولا تدرك فيه نقصا ولو مهما أجهدت نفسك في انتقاده، وأما الموسيقي فإنه يكشف الخطأ بمجرد سماع النغم، وكذلك المتفرس إذا لم يكن مفطورا على الفراسة مستعدا لقبولها فكثيرا ما تكون أحكامه فاسدة، وقد تفوته أمور كثيرة لا يفطن لها.

ويدل على أن الفراسة ملكة طبيعية يمتاز بها أناس دون آخرين أنك تراها في بعض الناس خلقية بلا علم ولا درس، وترى جماعة يفنون العمر في درسها ولا يتقنونها؛ فقد كان محمد علي باشا وعلي بك الكبير والأمير بشير كما تقدم أصحاب فراسة بلا علم، فلو تعلموا هذا الفن لكانوا من النابغين فيه، وهو في كل حال يحتاج إلى الذكاء وحدة الذهن وسرعة الخاطر. وذكروا أن الحسن ابن السقاء من موالي بني سليم كان ينظر إلى السفينة فيحزر ما فيها فلا يخطئ، وكان حزره للمكيول والموزون والمعدود سواء حتى يقول: إن في هذه الرمانة كذا وكذا حبة، وزنتها كذا وكذا، ويأخذ العود الآس فيقول: فيه كذا وكذا ورقة، فاختصاص هذا الرجل وأمثاله بذلك يدل على أن الفراسة ملكة غريزية.

وقد يتبادر إلى الذهن أن الفراسة تتبع الذكاء أو هي نتيجته، والواقع أنها لا تستغني عن الذكاء ولكنها غيره كما يظهر للمتأمل، وإنما هي تحتاج إلى دقة الملاحظة وسرعة الخاطر.

ومما هو حري بالاعتبار أن النساء أقدر من الرجال على هذا الفن؛ لأن للمرأة مقدرة خصوصية على استطلاع أخلاق الناس، وهي تستطيع ذلك بالبداهة بلا برهان ولا تعليل، فإذا رأت رجلا لا تلبث أن تتفرس فيه حتى تحكم في أخلاقه حكما قاطعا كأنها تقرأه في كتاب منزل، ولكنك إذا كلفتها البرهان على قولها لم تجد لها إليه سبيلا، وهي مزية يعترف لها بها علماء العقليات والأخلاق، وهم يميزون بينها وبين الرجل بأنها تحكم بعواطفها وهو يحكم بعقله.

فروع علم الفراسة

قلنا: إن موضوع الفراسة الاستدلال على الخلق الباطن من النظر إلى الخلق الظاهر، ولا يراد بذلك مجرد النظر في ملامح الوجه أو شكل القامة، ولكنهم استدلوا على الأخلاق بالنظر إلى أعمال الجسم، كالمشي والكتابة ونحوهما، ناهيك بما استدلوا به من خطوط الكف وأشكال الجمجمة وغير ذلك، فالفراسة علم واسع، ومن فروعه فراسة الرأس وفراسة الوجه وفراسة الكف وفراسة المشي وفراسة الخط وفراسة المقابلة، وهي الحكم على أخلاق الناس بالنظر إلى ما يشابه وجوههم من وجوه الحيوانات و...

تعليل الفراسة

معلوم أن لكل عاطفة من عواطف الإنسان تأثيرا خاصا في ملامح وجهه، فإذا غضب أحدنا أو حزن أو فرح أو اهتم ظهر أثر كل من هذه العواطف على وجهه، وعندنا علامة للغضب وأخرى للفرح وأخرى للاهتمام، ومعنى هذا التأثير طبيا تغيير يحدث في عضلات الوجه تحت الجلد فتنكمش أو تنقبض أو تنبسط تبعا للتأثير الذي أصابها فتتغير ملامح الوجه، ومن النواميس الطبيعية أن الأجسام الحية تنمو وتكبر بالاستعمال وتضعف وتندثر بالإهمال، ويعللون ذلك النمو بتوارد الدم إلى العضو في أثناء استعماله، وكلما زاد عمله زاد توارد الدم إليه فيزداد نموه، وذلك هو شأن عضلات الوجه أيضا، فإن ما يتكرر استعماله منها يزداد نموه. فلو تعود أحدنا الغضب كل يوم فإن العضلة التي تنقبض للغضب يزداد نموها، وقد يدوم انقباضها حتى تظهر هيئة الغضب على الوجه في غير حال الغضب، وقس على ذلك ما يصيب عضلات العواطف الأخرى.

وإذا أبصرت رجلا طويل القامة عريض المنكبين قلت إنه شجاع، وإذا رأيت آخر عريض المنكبين واسع الصدر حكمت بتأنيه وحزمه وعلو همته، وبعكس ذلك ضيق الصدر فإنه عجول قلق ضعيف العزيمة، ويعللون بذلك أن واسع الصدر يكون كبير الرئتين فيستنشق من الهواء في مرة ما يغنيه عن سرعة التنفس فيكون رزينا صبورا.

وتنطبق هذه الحقيقة على الحيوان أيضا؛ فإن الضعيف من الحيوانات قصير الخطو سريعه، والقوي طويله، فذوات الصدر الضيق تسرع في الركض وواسعة الصدر تتأنى فيه، فالأرنب كثيرة الخوف نحيفة البنية سريعة الحركة وصدرها ضيق، وأما الأسد والفيل فإنهما كبيرا الصدر وكلاهما صبور حازم شجاع، وتعليل ذلك أن التنفس مصدر الحرارة وبانقطاعه تنقطع الحياة، وإليه مرجع القوة والهمة والنشاط، فكلما يساعد على ادخاره يزيد في أسباب الهمة والنشاط. وفيما تقدم مثال لعلاقة الخلق الباطن بالخلق الظاهر وتعليله بالنواميس الطبيعية.

خلاصة تشريحية

ولما كانت الفراسة تبحث في أشكال الأعضاء رأينا أن نبين نسبة تلك الأعضاء بعضها إلى البعض.

إذا نظرت إلى الجسم الإنساني رأيته مؤلفا من أجزاء صلبة وهي العظام، وأجزاء لدنة وهي اللحم، وأجزاء سائلة وهي الدم والمفرزات الأخرى، وإذا تأملنا في وظائف تلك الأعضاء رأينا لها تقسيما آخر، فهي بهذا الاعتبار تقسم إلى ثلاثة أجهزة: (1) جهاز الحركة، (2) جهاز التغذية، (3) الجهاز العصبي.

فجهاز الحركة يتألف من العظام والعضلات، والعظام إذا تجردت من العضل كانت هيكلا مؤلفا من ثلاثة أجزاء: الجذع والرأس والأطراف، انظر الشكل

2 .

شكل 2: الهيكل العظمي.

تنبيه:

إن الأحرف الإفرنجية في أوائل هذه السطور إشارة إلى أمثالها في الرسم المقابل، وكل حرف يدل على عضو يتصل إليه بخط منقط.

فالجذع هو الجزء المتوسط، وبه تتصل سائر الأجزاء، وهو عبارة عن العمود الفقري والأضلاع

والحوض فيتألف منه التجويف البطني وتستقر فيه المعدة والأمعاء وسائر الأحشاء البطنية.

شكل 3: الأحشاء الصدرية والبطنية.

وفي شكل

3

صورة الجذع مفتوحا من الأمام لتظهر فيه الأحشاء.

وعماد الجذع أو هو عماد الجسم كله «العمود الفقري» وهو مؤلف من فقرات متراصة بعضها فوق بعض ويستقر عليه الرأس في أعلى العنق، وتنشأ منه في أسفل العنق الأضلاع وبها تتصل الكتفان وبهما يتعلق الطرفان العلويان، ويتعلق بالجذع من الأسفل الطرفان السفليان.

والفقرات حلقات تستطرق ثقوبها بعضها إلى بعض فيتألف من مجموعها قناة يستقر بها النخاع الشوكي (الدودة الظهرية) والنخاع المذكور حبل عصبي ينتهي إلى قاعدة الجمجمة من ثقب في أسفل الرأس وهناك يتصل بالدماغ.

شكل 4: الرأس.

والرأس يستقر على العمود الفقري وهو جزآن: الجمجمة والوجه، فالجمجمة تجويف عظمي يحتوي الدماغ، وهو آلة العقل، وعليه أهم أعمال الحياة، والوجه في مقدم الرأس وأسفله، وهو مؤلف من عدة عظام، يتألف من مجموعها تجاويف تستقر فيها أهم الحواس، ففي أسفل الجبهة تجويفا العينين، بينهما تجويف الأنف، ثم الفم، والفم يتألف من الفكين العلويين والفك السفلي. وأهم عظام الرأس: (a)

العظم الجبهي. (b)

والجداريان. (g)

والعظم المؤخري. (c)

والصدغيان. (d)

والفك السفلي. (e)

والفكان العلويان. (f)

والوجنيان، وللفك السفلي أهمية كبرى في علم الفراسة، فانتبه له.

وأما الأطراف فأربعة: اثنان علويان واثنان سفليان لا حاجة بنا إلى تفصيلهما.

وأما العضلات فهي الهبر الذي يكسو العظام، وبانقباضه وانبساطه تتحرك الأعضاء على كيفيات شتى يظهر مثالها في صورة الزند وعضلاته في شكل

5 .

شكل 5: الزند وعضلاته.

وإنما يهمنا من العضلات في علم الفراسة عضلات الوجه؛ لأن على انقباضها وانبساطها تتوقف ملامح الوجه وتقاطيعه، ولكل منها وظيفة خاصة، فبضعها لتقطيب الجبهة، والبعض الآخر لرفع الحاجبين، أو فتح العينين أو إطباقهما، أو تحريك الشفتين، أو غير ذلك، وتعرف وظيفة كل منها باسمها، كما ترى في شكل

6

وهي صورة الوجه وقد نزع الجلد عنه لتظهر العضلات. (1) فالعضلة المؤخرية الجبهية: عضلة رقيقة تنشأ من مؤخر الجمجمة وتسير إلى الأمام على مقدم الجبهة حتى تختلط بالحاجبين، فإذا انقبضت أليافها شدت الحاجبين إلى الأعلى، (2) والعضلة المجعدة للحاجب: تختلط بالسابقة، ووظيفتها تقطيب الحاجبين عند العبوسة، ولها طرف يندغم بأعلى الأنف فيساعد على جذب الحاجبين إلى الوسط والأسفل، (3) والعضلة المستديرة الجفنية: تختص بحركة الجفنين من قبض أو بسط أو فتح أو إطباق، (4) والعضلة الرافعة للشفة العليا ولجناح الأنف: اسمها يدل على وظيفتها، (5) والضاغطة للأنف: تنشأ من الفك العلوي عند أسناخ الأسنان العليا وتندغم في الغضروف الأنفي، وبانقباضها تجذب جناح الأنف إلى الأسفل فينضغط.

شكل 6: عضلات الوجه: (1) العضلة المؤخرية الجبهية. (2) المجعدة للحاجب. (3) المستديرة الجفنية. (4) الرافعة للشفة العليا ولجناح الأنف. (5) الضاغطة للأنف. (6) الرافعة للشفة العليا. (7) الرافعة الخاصة للشفة. (8) الرافعة لزاوية الفم. (9) المحيطة الشفوية. (10) و(11) الخافضتان لجناح الأنف. (12) الخافضة لزاوية الفم. (13) الخافضة للشفة السفلى. (14) الرافعة للذقن. (15) المضحكة.

ويلي ذلك العضلات المحركة للفم، وهي ذات أهمية كبرى في علم الفراسة، لأن ملامح الفم من أكثر ملامح الوجه تعبيرا عن الأخلاق؛ ولذلك فقد جعلنا لها رسما خاصا شكل

7 .

وأهم عضلات الفم: (1) العضلة المحيطة الشفوية: في شكل

7

وهي تحيط بالفم، وعليها يتوقف قوام الشفتين، ووظيفتها إطباق الفم، وهي لا تتصل بشيء من عظام الوجه ولكن العضلات الأخرى التي تحرك الفم تنشأ من بعض عظام الوجه، وتندغم فيها مثل (3) العضلة الرافعة للشفة العليا: فإنها تنشأ من العظم الوجني وتندغم في الشفة العليا؛ أي بالقسم العلوي من المحيطة الشفوية ومثلها (4) الرافعة لزاوية الفم، ثم (6) العضلة الوجنية: وهي تنشأ من العظم الوجني وتندغم في زاوية الفم، ثم (7) العضلة المبوقة: وهي عضلة منبسطة تبطن الخد وتنشأ من أسناخ الأسنان الخلفية لكلا الفكين، وتندغم في زاوية الفم، وبانقباضها تجذب تلك الزاوية إلى الوراء، و(8 و9) الخافضة لزاوية الفم: عضلة مينة تنشأ من الفك السفلي وتندغم أيضا في زاوية الفم، وبانقباضها تجذبها إلى الأسفل. (10) والخافضة للشفة السفلى: واسمها يدل على عملها، وأخيرا (11) العضلة الذقنية: وهي عضلة صغيرة تنشأ من الفك السفلي عند أسناخ القواطع وتندمج بالنسيج الخلوي أسفل جلد الذقن، فإذا انقبضت هذه والتي قبلها تألف منهما معا بروز الشفة السفلى وهو الذقن، ويسمون هذه العضلة أيضا «المتكبرة»؛ لأن انقباضها يكسب السحنة هيئة المتكبرين، وهي مفردة خلافا لسائر عضلات الوجه فإنها مزدوجة.

شكل 7: عضلات الفم.

هذه أشهر عضلات الوجه، ومنها يتكون الوجه، وبانقباضها وانبساطها تتبدل الملامح وتظهر العواطف، ولا بد من استيعابها واستبقائها في الذاكرة؛ إذ قد نضطر إلى ذكرها في أثناء كلامنا فيما يلي.

وأما جهاز التغذية فهو مؤلف من أعضاء الهضم وأعضاء الامتصاص والدورة الدموية والتنفس والإفراز، فأعضاء الهضم مستقرة في الأحشاء البطنية والصدرية راجع شكل

3

وهي القناة الهضمية وملحقاتها. فإذا انهضم الطعام وصار سائلا دار في الجسم بأنابيب يتألف منها الجهاز الليمفاوي والجهاز الدموي والغدد.

فالجهاز الدموي يدور به الدم، وهو مؤلف من القلب والشرايين والأوردة، فالأوردة تحمل الدم الفاسد من أطراف الجسد إلى القلب حتى يتطهر في الرئتين، والشرايين تحمل الدم المطهر إلى أطراف الجسد لتغذية الأعضاء.

والجهاز الليمفاوي أنابيب دقيقة شفافة متصلة بالغدد المنتشرة في أنحاء الجسد، وأكثرها في العنق والإبط والأربية، ووظيفة الأوعية الليمفاوية امتصاص سائل الليمفا من الأنسجة وحمله إلى الأوردة، وهناك يختلط بالدم الفاسد الذاهب إلى التطهير، ومن أهم وظائفها أنها إذا قل الغذاء المحمول إلى الأنسجة لسبب من الأسباب كالجوع أو المرض أذابت الدهن المختزن في النسيج الخلوي تحت الجلد وحملته إلى الجهاز الدموي للاغتذاء به، وهذا هو تعليل الهزال الذي يصيب الجائعين أو المرضى، ومن الأوعية الليمفاوية جزء يقال له الأوعية اللبنية تمتص الطعام المهضوم من الأمعاء وتحمله إلى القناة الصدرية ومنها إلى الدم.

وأما الغدد - ويسمونها أيضا المرشحات؛ لأنها تعمل عملا يشبه الترشيح أو التصفية - فهي ذات أهمية كبرى في التغذية، وبعضهم يعد المعدة والأمعاء والكبد من جملتها؛ لأنها أعضاء مفرزة، ولكننا عددناها من أعضاء الهضم، ويلحقها الغدد المساعدة على الهضم كالغدد التي تفرز اللعاب والصفراء والعصير البنكرياسي، ما عدا الغدد التي تفرز بقايا المواد المندثرة كالكلى والجلد.

وأما الجهاز العصبي فعليه تتوقف الأعمال العقلية والحيوية، وهو قسمان كبيران: المجموع السمباثوي والمجموع الدماغي الشوكي. والأول يقال له أيضا العقدي؛ لأنه مؤلف من عقد أكثرها مستقر في الأحشاء، وعليها تتوقف حركات الأعضاء غير الخاضعة للإدارة التي تعمل عملها سواء أردنا أم لم نرد كالقلب والأمعاء والكبد. والثاني المجموع الدماغي الشوكي، وقد سمي بذلك لأنه مؤلف من الدماغ والحبل الشوكي، فالدماغ كتلة عصبية مستقرة في الجمجمة، ومنه تنبعث أعصاب الحس إلى العينين والأنف والفم والأذن وغيرها، وهو ثلاثة أقسام: (1)

المخ: وهو القسم الأكبر، ويشغل أعلى الجمجمة من الجبهة إلى مؤخر الرأس. وهو فصان جانبيان يفصل بينهما شق غائر (x) . وفي كل منهما ميازيب متعرجة غير منتظمة تسمى تلافيف المخ، وإذا قطعنا المخ حتى ينفصل إلى قسمين رأينا باطنه أبيض اللون وظاهره سنجابيا، ولتشريح المخ علاقة كبيرة في درس الفراسة، وخصوصا فراسة الرأس؛ لأن الدماغ آلة العقل، وقد وجدوا بالاستقراء أن لتلافيفه دخلا كبيرا في الأعمال العقلية، فإن القوى العقلية ترتقي كلما نمت تلك التلافيف وتعرجت. (2)

المخيخ: ويشغل أسفل مؤخر الرأس عند العظم المؤخري، وله شأن في الفراسة؛ لأنه مركز الحب الجنسي. (3)

النخاع المستطيل: وهو جسم هرمي الشكل طوله ثلاثة سنتيمترات إلى أربعة، إذا وصل إلى قاعدة الجمجمة اتصل بالحبل الشوكي، وفي النخاع المستطيل مكان إذا وخز بإبرة أمات صاحبه حالا لأنه مركز التنفس.

شكل 8: قاعدة الدماغ: (1) العصب الشمي. (2) العصب البصري. (3) الزوج الثالث . (4) الزوج الرابع. (5) التوأمي الثلاثي. (8) العصب السمعي. (9) العصب اللساني البلعومي.

a

و

y

و

o

المخ وتلافيفه، و

I

المخيخ، وفي وسطه

e

النخاع المستطيل.

وأما الحبل الشوكي فهو حبل عصبي يتصل بالنخاع المستطيل عند فتحة الجمجمة، ويمتد في القناة الشوكية بالعمود الفقري إلى العجز، وهو مؤلف من الجوهرين السنجابي والأبيض، ولكن السنجابي من الداخل والأبيض من الظاهر عكس ما في الدماغ، ويتفرع من الحبل الشوكي أعصاب تخرج من بين الفقرات إلى سائر أجزاء الجسد، وعليها تتوقف حركات البدن.

ناموس التشابه

إذا نظرت إلى الكائنات بوجه الإجمال رأيت لكل منها خاصة وشلا يمتاز بهما عن سواه، فإن لبر الشام مثلا إقليما غير إقليم مصر، وشكل أرضه يختلف عن شكل أرضها، ولبنان يمتاز عنهما جميعا، ولكل من هذه البقاع خاصة تمتاز عما للأخرى بنسبة ما بينهما من الفرق. وهكذا لو أجلت النظر في عالم النبات فإنك ترى بين أنواعه فرقا تختلف ظواهره باختلاف خصائصه، ويقال مثل ذلك في الحيوان.

ولكننا مع ذلك نرى المخلوقات تتشابه من وجوه كثيرة، وعلى هذا التشابه قسموها إلى جماد ونبات وحيوان، وذكروا لكل قسم منها خصائص يمتاز بها عن القسمين الآخرين، ثم نظروا في كل من هذه الأقسام على حدة فرأوا بين أجزائه تخالفا يقضي بانقسامها إلى مجاميع، فقسموا النبات إلى أنواع والحيوان إلى أنواع، وعلى هذا المبدأ قسموا كل نوع إلى ما تحته، وهنا موضع نظر في أمرين: (1)

أن الأنواع المتشابهة شكلا تتشابه عملا، والعكس بالعكس. (2)

أن التشابه أكثر وضوحا في الجماد مما في النبات، وفي هذا أوضح مما في الحيوان.

فإن لكل ملح من الأملاح المعدنية بلورات لها شكل خاص تعرف به حيثما وجدت، وأما أنواع النبات فإن بين أفراد النوع الواحد فروقا تستحق الاعتبار، وهي أظهر من ذلك بين أفراد الحيوان، فالتشابه قريب وثابت في الأجسام الجامدة ثم يبعد ويتشوش في الأحياء ويزداد تشوشه كلما ارتقى في سلم الحياة، ومعنى ذلك أن أفراد النوع الواحد من المخلوقات يزيد الاختلاف بين ظواهرها بنسبة التفاوت في أعمالها، فالجماد قليل العمل بسيط التركيب، والاختلاف بين أفراده قليل، والنبات وظائفه مركبة وأعماله أرقى فتنوعاته أكثر، وأما الحيوان فإنه أرقى من النبات ووظائفه أكثر والاختلاف بين أفراده أبعد.

وبعبارة أخرى: إن التشابه بين بلورتين من بلورات الملح يكاد يكون تاما، وأما بين قمحتين أو شعيرتين أو تفاحتين فالتشابه أبعد، وهو أبعد من ذلك بين فرسين أو نعجتين أو دجاجتين، وأما في الإنسان فالاختلاف بين أفراده أبعد مما بعد سائر أنواع الحيوان، وهو أكثر في الأمم المرتقية مما في الأمم المتوحشة، فالاختلاف بين عشرة من زنوج أفريقيا أقل مما بين عشرة من أهل أوروبا.

ومعلوم أن وظائف المخلوقات أو أعمالها المفروضة عليها تكثر وتتعدد بزيادة ارتقائها في سلم الوجود، فالجماد أقل عملا من النبات، وهذا أقل عملا من الحيوان، وأما الإنسان فإنه أكثر عملا من الجميع.

وبناء على ما تقدم أن ظواهر الأجسام تختلف باختلاف بواطنها، فكلما تفرعت أعمال الجسم تعددت ظواهره، وما ذلك إلا لعلاقة ثابتة بين ظواهر الأجسام وبواطنها والخلق الظاهر يدل على الخلق الباطن، وهي الفراسة.

ناموس التناسب

ضع بين يدي النباتي ورقة من شجرة وهو يصف لك نوع تلك الشجرة وحجمها وشكل أثمارها. وادفع إلى العالم بطبائع الحيوان عظمة من عظام حيوان لا يعرفه فيصف لك شكل هيكله العظمي، وقد يلبسه العضل ويكسوه بالجلد والشعر، وربما وصف لك طباعه، وما ذلك إلا لأن في الأجسام الحية ناموسا يقضي بتناسب أعضائها شكلا ووظيفة، فالشجرة المستطيلة كل شيء فيها مستطيل من الساق إلى الأغصان فالورق فالثمر، والشجرة المستديرة كل ما فيها مستدير ولو كانت الشجرتان من نوع واحد، فالتفاحة المستطيلة تحمل تفاحا مستطيلا، والتفاحة المستديرة تحمل تفاحا مستديرا، وقس على ذلك.

والتناسب المشار إليه أكثر ظهورا في الحيوان مما في النبات، وفي الإنسان أوضح مما في الجميع، فإن أشكال قوائم كل حيوان تناسب شكل سائر بدنه، وهي تتناسب في كل فرد من أفراد النوع الواحد تناسبا خاصا، فالإنسان الطويل يكون رأسه مستطيلا وأطرافه مستطيلة وكفاه مستطيلتين وقدماه مستطيلتين، وربع القامة تميل أعضاؤه إلى التربيع، ويقال نحو ذلك في القصير، كما ترى بهذه الأشكال.

شكل 9: رأس رجل قصير وكفه وقدمه.

شكل 10: رأس رجل طويل وكفه وقدمه.

شكل 11: رأس رجل معتدل وكفه وقدمه.

وللمصورين والنحاتين من زمن اليونان والرومان إلى الآن قواعد يبنون عليها إتقان صناعتهم بما تقتضيه من التناسب بين أعضاء الجسم، فالقامة عندهم ستة أضعاف طول القدم. وطول الوجه من أعلى الجبهة إلى أسفل الذقن كطول الكف من الرسغ إلى طرف الوسطى، وكل منهما يساوي عشر القامة، والصدر ربع القامة، ومن أعلى الصدر إلى أعلى الجبهة سبع القامة. ومحيط الرسغ نصف محيط العنق، وإذا قسمت الوجه إلى ثلاثة أقسام متساوية انتهى القسم الأول منها عند التقاء الحاجبين، والثاني في طرف الأنف، والثالث في أسفل الذقن، والقامة إذا قسمت إلى نصفين كانت السرة وسطا بينهما، فإذا توسد الإنسان على ظهره وأسبل ذراعيه إلى جنبيه وجعل السرة مركزا ورسم دائرة فإنها تمس الرأس والقدمين على السواء، وإذا بسط الرجل ذراعيه عرضا على زاوية قائمة من جسمه كانت المسافة بين طرفي الأنامل طول القامة تماما.

هذه هي القواعد العامة في تناسب الأعضاء، يسير عليها المصورون والنحاتون في إتقان صناعتهم، ولكنها صور ذهنية لا تكاد تنطبق على الواقع، إذ يندر أن يتفق ذلك التناسب بالضبط الكلي في جسم لما قدمناه من ميل الطبيعة إلى التنوع والتفرع تبعا للمؤثرات الخارجية أو للوراثة أو لأحوال أخرى، ومن أكبر المؤثرات في ذلك التفاوت اختصاص بعض الأعضاء بالعمل دون البعض الآخر، وأكثر ما يكون ذلك في الرياضة البدنية؛ فإن الأعضاء التي تستعمل تنمو وتتقوى، وتبقى سائر الأعضاء كما هي فيختل التوازن، وأعدل الأمزجة ما تناسبت فيه الأعضاء تناسبا تاما ولم يتغلب فيه عضو على عضو ولا جهاز على جهاز.

فراسة الأمزجة

يراد بالمزاج حالة من حالات البدن تتغلب فيها بعض أجهزته على البعض الآخر، وكانت الأمزجة عند القدماء أربعة، ثم ظهر أنها أكثر من ذلك كثيرا، حتى يكاد كل الإنسان يختص بمزاج، ولا يتشابه اثنان تشابها تاما، ولكن المحدثين حصروا تلك التنوعات في ثلاثة أمزجة، ولتفهم ذلك نبسط حال الأمزجة قديما وحديثا فنقول:

رأي القدماء:

ذكر بوقراط أبو الطب أربعة أمزجة ميز بينها بتغلب إحدى الطبائع التي يتألف منها الجسم على رأيه، وهي أربع: الدم والليمفا والصفراء والسوداء، فما تغلب من هذه الطبائع نسب المزاج إليه، ومنها أسماء الأمزجة، وهي: الدموي والليمفاوي والصفراوي والسوداوي، وأضاف بعضهم المزاج العصبي وأبطل السوداوي. (1)

المزاج الدموي: وصاحبه مشرق الوجه، محمر البشرة، أزرق العينين، ممتلئ الأعضاء، لامع الشعر، مع ميل إلى لون الخروب، حاد الطبع، سريع الحكم، سريع التقلب، ممتلئ النبض سريعه شكل

12 .

شكل 12: توماس مور مثال المزاج الدموي. (2)

الليمفاوي: وصاحب هذا المزاج متراخ، بطيء الحركة، لين العضل، ممتلئ الجلد مع رخاوة وضعف، مستدير الجبهة، أبيض البشرة ممتقعها، باهت العينين والشعر، غليظ المفاصل، فاتر العزيمة، بطيء التأثر، ضعيف النبض شكل

13 .

شكل 13: وليم مول بنمور مثال المزاج الليمفاوي. (3)

الصفراوي: وصاحب هذا المزاج قوي البنية، صلب الأعضاء، واضح الملامح، أسمر البشرة أو أصفرها، أسود الشعر والعينين، قوي النبض بطيئه، حازم، نشيط، ثابت العزيمة شكل

14 .

شكل 14: مكالوم مثال المزاج الصفراوي. (4)

العصبي: وصاحبه خفيف العضل، رقيق الشفتين، لامع العينين، سريع النبض على غير امتلاء، سريع الانتباه، سريع الحركة، ناعم الشعر، نحيف البنية، سريع التأثر شكل

15 .

شكل 15: مكدونلد كلارك مثال المزاج العصبي.

وأما السوداوي فإنه يشبه الصفراوي، لكن صاحبه أقل نشاطا وأضعف بدنا وعقلا، مع ميل إلى الانقباض والانفراد.

هذه هي الأمزجة على رأي القدماء، وأسماؤها تدل على أن واضعيها إنما بنوها على بعض الظواهر البدنية بقطع النظر عن خصائص الأعضاء على مقتضى التشريح والفيسيولوجيا، وكأن مرجع الأمزجة عندهم إلى أربعة أعضاء رئيسية وهي: المعدة والكبد والقلب والدماغ.

رأي المحدثين:

وأما اليوم فقد قسموا الأمزجة على مقتضى العلم الحديث، فجعلوها ثلاثة حسب انقسام أعمالها، فقد تبين مما قدمناه في الخلاصة التشريحية أن أهم أجزاء البدن المجموع العصبي والمجموع الغذائي والمجموع العضلي، فبنوا حكمهم في تقسيم الأمزجة على تغلب أحد هذه المجاميع، فمن تغلب فيه المجموع العصبي سموه عصبيا، ومن غلب فيه العضل سموه عضليا، ومن تغلب فيه الغذاء سموه حيويا، وعليه فالأمزجة على التقسيم الجديد ثلاثة: العضلي والحيوي والعصبي. (1)

المزاج العضلي: أو مزاج الحركة، وهو يشمل العظام والعضلات، وبهما تتم الحركات البدنية. وصاحب هذا المزاج كبير العظام، طويل القامة غالبا، خشن البنية، مستطيل الوجه، بارز الوجنات، كبير الأسنان القواطع، مستطيل العنق، عريض المنكبين، معتدل الصدر سعة وامتلاء، متوسط حجم البطن، طويل الأطراف، قوي العضل، أسمر اللون، أسود الشعر غزيره وقويه، بارز التقاطيع والملامح، ثابت الطبع، قوي في كل شيء، قوي البدن، قوي العزيمة، قوي الإرادة، ويغلب أن يكون من أهل البطش، وله السيادة والنفوذ على مريديه ومعارفه، يقودهم بأفكاره وأعماله كما يشاء، وصاحب هذا المزاج كبير في كل شيء، إما في الحرب أو في التجارة أو في السياسة أو في العلم أو في الصناعة، ولا بد من امتيازه على رفاقه بالخير أو بالشر، وتغلب فيه الخشونة وصلابة الرأي، وقد كان هذا المزاج متغلبا في الرومانيين، وهم أصحاب المطامع الكبيرة والهمم العالية.

شكل 16: جيمس مونرو مثال المزاج العضلي.

وأصحاب هذا المزاج قويو الإرادة، شديدو العزيمة، أهل همة وإقدام، ويغلب فيهم حب السيف على حب القلم، لا يميلون إلى النحافة والملاطفة ولين المعاشرة.

ولهذا المزاج تنوعات وفروع لا محل لتفصيلها، ومن أوضح أبدان أصحاب المزاج العضلي صور المصارعين الرومانيين شكل

17 .

شكل 17: مصارعو الأسود. (2)

المزاج الحيوي: يمتاز أصحاب هذا المزاج بقوة أعضائهم الغذائية ومقرها في الأحشاء؛ ولذلك كان الجذع فيهم عريضا كبيرا بالنظر إلى الأطراف، ويغلب في أعضائهم الاستدارة، وجوههم مستديرة، ومناخيرهم واسعة، وأعناقهم قصيرة، وأكتافهم عريضة ومستديرة، وصدورهم رحبة، وأذرعتهم ممتلئة، وأكفهم قصيرة، والبشرة فيهم محمرة غالبا، والوجه مشرق بابتسام، والشعر ناعم حريري أسود أو مائل إلى السواد، والعينان رشيقتان سوداوان أو زرقاوان، والأنف عريض شكل

18 .

شكل 18: سيلاس رايت مثال المزاج الحيوي.

وهم ميالون إلى الرياضة، لا يستطيعون البطالة، فتراهم دائما في شغل، ولكنهم يفضلون الاشتغال باللهو على الأعمال الشاقة، وهم أهل نشاط وهمة واندفاع وحمية وذكاء وسرعة خاطر مع تقلب وتردد، يحفظون سريعا وينسون سريعا، ذكاؤهم أكثر من ثباتهم ، وظواهرهم أكثر من بواطنهم، وهم أهل عواطف، ولكنها تهب عاجلا وتخمد عاجلا، ويغلب فيهم الميل إلى اللهو والترف والتأنق في المأكل والمشرب، وعندهم «أن الإنسان يجب أن يتمتع بكل ملاذ الحياة ما دام حيا» ومن أسباب السعادة عندهم أن يبقوا أحياء، ويكثر أصحاب هذا المزاج في إنكلترا. (3)

المزاج العصبي: وهو كالمزاج العصبي في التعريف القديم، ومرجعه إلى تغلب المجموع النخاعي الشوكي وخصوصا الدماغ، وصاحبه رقيق الجسم، كبير الرأس، بيضي الوجه، بارز الجبهة عريضها، براق العينين، دقيق العنق، متوسط الصدر، إذا نظرت إلى مجمله رأيته أقرب إلى اللطف والدماثة مما إلى القوة والخشونة، وهو ناعم الشعر أسوده، أملس البشرة، حاد الصوت متنوعه، ويكثر هذا المزاج في النساء، فالمرأة العصبية يغلب فيها الجمال وخفة الروح، ولكنها تشتهي استدارة الزندين وانتفاخ الخدين وامتلاء الجسم.

شكل 19: الأستاذ طولوك مثال المزاج العصبي.

ومن أخلاق صاحب هذا المزاج شدة الإحساس وسلامة الذوق وحب الجمال الطبيعي والصناعي وسرعة الانتباه مع سرعة الخاطر وقوة العواطف وحدة الذهن ودقة الشعور، وهو مزاج أرباب الفنون الجميلة وخصوصا الشعراء، والمزاج العصبي آخذ في الانتشار اليوم في العالم المتمدن؛ نظرا لاشتغال الناس بعقولهم وإهمالهم أبدانهم وخصوصا النساء.

ويندر أن يتفرد الإنسان بمزاج من هذه دون سواه، والغالب أن يكون المزاج مزيجا من اثنين، فينشأ من ذلك أمزجة ثانوية وهي ستة: (1)

المزاج العضلي الحيوي. (2)

المزاج العضلي العقلي. (3)

المزاج الحيوي العضلي. (4)

المزاج الحيوي العقلي. (5)

المزاج العقلي العضلي. (6)

المزاج العقلي الحيوي.

وجملة القول إن الإنسان يولد وفيه ميل وراثي إلى مزاج معين، فإذا ساعدته أحواله وتربيته ظهر فيه ذلك المزاج، وإلا فإنه يتغير بتغير الأحوال ونوع التربية، وقد رأيت أن لأصحاب كل مزاج صفات مشتركة فيما بينهم يدل ظاهرها على باطنها، وهو أساس الفراسة.

شكل الوجه وزاويته

شكل الوجه:

قبل الكلام في ملامح الوجه بالتفصيل نذكر شكل الوجه على الإجمال لأنه مثال الملامح، وقد رأيت في تقسيم الأمزجة الجديد أن لوجه كل فرقة منهم شكلا خاصا، فوجه أصحاب المزاج العضلي مستطيل، ووجه أصحاب المزاج الحيوي مستدير، ووجه العصبيين بيضي، على أننا إذا دققنا النظر في الوجوه لا نكاد نرى وجهين متشابهين تمام المشابهة، ولكنهم يقسمون الوجوه إلى ثلاثة أشكال: المستطيل والمستدير والبيضي، ولكل منها فروع تشترك فيما بينها، ولهذه الأشكال علاقة كبيرة بالأخلاق والعقول، فإن الوجه المستطيل المربع يدل على التعقل والذكاء وقوة الإرادة لعرض جبهته وذقنه مثل وجه نابليون بونابرت شكل

20 .

شكل 20: نابليون بونابرت.

والوجه البيضي يستلزم سعة الجبهة وصغر الفك، وهو وجه أصحاب المزاج العصبي، وأصحابه رقاق لطاف أصحاب عضل وعصب، وبمراجعة ما كتبناه في الأمزجة كفاية.

وأما المستدير فهو يغلب في السمان، وكانت العرب تحب هذا الوجه وتفضله على سائر الوجوه، وهذا أصل تشبيه وجه المليحة بالبدر عندهم.

زاوية الوجه:

ولزاوية الوجه علاقة كبيرة بأخلاق الناس، وهي عبارة عن خط مستقيم يمتد عرضا من طرف الأنف إلى أسفل الأذن، وخط يصعد من طرف الأنف إلى أعلى الجبهة، والزاوية الحادثة من التقاء هذين الخطين عند طرف الأنف هي زاوية الوجه، وهم يقيسون ارتقاء الأمم بانفراج تلك الزاوية، فهي حادة في الزنوج ثم تنفرج في الأمم المرتقية حتى تبلغ معظم انفراجها في الجنس القوقاسي، ومنه كل الأمم المتمدنة.

شكل 21: زاوية الوجه.

وفي الشكل

21

جماجم أصناف الناس: (1) فالجمجمة العليا: زنجية و(2) التي إلى اليسار: أوسترالية. (3) والأخيرة: قوقاسية، وعلى هذه الأخيرة زاوية (ج) عند التقاء الخطين (أ ب) و(ج ك)، لو رسمت مثلها في الجمجمتين الأخريين لكانت هي أوسعها، ثم (2) ثم (1)، والبحث في زاوية الوجه يختص بفراسة الرأس (الفرينولوجيا)، وسيأتي ذكره.

فراسة الأعضاء بالتفصيل

تبين مما تقدم إمكان الاستدلال على الخلق الباطن من الخلق الظاهر، ونحن باسطون فيما يلي خلاصة ما وصل إليه أهل هذا الفن بأبحاثهم في دلالة كل عضو من أعضاء الوجه وغيرها على أخلاق أصحابه، ولا تتحمل تبعة ذلك إلا فيما نخصه بدليل فيسيولوجي أو تشريحي، أو نبدي رأينا فيه ونترك الحكم فيما خلا ذلك لفطنة القارئ؛ لأن البحث في هذا العلم حديث لا يزال قابلا للنقد والتحوير، فلنبدأ بأعضاء الوجه عضوا عضوا، وعلى الله الاتكال.

فراسة الذقن

الذقن والمخيخ:

قلما ينتبه الناس إلى علاقة الذقن بالأخلاق، والذقن في الحقيقة من أكثر الأعضاء علاقة بأخلاق الناس، ومن أدلتهم على ذلك أن معظم الذقن من الفك السفلي، والفك السفلي يقابل المخيخ في مؤخر الدماغ، وبين المخيخ وذلك الفك علاقة شديدة، ومن أهم وظائف المخيخ في الفيسيولوجيا الحب والموازنة والإرادة، فتتصل هذه الخصائص بالفك السفلي ومنه إلى الذقن. فالذقن في الفراسة دليل الإرادة والحب الجنسي، ولو استقريت الذقون في أنواع الحيوان لرأيتها تزداد ظهورا بنسبة ارتقاء ذلك الحيوان، فهي في الطيور أثرية، وأكثر الحيوانات لا ذقون لها أو أن ذقونها صغيرة جدا، والحب الجنسي يكاد يكون أثريا فيها، والمعتوهون يولدون صغار الذقون، ويراد بكبر الذقن بروزه إلى الأمام أو إلى الأسفل، وأما صغره فهو ضموره حتى لا يكون له بروز في مقدمه ولا في الحنك، ويتضح لك ذلك من النظر إلى الشكلين

1

و

2 .

وفي الذقن بروزان واضحان: البروز الأمامي وهو الذقن الحقيقي، والبروز الخلفي تحت الأذن وهو الحنك، فالذقن إما أن يكون غائرا مستدقا أو عريضا أو ناتئا، والحنك أيضا قد يكون بارزا أو غائرا، ولكل من هذه الحالات دلالة خصوصية، فبروز الذقن يدل على طول الفك السفلي، وبروز الحنك يدل على عرضه.

شكل 1: الذقن الكبير.

شكل 2: الذقن الصغير.

وقد وجدوا في جملة علاقات هذا الفك بالمخيخ أنه إذا كان الفك السفلي طويلا يغلب أن يكون المخيخ طويلا، وإذا كان الفك عريضا فالمخيخ يكون أيضا عريضا، فعندهم أن الذقن إذا برز إلى الأمام وكان الخط من زاوية الحنك إلى رأس الذقن طويلا دل ذلك على شدة الحب، وإذا كان رأس الذقن من الأمام عريضا دل على الثبات والصبر، فبروز الذقن دليل الحب، وبروز الحنك دليل الثبات، كذلك كان هارون بور صاحب الشكل

1

وكاترينة الثانية إمبراطورة الروس شكل

3

فإن ذقنها وحنكها كثيرا النمو، وكان الحب والثبات ناميين فيها، وبعكس ذلك الذقن القصير الضامر؛ فإنه يدل على الضعف والبغض ، وكان ضمور الذقن ونقصه من الصفات المذمومة عند العرب، ومن ذلك قول بعضهم يذم امرأة:

اصرميني يا خلقة المجدار

وصليني بطول بعد المزار

فلقد سمتني بوجهك والوصل

قروحا أعيت على المسبار

ذقن ناقص وأنف غليظ

وجبين كساجة القسطار

شكل 3: كاترينة الثانية.

الذقن والمحبة:

تقسم الذقون باعتبار أحوال بروزها الأمامي إلى خمسة أشكال وهي: (1) الذقون المحددة (المروسة) ذات البروز المستدير، (2) الذقون المفروضة، (3) الذقون المربعة الضيقة، (4) الذقون المربعة الواسعة، (5) الذقون المستديرة الواسعة. (1) الذقون المحددة: وهي البارزة إلى الأمام بروزا مستديرا، كما ترى في شكل

4

فإنها تدل على شدة الحب الجنسي والشره فيه حتى يؤدي بأصحابه أحيانا إلى البله، وهذا الشكل من الذقون أكثر شيوعا في النساء مما في الرجال، كذلك كان موليير محيي التمثيل في فرنسا شكل

5

فإن ذقنه كان من هذا النوع، وهو مشهور بحبه لامرأته مع أنها كانت تسيء إليه وتعرقل مساعيه، حتى قال يشكو حاله لصديق: «إن حضور هذه المرأة أمامي ينسيني كل ما صممت النية عليه لأذيتها، وهي لا تحتاج لدفع حجتي إلى أكثر من كلمة واحدة تدافع بها عن نفسها فيخال لي أني اتهمتها زورا وأنها بريئة، فأعتذر لها وألتمس الصفح عن جسارتي، فإذا خلوت بنفسي عدت إلى صوابي ورأيتني مسحورا أو كأن خبلا أصابني فأعود إلى هواجسي.» ا.ه.

شكل 4: الذقون المحددة. (2) الذقون المفروضة: وهي المزدوجة البروز، حتى يخيل لك أنها ذقنان أو ذقن مقسوم إلى قسمين بميزاب طولي - وليس بحفرة أو نقرة - فإن الذقون ذوات النقرة (الطبعة) لها خاصات أخرى، والذقون المفروضة أكثر شيوعا في الرجال مما في النساء. وأصحابها لا يشبعون من المحبة، ولا يستطيعون البقاء بلا محب يحبهم، فإذا كان صاحب هذا الذقن شابا فإنه يطلب الفتاة ولو في الصين ويستهلك في سبيل طلبها. انظر شكل

6

وإذا كانت صاحبة هذا الذقن فتاة وكان الفرض في ذقنها عميقا فقد تخرج في حبها عن حدود اللياقة.

شكل 5: موليير. (3) الذقون المربعة الضيقة: ويراد بها أن يكون بروز الذقن من الأمام خطا عرضيا مستقيما ولكنه قصير، فأصحاب هذه الذقون كثيرو المحبة، ومنهم في الغالب عمال الخير؛ لأنهم يحبون كل شيء حتى الفقراء والضعفاء، والمرأة صاحبة هذا الذقن يغلب أن تتزوج رجلا أدنى منزلة منها لأنها تحبه ولا تلتفت إلى فقره. (4) الذقون المربعة الواسعة: وهي كالسابقة إلا أنها أطول منها، وتدل على شدة المحبة حتى تقرب من العبادة، وأصحابها هم أهل العشق الشديد والحب المفرط حتى يمسهم الجنون، ولعل قيسا العامري (مجنون ليلى) كان منهم.

شكل 6: الملك إدوارد السابع في شبابه. (5) الذقون المستديرة الواسعة: وهي كالنوع الأول ولكن بروزها أكبر وأوسع، وأصحابها إذا أحبوا ثبتوا في الحب؛ لأن السعة دليل الثبات في كل شيء، فالمرأة صاحبة هذا الذقن شديدة المحافظة على محبة زوجها ولو أساءها وقهرها.

شكل 7: الذقن المستدير الواسع.

الذقن والإرادة:

شكل 8: هنري الأول.

قد تقدم أن بروز الذقن يدل على المحبة الجنسية، وقاعدتها تدل على الإرادة، وبين الحب والإرادة نسبة معنوية، ويراد بالقاعدة ما تحت البروز من مقدم الفك أسفل الأسنان القواطع، فبروز هذه القاعدة واستطالتها وسعتها تدل على قوة الإرادة، وصاحب هذا الذقن إذا قال فعل شكل

9

و

10

ويشبهه صاحب الحنك العريض شكل

8

فإن حنكه قائم الزاوية تقريبا، وأصحاب هذه الذقون وهذه الأحناك هم في الغالب رجال الحزم والبطش والشدة والقوة، كذلك كان نابوليون وقيصر وولنتون وكرومويل، ولا يراد بذلك أن الإرادة لا تكون في غير رجال الحرب، فهي تكون على معظمها أيضا في ربات العائلات وفي رجال الأعمال كالمخترعين والعلماء، وقد تكون في أهل التجارة أو الفلاحة؛ لأنها تميز صاحبها عن رفاقه في أي مهنة كانت، فإن بين ذقن ولنتون القائد الشهير وذقن فرنكلين الفيلسوف مشابهة عظمى، وكلاهما بارزان عريضان شكل

9

و

10

وذقن رينان الفيلسوف شكل

11

بارز ضيق.

شكل 9: فرنكلين.

شكل 10: ولنتون.

شكل 11: رينان الفيلسوف.

وإذا تعاظم البروزان في مقدم الفك والحنك في ذقن واحد كما في شكل

12

كان صاحبه شديد المحبة والإرادة كأنه يجمع بين عملي القلب والعقل.

شكل 12: البروزان.

فراسة الفم

قد يصمت اللسان، والشفاه الساكنة أفصح ما يعبر عن الجنان؛ برسائل تنفذها إلى القلب بطريق العينين (لا الأذنين ) فتبث ما يكنه الضمير من حب أو بغض، أو فرح أو غضب، أو عتب أو اعتذار، فترد العينان الرسالة والأذنان غافلتان عما دار من الحديث؛ لأن الشفاه تترجم العواطف بلسان لا تفهمه الآذان، فتدل بغلظها أو رقتها، ببروزها أو غورها، باسترخائها أو تراكبها، باحمرارها أو بهوتها، على المحبة أو البغض، أو الفرح أو الكدر، أو الكبر أو الوداعة، أو غير ذلك من العواطف وأظلالها.

فلسفة التقبيل:

بين اللمس والانعطاف علاقة متبادلة، وخصوصا لمس الشفاه؛ لأنها أكثر حساسة من سائر سطح الجلد (إلا الأنامل)، فاللمس يعقبه انعطاف ينجم عن اتصال عصبي بين الشفاه ومركز الحب في المخيخ، وبينها وبين الذقن، والذقن نائب المخيخ في الوجه، تلك هي فلسفة التقبيل، وليس غرضنا البحث في القبلات وفلسفتها، وإنما أردنا أنها ليست من قبيل العبث، بل هي لغة الحب ودليل الانعطاف، يكفينا تغزل الشعراء بالثغر، وتشبيههم الريق بالخمر، فإنه يدل على تأثيرها المسكر في النفوس، وإليك قول عنترة العبسي.

ووددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المبتسم

الصداقة والسخاء:

شكل 13: دليل السخاء في الفم.

أكثر الشفاه دلالة على الصداقة ما كان جزؤها الأحمر غليظا بارزا بغير استرخاء، فإذا رافق ذلك البروز تعاظم ما يحيط بزاويتي الفم بما يسمي العضلة المبوقة شكل

7

حتى يتكون هناك ميزابان ضعيفان أو ثلاثة كما في الشكل

13

دل ذلك على السخاء وكبر النفس، وأصحاب هذه الشفاه بيوتهم مفتوحة للأضياف، وموائدهم مباحة لأبناء السبيل، وهم كثار في القرى قلال في المدن.

الحب:

قلنا: إن الشفاه الغليظة في موضع الاحمرار دليل الصداقة، وهي أيضا دليل الحب، ويزداد الحب باتساع مساحة ذلك الموضع كما في الشكل

14

أما شكل

15

فإن رقة شفتيه تدل على ضعف تلك العاطفة في صاحبها، وأصحاب الشفاه الغلاظ يحبون التقبيل وإذا قبلوا كانت قبلاتهم حارة.

شكل 14

شكل 15

الغيرة:

والحب الصادق إذا اشتد يغلب أن تصحبه الغيرة، ودليل الغيرة أن يصحب ذلك الغلظ انحراف تحت الشفة السفلى.

النهم:

وإذا تدلت الشفة السفلى وبرزت العليا مع ضخامة دل ذلك على النهم والميل الشديد إلى الملذات الشهوانية شكل

16 .

شكل 16: دليل النهم.

الثبات والأنفة:

ودليل الثبات في الفم أن تكون الشفة العليا مستقيمة على خط عمودي بما يشبه الإشارة بالفم إلى المخاطب أن يبقى على ما هو عليه، كما في الشكل

18

ويقرب من الثبات الأنفة، ويدل عليها بتحدب قليل في تلك الشفة شكل

17 ، وإذا زاد ذلك التحدب كان صاحب تلك الشفة صعب الانقياد، يريد أن يقودك ولا تستطيع استخدامه.

شكل 17

شكل 18

شكل 19

شكل 20

الرزانة:

ويدل على الرزانة انحدار طرفي الشفة العليا نحو الأسفل مع تجعد حولها، وهي أكثر في النساء مما في الرجال، وصاحب هذه الشفة قلما يميل إلى المجون انظر شكل

21 .

شكل 21: بلاني.

السرور:

ترى أناسا مفطورين على الانبساط والطرب، لا صبر لهم على الأحزان، فأولئك يغلب أن يعلو زوايا شفاههم تجعدان أو أن يكون فيها ميل إلى التجعد، ولا يمكننا التعبير عن ذلك بأوضح من قولنا: أن يكون في الفم ميل إلى الابتسام، ويغلب في أصحاب هذه الشفاه حب المجون، وممن اشتهروا بذلك الطبع سرفانتس ورابيلي وستيرن وبلاني وغيرهم. انظر شكل

21

و

22 .

شكل 22: ستيرن.

شكل 23: المستر غلادستون.

رباطة الجأش:

وإذا كانت الشفتان غائرتين من الوسط وبارزتين عند زاويتي الفم دل ذلك على رباطة الجأش، وصاحب هذه الشفاه قوي الإرادة رابط الجأش مالك قيادة، لا خوف عليه من التهور في أموره ولا الانقياد إلى عواطفه، بل هو يكون كما يشاء، وهي سجايا الرجال العظام، وهكذا كان تيارس السياسي الفرنساوي الشهير شكل

24 .

شكل 24: تياس.

واعتبر ذلك في الحيوانات، فإنها لا تستطيع كبح شهواتها ولا تعرف الكظم، وكلها ذات أفواه بارزة.

التأنق:

وقد يتعاظم ذانك التجعدان أو يصيران تجعدا واحدا يستطيل إلى أسفل الذقن، كما يحدث عند الإغراق في الضحك، وربما اختلط بما يسمى بالنونة (الغمازة)، فيدل عند ذلك على حب التأنق والتدقيق في كل شيء، فإذا كان صاحب هذه العلامة عالما فيغلب أن يدقق في كل بحث. ومن أمثلتهم المشرح المشهور بلومنباخ شكل

25 .

وإذا كان من عامة الناس ظهر التأنق والتدقيق في طعامه وشرابه ولباسه وكلامه.

شكل 25: بلومنباخ.

ولأصحاب الفراسة في الشفاه علامات أخرى يستدلون بها على أخلاق أخرى، كاستطالة الجزء الظاهري من الشفة السفلى من منتصف الذقن فما فوق إلى منتصف الجزء الأحمر على أن يكون ذلك الوسط ممتلئا شكل

28

فيستدلون به على حب الإنسان لعائلته وأنه يشتهي أن يكون له منزل خاص يأوي إليه، وإذا تعاظم ذلك الامتلاء شكل

27

تحول إلى حب الوطن والحنو إليه، ويستشهدون على صحة ذلك بظهور هذه العلامة في أكثر حماة الأوطان مثل جورج وشنطون محرر أميركا وبطريك هنري ووبستر وغيرهم، فإذا زاد ذلك الامتلاء حتى شمل كل الشفة كما في شكل

26

تحول إلى حب الوطن العام والانعطاف إلى كل أصناف البشر، وأصحابه هم محبو الجنس البشري.

شكل 26

شكل 27

شكل 28

وأحسن الأفواه دلالة على الخلق الحسن عند العرب هو «أن يكون الفم معتدلا بين السعة والضيق، مع صبغ الشفتين ورقتهما، وأن تكون لثته صبغة مستوية لحم الأسنان، ولسانه إلى الحمرة والملوسة غير خشن ولا مفلح ولا جاف ولا غليظ ولا رقيق جدا ولا مشاب اللون بصفرة، وأن يكون طيب النكهة نقي بياض الأسنان حسن التركيب.»

فراسة الأنف

قد يستتر الذقن باللحية والفم بالشاربين، وقد تتوارى العينان وراء النظارات، والجبهة يغطيها الطربوش، ولا يزال الأنف بارزا في طول الوجه لا يستره شيء، فهو أثبت دلالات الأخلاق وأظهرها، وقد عني أصحاب الفراسة القدماء في بيان علاقته بها، ولكن أبحاثهم ما زالت ناقصة حتى أتمها أهل هذا العصر وأيدوها بالعلم الصحيح.

خصائص عامة:

معلوم أن الأنف آلة الشم، وعلى صحته تتوقف صحة هذه الحاسة، فإذا كان نحيف التركيب دقيق النسيج كان شعوره بالروائح أتم وأدق، ولكنه أيضا من آلات التنفس، وهو سبيل الهواء إلى الرئتين، فحجمه يجب أن يناسب حجمها، فأصحاب الصدور الواسعة يجب أن تكون مناخرهم كبيرة، وهو الواقع، فإن نافخي الأبواق وغيرهم ممن يعانون الأعمال الشاقة أو غيرها من ضروب الرياضة البدنية تكون صدورهم واسعة ومناخرهم كبيرة انظر شكل

29

فإنها صورة هانيبال القائد القرطجني وعظم مناخره يدل على عظم صدره، وهذه القاعدة عامة في الحيوان والإنسان.

شكل 29: هنيبال القائد القرطجني.

وللأنف أيضا دخل في الصوت، فاتساع تجاويفه يزيد الصوت قوة وجهارة، ولذلك فإن صوت الغلام لا يخشن إلا بعد أن يتم تكوين أنفه ويتسع تجويفه.

دلالة الأنف على الارتقاء:

وإذا نظرت في أنوف الناس على اختلاف الشعوب أو في الشعب الواحد على اختلاف الأعمار رأيته من أوضح الأدلة على درجات الارتقاء، فإن أنف الطفل لا يزال صغيرا منخفضا حتى يبلغ رشده ويشتد ساعده فيكبر ويبرز، ودليل ذلك قريب يشاهده كل واحد، انظر إلى أي طفل شئت فترى أنفه أضعف من أنف أبيه وأصغر، وفيه فطس يزول كلما نما، حتى يصير شابا فيصير أنفه مثل أنف أبيه.

واعتبر ذلك في الأمم، فترى الشعوب الهمجية صغار الأنوف مع فطس في الأرنبة وغور في جسورها، ثم يقل ذلك الفطس حتى يبرز الأنف جيدا في الأمم المرتقية، ويتضح لك ذلك جليا إذا قابلت بين أنف الزنجي وأنف القوقاسي، كما ترى في الشكلين

30

و

31

فإنهما يمثلان الفرق بين هذين الأنفين، وترى الفرق بينهما كبيرا. وقد وجدوا بالاستقراء أن نسبة أنف القوقاسي إلى وجهه كنسبة واحد إلى ثلاثة، ونسبة أنف المغولي إلى وجهه كنسبة واحد إلى أربعة، والزنجي أكثر من ذلك، ناهيك بالتفاوت في بروزه بين هذه الأمم.

شكل 30: أنف القوقاسي.

شكل 31: أنف الزنجي.

ومما يستحق الاعتبار أن القدماء كانوا إذا نحتوا تمثالا وأرادوا بيان عظمة صاحبه وقوة بطشه زادوا في طول أنفه، حتى إنك تميز تمثال الملك من تمثال الخادم بمجرد النظر إلى طول الأنف، ويسهل ذلك علينا من النظر إلى الآثار المصرية، وكذلك فعل مصورو الأعصر المتأخرة مثل رافائيل وغيره.

أشكال الأنوف:

للأنوف أشكال عديدة؛ لأنها تختلف باختلاف أطوالها وباختلاف ارتفاع جسورها وشكل تلك الجسور، وباختلاف حجم المناخر وغير ذلك.

أما بالنظر إلى أشكال جسورها فتنقسم إلى خمسة أقسام: (1) الأنف الروماني «الأشم»، (2) الأنف اليوناني، (3) الأنف الإسرائيلي «الأقنى»، (4) الأنف الأفطس، (5) الأنف الأذلف. (1)

الأنف الروماني: يمتاز هذا الأنف بارتفاع قصبته وورود الأرنبة بحسن استواء القصبة ، وهو ما يعبر العرب عنه بالشمم، على أن يكون بين أعلى الأنف وملتقى الحاجبين فرض أو ميزاب عرضي كأنه حز بسكين، وهو دليل العظمة وعلو الهمة عند كل الأمم. فالإفرنج يسمونه رومانيا لأنه كان غالبا في الرومانيين أهل الإقدام والهمة العالية، وهو أنف القواد والفاتحين، وقد سماه أفلاطون «الأنف الملوكي» إشارة إلى أنه دليل القوة، ورسمه النحاتون والمصورون القدماء في وجوه معظم الآلهة العظام، فهو أنف مينارفا وجوبتير وهركيل، وأصحابه يحبون السيادة، ولهم همة تفل الحديد وعزم لا يتقلقل ونفس كبيرة، لا يكترثون بصغائر الأمور، كذلك كانت أنوف القواد العظام في سائر أنحاء العالم، فهو أنف رعمسيس الثاني البطل المصري العظيم، وجثته باقية في المتحف المصري بالجيزة يشاهدها من أراد، والشمم ظاهر فيها، وهو أنف شارلمان وشارلكان وكولمبوس وكورتس والملكة إليصابات وولنتون، فضلا عن قواد الرومان ومنهم يوليوس قيصر شكل

32

وبومبيوس وغيرهم وهم كثار.

شكل 32: يوليوس قيصر.

وأما العرب فقد كان الشمم يدل عندهم على معناه الأصلي؛ أي «الارتفاع والتكبر»، وهو صفة محمودة في الرجال يكنى بها عن الشهامة وعزة النفس، ومنه قول حسان بن ثابت الأنصاري في آل جفنة (بني غسان).

بيض الوجوه كريمة أحسابهم

شم الأنوف من الطراز الأول

وقول كعب بن زهير:

شم العرانين أبطال لبوسهم

من نسج داود في الهيجا سرابيل

ولا يشترط فيما تقدم أن يكون صاحب هذا الأنف قائدا حربيا أو ملكا، ولكنه يكون عزيز النفس طلابا للعلى طامعا في المناصب، ولو كان امرأة أو صبيا، وكان الشمم في النساء عند العرب صفة محمودة، كقول الشاعر:

دعت نسوة شم العرانين بدنا

نواعم لا شعث ولا جفرات

وقول الآخر:

وتريك عرنينا به شمم

أقنى وخدا لونه ورد

وقول الفرزدق:

في كفه خيزران ريحه عبق

من كف أروع في عرنينه شمم (2)

الأنف اليوناني: سمي بذلك لتغلبه في اليونانيين، وهو مستو، يكاد يكون هو والجبين على خط واحد لولا انحدار خفيف تحت الحاجبين، مثل أنف إسكندر الأكبر شكل

33

وهو دليل الدقة والأناقة وسلامة الذوق في الفنون الجميلة مع حب الجمال بأنواعه، كذلك كان اليونان، وتشهد بذلك آثارهم وتواريخهم، ولا يستلزم ذلك أن تكون تلك الخلال عامة فيهم، ولكنها غالبة في أكثرهم، وخصوصا في نسائهم، وهو الأنف اليوناني من أقدم أزمانه إلى اليوم، وممن كان أنفه يونانيا من مشاهير المحدثين غير اليونان ملتون الشاعر الإنكليزي وسبنسر ورافائيل المصور الإيطالي وكلود وبيرون وشيلي وغيرهم من أرباب الفنون الجميلة، واشتهر من صاحبات هذا الأنف كاترينة الثانية إمبراطورة الروس، وإيزابلا دي كاستيل وبياتريس، وهو أجمل ما يكون في المرأة، ويناسب ما فطرت عليه من الرقة وسلامة الذوق، فصاحبة هذا الأنف سواء كانت في القصور أو في الأكواخ فإن الجمال يتجلى في كل ما يحيط بها، والذوق يظهر في ثيابها وأثاث بيتها، وقد تزين قاعتها بأزهار حقيرة فيخيل لك أنها مزدانة باللؤلؤ والياقوت، وربما كست وسائدها بالكتان وأنت تحسبه حريرا، وترى عليها الثوب القطن فتحسبه ديباجا.

شكل 33: إسكندر الأكبر.

وهناك جماعة من كبار الرجال أنوفهم وسط بين الروماني واليوناني وأخلاقهم وسط بين أخلاق الأمتين، منهم قسطنطين الأكبر وألفريد الأعظم ووشنطون ونابوليون وريشيليو وغيرهم. (3)

الأنف الإسرائيلي: ويسمونه أيضا السوري نسبة إلى البلاد التي قطنها بنو إسرائيل، وهو أقنى أي مرتفع في وسطه، ثم ينضغط عند الطرف كالقنطرة، ويغلب في اليهود حيثما وجدوا، وتراه ظاهرا جليا في وجه يوسيفوس المؤرخ الإسرائيلي المشهور شكل

34 ، وهو كثير الآن في سوريا، وخصوصا في طرابلس الشام، وقد وجد ولكنسون العالم الأثري أن آناف الفينيقيين كانت كذلك، وكثيرا ما يشاهد هذا الأنف في العرب البادية.

شكل 34: يوسيفوس المؤرخ الإسرائيلي.

وبعض علماء الفراسة يسمون هذا الأنف «الأنف التجاري» لاقتدار أصحابه في التجارة بأعم معانيها وهي اكتساب الأموال على سبيل المبادلة، والإسرائيليون مشهورون بذلك، والسوريون أهل تجارة من عهد أسلافهم الفينيقيين. (4)

الأنف الأفطس: هو ما تطأمنت قصبته وانفرشت مناخره، كما في الزنوج ونحوهم، وهو دليل الانحطاط والضعف، وأصحابه ما برحوا من أقدم أزمنة التاريخ وهم أضعف الأمم وأعجزهم عن الفتح، وما فيهم من يطلب العلى أو يلتمس السلطان ولا من يبني القلاع أو الهياكل ولا من ينحت التماثيل أو يصور الصور.

ولم يشتهر من أصحاب هذه الأنوف إلا بضعة رجال، لا يستحق أن يسمى عظيما منهم إلا كوسيوسكو البولوني، على أن فطسه لم يكن بالأمر الكبير، وعلى كل حال إن الشاذ لا يقاس عليه. (5)

الأنف الأذلف: ونريد به الأنف المطمئن القصبة كالأفطس مع دقة الأرنبة حتى تنتهي برأس حاد، وشكل هذا الأنف عكس شكل الأنف الإسرائيلي تماما؛ أي إنه مقعر من وسطه. ويسمونه أيضا «الأنف السماوي» أو «الأنف الباحث» وهو كثير في الأحداث وفي النساء، وصاحبة هذا الأنف تسأل عن البيضة من باضها، ولكنها خفيفة الروح. وكذلك الأطفال فإنهم كثيرو الاستفهام عن كل ما تقع أبصارهم عليه، ولا بد من التمييز بين الأنف الأذلف وما قد يشبهه من الأنوف الدقيقة الرأس وما فيها تقعير، وأما هذا فإن تقعيره يبدأ من أصل الأنف وينتهي برأس دقيق في طرف الأرنبة.

ولهم نظر آخر في الآناف من حيث حجمها وشكلها كعرض القصبة أو ضيقها، وطول الأرنبة أو قصرها، وعرضها أو ضيقها، وكبرها أو صغرها، وغير ذلك مما لا نرى الإفاضة فيه لضعف أدلته. ولكننا نقتصر على الإجمال في ذلك إتماما للفائدة.

فالأنف العريض يدل على القوة، فإذا كان الأنف رومانيا مع عرض في قصبته وأرنبته كانت دلائل ذلك الأنف أقوى فيه، وهكذا يقال في سائر أشكاله.

والأنف الدقيق الرأس مع استطالة يسمونه «الأنف النبيه»، فإذا زاد طول الأرنبة غلبت في صاحبه السويداء، وهو كثير في رجال الكهنوت، ومن أصحاب هذه الأنوف إدموند سبنسر وجون نوكس ودانتي الشاعر الإيطالي المشهور شكل

35 .

شكل 35: دانتي.

بروز الأنف:

ويراد به بروزه بجملته في صحيفة الوجه، وهو يدل عندهم على القوة والهمة، وبروزه على أشكال، وكلها تدل على ميل أصحابها إلى الخصام أو الجدال أو المناظرة، وقد قسموا ذلك فيهم إلى ثلاث درجات: (1) الدفاع عن النفس، (2) الدفاع عن الأهل، (3) التعدي. وقسموها بهذا الاعتبار إلى «الأنف المدافع عن النفس» و«الأنف المدافع عن الأهل» و«الأنف المتعدي.»

فالأنف المدافع عن النفس يمتاز بعرض ثلثه الأخير فقط، وصاحبه لا يهاجم ولكنه متهيء للدفاع عن نفسه، يحب الجدال ولكنه سريع الغضب ولا يريد أن يمسه أحد، وإذا حاربه أحد في أرضه ثبت في الدفاع إلى الموت، وهو ثابت في جداله وفي الدفاع عن كل ما يمس كرامته.

وأما الأنف المدافع عن الأهل فعرضه أو بروزه في نحو المنتصف شكل

36

ويدل على أن صاحبه شديد الغيرة على أهله، يستهلك في سبيل الدفاع عن وطنه، وهو شائع في الولايات المتحدة بأميركا، ويدل على أخلاق أهلها دلالة صادقة.

شكل 36: الأنف المدافع عن أهله.

وأما الأنف المتعدي فعرضه في أعلاه شكل

37

وصاحبه يحب المهاجمة، وهو مجازف متهور، وإذا كان محاربا قتل ونهب وهو لا يبالي، وإذا كان كاتبا هجم بقلمه لا يبالي بالقصاص ولا الوعيد، وإذا كان من أرباب التجارة كان مجازفا لا يخاف الخسارة، ونظنه يفضل المضاربة على سائر التجارات.

شكل 37: أوتو الأعظم إمبراطور جرمانيا.

والأنوف المعتدلة المستوية أنوف أرباب الفنون الجميلة والشعراء، وكذلك كان ملتن وشكسبير وبوب وتاسو شكل

38

وموليير وباسكال وشيلر وغيرهم.

شكل 38: تاسو الشاعر الإيطالي.

وأخيرا إن اتساع المناخر مع عظم الأرنبة يدلان على القوة والثبات للأسباب التي قدمناها في كلامنا عن علاقة الأنف بالتنفس.

ولا يخفى أن ما فصلناه من آراء علماء الفراسة في دلالة الأنف لا يتفق وقوعه على وضوحه إلا نادرا؛ إذ يغلب أن تكون أشكال الأنوف مشتركة بين نوعين فأكثر، فلا يصح إبداء الحكم في أخلاق أصحابها قبل التروي والمقابلة واعتبار التقاطيع الأخرى.

وأحسن الأنوف دلالة على الأخلاق عند العرب «الأنف الحسن الوضع المعتدل المناسب في خلقه من مقدار أرنبته وقصبته ومنخريه وتوسطه في الكبر والصغر والطول والقصر والكثافة واللطف وضيق المنخرين وسعتهما وحسن لونه وتخاطيطه ولطف اتصاله بالجبهة وتوسطه بين الشمم والورود بالأرنبة إلى جهة الفم وسرعة التنفس منه وبطؤه، على أن يكون طيب الرائحة لين المجسة نقي البشرة من الشامات والخيلان والشعر الزغبي والرطوبة السائلة واليبوسة الجافة، لا أحدب ولا مستوي القصبة بالجبهة ولا منفصلها ولا أفطس ولا رقيق الأرنبة قائمها ولا مقلص من الشفة العلية ولا قريب من طرفها.»

فراسة العين

قال حيص بيص الشاعر العراقي:

العين تبدي الذي في قلب صاحبها

من الشناءة أو حب إذا كانا

إن البغيض له عين يصدقها

لا يستطيع لما في القلب كتمانا

فالعين تنطق والأفواه صامتة

حتى ترى من صميم القلب تبيانا

وقال صردر:

إن العيون لتبدي في نواظرها

ما في القلوب من البغضاء والمحن

وقال التعاويذي:

عيناك قد دلتا عيني منك على

أشياء لولاهما ما كنت رائيها

والعين تعلم من عيني محدثها

إن كان من حزبها أو من أعاديها

وقال أحد أدباء العصر:

وإذا أعوز اللسان بيان

فعلى العين بسط تلك المعاني

فتراها تجول بين جفون

تتمنى لو انها شفتان

وقال أمرسن الفيلسوف الأميركاني: العيون تنطق بكل لسان، ولا تحتاج في أحاديثها إلى ترجمان، لا ميزة عندها بين الأعمار أو المناصب أو الأجناس، ولا عبرة لديها بالغنى أو الفقر، بالعلم أو الجهل، بالقوة أو الضعف، ولا تفتقر في التعارف إلى وسيط كما يفعل الإنكليز، بل هي تقدم نفسها إليك وتخاطبك وتباحثك، فتوحي إليك في لحظة ما لا يستطيعه اللسان في أيام.

يتحادث الناس بعيونهم كما يتحادثون بألسنتهم، على أن حديث النواظر أفصح الحديثين؛ لأنه يدور في لغة عامة لا نحتاج في تعلمها إلى قاموس، إذا قالت العين قولا وقال اللسان آخر فالصادق هي لا هو، والعمدة على قولها لا على قوله، وقد تجادل امرأ في شأن فينكر عليك رأيك بلسانه وعيناه تعترفان به، وتدل العين على ما سيقوله اللسان من خير أو شر قبل أن يتكلم، وكم من عيون تسطو عليك بلا ذنب وتنظر إليها فتحسبها تدعو الشرطة للقبض عليك؟ تلك عيون وقاك الله من شرها.

وللعين دلالات يقصر عنها اللسان، فمنها العيون المريبة والواثقة والخائفة والجريئة، ومنها النافذة الكلمة والضعيفة الحجة، ومنها الوديعة والمتكبرة والمتمدنة والمتوحشة. والعينان تدلان على منزلة صاحبهما في طبقات الهيئة الاجتماعية ولو حاول اللباس إخفاءها ...

ناهيك بما قد تتقلب فيه باختلاف ما يطرأ عليها من العواطف، فهي تحمر من الغضب، وتبرق من الانعطاف، وتذبل من العشق، والعرب كثيرو التغزل بالعيون الذابلة، وهم يصفونها بالانكسار والفتور والسقام والكسل والمرض، قال ابن معتوق:

يا حامل السيف الصحيح إذا رنت

إياك ضربة جفنها المتكسر

وقال عنترة:

لها من تحت برقعها عيون

صحاح حشو جفنيها سقام

وقال شهاب الدين الإعزازي:

رد منا القلوب منكسرات

عندما راح كاسرا أجفانه

وقال جرير:

إن العيون التي في جفنها مرض

قتلننا ثم لا يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن أضعف خلق الله إنسانا

وللعرب ألفاظ يعبرون بكل منها عن حال من أحوال العين باختلاف العواطف، فعندهم «الشزر» نظر العدو، و«التوضح» نظر المستثبت، و«الإرشاق» النظر بشدة، و«الشفن» نظر المتعجب، ويقولون «حمج» لمن يفتح عينيه للتهديد، و«حدج» لنظر الخوف، وغير ذلك مما يدل على اختلاف ظواهر العين باختلاف العواطف مما لا يحتاج إلى زيادة بيان، فالعين أدل سائر الأعضاء على الأخلاق.

حجم العين:

أول ما يستلفت نظرنا في العين حجمها، وهي تتفاوت في ذلك تفاوتا كبيرا، من الخوصاء (الغائرة الصغيرة) إلى النجلاء (الواسعة الكبيرة) وبينهما درجات، وما زال الناس من قديم الزمان يمتدحون العين الكبيرة ولا سيما في النساء، ومن أكثر الأمم إعجابا بها العرب. فهي عندهم عنوان الجمال، وقد شبهوا المرأة الجميلة ببقر الوحش وبالغزلان؛ لكبر عيونها، وأشعارهم أصدق الأدلة على ذلك، قال بعضهم:

ما أطيب الموت في عشق الملاح كذا

لا سيما بجفون الأعين النجل

وقال الآخر:

لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعت

برشفة من زلال الأعين النجل

وقال الآخر:

عيون المها بين الرصافة والجسر

جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

وقال مجنون ليلى يخاطب ظبية قبض عليها:

عيناك عيناها وجيدك جيدها

ولكن عظم الساق منك دقيق

وغير ذلك شيء كثير.

وكبر العين في الفسيولوجيا قياس اقتدارها على النظر، قالوا: ولذلك فهي كبيرة في الغزال والأرنب والهر من ذوات النظر القوي وصغيرة في الخنزير ووحيد القرن وغيرهما من ذوات البصر الضعيف ، وأما الفراسة فإنه يدل فيها على اليقظة وصفاء الذهن، فمن كبرت عينه كان سريع الانتباه، وعندنا أن تلك الخلال لا تتوقف على حجم العين بل على صفائها ومائيتها مما لا يمكن تصويره على الورق.

جحوظ العين وغورها:

يراد بجحوظ العين بروز المقلة نحو قصبة الأنف، كما ترى في الشكل

39 ، وهو ضد الغور شكل

40

ويستدلون بجحوظ العين على اقتدار صاحبها في تعلم اللغات، وأصحاب العيون الجاحظة أهل فصاحة في الخطابة وسهولة في الكتابة، ولكنهم ينظرون في الأمور إجمالا، وقلما يبحثون في دقائقها، وبعكس ذلك ذوو العيون الغائرة فإنهم إذا نظروا في أمر تفهموا جزئياته، ولكنهم قلما يعممون نظرهم.

شكل 39: العين الجاحظة.

شكل 40: العين الغائرة.

سعة العين:

يتوقف الجمال في العين على طولها لا على سعتها، ولكن سعة العين تساعد على توسعة المساحة التي يقع عليه البصر، ولذلك كان صاحبها واسع النظر ولكنه قليل الاستيضاح. فواسعو العيون يرون كثيرا ويفتكرون قليلا، وطوال العيون يرون قليلا ولكنهم يتفهمون المرئيات جيدا.

اتجاه العين إلى الأعلى:

إن التطلع إلى الأعلى يشبه شخوص العين إلى السماء في أثناء الصلاة، إذ يخيل للمصلي أنه يخاطب العزة الإلهية، وذلك شأن المصلين ولو كانوا من غير الموحدين، فإن الوثنيين وعبدة النار إذا صلوا أرسلوا أبصارهم إلى السماء، فمن كانت حدقة عينه متجهة نحو الأعلى كان متزلفا كثير التوسل يظهر الدعة والمذلة.

الإطراق:

أما من كانت حدقة عينه شاخصة إلى الأسفل بما نعبر عنه بالإطراق فهو وديع متواضع حقيقة، وكأن لسان حاله يقول: «ولا بد من التواضع والدعة قبل القدوم على التوسل والصلاة.» والمصورون يرسمون عيني العذراء مريم مطرقة إشارة إلى وداعتها.

الأجفان:

الجفن المنكسر أو المكبوب: ما كان فيه ميل إلى الإطباق، وأصحابه أهل وداعة وضمير حي، وهم أقرب الناس إلى التوبة والرجوع عن الخطأ.

تجعد الآماق:

يستدلون على أمانة الرجل من تجعدات تتشعع من موق عينه الخارجي، ويقولون إن من كانت هذه التجعدات فيه واضحة كان صفيا وفيا إذا وعد وفى .

ألوان العين:

ويراد بها ألوان الحدقة، وهي كثيرة لا تكاد تحصى؛ لأنك يندر أن ترى عينين في شخصين بلون واحد تماما، ولكنهم قسموا العيون من حيث ألوان حدقاتها إلى قسمين كبيرين: العيون الزاهية اللون (الفاتحة) والعيون القاتمة (الغامقة)، ويقولون بالإجمال: إن العيون ذات الألوان الزاهية تدل على اللطف، وذات الألوان القاتمة تدل على القوة، وقد تكون القوة في هذه كامنة لا تظهر إلا عند الاقتضاء، كأنها نار تحت رماد، ويغلب في أصحاب العيون القاتمة أن يكونوا من أهل الأقاليم الحارة، وهم في الغالب سمر خشنو البشرة مع قوة الإرادة وشدة العواطف، وأما أصحاب العيون الزاهية فهم أهل الأقاليم المعتدلة والباردة، وهؤلاء قد تهيج عيونهم حبا ولكنها لا تتوقد، ويرافق هذه العيون غالبا بياض البشرة وخفة الشعر، ويغلب فيهم لطف المزاج وسلامة الذوق ولين العريكة وسرعة الحركة، ويؤيد ذلك أن أصحاب العيون الزاهية أعرق في المدنية من أصحاب العيون القاتمة، وإذا اتفق زهاء لون العين وقتوم لون الجلد في رجل فإنه يجمع القوة واللطف معا، ومتى عرفت دلالة كل من هذين القسمين بوجه الإجمال علمت ما قد يتوسط بينهما من الألوان المتفاوتة بين الزهو والقتوم.

الإقليم وألوان العيون:

للإقليم تأثير شديد على ألوان العين، فمن كان أزرق العينين وأقام في بلاد حارة تميل عيون أولاده وأحفاده إلى القتوم حتى تسود، فإذا انتقل هؤلاء الأعقاب إلى بلاد أجدادهم ولدوا أولادا زرق العيون، ويشبه ذلك ما يحدث في ألوان البشرة، ولكن تأثير الإقليم أسرع ظهورا في العينين، ويقال مثل ذلك في ألوان الشعر، ولنأت الآن إلى الكلام في ألوان العين بالتفصيل.

العيون الزرق:

يتغزل شعراء الإفرنج بالعيون الزرق كما يتغزل العرب بالعيون السود، وكل معجب بما عنده، فالإفرنج يرون الجمال في العين الزرقاء ويشبهونها بالسماء الصافية وينسبون إليها كل عوامل الجمال، وبعكس ذلك العرب فإنهم يستدلون بزرقة العيون على سوء الأخلاق، ويقولون إن الزرقة دليل البلادة والكسل، ومن أشعارهم قول بعضهم:

مرا على أهل الغضا إن بالغضا

رقارق لا زرق العيون ولا رمدا

على أن بعضهم مدح العيون الزرق لسبب طارئ كقول ابن نباتة:

لك يا أزرق اللواحظ مرأى

قمري أضحى على الخلق يبهي

يا لها من سوالف وخدود

ليس تحت الزرقاء أحسن منها

وأما أقوالهم في مدح العيون السود فأكثر من أن تحصى، منها قول أبي الفتح سلام:

سويدا مقلتيه رمت سويدا

فؤادي إذ لها أضحت تغاير

أصابتها ونادت يا لقومي

قفوا وتأملوا فعل الضرائر

وقول البدوي:

بالمقلة السوداء عقلي ذاهب

لا سيما والطلعة القمراء

إن كان بالزرقاء جن خلائق

فأنا جنوني كان بالسوداء

وقول أبي القاسم بن المحسن:

إن العيون السود أقوى مضربا

من كل هندي وكل يمان

فضل العيون على السيوف لأنها

قتلت ولم تبرز من الأجفان

وأقبح العيون الزرق عند العرب ما كان على بشرة سمراء أو سوداء، ومن هذا القبيل زعمهم في وصف الغول بأنه أسود البشرة أزرق العينين، كقول عنترة العبسي:

والغول بين يدي يخفى تارة

ويعود يظهر مثل ضوء المشعل

بنواظر زرق ووجه أسود

وأظافر يشبهن حد المنجل

ويدل ذلك على أن خصائص العيون ليس في ألوانها، وإنما هي في صفائها وكدورتها، في حركاتها وسكناتها، في إشراقها وبهوتها، مما لا يعبر عنه بالصور ولا بالكلام، وإنما هو سحر لا يستدل عليه بغير العواطف.

العيون السود:

ذكرنا إعجاب العرب بهذه العيون، وأما الإفرنج فإنهم يقسمونها إلى أقسام: (1) العين الصغيرة البراقة التي تبدو كالخرزة السوداء، (2) العين الغائرة المتوقدة، (3) اللينة المتحركة مع نعاس، (4) لكبيرة مع جمال الشكل وحسن الوضع. فالأولى عين الجميل المعجب بجماله الباطل، والثانية عين المحب المخلص في حبه، والثالثة عين الترك، وتكثر في نساء الأتراك (الهوانم).

فالأولى عين الجميل المعجب بجماله الباطل، والثانية عين المحب المخلص في حبه، والثالثة عين الترك، وتكثر في نساء الأتراك (الهوانم).

وأما الرابعة فإنها أجمل العيون وأشدها خطرا على القلب، تبدو لك هادئة كالماء العميق والعواطف تتدفق من جوانبها، وكأنك ترى شرر الذكاء يتطاير من بين أهدابها، تلك هي العين التي لا تحتاج إلى ترجمان ويندر أن تعرف الابتسام، تخترق جدار الصدر حتى تقع على القلب فتصيب فيه مقرا رحيبا ثم لا تتركه إلا صريعا، تلك هي عروس الشعر العربي، هي العيون الدعجاء النجلاء التي تجرد السيوف وترمي السهام، قال المتنبي:

عزيز أسى من داؤه الأعين النجل

عياء به مات المحبون من قبل

وما هي إلا نظرة بعد نظرة

إذا سكنت في قلبه رحل العقل

وقال الآخر:

رمي بسهام مقلته فأرمى

غزال فاتن الألحاظ ألمى

وقال الخباز:

أين السيوف من العيون تشابها

غلطا وإن كانت بصقل تلمع

إن السيوف قواطع بصقالها

إلا العيون إذا تصدت تقطع

وفي هذه العيون معان لا يمكن التعبير عنها، ويغلب أن يكون صاحبها نافذة الكلمة قوي الحجة، إذا نظر إليك تسلط على أفكارك وشعرت بشيء يقودك إليه، كذلك كانت عينا المرحوم جمال الدين الأفغاني شكل

41 .

شكل 41: جمال الدين الأفغاني.

ولعل هذا هو السبب في تعبير العرب عنها بالسحر، وقد أفاض الشعراء في وصفها، قال ناصر الدين بن قلاقس:

بالله أقسم لولا سحر مقلته

وحسنه خلت الدنيا من الفتن

وقال ابن كيوان:

بعينيه سحارا يعلمني السحرا

ويوحيه لي نثرا فأنظمه شعرا

وليس بقولي إن في اللحظ ساحرا

مبالغة لا والذي خلق السحرا

وقال آخر:

عيون عن السحر المبين تبين

لها عند تحريك الجفون سكون

إذا أبصرت قلبا خليا من الهوى

تقول له كن عاشقا فيكون

ويقوى سلطان العيون النجلاء الدعجاء إذا كانت في وجوه بيض فتزيدها جمالا وقوة، وهو منتهى الجمال عند العرب، ومن ذلك صفة الحور عندهم وهن بيض الأجسام سود العيون.

العيون السمراء:

والعرب يسمونها أيضا الخضراء، ولها جمال خاص بها يختلف باختلاف ما يبدو فيها من الحركة والسكون، فإذا تحركت كان صاحبها ميالا إلى السرور، على أن هذا اللون يتفاوت كثيرا في مقداره، وقد تخالطه حمرة أو خضرة أو غير ذلك، فيتكون منها العيون الشهلاء والشعلاء والصفراء والعسلية والزرنيخية والرصاصية والرمادية والسنجابية، وغير ذلك مما لا يمكن حصره، وينسبون إلى كل منها دلالة على أخلاق صاحبها مما يطول شرحه ولا نرى فيه فائدة فنقتصر على الشهلاء منها.

العيون الشهلاء:

يقولون أن أصحاب العيون الشهلاء أصحاب عواطف وذكاء، فإذا كان صاحبها امرأة كانت سهلة القياد مع تغلب العقل على العواطف، شديدة الانعطاف إلى زوجها تؤثر رضاه على كل شيء، قليلة الكلام كثيرة العمل، وجماعة كبيرة من عظماء الرجال وخصوصا قواد البحار كانوا من أصحاب هذه العيون.

ملامح العين:

نريد بملامح العين ما يبدو فيها من المعاني والأمارات أو الأشعة والأظلال مما لا يمكن رسمه ولا وصفه، فإنك تنظر إلى الرجل فتتوسم في عينيه الذكاء أو البلادة أو الصداقة أو العداوة أو السذاجة أو الدهاء، ومن هذا القبيل قول بطرس الرسول في وصف أصحاب الشهوات: «لهم عيون مملوءة فسقا.» وقس على ذلك.

ولو سئلت عن بيان ذلك ما استطعت إلى وصفه سبيلا، وفي هذه الملامح الفراسة الحقيقية للعين؛ إذ قد يكون الذكاء في العيون على اختلاف أقدارها وأشكالها وألوانها، وكذلك البلادة أو السذاجة أو الدهاء، فالعين في اعتقادنا أكثر الأعضاء دلالة على الأخلاق، وإذا كنا لا نستطيع بسط ذلك أو تصويره واضحا جليا فلأن تلك المعاني لا صورة لها ولا شكل.

الأجفان المرتعشة:

من الناس من يخاطبونك ولا يستطيعون التطلع إلى وجهك ولا التفرس في عينيك، وقد ينظرون إليك وأجفانهم ترتعش كأنهم يستحيون منك أو يخافون النظر إليك، فأولئك هم أهل الخبث والرياء، كأن الرجل منهم يخاطبك في شأن وفكره يشتغل في تدبير مكيدة أو نصب أحبولة، وهي الأجفان التي أرادها أبو الطيب المتنبي وهو يهجو إسحاق بن إبراهيم بن كيغلغ، قال:

وجفونه ما تستقر كأنها

مطروفة أو فت فيها حصرم

ولا بد من التمييز بين ما قدمناه وما قد يشبهه في بعض النساء العصبيات اللواتي قد يكففن البصر حياء أو عياء.

وأجمل صفات العين عند متفرسي العرب أن تكون «متوسطة في الحجم ساكنة في مركبها ترفة في نظرها، والتي لم تتفرق أشفارها ولم تضق ولم يضعف إنسانها، وتكون صافية من الكدر نقية من النقط لينة حسنة في بريقها كامنة العروق معتدلة في الطرف بالجفن نجلاء الأشفار يخالطها السرور والمهابة، بياضها نقي وسوادها نقي، لا عظيمة ولا صغيرة، ولا غائرة ولا جاحظة، ولا شاخصة كالجامدة ولا سريعة التقلب كحركة الزيبق، ولا ناتئة الحدقة ولا صغيرتها ولا كبيرتها ولا واسعتها، ولا مختلفة الوضع في البياض والسواد، وتكون رطبة المنظر من غير ضعف ولا علة، شهلاء أو خفيفة الشهولة أو كحلاء أو شعلاء خفيفة الشعولة، شحيمة الجفن الأعلى والأسفل، ملوزة الوضع سوداء الحدقة الفاصلة بين بياضها، وقل أن تجتمع في عين هذه الأوصاف كلها بل غالبها، فاجعل هذه العين الموصوفة أنموذجا واحكم لها أن صاحبها يكون حسن الطبع جيد العقل غزير المروءة وكثير الخير قوي الفطنة متصفا بكل خلق فاضل.»

فراسة الحواجب

يقسمون الحواجب من حيث أشكالها إلى أربعة أقسام: (1) الحواجب المتحدة في خط واحد، (2) الحواجب المتحدة في قوس واحدة، (3) الحواجب المقوسة المستقلة، (4) الحواجب المنفرشة. ولهذه الأشكال تنوعات شتى لتفاوت كل منها بالثخن والطول. (1)

الحاجبان في خط واحد: وذلك أن يقترن الحاجبان عند أصل الأنف فيتألف منهما خط ذاهب في عرض الجبهة شكل

42

وقد يذهبان في خط واحد ولا يقترنان، وتغلب هذه الحواجب في الرجال وتندر في النساء، وهي دليل الحسد، فإذا رافقها غور العينين واسودادهما مع خشونة الملامح كان صاحبها كتوما عبوسا عاتيا ظالما سيئ الخلق طماعا.

شكل 42: الحاجبان في خط واحد. (2)

الحاجبان في قوس واحدة: وقد يستطيل الحاجبان نحو جانبي الوجه ويرتفعان من الوسط حتى يتكون منهما قوس واحدة شكل

43

وصاحب هذه الحواجب لطيف المزاج رقيق الخلق خفيف الروح، ولكن يغلب فيه العبوسة كأنه سوداوي المزاج.

شكل 43: الحاجبان في قوس واحدة. (3)

الحاجبان في قوسين مستقلتين: وهذا هو الغالب في أشكال الحواجب في النساء والرجال شكل

44

ويكون في النساء دقيقا مزججا وهو ما يعبر العرب عنه بالحواجب النونية لمشابهتها بحرف النون، كقول عنترة:

وبحاجب كالنون زين وجهها

وبناهد حسن وكشح أهضم

وقول الآخر:

وحاجبه نون الوقاية ما وقت

على شرطها فعل الجنون من الكسر

ومثله قول الآخر:

وجبينها صلت وحاجبها

شخت المخط أزج ممتد

فهو من محسنات النساء ودليل الخلق الحسن.

شكل 44: الحاجبان في قوسين.

وأما في الرجال فإذا ثخن واقترن بالحاجب الآخر أو لم يقترن فصاحبه يقظان سريع الانتباه كثير الحذر شكل

45 .

شكل 45: عمر باشا. (4)

الحواجب المنفرشة: ويراد بها انفراش شعر الحاجب من طرفه وذهابه إلى الوراء شكل

46

وهي تدل على خلق ناقص، وقد يكون شعر الحاجب مسترسلا إلى الأسفل بدلا من الأعلى أو الوراء. ولا بد من التمييز بين هذه الحواجب والحواجب المقوسة المسترسلة فوق العينين، وأصحابها في الغالب أهل شجاعة وقوة وهيبة وصبر، كالأمير بشير الشهابي الكبير شكل

47 .

شكل 46: الحواجب المنفرشة.

شكل 47: الأمير بشير.

شكل 48: أشكال العيون والحواجب.

وأفضل الحواجب عند متفرسي العرب «الحاجب الممتد المعتدل الحسن الوضع والنبات للشعر وتناسب الطرفين مع دقته وارتفاع مؤخره إلى جهة الصدغ وبلجه وارتفاعه عن العين قليلا.»

على أنك قلما تجد حاجبين على أحد الأشكال الأربعة التي قدمناها تماما، والغالب أن تكون أشكال الحواجب مشتركة بين اثنين منها أو أكثر، ولا بد من الانتباه قبل الحكم، على أننا لا نستحسن الحكم على الحواجب مجردة عن العيون، بل لا بد من اعتبار الاثنين معا، وهو مما يزيد الفروع ويكثر الأشكال.

وقد درس بعضهم بعض أشكال الأحداق مع الحواجب وخصوصا في النساء، فإذا هي سبعة لكل منها دلالة خاصة شكل

48 .

فالشكل الأول من أشكال العيون السبعة المرسومة أمامك يدل على ميل إلى الموسيقى والشعر وسائر الفنون الجميلة مع ذكاء وحدة، وقد تكون أجفانها مطبقة أحيانا كما في الشكل الثاني، ولكن التفاتها إلى فوق على ما في الشكل الأول يدل دلالة واضحة على ميل تلك الفتاة إلى الفنون الجميلة.

وترى في الشكلين الثالث والرابع مشابهة من بعض الوجوه، فالأخلاق فيهما متشابهة، وتدل هذه العيون على ميل صاحبتها إلى الدلال والترف والقصف، إلا أن صاحبة الشكل الثالث تحاول إخفاء أميالها والتلبس بالحشمة والرزانة والحق ظاهر من وراء ذلك.

ويدل الشكل الخامس على عيني فتاة يغلب الجد على طباعها فتأنف من المزاح وتبعد عن المجون، فهي غير صالحة للزواج؛ لأنها لا ترضي زوجها ولا هو يرضيها ولو كان أغنى من قارون وأحكم من سليمان، بل هي أصلح للتمريض في المستشفيات أو التدريس في المدارس.

وأما عينا الشكل السادس فأخلاق صاحبتهما كأخلاق الكهلات العزبات اللواتي يدركن الكهولة ولا يتزوجن وإن تكن هي لا تزال في إبان الشباب، وأوضح الأدلة على هذا الخلق تقوس الحاجب كما في هذا الشكل.

أما الشكل السابع وهو الأخير فعيناه عينا فتاة تصلح للزوجية وخصوصا لمن كثرت أشغاله وبعدت مطامح أغراضه، فكأن اعتدال حاجبيها يدل على اعتدال أخلاقها واقتصادها وتدبيرها.

وقد يهتم العزاب في هذا الموضوع أكثر من المتزوجين؛ لأنهم يستعينون به على اختيار الزوجات، فليتبصروا لئلا يخلطوا بين الأشكال أو يحسبوا هذه القواعد بلا استثناء، فضلا عما تؤثره التربية والتعليم مما قد يقوم مقام خلق جديد، أما إذا ثارت ثائرة الغضب أو اتقدت شعلة الحدة فيرجع كل خلق إلى أصله.

فراسة الخد

تختلف دلالات الخدود باختلاف أشكالها وألوانها، وكلاهما يتوقف على حال الصحة ونوع المزاج، وعلى شكل الخد يتوقف شكل الوجه، فيقال بالإجمال: إن الوجه المستدير إذا كان فيه لون دل غالبا على صحة أعضاء التغذية وقوتها وكان صاحبه حيوي المزاج، وإذا كان الوجه مستديرا مع بهوت اللون كان صاحبه ليمفاوي المزاج، وقس سائر أشكال الوجوه على ما قدمناه في باب فراسة الأمزجة وأشكال الوجوه؛ لأن شكل الوجه يتوقف على شكل الخد.

الاستحياء:

من الناس من إذا استحيى من عمل أو سمع ما يخجله تصاعد الدم إلى وجهه حتى تتورد وجنتاه، وهو غالب في النساء، ويدل ذلك على لطف الخلق ودقة الشعور، وهو يكاد يكون خاصا بالشعوب المرتقية، ولا أثر له في الزنوج ونحوهم، وقد ذكر بعضهم أن السرية الشركسية إذا كانت ممن يصبغ الحياء وجوههن عند الخجل تضاعف ثمنها.

النونة:

وهي تدل في القاموس على النقرة في ذقن الصبي، ومثلها «الفحصة»، ولكننا نريد بها هنا دارة تبدو في الخد عند الضحك، ويسميها العامة «الغمازة»، وهي تدل على ميل صاحبها إلى السرور مع بساطة القلب وسلامة النية بما يقرب من سجايا الأحداث.

الصدغ:

وهو ما بين العين والأذن، وتعاظمه يدل عند علماء الفراسة على اقتدار خصوصي في مهنة الطب، فمن كان صدغه بارزا كان ميالا إلى الطب، فإذا تعلمه برع فيه.

وعندهم دلالات أخرى لكل من أجزاء الخد وأشكالها مما لا نرى فائدة من نقله لإسناده إلى مجرد الحدس.

الوجنة:

الوجنة ما ارتفع من الخد، ويسميها العامة كرسي الخد، ويزعم بعض علماء الفراسة أنها إذا برزت واتسعت شكل

49

كان صاحبها شديد الدفاع عن نفسه وعن أهله وذويه، ويغلب في أصحابها أن يكونوا من رجال الحرب وبناة الحصون والمعاقل، وهي عظيمة في الصينيين، وهم مشهورون بميلهم إلى بناء الأسوار والجدران، وكذلك أهل هولندا وهم مضطرون إلى الدفاع عن بلادهم ببناء الجسور والسدود خوفا من البحر، ومن أشهر قوادنا عثمان باشا الغازي، ووجنته واسعة شكل

50 .

شكل 49: عثمان باشا الغازي.

شكل 50: الوجنة البارزة العريضة.

وأفضل الأوجه الدالة على الخلق الحسن عند متفرسي العرب «الوجه المزهر المتهيب المعتدل في تكوينه ولونه ووضع عينيه وأذنيه وتخطيط أنفه وظهور البشر والسرور على أسرته.»

فراسة الجبهة

إن الكلام في فراسة الجبهة تابع للكلام في فراسة الرأس (الفرينولوجيا)، وسيأتي الكلام عليه، ولكننا نأتي هنا على بعض الخصائص المتعلقة بالجبهة وحدها.

إذا تفرست في جباه الناس لا تجد جبهتين في شكل واحد وقياس واحد تماما، ولا بد من اختلافها بعضها عن بعض إما بالسعة أو بالبروز أو بالاستدارة أو بالتغضن أو بالانكباب أو الانبساط أو الانبطاح أو الإشراف أو الجلح أو الخسوف ونحو ذلك، ولهذه الاختلافات عندهم دلالات مختلفة.

سعة الجبهة:

معلوم أن مقر العقل في الدماغ، والدماغ في أعلى الرأس، وسعة الجبهة تدل على كبر الرأس، فتكون سعة الجبهة دليل العقل، على أن سعتها لا تدل دائما على ذلك؛ لأن العمدة في حكمنا إنما هي على مقدار الدماغ في الرأس وعلى نسبته إلى بقية أجزاء الرأس.

وقد يتبادر إلى الذهن أن الفرق بين العقول أكثر كثيرا من الفرق بين الجباه، ولكننا إذا قابلنا بين الجباه بالقياس العياني فنرى الفرق أكثر كثيرا، كما يظهر ذلك من النظر إلى الشكلين

51

و

52

فهل يصعب عليك الحكم في أي المرأتين أعقل؟ ومن ينظر في الشكل

53

ولا يحكم قطعيا ببلاهة صاحبه؟!

شكل 51: جبهة صغيرة.

شكل 52: جبهة كبيرة.

شكل 53: رأس الأبله.

شكل 54: سبنسر.

ومع ذلك فإن أنبه الحيوانات وأذكاها لا تبلغ جبهته بالكبر مبلغ جبهة البله من الآدميين، وحجم الجبهة يتدرج في الآدميين بتدرجهم في مراتب المدنية، فهي أعظم في القوقاسي مما في الأوسترالي، وأكبر في هذا مما في الزنجي، وهو أمر مشهور، ولو تفحصت جباه أعاظم الرجال لرأيتها كبيرة واسعة، نكتفي بالإشارة إلى أشهرهم مثل نابوليون وشكسبير وملتن وغوتي وفرنكلين وسبنسر شكل

54

وهكسلي، وعندنا من أصحاب هذه الجباه أديب إسحاق شكل

55

ونامق كمال بك شكل

56 .

شكل 55: أديب إسحاق.

شكل 56: نامق كمال بك الكاتب التركي الشهير.

تغضن الجبهة:

ونريد به ما يظهر في عرض الجبهة من الثنيات المتوازية كما في شكل

57

وصاحبها ميال إلى عمل الخير يشارك الناس في مصائبهم وأتعابهم، وهي أظهر في الرجال مما في النساء، وإن كان النساء أشد شعورا مع الناس من الرجال ولكن هؤلاء أكثر عملا في إعالتهم.

شكل 57: لوثيروس.

تغضن ما بين الحاجبين:

إذا أقطب المرء حاجبيه تكون بينهما تغضن عمودي يختلف باختلاف الناس، فقد يكون خطا مفردا أو مزدوجا أو بضعة خطوط، ولكل منها دلالات.

فإذا أشرف التغضن فوق الأنف وكان متعددا كان صاحبه متعقلا حازما، وإذا كان مفردا دل على شرف النفس والأنفة، وإذا كان مزدوجا شكل

58

كان صاحبه طلابا للعدل لا يطيق الضيم، يحكم بالإنصاف ولو على نفسه، كذلك كان لوثيروس المصلح المسيحي المشهور، وكان التغضن بين حاجبيه مزدوجا شكل

57 .

شكل 58: المستر أوسكاتيان.

وأفضل الجباه دلالة على الأخلاق الحسنة عند العرب «المعتدلة الموافقة لوجه صاحبها، التي ليس فيها تربيع ولا تعجرف، ولا هي مسحاء إلى الرأس ولا مشرفة على الوجه، ولا عظيمة ولا صغيرة، ولا ضيقة ولا واسعة، ولا طويلة ولا جلحاء، ولا قصيرة الشعر ولا مستدقة، ولا هي مخفة ولا خشنة، ولا شعر الرأس مالك أعلاها بكثرة، بل مستوية الخلق لينة عالية في وضعها حسنة المنظر نقية من الشامات ومن الخيلان ومن الشعر النابت بها كالزغب.»

فراسة العنق

يظهر من ملاحظة أحوال الطبيعة أن ما كان من الحيوان ضعيفا سقيم الطبع يكون ذا عنق طويل، فالزرافة والنعامة مثلا قد خصتا بطول العنق؛ لما تحتاجان إليه من بعد النظر، لسلامتهما من الآفات، ومن المعلوم أنهما يشتركان والطيور الطويلة الأعناق في الجبن والضعف مع اللطف.

والأرانب بما هي عليه من الجبن قد خصت بطول الآذان وبعد النظر وظل عنقها قصيرا، لأنها لا تأوي السهول بل تخلد إلى مهاوي الأرض وثقوبها؛ ولذا لم تكن في حاجة إلى بعد النظر فلم تكن حادته، على أن حاسة السمع فيها بالغة حدا عظيما لحاجتها إليه، فترى آذانها مستطيلة غضفاء.

قابل هذه بالشجاع القوي من الحيوان، كالجاموس والأسد والثور، فتراها قصيرة الأعناق غليظتها، ومن الحكمة البالغة أن القوي من الحيوان ليس بالسريع الجري لكي يستطيع الضعيف النجاة من مخالبه، فالقوي بطيء الحركات والضعيف سريع الخطو.

فالجبن واللطف والضعف مقرونة بطول العنق ودقته، والقوة والقسوة والثبات ملازمة قصير العنق وغليظه، وبين هذين الطرفين أشكال وأحوال مختلفة.

وينطبق هذا الناموس على البشر أيضا، فالعنق القصير الغليظ في الرجل دليل القوة والشجاعة والصبر على المكاره، وكل رجال القوة البدنية وأهل الجلاد والحرب غلاظ الرقاب. وغلظ الرقبة يدل على سعة الصدر وقوة البدن كما في الشكل

59 .

شكل 59: السلطان عثمان الغازي.

وأما الرقاب الدقيقة فأصحابها نحاف لطاف مع جبن، وهي أكثر في النساء مما في الرجال، والفرق بين الجنسين مشهور، والعرب تشبه العنق الطويل بعنق الظباء ويعدونه من دلائل الجمال، كقول بعضهم:

والجيد منها جيد جؤذرة

يعطو إذا ما طاله المرد

وقال الآخر:

براقة الجيد واللبات واضحة

كأنها ظبية أفضى بها لبب

وأحمد الأعناق دلالة على الخلق الحسن عند العرب «أن يكون العنق معتدلا بين الدقة والغلظ وبين القصر والطول، وأن يكون سبطا لدنا خفي العروق والودجين والقصبة والحنجرة والفقار وحسن اللون مستوي المغرز .»

فراسة الأذن

الأذن آلة السمع، فإذا كانت عظيمة دلت على قوة حاسة السمع في صاحبها، وكبر الأذن يستلزم كبر الأيدي والأرجل وسائر الأعضاء، والعكس بالعكس، وقد وجدوا بالاستقراء أن عمال البر ورجال الإصلاح يغلب أن يكونوا كبار الآذان، كالأب متى أحد دعاة الدين العظام، وكذلك كوبر وماسون وغريزون وإسحاق هوبر وتوماس كاريت وإبراهيم لنكولن وغيرهم، ووجدوا من الجهة الأخرى أن جماعة من رجال الأموال كانوا كبار الآذان أيضا، وفيهم كثيرون من بيت روتشيلد واستور وجيرار وغيرهم.

وعندهم أن الأذن المستطيلة من الأعلى إلى الأسفل لها قوة على تمييز الأصوات والتفريق بين طبقاتها ونغماتها، وبعكس ذلك الأذن العريضة، وبين عضو السمع وعضو النطق نسبة متبادلة، فمن كانت أذنه قادرة على تمييز الأصوات كان نطقه قادرا على إخراجها.

ووجدوا أن الأذن الكثيرة التجعدات والطيات أشد حساسة وأدق بناء من سواها، وبعكس ذلك الأذن التي ليس لها إلا تجويف واحد، ويؤيدون ذلك بالقياس على آذان الحيوانات، فإن أدقها سمعا أكثرها تجعدا.

وخلاصة أقوالهم أن ذوي الآذان الحساسة دقيقو الشعور الموسيقي، وهؤلاء هم أهل الرقة والذوق على حد قول شكسبير الشاعر الإنكليزي المشهور «إن الرجل إذا لم يكن موسيقيا ولا يطرب للموسيقى فهو لا يصلح إلا لتدبير المفاسد ونصب المكايد ...»

وأحمد الآذان دلالة على الخلق الحسن عند العرب «الآذان المناسبة لمقدار رأسها، وتكون حسنة التكوين، ليست بمنكسرة ولا منبسطة، ولا رقيقة ولا غليظة الشحمة، ولا نابتة الشعر في صماخها بكثرة، ولا تكون مشرفة إلا على صغيرة الشحمة، حسنة اللون والوضع والتكاسير التي بها.»

فراسة الشعر

لا يخفى أن التنفس منبع الحرارة الحيوانية، وبانقطاعه انقطاع الحياة، فمرجع الهمة والنشاط إلى التنفس والدفء، فكلما يخزن الحرارة في أجسامنا يزيد في همتنا ونشاطنا.

والحيوانات تشترك في شيء واحد يعمها جميعا وهو الشعر، فالشعر أو ما قام مقامه كالفرو والريش في بعض الحيوانات والطيور من حافظات الحرارة، وبالنتيجة فهو حافظ للهمة والنشاط.

شكل 60: منبت شعر في الجلد.

الشعر والقوة:

ومن الحقائق المقررة بالمشاهدة أن أشرس الحيوانات أغزرها شعرا ، وأن نوابغ الأذكياء خفيفو الشعر إلا نادرا ، يستدلون على صدق ذلك بالجاموس الأمريكي؛ فإنه غزير الشعر ويستحيل أن يكون أليفا مهما أجهد المرء نفسه في تهذيبه، مع أن الأسد وهو ملك الحيوانات وسيدها قد يألف، والإنسان قليل الشعر كثير الذكاء والدهاء.

ولما كان الشعر من حافظات القوى كما تقدم، فمن الواجب أن يكون كثير الشعر نشيطا قوي البنية، وخفيفه داهية حاذقا في كل ما يقتضي إعمال الفكرة، وإليك الدليل.

من يطالع تاريخ رجال إنكلترا يجد أكثر عظمائهم ونوابغهم خفيفي اللحية والشاربين. وللقارئ أن يبحث بين أصدقائه وخلانه ممن يعرف أخلاقهم ومقدرتهم فيرى صحة هذا القول، أما غزير الشعر فإنه ميال إلى الأعمال التي لا تقتضي إجهاد العقل، والعكس بالعكس.

ولزيادة الإيضاح نضرب مثلا: أكثر القراء يعرفون مثل عيسو ويعقوب في التوراة، فقد كان عيسو شعرانيا ويعقوب بعكس ذلك، وكان عيسو شجاعا ميالا إلى الحرب والغزو وجبار بأس، ولكنه ضعيف الرأي؛ فلما عضه الجوع مرة باع بكوريته على ما كان لها من المنزلة في عيون القوم لذلك العهد.

أما يعقوب أحد التوأمين فكان بعيد الشبه من أخيه، مع أن المتبادر إلى الذهن أن التوأمين يتشابهان لا في المنظر فقط بل في الأخلاق أيضا، فإنه كان محبا للعزلة والانفراد «قعيدة بيت» ولم يبد منه ميل إلى القنص والصيد مع شيوع تلك العادة في ذلك الزمان، ومن المعروف أن قعيدة البيت يكثر التأمل والتفكر وقواه الجسدية تضعف وتنحل.

فكان يعقوب حكيما بصيرا بالأمور ودخائلها، حاضر الذهن إذا دعاه الداعي إلى استعمال الحيل، كما وقع له يوم لقي أخاه وهو عائد من المشرق إلى فلسطين كما تراه مدونا في موضعه.

ولنا مثال آخر في شمشون فإن قوته كانت تلازمه ما دام شعره طويلا وتفارقه إذا قص شعره، والأكثرون يعجبون لذلك ويرومون الوقوف على العلاقة بين قوة شمشون وطول شعره، ولكن الفراسة تكشف لنا النقاب عن هذا السر وتعلمنا أن طول الشعر مملوء بالنشاط والقوى الحيوية ميال إلى تعاطي الأعمال العنيفة التي لا تقتضي إمعان الفكر أو إجهاد القوى العاقلة، وعكس الأمر باد في عديمي الشعر أو خفيفيه، فإن الأجرد في الشرق عنوان المكر والدهاء والناس في بلادنا يتشاءمون من رؤيته، ولا يستفاد مما تقدم أن الشعر سبب القوة، وإنما هو مقارن لها ودليلها، وهي حقيقة ثابتة عرفها الأقدمون من المتمدنين وغيرهم، فإن جوبتير وهو عند اليونانيين إله القوة والمقدرة يمثلونه في أصنامهم وأشعارهم بصورة رجل طويل شعر الرأس كث اللحية.

وقد يعترض بأن الأجيال البيضاء قليلة الشعر، وهي المتغلبة على الأجناس الكثيرة الشعور، فكيف يحدث أن القوي يخضع للضعيف؟ والجواب على ذلك أن خفيف الشعر ضعيف البنية ولكنه ماضي القوى العقلية، والعقل هو الذي يدير الكون ويحكم في الكائنات، فإن الاختراعات والاكتشافات وجميع التدابير إنما مرجعها العقل، وللعقل اليد الكبرى في تقدم الأجيال القوقاسية وميزتها على غيرها من أبناء نوعها.

وهناك سبب آخر لتقدم الأوروبيين وغيرهم من الأمم القوقاسية على سائر الأمم، وهو أن القوقاسي يستطيع السكن في جميع الأقاليم سواء كانت حارة أو باردة أو معتدلة، ولا يستطيع ذلك غيره من بني البشر، فللأوروبي من الميزة على غيره ما يخوله السلطة والتقدم طبقا لناموس الارتقاء العام القاضي ببقاء الأنسب.

ورءوس الناس يحفظها الشعر، وهو بمثابة غلاف للدماغ، ومن الحيوان ما يخزن قوته في الحبل الشوكي والكتفين والصدر فينمو الشعر على هذه الأجزاء بغزارة، أو أن هذه الحيوانات تستعمل الرأس للدفاع فقط ولذا كان عظم الرأس ثخينا صلبا فيها، وزد على ذلك أن الزنوج والقرود الدنيا قليلة شعر الرأس قصيرته بيد أن البيض والقرود العليا طويلته.

طول الشعر:

وطوال الشعر من الناس أسخياء بالطبع، وعكسهم قصار الشعور فهم عصبيو الأمزجة ذوو حدة وعجلة عديمو التأني.

ومن دلالات علم الفراسة أن غزارة الشعر وطول اللحى واسترسالها تدل على طيب القلب والغيرة والهمة، فإن الأمم المنحطة قصار اللحى، وبعكس ذلك الشعب القوقاسي فإنه طويلها شكل

61 .

شكل 61: جون نوكس.

وتدل اللحية الطويلة على القوة العضلية، ومن خف شعر عذاريه غلب عليه أن يشبه والدته بالخلق والخلق، وبعكس ذلك النساء اللواتي ينبت الشعر في وجوههن فإن فيهن خلال الرجال، فالفتاة الشعرانية تكون أخلاقها أشبه بأبيها مما بأمها.

وعرض بعضهم في أوروبا في أواسط القرن الماضي امرأة اسمها مدام كلوفوليا لها لحية كلحية الرجال شكل

62

واهتم العلماء في أمرها إذ ذاك، وفحصوا أخلاقها وأعضاءها فوجدوها ورثت أخلاقها وشكل أعضائها من جدها لأمها.

شكل 62: مدام كلوفوليا.

وأفضل الأذقان واللحى دلالة على المحمدة عند العرب أن تكون «عنابية لون الشعر أو كلون الخرنوب، لا سبطة جدا ولا جعدة جدا، ولا كثة جدا ولا خفيفة جدا، ولا طويلة ولا قصيرة، ولا خالية العنفقة ولا خالية اللحيين، ولا منفردة الشعر ولا عبيتة، ولا متفرقة فرقتين ولا منخرطة كالذنب المحدد، ولا خشنة الشعر ولا ناعمة، بل مستديرة إلى التربيع، ليس في الوجنات نبات ولا تحت الحنك وفوق الحلقوم، ولا متصلة الشعرة بشعر الرأس من الصدغين، فإذا وجدت هذه فإنها دليل العقل والعلم والعفة والشجاعة والذكاء وكل محمدة ...»

ولا يذهب عن بال القارئ أن ما نقصده بطول الشعر وقصره إنما هو ميله إلى أن يكون طويلا أو قصيرا؛ أي سرعة نبته وبطؤه، فهذا الميل مع لون الشعر يحسبان من العلامات الفارقة في الفراسة.

لون الشعر:

وللون الشعر يد في استطلاع أخلاق الناس، فعندهم أن سواد الشعر دليل القوة، والسبب في ذلك أن الشعر الأسود يحتوي كمية كبيرة من الحديد تتصل إليه من الدم، ولا يمكن ذلك إلا إذا كان الحديد كثيرا في الدم، والدم ركن الحياة أو هو هي.

وألوان الشعور متباينة في البشر، حتى لا يميز بينها إلا العارف الخبير بالألوان. وتعليل الألوان في الطبيعيات واختلافها باختلاف الأجسام أن المادة المركب منها الجسم المرئي تمتص كل أجزاء النور الأبيض، إلا واحدا تقذفه فيكسبها لونه، فسبب احمرار الدم أن النور إذا وقع عليه كأنه ينحل إلى ألوانه السبعة الأصلية، فيمتص الدم ستة منها إلا الأحمر فينعكس إلى أبصارنا فنراه أحمر، وكل مادة تمتص بعض ألوان النور وتعكس البعض الآخر تبعا لتركيبها وخصائصها.

ولهذا كان اختلاف ألوان الشعور عائدا إلى اختلاف المواد الداخلة في تركيبها على تباين الأشخاص، ولما كانت هذه المواد مستمدة من الجسم البشري حق لنا أن نتخذها دليلا على بعض الأمور التي ننسبها إلى الجسم المذكور.

واختلف الناس في نسبة الجمال إلى ألوان الشعر، فالإفرنج يفضلون الشعر الذهبي، وأما العرب فيفضلون الشعر الأسود، ويدلك على ذلك ما نظموه من الأشعار في التغزل به، كقول ابن المعتز:

سقتني في ليل شبيه بشعرها

شبيهة خديها بغير رقيب

فأمسيت في ليلين بالشعر والدجى

وخمرين من راح وخد حبيب

وقول زياد بن حمل وفيه مثال الجمال عند العرب:

وبالتكاليف تأتي بيت جارتها

تمشي الهوينا وما تبدو لها قدم

سود ذوائبها بيض ترائبها

درم مرافقها في خلقها عمم

وأما الإفرنج فإنهم يترنمون بالشعر الذهبي.

الشعر الأسود:

ينسبون الشدة والقوة إلى من كان شعره أسود فاحما أو ضاربا إلى السواد، وينسبون صحة ذلك إلى ما تقدم من تكاثر الحديد في الدم، على أنه قد يحدث أن يكون ذو الشعر الأسود - لا سيما إذا كان سبطا - ممن تغلب عليهم السويداء، وفي عداد الكتبة جماعة من هذا الصنف، وهم يميلون إلى الكتابة الشجية المحزنة، ومنهم الوعاظ الذين يمثلون الحياة الأبدية على شكل لا يستحبه الأكثرون، ولكنهم لحسن الحظ قليلون؛ إذ يندر أن نشاهد رجلا جمع كل التقاطيع التي يضع المنجمون صاحبها في برج زحل، وهي عبوسة الوجه وانعكاف الأنف ونتوء عظمي الخدين وسقامة اللون واسترسال الشعر.

الشعر الأشقر:

قال الشاعر: «والضد يظهر حسنة الضد»، وعملا بهذا القول ننتقل من وصف الشعر الأسود الفاحم إلى الشعر الأشقر، وصاحبه على الأكثر ميال إلى التأمل والسير في عالم الخيال، ويغلب على هذا الصنف من الناس عدم الرضى عن حالتهم واشتهاء غيرها دون أن يستطيعوا تقدير ما يلتمسون، وهم سريعو التقلب فيما يعتمدونه من الآراء والأعمال، ويندر أن تطول قاماتهم، وينقصهم المواظبة والثبات في الأعمال.

الشعر الخروبي:

أما الشعر الخروبي وهو ما كان لونه إلى السمرة فأصحابه في الغالب ميالون إلى المخاطرة والسفر وحب الاستطلاع ، ويحبون الأشعار والروايات، لكنهم حازمون واسعوا الصدور ، وإنما يعوزهم الاقتصاد؛ فهم ينفقون الدراهم بغير حساب لسوء التدبير، فإذا ازدادت سمرة الشعر ونعومته كان صاحبه ميالا إلى المعاشرة والاختلاط حتى يستجلب سرور القوم ويستميلهم إليه، وله انعطاف نحو جنسي الرجال والنساء، صغير الدعوى ولكنه كبير الثقة بنفسه، والظاهر أن أبطال الروايات من قرصان البحر وغيرهم من الأقوام الذين قد يحبهم المطالع لمجرد قراءة سيرتهم إنما كانوا من ذوي الشعور السمراء المتجعدة فوق الصدغ، وبين هذا الصنف من يميل إليهم الناس لأول وهلة، فإذا كان الشخص امرأة صادفت ميلا إليها بين الرجال أو رجلا لقي ميلا إليه بين النساء.

وصاحب هذا الشعر لا تبدو عليه علامات الشيخوخة بل يظل نشيطا فرحا، ويغلب عليه الميل إلى الأطفال، وقد لا يخلو من الحدة بحيث لا يصبر على الانتقاد لما فطر عليه من تقديره نفسه حق قدرها، ويستولي عليه الغيظ إذا خفق مسعاه في أمر، لكن هذا يصدق على من كان ناعم الشعر، فإذا كان خشنه كان ممن لا يهتم بعواقب الأمور.

الشعر الأحمر:

من الناس من يخالط شعور رءوسهم السمراء جزء يضرب إلى الحمرة ويدل هذا الجزء عندهم على الشجاعة والإقدام، وإذا زاد فزيادته تدل على الميل إلى الخصام والجدال وقوة الإرادة لما يستجمعه ذاك الشخص من نشاط الشعرين الأحمر والأسود.

ومن المعلوم أن لاحمرار الشعر درجات لا يستطيع المرء التمييز بينها لأول وهلة، وإنما يقال على سبيل الإجمال: إن الشعر الأحمر يفيد الذكاء وتوقد الذهن، وعند أصحاب علم الفراسة أنه دليل الخفة والطرب، وخير الشعر الأحمر ما كان جعديه، كما في تمثال أبولون، ويقال إنه يدل على ميل فطري إلى الشعر والرقة، ويتصف أصحابه بقوة التخيل ودقة الحس.

الشعر الذهبي:

وإذا كان الشعر الأحمر ذهبي اللون فالأغلب في صاحبه أن يكون متقلبا ناقص الحزم، لا سيما إذا كان كثير السبوطة، وإذا اجتمعت هذه الصفات في امرأة كانت ميالة إلى المغازلة والمعاشرة، وعندهم بالإجمال: إن من كان هذا لون شعره يغلب عليه الطرب ويشتاق إلى اهتمام الناس به، ويرغب فيما يضمن له السرور ولو آل ذلك إلى انقباض الآخرين، يفعل هذا وهو لا يريد لأحد كدرا.

ويغلب في من كان شعرها ذهبيا وعيناها ضاربتين إلى السمرة أن تكون ذكية ولكن يعوزها الثبات، وأما الثبات فيكون حيث تزداد سمرة العينين ويتضح الحاجبان، فالسمرة علامة القوة والاصفرار علامة الضعف حيثما كانا، تلك قاعدة عامة يستطيع كل واحد امتحانها في من يعرفه.

قوام الشعر:

ونعومة الشعر دليل التأنث مع شغف بالمناظر الطبيعية والوقوف على أسرار الطبيعة، وصاحبه يكره الشغب والضجيج، وقد لوحظ في هذا الصنف من الناس خفة الروح، فهم تهزهم الموسيقى ويتأثرون لقراءة الروايات المحزنة حتى تسيل دموعهم.

ويقال في ذوي الشعور الخشنة عكس ما يقال في أولئك؛ فهم أقوى وأكثر منهم اعتمادا على النفس وأضبط لحاساتهم مع العنفوان والميل إلى السيادة.

الشعر الجعد:

وقد تبين بالاختبار أن صاحب الشعر الجعد ميال إلى الطرب والسرور، فهو أبدا فرح قوي العواطف إلى حد التهيج، بعيد عن النميمة وسوء الظن، يغلب عليه التبصر والفطنة وحب الاقتصاد، مستقل في حركاته وأعماله.

وعندهم في الشعر دلائل كثيرة لا تستفاد من غيره، على أن ذلك لا يستلزم الإغضاء عن تقاطيع الوجه، وخير الطرق لممارسة الفراسة أن ينظر الطالب إلى صورة فوتوغرافية مزوقة لأحد أصدقائه ممن يعرف أخلاقهم ويقيس ما استفاده من هذه الصورة في صاحبها على غيره فيكتسب تدريجا ما يمكنه من الاستطلاع الذي يسعى وراءه.

ويحسن أن يجمع الباحث بين لون الشعر ولون الوجه وأن يضيف إليهما كيفية نمو الشعر. انظر إلى الفرق بين جبين وضاح خال من الغضون وبين جبين كسا أعلاه الشعر، وانظر في شعور المصورين بما عرفوا به من شدة تعلقهم بالطبيعة وبجميع ما يسر الحواس إلى حد الجنون فترى ما يدلك على علاقة الشعر بالأخلاق.

وبين أصحاب المزاج الدموي فئة تمتاز باحمرار الوجه وطلاقته مع تجعد الشعر وميل إلى الصلع في أعلى الرأس، ويكثر في هذا الفريق الميل إلى المعاشرة والمخالطة لكنهم ذوو حدة.

فراسة الأيدي

فرغنا من النظر في فراسة أعضاء الرأس وهي أكثر الأعضاء دلالة على الأخلاق؛ لقربها من الدماغ مركز الحس العام وآلة القوى العاقلة، على أن الأعضاء الأخرى لا تخلو من دلالة على أخلاق أصحابها وخصوصا الأيدي والأقدام.

يد الإنسان:

تمتاز يد الإنسان عن أيدي سائر الحيوانات بلباقتها ودقة حركتها ونحافة تركيبها، فتأتي من الأعمال بما لا يستطيعه الحيوانات الأخرى، ومهما قيل في إتقانها؛ فهي ترشد قلم الكاتب وفرشاة المصور وريشة الجراح وملقط الصائغ ومبرد الحداد، وهي التي تطعم الطعام وتلبس اللباس وتصطنع أدوات الزينة، بل هي معين الدماغ ورئيس أركان حربه وخادم العقل، بل هي أشرف خدمة العقل ولا سيما في الصناعة.

ولا نطيل الكلام في اليد؛ لأنها لا تدل على الأخلاق إلا من وراء حجاب، وإنما نأتي على خلاصة ما وصلوا إليه من هذا القبيل، فهم يقسمون الأيدي أو الكفوف إلى ثلاثة أقسام تبعا لمزاج أصحابها وهي: (1) المستطيلة العظمية، (2) القصيرة اللحمية، (3) النحيفة. فالأولى يد صاحب المزاج العضلي، والثانية يد صاحب المزاج الحيوي، والثالثة يد العصبي (راجع فراسة الأمزجة)، فإذا عرفت ذلك هان عليك معرفة أخلاق أصحابها.

على أن بعضهم نظر في الكفوف نظرا آخر، فقسمها إلى ثلاثة أشكال، جعل لكل شكل دلالة خاصة: (1) الكفوف المحددة (المروسة)، (2) الكفوف المخروطية، (3) الكفوف المربعة. (1)

الكفوف المحددة: يقرب شكل أصابعها من المغازل؛ ولذلك سموها أيضا «الكف المغزلية»، أظافرها لوزية الشكل، فاحذر من هذه الأظافر؛ فإنها تشبه براثن الكواسر، وتدل على طيش صاحبها وإهماله وإسرافه وكذبه وصلابة قلبه وقلة إحساسه، واجمع بين اليد المحددة واليد المخروطية وأبعدها عن المربعة لئلا تقتلها، ومحددات الأيدي ذوات أحلام وأوهام، لا يعرفن تدبير المنزل، ولا يقدرن على إدارة العائلة، يحببن أولادهن ولكن لا يعرفن كيف يربينهم، وترى في الشكل

64

صورة كف أميرة تزوجت ثلاث مرات وافترقت عن أزواجها الثلاثة بالطلاق.

شكل 63: كف محددة لرجل.

شكل 64: كف محددة لامرأة. (2)

الكف المخروطية: يشبه شكلها لأول وهلة شكل الكف المحددة لكن أصابعها تنتهي بأطراف مستديرة، فمن ساعده الحظ في الحصول على زوجة يدها مخروطية كان سعيدا؛ لأنها أفضل الأيدي من حيث الزواج؛ والسبب في ذلك أنها مع خلوها من نقائص اليد المحددة فهي أيضا خالصة مما في اليد المربعة من حب الأثر والشدة، وهي تدل على النباهة وحسن السياسة وحب الوفاق والسلام والأمانة والشعور بالواجب مع قوة الحكم والحنو والصلاح، فهي خير كف يجب التماسها في الزواج، وصاحبها يوافق صاحب اليد المحددة وصاحب اليد المربعة؛ لأنه متوسط الأخلاق بينهما.

شكل 65: كف مخروطية لرجل.

شكل 66: كف مخروطية لامرأة. (3)

اليد المربعة: وهي يد الأساتذة والعلماء وذوي العقول السامية والرياضيين وأهل الحزم والهمم العالية والإقدام ورابطي الجأش وأرباب الرياسات وأصحاب الأمر والنهي، وهم في الغالب أهل طمع وأثرة يحبون ذواتهم ويستهلكون في سبيل الاستقلال، فلا تتوقع منهم الحنو والرقة، وقد يكونون حسني السريرة لكن بدون انعطاف، وهم لا يحبون الفنون الجميلة ولا يفرقون بين حسنها وقبيحها، ولكنهم أهل عمل وعدالة ونظام؛ ولذلك فهم لا يتوافقون مع أصحاب الأيدي المحددة.

شكل 67: كف مربعة لرجل.

شكل 68: كف مربعة لامرأة.

وعند العرب أفضل الأكف دلالة على الخلق الحسن «الكف السوية الخلق اللينة المجسة الحسنة البشرة الرخصة الرفخة المعتدلة بين العبالة والهزال والتدوير والطول والقصر وبروز العروق وخفائها وطول الأصابع وقصرها، والآخذة إلى الطول أفضل، والخفية عقدها والنقية بياض لون الأظافر منها مع التشريب بحمرة خفيفة، وإذا غمزت عليها اشتدت الحمرة فيها، وأن تكون الأظافر مقبقبة وإلى الطول، وأن يكون بها لين ورخوصة ولها عرض وانفراش مع التقبقب.»

وكان من محامد الأيدي عند العرب أن تكون لينة الأنامل، ومن ذلك قول النابغة الذبياني:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتقتنا باليد

بمخضب رخص كان بنانه

عنم يكاد من اللطافة يعقد

وقول الآخر:

ولها بنان لو أردت له

عقدا بكفك أمكن العقد

فراسة الأقدام

وما قيل في فراسة الأكف يصدق على الأقدام وبين اليد والقدم نسبة متبادلة كما قدمنا في باب ناموس التناسب، فلا حاجة إلى التكرار، ولكننا نشير إلى بعض الأمور الخاصة بالقدم مما لا يخلو ذكره من فائدة.

فالقدم ذات الأخمص العريض مع ضعف الخصرة يدل على الرجولية والقوة والثبات، وأما نحافة القدم وغور خصرها فيدلان على لطف المزاج ونحافة البدن وتناسب أعضائه، وبعضهم يحسبه من زيادة الارتقاء، أما العرب فقد كانوا يعدون خصر القدم من دلائل الجمال ومن ذلك قول بعضهم:

ومشت على قدمين خصرتا

للطافة فتكامل القد

وأدل الأقدام على الأخلاق الحسنة عند القدماء «القدم السبطة الرخصة المستديرة الكعبين والعقب الخفيفة اللحم الخفية العروق في الأخمص اللطيفة المقدار المتناسبة الأصابع النقية الأظافر.»

فراسة الكف

شكل 69: خطوط الكف.

ونريد بها علم أسرار الكف، وهو من العلوم القديمة ويسميه الإفرنج

وكانوا يستدلون به على ما سيلاقيه الناس من السعد أو النحس مما لا يخرج عن حدود الخرافة، على أن الإفرنج درسوه درسا دقيقا في الأجيال الأخيرة فتوصلوا إلى نتائج لا يخلو ذكرها من فائدة قالوا:

في الكف من قواعد الأصابع إلى الرسغ ميازيب أو أخاديد بينها ارتفاعات تختلف كبرا وسعة، وعبروا عن الميازيب بالخطوط وعن الارتفاعات بالأكمات، وجعلوا لكل منها اسما من أسماء الكواكب أو بعض الأعضاء، فلنبدأ بالخطوط العرضية، فالخط المعبر عنه في الشكل

69

بالرقم (5) يسمونه حلقة الزهرة.

والخط (3) خط القلب و(6) خط الرأس، وأما الخطوط الطولية فالخط من (1-2) يسمونه خط زحل، والخط (7-10) خط أبولون، والخط (8-1) الخط الكبدي والخط المنحني من أصل الإبهام إلى الرسغ اسمه خط الحياة، وقد يكون مفردا أو مزدوجا كما في الشكل

69 .

وأما الأكمات فمنها عند أصول الأصابع رقم (4) أكمة جوبتير و(2) أكمة زحل و(7) أكمة أبولون و(8) أكمة المشتري ويسمون المسافة بين خط القلب (3) وخط الرأس (6) في بطن الكف «سطح المريخ» والمسافة الواقعة في طرف الكف تحت الخنصر أكمة المريخ، وتحتها أكمة القمر. والارتفاع تحت الإبهام (11) يسمونه أكمة الزهرة.

ويبنون على نسبة هذه الخطوط بعضها إلى بعض وأشكال الزوايا الواقعة بينها أقوالا قلما تفرق عن أقوال القدماء من حيث ضعف دلالتها وقربها من الخرافات.

ولكن يقال بالإجمال: إن كثرة الخطوط وعمقها تدلان على العمل، وإن صاحب تلك اليد عامل نشيط، وقلتها مع ضعف ظهورها يدل على الخمول أو الضعف، ولا يعتد فيما خلا ذلك.

فراسة الخطوط

ويتبع فراسة الأيدي دلالة الخطوط على الأخلاق، ويقال في الحكم المأثورة: «ما قرأت كتاب رجل إلا عرفك مقدار عقله فيه.» وهو قول يؤيده الاختبار ويراد به ما ينطوي عليه الكتاب من المعاني والبراهين بقطع النظر عن شكل الخط، ولكن كما يدل إنشاء الكاتب على عقله قد يدل خطه على خلقه؛ لأن طباع المرء ترتسم على أعماله وسائر أحواله، فمن كان من طبعه الميل إلى العجلة رأيته يستعجل في مشيه وفي أكله وفي كلامه وسائر أعماله، وبعكس ذلك البطيء فإنه يكون بطيئا في كل عمل يعمله، ومن كان ميالا إلى الترتيب والنظام رأيت ذلك ظاهرا في قيافته وحسن زيه وفي أثاث منزله ومائدة طعامه وفي كلامه، وقد يستطرق ذلك إلى أعماله العقلية، فترى أدلته مرتبة متناسقة وبراهينه مرتبطة متعاقبة وحساباته واضحة متوازنة. وبعكس ذلك قليل الترتيب؛ فإنك ترى التشويش مطبوعا على كل حركة من حركاته المادية والأدبية، فإذا لبس ثوبا ساء هندامه، وقد ينسى شد ردائه، أو يخرج بلا ربطة حول عنقه، وإذا دخلت غرفته رأيت قميصه على السرير وحزامه على الكرسي ومنديله على الأرض، ولو فتحت دفاتره لما علمت ما له ولا ما عليه ولا هو يعرف ذلك، وإذا خاطبته في موضوع خلط في البراهين وخبط في الأدلة على غير نظام، وقس على ذلك سائر أحوال الناس فإنك ترى أخلاقهم ظاهرة من خلال أعمالهم.

ومن هذا القبيل ظهورها على خطوطهم، وخصوصا الذين يكتبون كثيرا وقد نسوا القاعدة التي تعلموها في صغرهم، فقد يتعلم عشرة منهم قاعدة واحدة على يد معلم واحد فيخرجون من المدرسة ولكل منهم شكل خاص يمتاز به خطه عن سائر الخطوط، ويندر أن يتشابه خطان مشابهة تامة والسبب في ذلك اختلافهم في الأخلاق والأطوار.

وللإفرنج في هذا الموضوع كتب مطولة ولكنها تبحث في دلالة خطوطهم في لغاتهم على أخلاقهم فلا تنطبق على لغتنا العربية وخطوطها وأخلاق كاتبيها، ولكننا بحثنا في هلال السنة السادسة في دلالة الخطوط العربية على أخلاق كاتبيها على ما بلغ إليه نظرنا القاصر، وهي من توابع علم الفراسة فيجدر بنا نشرها فيما يلي:

حسن الخط وقبحه:

من المشهور المتعارف أن رجال العلم يغلب فيهم قبح الخط وعدم انتظامه ويغلب الخط الجميل المتناسب في النساخ أو الذين يكتبون أفكار سواهم، وهو أمر معقول ولكنه ليس قاعدة عامة، على أن الخط غير المنتظم يغلب في سريعي الخاطر حادي الذهن؛ لأنهم يسرعون في الكتابة ليدركوا مجاري أفكارهم خوفا من ضياع المعنى وانقطاع سلاسل المعاني، فهم لا يصبرون على تنسيق الحروف كتسنين السين وتدوير القاف والعين ونحو ذلك مما يحتاج إلى زمن. وأما بطيء الفكر فليس ما يدفعه إلى العجلة، وكذلك النساخ فهم إنما يوجهون انتباههم إلى ترتيب الحروف وتنظيمها وضبط كتابتها، وإذا قرأت كتابة عالم سريع الخاطر رأيت فيها - فضلا عن تشويش الخط - نقصا في بعض الحروف أو الألفاظ، فقد ينسى كلمة أو حرفا، وقد يبدل حرفا بآخر لانصراف مخيلته إلى سلسلة أفكاره وتتبع الصور المعنوية التي تتوالى أمامها فلا ينتبه إلى صور الحروف، بخلاف الخطاطين فإنهم إنما يصرفون قواهم جميعها إلى إتقان ما يكتبونه، فقلما تجد في كتابتهم نقصا أو خطأ أو اعوجاجا.

اتجاه السطور:

ومما تمتاز به الخطوط بوجه الإجمال اتجاه سطورها فهي من هذا القبيل على أربعة ضروب: (1) السطور المستوي، (2) السطور الصاعدة، (3) السطور النازلة، (4) السطور المتعرجة. فالسطور المستوية تدل غالبا على هدوء كاتبها وانتباهه لما حوله واحتراسه، وأما الصاعدة ففيها دليل على الإقدام والطمع والهمة والنشاط، وقد وجدوا بالاختبار أن رجال الأعمال وخصوصا الذين ارتقوا أوج المعالي بجدهم واجتهادهم يغلب في خطوطهم الانحراف نحو الأعلى، ومن اعتقاد العامة أن أصحاب هذا الضرب من الخط هم من أهل السعادة والتوفيق، وأصل هذا الاعتقاد ناشئ عن ميلهم إلى الجد والعمل والسهر.

وقل من جد في أمر يحاوله

واستعمل الصبر إلا فاز بالظفر

أما الخط النازل وهو الذي تنحرف سطوره نحو الأسفل فيدل غالبا على الجبن والمرض أو ضعف الإرادة، وقد حكى بعض علماء هذا الفن أن سيدة كتبت إليه كتابا رأى سطوره نازلة فتشاءم وكتب إليها: «لقد ساءني انحدار خطك وخشيت أن تكوني مريضة أو على شفا المرض، فاكتبي إلي بواقعة الحال.» فسكتت عنه مدة ثم كتبت إليه: «لقد بشرتني بشارة سوء فصدقت نبوءتك، ولم تمض أيام حتى أصبت بالمرض ولم أعد قادرة على الكتابة إليك.» ويؤيد ذلك أن خط السيدات يغلب أن يكون نازلا؛ لأنهن أقل إقداما وأضعف إرادة من الرجال.

أما الخط المنعرج فهو ما يصعد ثم ينزل ثم يصعد على غير انتظام، كما ترى في شكل

70 .

شكل 70

وهو يدل على مجاهدة الكاتب في التماس ما لا يستطيعه، فهو في الغالب يقدر نفسه أكثر مما هي، ويحاول أن يكون كذلك فلا يستطيع.

أشكال الحروف:

ولأشكال الحروف علاقة كبرى بأخلاق كتابها، وهي كثيرة لا تقع تحت حصر، ولكننا نذكر بعضها على سبيل المثال.

فالخط المتناسب الحروف الخالي من الشطب والطمس يدل غالبا على ميل صاحبه إلى الترتيب والنظافة، فإذا كان قريبا من حروف الطبع غلب على طبعه الصبر وطول الأناة، وخصوصا إذا رأيت فيه عناية بتدوير الحاءات والجيمات وتسنين السين والشين وتقويم الألفات؛ لما يحتاج إليه ذلك من طول الأناة.

ومن أشكال الخطوط ما يميل صاحبه فيه إلى مد الحروف الانتهائية وخصوصا الجيم والحاء والخاء والعين والغين إذا جاءت في أواخر الكلم، وكذلك أطراف السين والشين والصاد والضاد، وصاحب هذا الخط ميال إلى البذخ والترف، وهو الخط الذي يكتب فيه الفرمانات والعرائض، كما ترى في شكل

71 .

شكل 71

ويلاحظ أيضا في خط الفرامانات صعود في أواخر السطور، فالصعود مع مد الحروف الانتهائية يمثلان الإقدام والبذخ معا.

وإذا كان الخط متواصل الحروف كإيصال الألف بواو الجمع في آخر اللفظ وإيصالها بلام التعريف في أوله فهو يدل على ميل صاحبه إلى العجلة، وبعكس ذلك الحروف المتقطعة، ومن كانت حروف خطه متناسبة الحجم متساوية الشكل فهو معتدل المزاج ثابت المبدأ، أما الحروف غير المتناسبة فتدل على تقلب صاحبها وسهولة انقياده وتردده، كما ترى في شكل

72 .

شكل 72

والخط المستدق مع الترتيب والتوسعة بين الكلمات والسطور يدل على لطف المزاج ورقة العواطف، كما ترى في شكل

73 .

شكل 73

ومن مال بكتابته إلى تكبير الحروف والتوسعة بين الألفاظ كان كريما أو مسرفا، وبعكس ذلك دقيق الألفاظ متلاصقها فإنه يكون غالبا حريصا أو مقتصدا.

ومن كان خطه قائم الحروف عامودي الألفات واللامات كان بطيء الافتكار صبورا على الجدال، وأما صاحب الخط المائل الحروف القصير الألفات واللامات فإنه عجول قليل الصبر على المماحكات سريع الفكر.

وهناك خط لا تتميز فيه الفاء من الباء ولا يكاد يظهر فيه سن أو انحناء، فصاحبه متسارع قليل الاعتناء في تدبير شئونه، كما ترى في شكل

74 .

شكل 74

هذه أمثلة من أشكال الحروف وعلاقتها بالأخلاق يصح أن تتخذ مثالا لما لم نذكره منها. ولا يبرح من ذهن القارئ اللبيب أن لكل قاعدة استثناء.

فراسة المشي والقامة

يختلف الناس في مشيهم وإشاراتهم اختلافا بينا، ولا بد لهذا الاختلاف من أسباب متصلة بقواهم ومواهبهم، فلا غرو إذا استدلوا على صفات الشخص من مشيته أو إشاراته.

ومن وسائل الاستدلال ما قد يستخف به كالثياب والطربوش أو القبعة والحذاء وهي ينبوع إرشاد لدقيق النظر، وقد نستطلع أخلاق الشخص من مجرد ملاحظتنا تمشيط شعره وهيئة يديه وإشاراته وجلوسه ووقوفه وانحنائه في السلام أو هز اليد أو من اعتنائه بثيابه أو قلة اعتنائه بها، ومن نظافة حذائه، ومن خطابه لرؤسائه أو أمثاله أو مرءوسيه أو أصدقائه.

ويستطيع النساء من ذلك ما لا يستطيعه الرجال؛ لأنهن يحكمن لأول وهلة بالبداهة على أخلاق الشخص بمجرد النظر إلى حركاته وسكناته وقيامه وجلوسه وتكلمه وسكوته وطبقات صوته ونحو ذلك.

المشي:

إذا رأينا رجلا يمشي منتصبا على عادته في المشي وخطواته ثابتة عرفنا أنه ذو ثبات وحزم، فإذا كان لخطوه وقع شديد كان ممن يحبون السيادة والاستقلال ولا يهتمون بالآخرين ولا بما يرونه فيهم.

والصخب - وهو ارتفاع الصوت وشدته - يدل على الميل إلى السرعة والاستقلال، وأصحابه لا يهمهم راحة الغير وإنما يسألون عن راحتهم فقط.

ومن الناس من يغلب فيهم الهدوء والسكينة، فإذا حدثته أقبل عليك بلطف ولباقة، ومشيته نشيطة بلا اختيال أو تبختر، حتى لا يكاد يسمع لوضع أقدامه صوت؛ فالرجل رقيق الجانب يحاذر إزعاج الناس سهل الخلق قريب القياد، ولا يعتد بآرائه ولا يعجب بنفسه.

ولوضع الرأس في أثناء المشي دلالة، وفي حدب الكتفين مغزى، فمن كان شأنه التأمل وإعمال الفكرة يظل مطرقا في الأرض، ومن لم يكن دقيقا في ملاحظة الأمور أو الاستفادة منها مع ميله إلى إخفاء مواهبه فهو كبير الدعوى ضعيف الحجة مكابرا متعنتا، وإذا خلا بنفسه ظهر له المستقبل بجميع أحواله، ومن هذا الصنف من الناس من يكون أبدا حزينا منكسر النفس في داخله.

القامة:

ومن الناس من تنظر إلى قامته فترى ظهره ملويا كالحية في انسيابها، فصاحب هذا الظهر خداع عديم الأمانة، يعيش بين الناس بمداخلته وكلامه وظرفه، ويتمكن في الغالب من اكتساب ميل معارفه إليه، وكأن عينيه فت فيهما حصرم فلا تزالان تطرفان.

وهنالك صنف آخر، والمثال عليه رجل عريض المنكبين كثير الضجيج، يقف ورجلاه مبتعدتان، يشير بعصاه إلى الأشباح والأجسام، وإذا لقيته فلا يبقى في ذهنك من أطواره وظواهره سوى صوته وكثرة ضجيجه، ويغلب في ظهره أن يكون عريضا، ومع ما يبدو به من أمارات العنفوان والعزة فإنه قريب الألفة كثير الاهتمام بالطعام.

ولطول القامة وقصرها دخل كبير في الدلالة على أخلاق الناس ومواهبهم، ويسهل عليك تعليل ذلك من مراجعة «فراسة الأمزجة»، فقد رأيت هناك أن طول القامة من دلالات المزاج العضلي، وصاحبه قوي في كل شيء، وخصوصا إذا رافق الطول عرض، وهو مزاج الأبطال، وبعكس ذلك قصر القامة؛ فإنه دليل الضعف، ولكن بعض القصار تكون أدمغتهم كبيرة، ويزيدها كبرا انتسابها إلى بقية أجسامهم؛ لأننا إنما نعتبر حجم الدماغ بالنسبة إلى بقية الأعضاء، فإذا جاءنا رجلان أحدهما طويل والآخر قصير وكان دماغهما بحجم واحد ووزن واحد فنعد دماغ القصير أكبر، فيظهر الذكاء فيه أكثر مما في ذاك.

ومن الأمثلة المشهورة قولهم «كل قصير فتنة»؛ أي إن القصار أهل مكر وحيلة ، وربما كان الأصل في ذلك ضعف قصار القامة بالنسبة إلى كبارها، وسلاح الضعيف الحيلة، فغلب في القصار التحيل، وطول القامة صفة محبوبة عند العرب، ويوصف أصحابها بالعزم والبطش والجاه، ومن ذلك قول بعضهم:

أشم طويل الساعدين شمردل

إذا لم يرح للمجد أصبح غاديا

وبعكس ذلك قصر القامة، ويعبرون عنه بالقماءة، ويراد بها القصر والصغر، وهي من العيوب المشهورة، قال جواش:

وأورثهم شر التراث أبوهم

قماءة جسم والرواء ذميم

وقال آخر:

تبين لي أن القماءة ذلة

وأن أشداء الرجال طوالها

وهم يدلون على القماءة بقصر الخطى، وأراد كثير عزة أن يحبب عزة إلى نفسه، وكانت قصيرة الحجال؛ أي محبوسة في البيت لا تخرج منه، فقال:

وأنت التي حببت كل قصيرة

إلي وما تدري بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد

قصار الخطى شر النساء البحاتر

فراسة الأزياء

لا نريد بالأزياء أشكال الألبسة وضروب هندامها كما يتبادر إلى الأذهان من معنى هذه اللفظة؛ لأن الناس في هذا العصر متفقون رجالا ونساء على ضروب متشابهة من الأزياء، لا يكادون يختلفون في جزء من أجزائها، وخصوصا الرجال؛ فهم في بلادنا فئات قليلة، بعضهم يلبس اللباس العربي القديم من الجبة والقفطان والعمامة، وبعضهم يلبس اللباس الإفرنجي من السترة والبنطلون والطربوش، وفئة تلبس السراويل والكبران، ولكننا نريد حال تلك الملابس من النظافة والترتيب والقصر والطول واللون، فهم يختلفون في ذلك باختلاف أخلاقهم وأطوارهم، وإليك البيان.

هندام الثوب:

إذا رأيت شابا حسن الهندام نظيف الثياب ثمينها لا تشك في أنه كريم محب للترتيب، ويكون في الغالب مواظبا على عمله ثابتا في مباديه، وإذا كان ممن يفضلون من ألوان الألبسة داكنها كالأسود وفروعه فاعلم أنه من أهل الرزانة، أما إذا كان مبالغا في وقاية ثيابه من الأوساخ والغبار حريصا على الهندام حتى يمنع نفسه من الذهاب أو المجيء خوفا على حسن زيه فهو محب لذاته قليل العناية في أحوال ذويه وأصدقائه، لا يكترث بمساعدتهم أو النظر في شئونهم، وإذا رأيته مع مبالغته في النظافة الخارجية قليل العناية في نظافة ما تحت أثوابه من الألبسة البيضاء مهملا تنظيف جسمه فيغلب فيه الرياء والمداهنة، فهو يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب، وبعكس ذلك إذا رأيته كثير العناية في نظافة جسمه وترتيب أثوابه الداخلية دون الخارجية فاعلم أنه سليم الطوية مخلص، ينظر إلى حقائق الأشياء ولا يعتد بظواهرها، ولا يهمه مدحه الناس أو ذموه، ولكنه لا يصبر على سوء يرتكبه سهوا كان أو عمدا، ويكون في الغالب دقيق الإحساس حي الضمير، يعطي كل ذي حق حقه.

ومن كان ثوبه نظيفا غير مرتب يغلب في طباعه الإسراف والكسل، وإذا شاهدت ترتيبا في بعض أجزاء ثوبه دون البعض الآخر فهو محب للعمل ولكنه لجوج قليل الصبر، وإذا رأيت تفاوتا بين تلك الأجزاء كأن يكون بعضها ثمينا والبعض الآخر رخيصا، أو بعضها ضيقا والبعض الآخر واسعا، أو البعض الآخر قصيرا والبعض طويلا، أو رأيت ثوبه جديدا وطربوشه أو حذاءه قديما فاعلم يقينا أنه ضعيف الرأي قصير النظر في الأمور لا يصلح أن يكون مديرا في عمل من الأعمال.

والثوب الواسع المرتب النظيف دليل على صبر صاحبه ومواظبته وترويه واعتدال مشربه، فإذا كان مع سعة ثوبه قليل العناية بنظافته فيغلب أن يكون مهملا كسولا، وهكذا إذا شاهدت نقصا في حاجيات ثوبه، كأن تكون صدرته ناقصة الأزرار، أو أن يخرج بلا منديل في جيبه، أو نحو ذلك، وإذا لقيت صاحبا لك من ذوي اليسار وشممت من أثوابه رائحة البنزين أو زيت التربنتينا فاعلم أنه بخيل، وقد نظف ثوبه من النكت لئلا يحتاج إلى شراء ثوب جديد، وإذا رأيت في أثوابه رقعا أو رثيا فهو شديد البخل طماع، أما إذا فعل ذلك مدفوعا بضيق ذات يده فهو مقتصد مدبر.

الطربوش:

لا مشاحة في أن وسخ الطربوش يدل على الإهمال أكثر مما على البخل، وأما إذا رأيت عليه آثار التنظيف العنيف كالغسل أو نحوه فاعلم أن صاحبه شديد الحرص، ومن لبس طربوشه مائلا إلى الأمام حتى تبلغ حافته أعلى الحاجبين فهو معجب بجماله أو قوته، والغالب أنه يقدر نفسه أكثر مما هي، وإذا رأيته مع ذلك يرسل هداب طربوشه (الزر أو الشرابة) إلى الأمام فهو لا يخلو من البله، ومن يضع طربوشه وضعا أفقيا كان معتدل المزاج محنكا، وإذا أرسله إلى الوراء فهو كثير الاهتمام حازم متبصر، إلا إذا كان إرساله على هذه الصورة لإظهار شعره المدهون، وأما وضعه مائلا إلى أحد الجانبين فدليل على الإعجاب مع الخفة والاستسلام إلى الشهوات.

الشعر:

إن قص الشعر قصيرا حتى لا يحتاج إلى مشط في تسريحه يدل على إقدام صاحبه ونشاطه وانقطاعه إلى العمل، وأما قصه طويلا وتمشيطه على أشكال هندسية وشدة العناية في ترتيبه فدليل على الميل إلى التشبب والمغازلة، ويندر أن يكون صاحب هذا الشعر مقداما نشيطا. وإرسال الشعر طويلا وعدم العناية في تمشيطه وترتيبه من أكبر أدلة الكسل والإهمال، على أنها قد تكون دليلا على الاجتهاد؛ لانصراف ذهن صاحبه إلى أعمال أخرى هامة تستغرق كل وقته، وهذا نادر.

فراسة الأمم

فرغنا من فراسة الأعضاء في الإنسان الواحد إلى غاية ما بلغ إليه علماء هذا الفن، ونحن باسطون فيما يلي فراسة الأمم؛ لأن الباحث في أصناف الناس يرى لكل أمة صفات عامة تشترك فيها ظاهرا وباطنا على مثال ما قدمناه في «فراسة الأمزجة»، فقد تبين لك هناك أن أصحاب المزاج الواحد يتشابهون في ظواهرهم وفي بواطنهم، وكذلك أفراد الأمة الواحدة وأفراد الصنف الواحد من الناس؛ للأسباب التي قدمناها من علاقة الخلق الظاهر بالخلق الباطن، وهو أساس علم الفراسة.

إذا نظرت إلى البشر بوجه الإجمال رأيتهم يتشابهون في صفاتهم العامة ويتخالفون في صفات خاصة تختلف باختلاف الإقليم أو التوارث أو أحوال أخرى، ويقسمون بهذا الاعتبار إلى أقسام شتى، يتشابه أهل كل قسم في صفات مشتركة بينهم، فأهل المنطقة الحارة يتشابهون في ظواهرهم وبواطنهم في غير ما يتشابه به أهل المنطقة المعتدلة، وهؤلاء يشتركون في صفات غير ما في أهل المنطقة الباردة، وقس على ذلك مما لا محل لاستيفائه.

أصناف البشر:

وينقسم الناس باعتبار أشكالهم وأخلاقهم ومراتبهم إلى أربعة أقسام، يسمون كلا منها صنفا أو جنسا، وهي: القوقاسي والمغولي والأميركاني (الأصلي) والزنجي، ولكل صنف من هذه الأصناف صفات متشابهة ظاهرا وباطنا. (1)

القوقاسي: وهو أرقى أصناف الناس وأكثرهم تمدنا، ومنهم أمم أوروبا ومن نزح منهم إلى أميركا وغيرها وسكان غربي آسيا إلى نهر الكنج، وسكان شمالي أفريقيا على سواحل بحر الروم، ناهيك بمن تمدن من أهل العالم القديم كالفينيقيين والبابليين واليونان والرومان وغيرهم.

ويسمى القوقاسيون أيضا الجنس الأبيض لأن أكثرهم بيض، على أن منهم شعوبا سمراء كالمصريين والمراكشيين والهنود، وتختلف شعورهم من الأسود الحالك إلى الأحمر والأشقر والأبيض، ولكنها تشترك في ميلها إلى الطول والسبوطة، وقد تكون جعدة جعودة قليلة بعيدة عن جعودة شعر الزنوج.

ويميز علماء الإنسان بين أصناف البشر بشكل جماجمهم وزوايا وجوههم، فزاوية وجه القوقاسي أكثر انفراجا من زوايا سائر الوجوه (راجع ما كتبناه من زاوية الوجه)، ويمتاز رأس القوقاسي باستدارته وانتظامه وتناسبه، وتكامل جبهته، وضيق وجنتيه واطمئنانهما، واستواء الوجه وميله إلى الشكل البيضي، مع ظهور الملامح وبروز الأنف، وصغر المناخر، وصغر الفم، وامتلاء الذقن وبروزه، وتختلف ألوان العيون فيهم اختلافا عظيما، ولما كان القوقاسي أرقى أصناف البشر فهو أكثرها تفرعا وتنوعا؛ للأسباب التي قدمناها في كلامنا عن (ناموس التشابه) وسيأتي تفصيل ذلك. (2)

الجنس المغولي: وهو يشمل سكان أواسط آسيا وشرقيها وشماليها وجنوبها الشرقي، وهم شعوب الصين واليابان وتيبت وبوتان والهند الصينية، ومنهم أهل لابلاندا في أوروبا والإسكيمو في أميركا.

شكل 1: لي هونغ تشانغ.

شكل 2: كونفوشيوس.

وقد تمدن الصينيون واليابانيون تمدنا حسنا، ولكن انقطاعهم عن العالم جعل ذلك التمدن محصورا في دائرة ضيقة.

ويمتاز المغولي بتسطح الوجه وقصر الأنف مع ميله إلى الفطس وسواد العينين مع صغرهما وانحراف زاويتيهما الخارجيتين نحو الأعلى، وهم خفاف الحواجب خشان الشعور مع سبوطة وسواد وخفة، خفاف اللحى والعارضين زيتونيو اللون، انظر شكل

1

و

2 .

شكل 3: الزنوج والأحباش في عصر الفراعنة.

ويلحقون بالمغول أهل ملقا وسائر جزائر الهند. (3)

الأميركاني: ونريد به سكان أميركا الأصليين ما عدا الإسكيمو، وتمتاز جماجمهم بالاستدارة من جهة الوجه مع عرض الوجنات، حتى يظهر الوجه عريضا جدا بين الأذنين، جباههم عريضة وبارزة من أسفلها ثم تتقهقر ولا تعلو كثيرا، أنوفهم تشبه الأنف الإسرائيلي (راجع فراسة الأنف)، عيونهم قاتمة اللون، أفواههم مستقيمة الشكل، والأسنان عمودية، شعورهم خفيفة جدا، ويندر أن ينبت الشعر في وجوههم، ألوانهم سمراء مع ميل إلى اللون النحاسي، صدورهم عريضة وأبدانهم عضلية.

ومن أخلاقهم النشاط والشجاعة والغضب والثبات والحذر والحيلة والقسوة وحب الانتقام، قوة الفهم حسنة بهم، وأما الحكم والتجريد فإنهما ضعيفان، وعقولهم محصورة جدا. (4)

الزنجي: وهو جنس معروف بيننا؛ إذ ليس فينا إلا من رأى العبيد أو الجواري، مساكنهم في أواسط أفريقيا والحبشة وأوستراليا ومعظم جزيرة بورنيو وغيرها من جزائر الهند الشرقية.

شكل 4: أهل خط الاستواء اليوم.

ومن أمم الزنج سكان الكونجو والهوتنتوت وموزمبيق وقبائل خط الاستواء، وهم مشهورون بسواد البشرة وفطس الأنف وسعة المناخر وضيق الوجه وبروز الوجنتين وضخامة الشفتين وبروز الفكين وغور العينين مع سوادهما وسواد الشعر مع جعودة خاصة.

ومن أخلاق الزنجي الكسل والخمول، ولكنه قوي صبور، يحس ويحب ويتقلد، ويميل إلى الخرافات وسرعة الغضب مع التحيل والتقلب، وهو إنما يعيش في حاضره ولا يتكلف النظر في مستقبله، كأنه طفل لا يهتم إلا بما بين يديه، ولكنه يقبل التعليم مع انحطاط عام في قواه وأخلاقه.

الأمم القوقاسية

قلنا: إن الجنس القوقاسي أرقى سائر الأجناس، وهو أكثرها تنوعا، وتحته شعوب كثيرة بعضها قديم وبعضها حديث، ولكنها ترجع إلى أصول رئيسية، أشهرها: (1) النيوتون: ومنهم الشعوب الجرمانية والأسوجية والنروجية والدنيماركية والإنكليز والسكسونيون، (2) القلت (السلت): ومنهم الفرنساويون والإسبان والبلجيك، (3) السلاف: ومنهم شعوب روسيا، (4) الساميون: ومنهم سكان سوريا قديما وحديثا وأهل جزيرة العرب ومصر، (5) الهنود: ومنهم شعوب الهند من الصنف الآري، (6) البلاسجية: ومنهم اليونان والرومان. وكل من هذه الشعوب يشترك بالصفات الظاهرة والباطنة، وإليك أمثلة من أشهرها.

الجرمان:

وهم من الأصل التيوتوني، وقد وجد الباحثون في طبائع الإنسان أن التيوتوني أوسع جمجمة وأكبر دماغا من سائر الشعوب القوقاسية، عرفوا ذلك بقياس تجاويف الجماجم، والجرمان أقرب شعوب التيوتون إلى أصلهم، وأدمغتهم كبيرة، وهم أهل تعقل وفلسفة، وقد قاس الأستاذ مورتون خمس عشرة جمجمة من جماجم الألمان فكان معدل سعتها 95 قيراطا مكعبا، وفي شكل

5

صورة غوطي الشاعر الألماني، وهي مثال الشكل الجرماني، وكذلك شكل

6

صورة البرنس بسمارك سياسي الألمان.

شكل 5: غوطي الشاعر الألماني الشهير.

شكل 6: البرنس بسمارك سياسي الألمان.

والألمان (أو الجرمان) زرق العيون خفاف الشعر واضحو الملامح عضليو البنية مع علو الجبهة وامتلائها وعرضها، وهم عراض الأحناك كبار الذقون، مما يدل على صبرهم وثباتهم وقوة عقولهم، وقد اشتهر الألمان بأبحاثهم الفلسفية وغيرها مما يحتاج إلى إعمال الفكرة ودقة البحث، وهم أهل حذر ورفعة.

الإنكليز:

ويراد بهم الأنكلوسكسون، وهم من التيوتون أيضا، وأخلاقهم تشبه أخلاق الألمان، ومعدل سعة الجمجمة الإنكليزية 96 قيراطا، فدماغهم أكبر من دماغ الألمان، والإنكليز ممتلئو الأجسام واسعو الصدور كبار الهامة أقوياء المعد والأكباد سريعو الدورة أصحاء التغذية، وجوههم مشرقة تتدفق الصحة منها، ومن أخلاقهم الاعتداد بالنفس والكبرياء والطمع والهمة وحب الأثرة مع النشاط والإقدام والثبات والاقتصاد وحب الخير والتدين.

والإنكليزي قاس في معاملته بارد في محبته، لكنه إذا أحب ثبت في الحب، مع لطف ودعة، وهو أقدر على الأعمال المادية منه على الأعمال الخيالية أو التعمق في الفلسفة، والألماني أقدر منه على هذه، وفي صورة شكسبير الشاعر الإنكليزي شكل

7

ما يدل على استعداد الإنكليزي للعمل والصبر على الجهاد في سبيل الفتح ونحوه، والإنكليز بين ظهرانينا، ولا تخفى أخلاقهم علينا.

شكل 7: شكسبير الشاعر الإنكليزي.

الإنكليز الأميركان:

ونريد بهم الأوروبيين الذين استوطنوا أميركا بعد اكتشافها، وأكثرهم من الإنكليز، وإنما تنوعت أخلاقهم بالاختلاط وتأثير الإقليم، فاستطالت رءوسهم وضاقت عظام وجوههم، فضاقت جماجمهم حتى أصبحت سعتها 93,5 القيراط، وتغيرت أخلاقهم تغييرا بينا، وتبدلت أمزجتهم، فالإنكليزي دموي المزاج والأميركاني صفراويه، والمزاج الحيوي متسلط في الإنكليزي، والعصبي أو العقلي غالب في الأميركاني، فالإنكليزي أكثر تكبرا واعتدادا بنفسه وثباتا وصبرا من الأميركاني، والأميركاني أكثر حركة وأدق نظرا وأسرع خاطرا وأكرم نفسا من الإنكليزي، ومن أدل الصور على الشكل الأميركاني صورة كرنيليوس فندربلت شكل

8 .

شكل 8: كرنيليوس فندربلت.

وأنف الأميركاني وسط بين الروماني واليوناني، ووجنتاه مرتفعتان نوعا، وذقنه بارز، ولون البشرة أقتم مما في الأنكليز، وهي تزداد قتوما بتوالي الأجيال.

الفرنساويون:

وهم من الشعوب القلتية، والقلتي أوسع صدرا من الإنكليزي، لكنه أضعف معدة، وهو عضلي لكن تعوزه الاستدارة، وجمجمته أصغر من جمجمة التيوتوني، ويستدلون بذلك على أن دماغ القلتي أصغر من دماغ التيوتوني بنحو ستة قراريط أو ثمانية، وإليك أوصاف الجنس الفرنساوي كما وصفه الدكتور فيمون العالم الفرينولوجي الفرنساوي، قال:

الرأس الفرنساوي أصغر من الجرماني، والفهم فيه أقوى مما في الجرماني والتأمل أضعف؛ أي إنه أسرع إدراكا منه وأعجز عن إعمال الفكرة طويلا، فإذا عرضت مسألة تحتاج إلى نباهة كان الفرنساوي أسبق إلى إدراكها، وأما الأمور التي تفتقر إلى إعمال الفكرة والتأمل فالألماني أصبر كثيرا فيها، والألماني أقوى من الفرنساوي في الموسيقى والرياضيات، وأكثر حذرا وتحوطا منه، وأما الفرنساوي فإنه أسلم ذوقا في الفنون الجميلة ونحوها، مع الميل إلى الإحسان والانتصار للضعيف.

شكل 9: روشفور الكاتب الفرنساوي.

شكل 10: فيكتور هيكو الشاعر الفرنساوي.

والفرنساوي مشهور بتسرعه وحدته وسرعة خاطره مع عجزه عن الثبات، ولكنه يحب البهرجة، وله اقتدار على اختيار الأذواق الجميلة، وكل ذلك ظاهر في أعمال الفرنساويين وتواريخهم، وكأنه مصور على أبنيتهم وألبستهم وشوارعهم وأقوالهم وسائر أعمالهم.

الإيطاليان:

وهم أكثر اختلاطا من سائر شعوب أوروبا؛ ولذلك يعسر تحديد العنصر الإيطالياني تحديدا واضحا؛ فإن فيهم التيوتون والرومان والقلت وغيرهم.

ومن صفات الإيطاليان العامة إشراق اللون واستطالة الرأس وكبر العينين، يغلب المزاج الدموي في شبانهم والليمفاوي في شيوخهم، ولهم باع طولي في الزراعة والتجارة والصناعة، ويصح ذلك على أهل لومبارديا وبارما وبولونيا ورومانيا إلى رفينا وريميني، وأما أهل جينوا فيغلب فيهم الكبرياء وخشونة المعاملة والصبر على المكاره والشقاء، ومنهم أشهر النوتية ورجال الأسفار من قديم الزمان، وهم قصار القامة سود العيون صغارها مع حدة البصر.

فإذا تجاوزت جنيوا إلى سلسلة جبال الأبنين حتى أبروتزو وكالامبريا رأيت هناك شعبا من أكثر الشعوب ميلا إلى الاستقلال، ويظن أنهم بقية الشعب الإيطالي الأصلي.

وأما أهل رومية فهم بقية شعب الرومان، ولا تزال ملامح الرومانيين بادية في فلاحيهم، وهم كبار الرءوس مسطحوها، قصار الجبهة عراضها، وجوههم واسعة مربعة، ورقابهم قصيرة غليظة.

وأهل نابولي أصولهم مختلطة باليونان، وأخلاق اليونان ظاهرة فيهم، فضلا عن اختلاطهم بالفينيقيين قديما وبالعرب بعد الإسلام.

وأهل صقلية وسردينيا وكورسيكا فيهم بقايا من أهل المغرب يرجع تاريخهم إلى زمن القرطجنيين، وهم يمتازون بسمرة ألوانهم وامتقاعها بما يدل على المزاج الصفراوي.

أما الإيطاليان من أهل الطبقات العليا المتصلة أنسابهم باليونان والرومان والغوط فقد ورثوا خلال تلك الشعوب وهذبوها بتوالي الأجيال فكانوا من أرقى شعوب أوروبا، ومنهم نبغ المصورون العظام مثل رافائيل شكل

11

وفيه مواهب اليونان في الرسم، ودانتي شكل

35

وفيه شاعرية الغوط، وتاسو شكل

38

ودماغه غوطي وشكل جمجمته يوناني، وكذلك غليليو صاحب دوران الأرض شكل

13

وغريبالدي القائد الشهير فإنهم جمعوا العنصرين الغوطي والروماني.

شكل 11: رافائيل المصور الإيطالي.

شكل 12: فيكتور عمانوئيل ملك إيطاليا.

شكل 13: غليليو العالم الإيطالي.

الإسبان:

والإسبان وفيهم البورتغال لا يقلون اختلاطا عن الإيطاليان؛ لتوسط إسبانيا برا وبحرا، فهي ما برحت عرضة للفتح والغزو والاستعمار منذ القدم، فسكنها الفينيقيون والقلت والجرمان والرومان والعرب، وأما أصل سكانها فهم الأيبريون القلتيون.

ولو أردنا وصف أصولهم وفروعهم لطال بنا المقال، وإنما نقول بالإجمال: إن الإسباني اليوم ربع القامة قوي البنية، جمجمته أعرض من جمجمة الفرنساوي نوعا وأعلى، ووجهه أكثر استدارة وأقل زوايا، شعره أسود غالبا وعيناه سوداوان أو خروبيتان، ومزاجه صفراوي دموي.

وأما أخلاقه فهي أنه أقل ذكاء من الإيطالي ولكنه أثبت منه جأشا وأعز نفسا، وهو باسل متعصب محب للخرافات حقود ينهض للانتقام.

شكل 14: فاسكو دي غاما الرحالة البرتغالي.

الروس:

وهم من الشعوب السلافية، وما من مملكة في العالم أكثر شعوبا من مملكة الروس، حتى عدوا منهم نحو مائة طائفة يتكلمون أربعين لغة، وفيهم الجرمان والفن والكلموك والأرمن واليونان والشركس فضلا عن الروس الأصليين.

وأظهر صفات الروس العرض، فالروسي عريض الرأس عريض الأكتاف عريض الصدر قصير الأطراف. وهم أقدر الأمم على الصبر في الأهوال، والروسي قوي التنفس صحيح الدورة والهضم قوي العضل إلى الدرجة القصوى.

شكل 15: إسكندر الثاني قيصر الروس.

وكأن الشعب الروسي شاب في ريعان شبابه لم يدرك البلوغ التام، ولكن هيئته تدل على عظم مستقبله، فمستقبله عظيم وإن لم يظهر فيه ذلك تمام الظهور، ولكن ما ظهر منه حتى الآن يدل على استعداد فيه سيكون له شأن عظيم في الأجيال المقبلة؛ لأن الروسي قوي بدنا وعقلا، وفيه ثبات وصبر، وأكبر الشواهد على تلك الخلال ما أتاه بطرس الأكبر شكل

16

مما يصح أن يكون مثال الصبر والثبات والذكاء والإقدام.

شكل 16: بطرس الأكبر.

اليونان القدماء:

وهم من الشعوب القوقاسية القديمة المعروفة بالشعوب البلاسجية، ولم تكن جماجمهم كبيرة مثل جماجم الجرمان، ولكنها كانت حسنة التركيب متناسبة الشكل؛ ولذلك كانوا أقرب إلى الجمال مما إلى القوة، وهم أهل الفنون الجميلة والشعراء والموسيقيون وأهل الخطابة والبلاغة، وكانوا بارزي الجباه مع ارتفاعها حتى تكون هي وقصبة الأنف على خط واحد.

شكل 17: سقراط الفيلسوف اليوناني.

شكل 18: أوقليدوس الرياضي اليوناني.

الرومان:

ويمتاز الشعب الروماني بالقوة كما يمتاز اليونان بالرقة، وقد كان ذلك ظاهرا في وجوههم وصدورهم؛ لأن الرومان كانوا كبار الأدمغة شم الأنوف غلاظ الأعناق، أهل إقدام ونشاط وعزم وطمع، وكانوا أقوياء العواطف ميالين إلى البذخ والفخر والجاه مما لا نطيل فيه لشهرته.

شكل 19: برمبيوس القائد الروماني.

الساميون:

فرغنا من الكلام في الشعوب القوقاسية الأوروبية، وآن لنا أن نتكلم عن الشعوب القوقاسية في آسيا وأفريقيا ومنهم العرب والسوريون من الشعوب السامية والهنود من الشعوب الآرية، والمصريون والمغاربة من أهل شمالي أفريقيا.

فالعرب ولا سيما عرب البادية أقرب الساميين إلى الأصل السامي، وهم بارزو الأذقان عقف الأنوف (راجع فراسة الأنف) سود العيون والشعر سمر البشرة، وقد وجد الباحثون في طبائع الإنسان أن جمجمة العربي أرق جدارا وأكثف بناء من جماجم سائر البشر حتى تكاد تكون شفافة؛ ولذلك فهو دقيق الشعور سريع الانتباه، ولا ريب أن العرب أسرع أمم البادية خاطرا وأحد ذهنا.

والإسرائيلي رأسه أكبر من رأس العربي، بل هو الآن أكبر من رءوس سائر الأمم السامية، وأخلاقه شبيهة بأخلاق العرب، ولكنه يمتاز بتدينه وحبه للتجارة واقتداره على التحيل في اكتساب الأموال، وقلما يشارك الناس في مصائبهم.

الهنود:

أما الهنود فهم من الشعوب الآرية مثل شعوب أوروبا، وجماجمهم تشبه جماجم أمم أوروبا لكنها أصغر منها مع دقة بنائها، وقد كان الهندي والتيوتوني والقلتي والبلاسجي عائشين في بقعة واحدة وراء أفغانستان، ثم تفرقوا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا في أعصر مختلفة، فالذين أقاموا في الهند أثر الإقليم في أمزجتهم بتوالي الأجيال فانحطت قواهم عن إخوانهم الذين نزحوا إلى أوروبا، حتى أصبح رأس الهندي لا يزيد على ثلاثة أرباع رأس أخيه التيوتوني، فلا عجب إذا تغلب الإنكليز على أعمامهم الهنود وهم أقل منهم عددا، فإن حجم الرأس قياس القوة، وزد على ذلك أن رأس الهندي ضيق عند قاعدته، مما يدل على ضعف العزيمة في الحرب، وأما رأس الإنكليزي فإنه عريض هناك.

شكل 20: ابن نظام الملك في حيدر آباد.

هذه خلاصة فراسة الأمم، ولا يسع المقام أطول منها، وإنما أردنا بإيرادها تتمة الأدلة على علاقة ظواهر الأجسام ببواطنها، على أن هذا البحث مع حداثته قد كتب العرب فيه على ما يوافق معارفهم في أحوال البشر، وكان البشر عندهم ينقسمون باعتبار أماكنهم أو أحزابهم بقطع النظر عن أشكال رءوسهم أو أبدانهم أو غير ذلك، فكانت الأمم عندهم لا يزيد عددها على بضع عشرة أمة، أشهرها الفرس والعرب والترك والروم والديلم والكرد والبربر والأرمن والهند والحبش، وعندهم لكل أمة صفات خاصة. قال صاحب آثار الأول في ترتيب الدول:

الفرس: «ذو شهامة ونجدة وصبر وحسن سياسة، فكان لهم الملك ودام فيهم، ودانت لهم البلاد واستمرت على الممالك ألوف سنين، وفيهم الرمي بالنشاب، وأهل جبالهم رجالة شجعان مثاقفون يرمون بالحجر المصيب، والمنجنيق من استنباطاتهم، ويقال إنه ظهر في زمن النمرود، وهو من نبطهم وأعقاب دولتهم بالعراق، وقد جاء في تفسير قوله تعالى

وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ، قال بعض الصحابة: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: «هذا وقومه.» وأشار إلى سلمان الفارسي.

العرب:

أهل ركوب وخفة في الكر والفر، وفيهم شجاعة وليس لهم ثبات، وهم يجتمعون بالأطماع والآمال، وتؤثر فيهم الخطابة والأشعار في كل فن، حتى إنهم يقعون في الأخطار أو يتركون من الأموال ماله مقدار ببيت شعر أو كلمة سجع. ومن خصائصهم حفظ الجار والنزيل والذب عنه، وفي بعضهم كرم، وليس لهم من أنواع الأسلحة إلا الرمح ورمي القوس العربي في بعض طوائفهم، وهو كالنادر فيهم.

الترك:

ذو شجاعة وحمية وغلظة وقساوة على غير جنسهم، وفيهم انقياد لمشايخهم وكبرائهم، مع أنهم ليس فيهم عصبية كما في الكرد، وأخلاقهم عسرة، وأشرفهم الخطا ثم الختن ثم الجكل ثم التبكت ثم القفجاق، والخطا والختن أجملهم وأصبحهم، والجكل أعجزهم، والتتر أطوعهم، واليمك أسقطهم، ولهم في الفروسية رمي النشاب والضرب بالدبوس والسيف، ولهم الصبر، فينبغي أن يوسع عليهم في الأنفاق وتزاح عللهم في ذلك ويمكنوا من عاداتهم، ولا يرفهون؛ فإنهم ينقادون إلى كل أمر يدعون إليه ويتبعون.

الروم:

أهل صنائع وحرف وحكم، وفيهم صبر وخدمة، ولهم حيل في السياسات ووضع آلات حربية، وحظهم في الفروسية قليل، ولهم ضرب بالسيف ورمي بالجرخ والزنبورك، وميلهم إلى المكايد في الحروب أكثر، وفيهم صبر وحرص على جمع المال ومحبة الذهب والفضة والتنعم.

الديلم:

أهل طبرستان والجبال، فيهم الفروسية والشجاعة والصور الهائلة والأصوات المفزعة، وهم يرمون بالمزاريق فتنفذ حيث أصابت ولا تكاد تخطئ، وهم أطوع الناس لكبرائهم إلا أن آرائهم مضطربة، وما استراحوا قط إلا بطروا، ولا ينبغي أن يولى عليهم غيرهم؛ فإن نفوسهم غير أبية، وينبغي لواليهم أن يغضي عن بعض هفواتهم ويسمح باليسير من جناياتهم، وفيهم عنف وعسف لمن وليهم من غيرهم، وكذلك البربر والعرب بالضد.

الكرد:

هم في جبال الفرس وديار ربيعة، فيهم الشجاعة والنجدة والحمية فرسانهم ورجالتهم، وهم يتعصبون لبعضهم على كل حال كما تفعله العرب في بعض الأحوال، وليس فيهم حيل ولا مكر، وينقادون للديانات والأمانات، وربما كان فيهم غدر في بعض الأوقات، ولا يكون سببه إلا التعصب والحمية.

البربر:

فيهم الصبر على الشقاء والإقدام على الموت والحروب، وهم أهل غلظة وجفاء وجهل، وتأليفهم بالمواعظ والخطب والانقياد لمشايخهم ولكبرائهم، وتؤثر فيهم النواميس غاية التأثير، وهم خفاف على الخيل خفاف الجري، ومنهم رجالة يلحقون الخيل ويعمل فيهم الإرهاب، ويعظمون شيوخهم، وفيهم قبيلة تعظم النساء وتحكمها وتنسب الأولاد إليهن، ويتنقب الرجال وتسفر النساء في الغالب، وهي قبيلة مسوقة، وسياساتهم بالقهر والإرهاب واستعمال السيف مكان السوط.

الأرمن:

فيهم صبر وخدمة، وقد يكون فيهم جميل، وفيهم ملاحة وذكاء وحسن تأن في الأعمال مع فساد وقلة أمانة.

الهند:

أهل الحكمة والذكاء والفطنة، وفيهم الحيل والمكر والوهم والخداع، ولا يقاتلون إلا بأمر ديني، وأما الحمية والأنفة والغيرة فعندهم قليلة، ومنهم طائفة تنسب إلى الشجاعة، يسكنون في جبال الهند وهم عراة.

الحبش:

هم أشفق أصناف السودان وأحسنهم، وفيهم أمانة، وشجاعتهم نادرة، وهم أهل جد وصبر، وأصناف السودان، كثيرة أشجعهم أهل غانة ثم كوكو والنوبة، وأضعفهم الزيلع ثم كانم.

وبالجملة فأهل البلاد الباردة أشجع من أهل البلاد الحارة؛ لتلزز أبدانهم واكتناز أعضائهم وقوتهم، إلا أن أهل البلاد الحارة أخش وأرشق، وربما كانوا أركب، وأهل الجبال أشجع وأصبح من أهل السهل، وكذلك أهل المشرق أشجع من أهل المغرب، وأهل الشمال أشجع من سكان الجنوب، والوسط وسط.» انتهى.

فراسة الرأس

الفرينولوجيا

هو فرع من فروع علم الفراسة وضعه رجل جرماني اسمه فرنس جوزف كول في أواخر القرن الثامن عشر، وقد استخرج قضاياه باختباره الشخصي في تلامذة المدارس وأهل المهن وغيرهم، وموضوعه استخراج مواهب الناس وأخلاقهم من النظر إلى أشكال رءوسهم وملاحظة ما فيها من البروز والتسطيح والسعة والضيق ونحو ذلك.

ولا بد لدارس الفرينولوجيا من الإلمام بتشريح الرأس ومعرفة ما يتألف منه من الأعضاء وأشكالها ووظائفها، وقد بينا ذلك في (خلاصة تشريحية) من هذا الكتاب، فلتراجع هناك.

أما استطلاع الأخلاق والقوى بفراسة الرأس فقد ألف فيه الإفرنج كتبا كثيرة، ولهم فيه أقوال متضاربة أكثرها لا يعتد به؛ لإسناده إلى الحدس والتخمين، وقد نشرنا في السنة السادسة من الهلال خلاصة أبحاث الفرينولوجيين للدكتور إبراهيم عربيلي نزيل نيويورك، فآثرنا نقلها لأنها حوت زبدة أقوالهم، وهي:

حجم الرأس:

يختلف حجم الرأس في الناس باختلاف أعمارهم، ولكن المعول عليه في مقالتنا هذه الشاب البالغ أشده، فإذا رسمنا حول جمجمته خطا يمر بالعظم المؤخري فالجدرايين فالصدغيين فوق الأذنين، حتى يلتقي طرفاه في مقدم العظم الجبهي فوق الحاجبين في الوسط، نجد المعدل غالبا من 20 إلى 22 قيراطا ونصف قيراط في الذكور، وأقل منه بنصف قيراط إلى ثلاثة أرباع القيراط في الإناث، ومن كان هذا قياس رأسه كان متوسط القوى، وأما ذوو العقول الثاقبة فمحيط رءوسهم من 12 إلى 23 قيراطا أو 24.

ولا يخفى أن هذه الطريقة من القياس تختلف باختلاف شكل الجمجمة الأصلي؛ لأن الرءوس قد تكون في البعض مستديرة وفي البعض الآخر مستطيلة أو واطية أو عالية القمة، والعظمان الجبهي والمؤخري قد يكونان مفلطحين أو بارزين كثيرا أو قليلا، فلا يبنى على ذلك حكم قطعي، وعليه فلا يكون كبر حجم الرأس دلالة ثابتة على الحذق وجودة العقل، ولكنه يقال بوجه عام بناء على المراقبات العديدة: إن رءوس الممتازين بجودة عقولهم وحذاقتهم أكبر حجما من رءوس غيرهم؛ فإن محيط رأس وبستر الشهير مثلا 24 قيراطا، والجنرال كلي 23 قيراطا، ونابليون 24 قيراطا، وهملتون 23 قيراطا، وبارك وجيفرسون كانا عظيمي الرأس، وهكذا فرنكلين فقد بلغ محيط رأسه 24 قيراطا، وكثيرون غيرهم ذوو رءوس كبيرة تفرد أكثرهم بالذكاء وقوة العقل والنبالة، وكثيرا ما نعجب لما نراه في بعض الناس من الذكاء والفطنة وغزارة المعارف والعلوم وحفظ اللغات وهم مع ذلك صغار الرءوس، غير أن أكثر هؤلاء لا يبلغون مبلغ أولئك بقوة أدمغتهم وعلو تصوراتهم وجودة عقولهم، ويظهر الفرق بينهما في احتمال الأعمال العقلية الشاقة، فترى أصحاب الأدمغة الكبيرة يقتحمون أعمالا يعجز غيرهم عن القيام بها.

وبناء على ما تقدم لا بد قبل الحكم في جودة العقل من ملاحظة نوع فعله كقوة التصور وسرعة الخاطر أو المقدرة على الأعمال الطويلة؛ فإن لذلك أهمية عظيمة، ويجب الانتباه إلى حجم الرأس وعلاقته بدرجات القوى المتفاوتة ما بين أفراد الناس من حيث زيادة حساسته أو نقصانها، وقوة الإرادة وضعفها، والإقدام والثبات، والكثرة والقلة، أو الهدوء والطيش، والتأني والعجلة، وسداد الرأي وضعفه، فإن أصحاب الرءوس الكبيرة إذا كانت أدمغتهم في حالة الصحة ظهرت فيهم عند العمل قوى عقلية عظيمة جدا، إلا أنها قلما تظهر أفعالا أو إحساسات فائقة الحد تميزهم عن سواهم، ولكن أصحابها يقضون أكثر سني حياتهم في التأمل العميق بالمواضيع العقلية، أما الذين هم مع كبر رءوسهم ذوو حركة وجد وسعي وإقدام وعزيمة، فهؤلاء لا يقف في سبيل تقدمهم ونجاحهم ولا يحول دون مشروعاتهم أمر من الأمور، وإذا ساعدتهم الأحوال لاقتباس العلوم والمعارف كانوا نوابغ بين أبناء جيلهم، فإذا زادت فيهم قوة الحركة وسرعة العمل عن المعدل الطبيعي بلغوا بأعمالهم واكتشافاتهم واختراعاتهم المستغربة أعلى درجة يستطيع الإنسان الوصول إليها، وأصحاب هذه المواهب لا يعجزون ولا يكلون ولا يفترون مدة حياتهم عن الجد والتبحر والتصور والتفكير في اختراع ولا اكتشاف أمور غامضة صعبة، فيتأملون ويفتكرون فيما يسهل عليهم إصدارها من حيز تصوراتهم إلى عالم الفعل، ولا يتأخرون عن شيء إلا ويتمعنون به بتأن، وأدمغتهم تعمل على الدوام لا ترتاح ليلا ولا نهارا، وهم في الغالب قليلو الكلام، لا يغرهم المديح والافتخار، وقلما يرتاحون إلى المجتمعات العمومية.

وبالاختصار إننا إذا تأملنا هيئات جماجم الناس وأقدارها بوجه عام رأينا الاختلاف واضحا بينها؛ لأنك قلما ترى جمجمتين تتشابهان في كل شيء، وليس أسهل من التمييز بين عظام الجمجمة ذات الأسطحة الخشنة والجدران الصلبة والجمجمة اللطيفة الملساء الناعمة قليلة النتوات والبروزات، فإن الأولى جمجمة رجل والثانية جمجمة امرأة.

علاقة الدماغ بظاهر الرأس:

وعندهم أن لكل قوة من قوى الدماغ تأثيرا خاصا على جزء أو أكثر من أجزاء الوجه أو على اليدين أو غيرهما من الأعضاء، فكلما عظمت قوى الدماغ عظم تأثيرها على الأجزاء المستولية عليها، فكلما كانت العلامات الدالة على سمو إحدى تلك القوى الدماغية ظاهرة ممتازة كلما كانت تلك القوى أعظم بالنسبة إلى سواها، فبواسطة هذا العلم يتمكن الدارس بفحصه مواقع هذه القوى الفحص المدقق من معرفة نسبتها بعضها إلى بعض، ولكل إنسان قوى دماغية خاصة به يعمل بموجبها أعماله اليومية في هذه الحياة، فعلم الفرينولوجيا موضوعه درس دماغ الإنسان ومعرفة درجة كل قوة من قواه العاقلة الطبيعية التي يرتئي الفرينولوجيون استقرارها في مراكز خاصة بها في الكتلة الدماغية بين تلافيفه.

وعندهم أن لكل قوة من هذه القوى مركزا خاصا، ولكل عقدة من العقد العصبية عملا خاصا، وجميع هذه القوى محكمة الوضع متناسبة التركيب بأليافها وكرياتها، وتصدر أفعالها الخاصة بترتيب ونظام، ويعللون أعمالها باختلاف أحجامها وأوضاعها من القرب والبعد وأشكال تركيبها، فتصدر الأفعال عنها، فتتأثر منها عظام الجمجمة الخاضعة لناموس التغذية والنمو، فيحدث عن ذلك تغيير في العظم يوافق التفاعل الذي يتم بين أجزائها وجواهرها الفردة المتوقف عليه الناموس الحيوي الطبيعي، فينتج ارتفاعا أو بروزا أو انخفاضا يظهر تحت الجس يعينون به درجات القوى العقلية، ويقولون أن مصدر هذه الأفعال كتلة الدماغ والعقد العصبية المؤلف أكثرها من المادة البيضاء والمادة السنجابية، ومع كل هذه التعليلات لم تثبت أقوالهم بالبراهين العلمية الدامغة، ولا نعلم كيف يثبتون أن الذاكرة في التلفيف الفلاني والتصور في العقدة الفلانية والتجارب التشريحية التي أجروها في الدماغ حتى الآن لم تثبت مدعاهم، وهب أنهم عرفوا مواقع بعضها فكيف اتصلت هذه القوى المختلفة إلى ظاهر العظام؟ فهم لا يزالون قاصرين عن إيراد البراهين المثبتة لما يزعمونه في فحص قوى الدماغ المختلفة وما يختص بالقوى العقلية، ومع ذلك فقد بنوا علمهم على الاختبار والاستقراء مع الإسناد إلى تشريح المقابلة، فانتشر حتى أصبح بعضهم يعتمده كل الاعتماد، وأخذ كثيرون منهم يلقون الخطب الرنانة على المنابر ينادون برسوخ قواعده، ولكن براهينهم لم تقنع أبناء العلم الصحيح المتضلعين في العلوم الطبية والتشريحية. ولهؤلاء اعتراضات وردود لا يسمح المقام بذكرها، وأما طريقة الفرينولوجيين في استطلاع الأخلاق والقوى بقياس الرأس فهي أنهم يقيسون الرءوس والجماجم، كما يأتي انظر شكل

1 .

شكل 1: أقيسة محيط الرأس.

قياس الرأس:

أولا: يقيسون محيط الرأس بخط يبتدئ من نقطة متوسطة بين بروزي العظم الجبهي ويمتد حول العظمين الجداريين إلى نقطة متوسطة على العظم المؤخري، فإذا بلغ طول ذلك الخط تسعة عشر قيراطا ونصف قيراط كان الرأس صغير الحجم، وإذا كان 21 قيراطا فهو متوسط، وإذا بلغ 22 وربعا كان عريضا، وإذا كان 24 قيراطا فهو كبير جدا. ويقاس محيط الرأس أيضا من جانب واحد بخط يمتد من منتصف الجبهة على خط أفقي مستقيم إلى مؤخر الرأس، فإذا بلغ طول هذا الخط على جانب واحد 7 وربع قيراط سموه صغيرا، وخصوصا إذا كان الرأس ضيقا في الجانبين، وإذا كان 7,75 قيراط سموه متوسطا، وإذا كان 8,125 قيراط فعريضا أو كبيرا، وإذا كان 8,375 القيراط فعريضا أو كبيرا جدا.

ثانيا: تقاس الجمجمة أو الرأس من نقطة ترسم مقابل فتحة صماخ الأذن الواحدة بخط يقاطع جسر الجمجمة مارا إلى الأعلى أمام اليافوخ الخلفي؛ أي عند ملتقى العظمين الجداريين المكونين الدرز السهمي إلى الوراء قليلا، ويمتد إلى نقطة أمام فتحة صماخ الأذن الأخرى على الجانب المقابل، فإذا وجد القياس 14 ونصف قيراط سموه كبيرا، أو 14 قيراطا سموه متوسطا، أو 13 ونصف قيراط عدوه صغيرا، وقس على ذلك سائر الخطوط والدوائر التي تراها في الشكل

1 .

ويعتبرون القياسات المار ذكرها مهمة جدا كسائر أقيسة الرأس؛ لأنهم يحكمون بواسطتها على القوى العقلية من حيث جودتها وعدمها، ويلاحظون دائما عرض الجبهة وجانبي الوجه ومؤخر الرأس والفسحات بين هذه الأقسام التي يتمكنون بها من معرفة قوى الدماغ والمادة العصبية، فلو وجدنا مثلا أن قياس محيط الرأس 22 ونصف قيراط، وكان قياس الجبهة 13 وربع قيراط، أو 13 وثلاثة أرباع قيراط، فلا يكون ذلك دليلا على حدة العقل، أما إذا وجدنا قياس الجبهة 14 وربع قيراط أو أكثر فنستدل على قوة العقل، وهكذا إذا كان حجم الرأس أصغر من ذلك بالنسبة إلى حجم الجبهة.

أما الجبهة الضيقة المستطيلة فتدل على اعتدال في حدة التصور وشدة الانتباه والإلهام والتودد والعشق وتمييز الألوان والتعقل والترتيب والتهذيب.

والجبهة العريضة المرتفعة تدل غالبا على الاقتدار العقلي والذكاء وسهولة اكتساب اللغات والخوض بمواضيع عالية وذكر الحوادث وحفظ الأرقام والأعداد والمحال وقوة التبليغ والتعبير عن الأفكار ، فإذا قست من جانب الرأس إلى جانبه المقابل مارا على القحف فبلغ 22,125 قيراط تستدل به على قوة العواطف النفسية وكثرة الحب أو قلته أو سرعة الميل، أما إذا وجدنا القياس من الأذن إلى الأذن المقابلة يبلغ 13 ونصفا، أو 13 وربعا، بحيث يمر على اليافوخ عند ملتقى العظم المؤخري بالجداريين نستدل على ضعف القوى الحيوية والخلق، فصاحبه قليل الصبر ضيق الأخلاق. خلافا لمن يبلغ القياس فيه 14 وربعا، أو 15 ونصف قيراط، فإن الجهاز الهضمي فيه قوي والأخلاق رضية، وهو صبور كثير التأني، فإذا كان جانب الرأس عريضا واطيا بحيث يبلغ معظم قياسه 5,875 القيراط، أو كان أقل من ذلك علوا تكون القوى الدماغية في جانب الرأس متسعة وفي قمته أقل اتساعا، وبالعكس؛ أي إذا كان جانب الرأس ضيق المساحة عاليا.

أما إذا كان محيط الرأس أقل من 22 وربع قيراط وكانت سائر قياساته التي تمر فوق قمته أقصر مما هي فيستدل على اشتداد وحدة في الخلق، فإذا اعتبرنا محيط الرأس 22 وربع قيراط قاعدة لقياساته من الخلف البالغة من 13 وربع قيراط إلى 14 قيراطا فقط وكان محيطه 5,5 إلى 5,875 القيراط نستدل بذلك على العظمة والإعجاب بالذات والكبرياء، أما إذا كان القياس 15 قيراطا أو أكثر وكان نصف المحيط 6 وربع قيراط أو أطول من ذلك فيستدل به على قوة الجهاز العضلي وتسلط الإرادة وثباتها، وذلك جميعه بالنسبة إلى بقية الأعضاء الطبيعية وحيويتها، وهم يعتمدون هذه الأنساب في تجاربهم، ويقتضي في كل الأحوال ملاحظتها لمعرفة قوى العقل وجواهر مواده من جهة الحدة وعدمها، فلا بد من مقابلتها بالأقيسة الأخرى للحكم على القوى العاقلة في شخص دون آخر، فإذا درسنا هذه الأقيسة درسا جيدا استغنينا عن إجرائها فيما بعد في الفحص الجمجمي إلا قليلا، فنكتفي بالنظر فنعرف قوى الدماغ بسهولة.

وبناء على ما تقدم فللدماغ ثلاث خاصيات أصلية أو أمزجة، كل واحدة منها ناتجة عن قوة مستقرة فيه تؤثر على الجسم، ومعظمها ناتج من الوراثة التي لها دخل عظيم في الأخلاق والخاصيات والأمزجة المتقدم ذكرها ، فتكتسب منها عدة تنوعات، وبواسطة التربية والتعليم والاكتساب تزداد قوة وترقية، وهكذا لكل قوة من قوى الدماغ علاقة أصلية طبيعية وتأثيرات خاصة لا تنفك عن توافق الجسم وأعضائه المختلفة في أعمالها.

القوى العاقلة وتلافيف الدماغ:

حسبوا للدماغ الإنساني اثنتي عشرة قوة رئيسية وأربعة وعشرين قوة تابعة، فجملة القوى 36، لكل منها مركز خاص في بعض تلافيف الدماغ، وإليك رسم التلافيف حسب أوضاعها الطبيعية، مع الإشارة إلى اختصاص كل منها بقوة من القوى انظر الشكل

2 .

شكل 2: تلافيف الدماغ وقواه.

فإذا تأملت الرسم المشار إليه اتضح لك رأي الفرينولوجيين في مراكز القوى العاقلة من الدماغ، ولكنك تراهم يخلطون القوى بالأميال أو العواطف، فهي عندهم بمنزلة واحدة؛ لأنها كلها من أعمال الدماغ، كالإصلاح والإبلاغ والأمانة والمحبة والرجاء والأمل والثبات ومحبة الأوطان والعبادة ونحو ذلك، ولا بد من درسها وتفهمها لتغرس في الذهن أوضاعها بعضها بالنسبة إلى بعض، وقد شبهوها بالخارطة الجغرافية، فمن يدرسها كأنه يدرس تقويم مملكة من الممالك، فهي تحتاج إلى حفظ أكثر مما إلى فهم، ويزعم أصحاب هذا الفن أن من يدرس خارطة الدماغ يسهل عليه معرفة أخلاق أصدقائه ومعارفه بالنظر إلى أدمغتهم، ويميزون جغرافية الدماغ عن جغرافية الأرض بأن مواضع القوى الدماغية غير مستقل بعضها عن بعض استقلالا تاما، ولكنها تشترك في كثير من أعمالها.

والاستاذ سيفارتا صاحب هذا الرأي، وإليه ينسب هذا الرسم، قد قسم مادة الدماغ إلى ثلاث مراتب، وقسم القوى العاقلة إلى ثلاث أخرى، يحسن تتبعها ودرسها بمراجعة تفاصيل هذا الفن في كتبه مما يضيق عنه هذا المقام؛ لأن الغرض من هذه العجالة ذكر خلاصة آراء الفرينولوجيين وقواعد علم الفرينولوجيا، فعندهم كما تقدم أن للدماغ 36 قوة، لكل منها مركز في تلافيف الدماغ خاص به. ولكنك إذا تأملتها جيدا وتدبرت نسب تلك القوى بعضها ببعض رأيت بينها علائق تتقارب بنسبة تقارب مواضعها، حتى قد يتألف منها مجاميع تشترك بالجوهر، فالتي في جانب الرأس مثلا يختص أكثرها بالهيئة الاجتماعية والمعاشرة، والتي في أعلى الرأس ومقدمه يجمعها التعقل والتدبير والحكمة، وهي القوى العاقلة الحقيقية، وأما القوى المختصة بالأميال والإرادة والحركة فمقرها في قفا الرأس أو مؤخره، وترى بين التلافيف فواصل هي حدود أماكن تلك القوى، وبعبارة أخرى هي الفواصل بين التلافيف ولكن بينها اتصالات بمجار دقيقة أو خيوط عصبية تنتقل بها التأثرات بين التلافيف ثم إلى الأعصاب والحواس فتظهر للعالم الخارجي.

فكل فكر يحدثه الدماغ يتألف من سلسلة حركات عصبية، أولها حدوث الشعور بواسطة إحدى الحواس الخمس التي تنشأ أعصابها في قاعدة الدماغ، فيحدث الشعور بالصور الذهنية، ثم ينتقل التأثير إلى مقدم الدماغ في النصفين الكرويين، وهناك يحدث الحكم على تلك الصورة وتصدر الإرادة بشأنها، فينتقل ذلك إلى مراكز الحركة في أسفل المخ فتحدث الحركة، هذا هو نظام العمل الدماغي العمومي، ولكن كثيرا من أعمالنا العقلية تنتقل من مراكز الحس في قاعدة الدماغ إلى أسفل المخ رأسا؛ أي من الشعور إلى الحركة بدون عرضها على القوى الحاكمة والإرادة في مقدمة الدماغ، فتحدث أعمالا اضطرارية لا يستطيع الإنسان كبح جماحها، كالضحك والبكاء والدهشة ونحو ذلك، فقد يضحك الإنسان وهو يريد ألا يضحك، ولو خضعت عضلاته المضحكة لإرادته لما ضحك، ولكن التأثير الذي أحدث الضحك لم يعرض على القوة الحاكمة في مقدم الدماغ، بل انتقل رأسا إلى مراكز الحركة فحركت العضلات المحدثة للضحك، ولم يعلم العقل به إلا بعد حدوثه، والسبب في ذلك الانتقال السريع رأسا أن في قاعدة الدماغ عقدا عصبية شديدة الحساسة غير خاضعة للإرادة، وهي كبيرة في الحيوانات وخصوصا الأسماك، وبواسطة هذه العقد تحدث الأفعال السليقية في الحيوان مما لا محل لتفصيله هنا.

علاقة قوى الدماغ بعضلات الوجه:

ومن أسس علم الفرينولوجيا ما يزعمه أصحابه من علاقة القوى العاقلة بعضلات الوجه، فعندهم أن لكل مجموع من مجاميع القوى علاقة خصوصية بعضلة من عضلات الوجه تتأثر لتأثرها، فتنقبض العضلة أو تنبسط بحسب أحوال تلك القوى من الشدة أو الانفعال أو نحو ذلك، وكأن تلك العضلة مرآة تنعكس عنها صور القوى، فيستعينون بذلك على استطلاع أخلاق الناس وأطوارهم بقراءة تلك التغييرات التي يعبرون عنها بالملامح، (انظر الشكل

3 .

شكل 3: القوى وعضلات الوجه.

فإذا تأملت هذا الرسم رأيت فيه القوى العقلية والأميال على هيئة مجاميع يتصل كل مجموع منها بخط إلى الجهة المرتبط هو بها من الوجه.

فقد ثبت بالتجربة المتواصلة والمراقبة الدقيقة أن أسرع الانفعالات وأكثرها وضوحا ما يظهر منها في جلد الجبهة؛ لأننا كثيرا ما نقرأ عواطف أصدقائنا وتأثيراتهم الأدبية كالخوف والغضب والرضا والقلق من النظر إلى جباههم، ويختص أصل الأنف وما يجاوره من الحاجبين والعينين بالدلالة على قوة التجريد والذاكرة وتمييز الألوان والحرص والاهتمام والتأمل والتدبير ونحوها، والأميال القلبية كالحب والرجاء والأمل يظهر انعكاسها حول الشفتين، وتظهر أخلاق التمليق والتعبد تحت الشفة السفلى، أما محبة الوطن فلا تظهر في الوجه بل في فسحة توازي خطا عموديا يبدأ وراء العين وينتهي في قمة الرأس عند اليافوخ الأمامي، وأما قوة الإرادة المستقرة في أعلى الدماغ ومقدمه فتظهر على الوجنة والفك السفلي وما بينهما، وتظهر قوة التدبير والحرص والمدافعة عند أصل الأنف وجسره، ويستدلون على قوى الإكراه والحرية والصناعة والائتلاف في الخدين وتحت الفم.

استطلاع الأخلاق والقوى بزوايا الوجه:

المفهوم بزاوية الوجه عادة خطان يلتقيان عند طرف الأنف يمتد أحدهما أفقيا إلى أسفل الأذن والآخر عموديا فوق الأنف فالجبهة، فيتكون من التقائهما عند أسفل الأنف زاوية هي الزاوية الوجهية المشهورة عند علماء الإنسان، وبها يميزون أصناف الناس بعضهم عن بعض، والقاعدة العمومية عندهم أن انفراج هذه الزاوية يدل على ارتقاء أصحابها، فهي في الزنوج حادة، وفي الجنس القوقاسي منفرجة، وبين ذلك مراتب (راجع زاوية الوجه).

وأما الزاوية المرادة عند الفرينولوجيين فهي غير تلك، وإليك بيانها: ارسم الوجه الذي تريد قياس زواياه رسما جانبيا (بروفيل) ثم حده من قمته وأسفل ذقنه بخطين أفقيين، واقسم الفسحة بين هذين الخطين إلى ثلاثة أقسام، كما ترى في الشكل

4 .

شكل 4: زوايا الوجه.

فإن الوجه فيه مقسوم إلى ثلاثة أثلاث بخطين عرضيين، ما عدا الخطين اللذين يحدان الوجه فوق القمة وأسفل الذقن، ويسمون كل قسم من هذه الأقسام ثلث طول الوجه، يمر أعلى الخطين المتوسطين بمقترن الحاجبين وأسفلهما بأسفل الأنف، فإذا انقسم الوجه على هذه الصورة رسموا أربعة خطوط أخرى تتشعع من نقطة عند مقدم الأذن، يمر أعلاها بنقطة اتصال الحد العلوي للوجه بالجبهة، ويمر تاليه بمقترن الحاجبين، والثالث بأسفل الأنف، والرابع بملتقى الذقن بالحد السفلي، فيتكون من ذلك ثلاث زوايا قياس كل واحدة منها ثلاثون درجة، وتسمى الأولى الزاوية الجبهية، والثانية الأنفية، والثالثة الذقنية، ويستدلون على ارتقاء العقل بمقدار سعة تلك الزوايا في مقدم الوجه، ولا تكون تلك السعة إلا ببروز الوجه نحو الأمام، ومن الأمور الطبيعية المؤيدة لهذا الزعم عندهم أن وجه الطفل يكون منضغطا ثم يأخذ بالبروز كلما نما، فإذا بلغ أشده تم بروزه، ويتضح لك ذلك من النظر إلى الشكل

5

فإنه يمثل وجه إنسان في طفوليته وفي بلوغه، ويتساعدون في أحكامهم على عقول الناس بأقيسة الرأس المتقدم ذكرها، فإذا قاسوا رأس رجل فبلغ محيطه 12 قيراطا وقاسوا زاوية وجهه فاستدلوا منها على بروزه حكموا بارتقاء قواه العاقلة، وقس على ذلك.

شكل 5: وجه غلام دون سن الرشد.

رأس نابوليون بونابرت:

تفرد هذه الرجل حتى أصبح مثلا في كل شيء، فهو مثال التعقل والشجاعة والسياسة والتدبير وغير ذلك من مواهب عظماء الرجال، وقد اتخذوا صورة رأسه مثالا جامعا لتلك المواهب.

شكل 6: رأس بونابرت.

فيستدلون بسعة جبهته الممتدة من فتحة الأذن الواحدة إلى الفتحة الأخرى مع عظم ارتفاعها على ما أودعه فيها الخالق من القوى العاقلة التي بلغت أرقى المراتب، ويستدلون من ملامح وجهه على درجات قواه وأمياله، فارتفاع جسر أنفه وطوله غريبان، وعظماه الوجنيان شديدا النمو يدلان على سمو قوة التسلط والتدبير، وبعد المرتفق الذقني من فتحة الأذن، وطول الفك السفلي وعرضه من الجانب الواحد إلى الآخر، وانعطافه نحو الأسفل مع تقويسه العظيم، كل ذلك أدلة كافية عندهم على ارتقاء القوى الدماغية الظاهرة في الوجه، وكذلك عرض مساحة الذقن وهيئة الفم؛ فإنهما دليلان على العزم والإرادة والنظام، وهي الصفات التي اشتهر بها هذا الرجل العظيم، ومما يحسن التنبيه إليه أن وضوح هذه الملامح يعين على تعيين مراكز هذه الصفات في تفحص أدمغة الناس ودرس أخلاقهم.

وجملة القول إن لعلم الفرينولوجيا قواعد وقوانين كتبوا فيها المطولات، فليلجأ إليها من أراد التطويل، وقد قدمنا أن أصحاب هذا العلم يغالون في معجزاته حتى قد يعينون لكل قوة من القوى تلفيفا من تلافيف الدماغ أو عقدة من عقده، ويسمون عمل كل منها باسمه مما لا يستطيعون إثباته بالبرهان، على أننا نسلم معهم بأن المراكز العصبية تتعاظم قوتها بتعاظم حجمها، وأن لبعضها أجزاء خاصة من الدماغ مستقلة عن الأجزاء الأخرى؛ بدليل استقلال بعضها بالعمل بحيث تنام الواحدة وتشتغل الأخرى كما يحصل في بعض أحوال النوم، فإن بعضهم ينهض من فراشه وهو نائم فيمشي ويذهب ويجيء كأنه عديم التسلط على أعماله، وبعضهم إذا سألته وهو نائم أسئلة أجابك عليها بدقة، فإذا أفاق لم يدر ما فعل، على أنه قد يتذكر ذلك في نوم ثان، ونرى أيضا أن لكل قسم من الأعصاب عملا من الأعمال الحيوية، فبعضها يشتغل بالهضم والبعض الآخر في التنفس أو غير ذلك وتنفق في عملها قوة ومادة فتدثر دقائق الأعصاب، فإذا لم تعوض بالغذاء والرقاد أدت إلى الجنون.

والدماغ يمثل ملكا في بلاد يديرها كيف شاء، وله سليقة تحرك الأعضاء لدفع الأذى عن الإنسان، وهو قائم في أعلى الجسم بعيدا عن الخطر في قلعة متينة البنيان صلبة الجدران، تغشاها الأغطية والستور، حولها الوزراء والأعوان من الحواس والأعضاء، مما يدعو إلى الإعجاب بالحكمة الفائقة التي تظهر في كل عمل من أعمال الإنسان، وتعليلها لا يزال مجهولا، فعسى أن يكشفه لنا العلم في مستقبل الأيام.

فراسة المهن والصناعات

إذا صح أن الخلق الظاهر يدل على الخلق الباطن وكان بين الخلقين تناسب ثابت كما هو مقتضى علم الفراسة، وجب أن تكون ظواهر أهل المهنة الواحدة أو الصناعة الواحدة متشابهة؛ لأن بواطنهم متشابهة؛ لانشغالهم في أشغال متشابهة في مهنة واحدة، فالكتاب يجب أن يشبه بعضهم بعضا بما يشتركون فيه من الظواهر الدالة على ملكة الكتابة، ومثل ذلك القواد والمكتشفون وغيرهم.

ولكنك قلما ترى تلك المشابهة تامة ولا هي تحدث دائما؛ والسبب في ذلك - عدا ما قدمناه في باب «هل تصدق الفراسة دائما» - أن بعض المهن تقتضي من المواهب مثل ما تقضيه بعض المهن الأخرى وإن كانت بعيدة عنها بحسب الظاهر، فالقيادة في الحرب تقتضي سعة الجبهة وعرض الرأس، وتقتضيهما أيضا خدمة المصالح الدينية وهي القيادة الدينية، فلا غرو إذا تشابه خدمة الدين وقواد الحرب في ظواهر رءوسهم.

وزد على ذلك أن اختيار الناس للمصالح التي يتعاطونها قلما يقع طبقا لما فطروا عليه؛ فقد يولد الغلام وفيه استعداد للرياضيات فيربيه والده تربية القسوسية أو يدخله في الجندية، وقد يولد مفطورا على تجارة فيعلمه أبوه صناعة الطب، وقد ينشأ المرء وفيه ميل إلى صناعة من الصنائع ثم يرى بعين العقل إن اشتغاله بتلك الصناعة لا يكسبه كثيرا أو لا يوافق حالا من أحواله فيحول ذهنه إلى صناعة أخرى ويعود نفسه عليها.

فإذا كان قوي العقل قوي الإرادة يفوز في أي مهنة تعاطاها وإن تكن ليست هي المهنة التي خلق لأجلها، ولهذا السبب ترى بين أهل المهنة الواحدة أناسا تدل فراسة وجوههم على أنهم من أهل مهنة أخرى.

فكم من شبان ينشئون وفيهم ملكة الشعر فإذا شبوا ورأوا كساد هذه الصناعة عدلوا عنها إلى ما يكتسبون به معاشهم كالتجارة أو الصناعة أو نحوهما، وقس على ذلك حال كثيرين من رجال الموسيقى وغيرها.

وترى في الشكل

1

صورة الجنرال بطلر القائد الحربي الشهير وبازائه شكل

2

رسم يوناتان إدواردس اللاهوتي الأميركاني الشهير من أهل القرن الثامن عشر، والرأسان في قوة واحدة، ولا نظن يوناتان لو اشتغل في الجندية إلا كان من أكبر القواد، وكذلك لوثيروس المصلح الشهير شكل

57

وقس على ذلك كثيرا من الصنائع التي قد تشبه ظواهر أصحابها ظواهر أصحاب مهن أخرى.

شكل 1: الجنرال بطلر.

شكل 2: يوناتان إدواردس.

ولكنا ذكرنا في تعليل الفراسة أن الأعضاء تنمو بالعمل وتضمر بالإهمال، وعللنا بذلك دلالة ظواهر الوجوه على بواطن القوى، وعلى نفس هذا المبدأ يتعلل تشابه أهل المهنة الواحدة، ويظهر ذلك بأجلى وضوح في أصحاب الحرف البدنية الذين يشتغلون بأيديهم أو أرجلهم أو صدورهم أو ظهورهم؛ لأن تلك الأعضاء تنمو فيهم على السواء فتجعل بينهم مشابهة، ولذلك فإنك ترى للحدادين شكلا خاصا يمتازون به وشكلا للنجارين وآخر للبنائين، وكثيرا ما يتفق لك أن ترى رجلا فتحكم على مهنته لأول وهلة، وقس على ذلك أصحاب المهن العقلية فإنهم يتشابهون في ظواهرهم تشابها قريبا، فللأطباء ظواهر مشتركة، ومثلها للقواد أو الفلاسفة أو القسيسين أو التجار أو الصيارف أو المصورين أو الموسيقيين أو المعلمين أو غيرهم.

وعلى هذا المبدأ جعلوا لفراسة المهن والصناعات بابا خاصا، بحثوا فيه عن الأخلاق المشتركة في أهل المهنة الواحدة من أشهر المهن، وأوضحوا ذلك بمقابلة الرسوم، وإليك التفصيل.

شكل 3: أشهر القواد.

أسماؤهم بحسب وضعهم من فوق إلى تحت ومن اليمين إلى اليسار وتبعا للأرقام: (1)

هنيبال القائد القرطجني: الذي اشتهر في حروبه ضد الرومان في القرن الثالث، توفي سنة 183 قبل الميلاد. (2)

ريكاردوس قلب الأسد: ملك إنكلترا، وهو الذي اشتهر في الحروب الصليبية، وحديثه مع السلطان صلاح الدين الأيوبي مشهور. توفي سنة 1199. (3)

يوليوس قيصر: القائد الروماني الشهير، توفي سنة 44 ق.م. (4)

بيزارو: فاتح بيرو، ولد في إسبانيا سنة 1471، ومات في بيرو سنة 1541. (5)

كرومويل: القائد الإنكليزي، وهو من أشهر قواد إنكلترا، توفي سنة 1659. (6)

ولينتون: القائد الإنكليزي، قاهر نابوليون في واقعة ووترلو، توفي سنة 1852. (7)

نابوليون بونابرت: هو أشهر من أن يعرف، توفي سنة 1821. (8)

فيكونت تورين: المارشال الفرنساوي، وهو من أشهر قواد فرنسا، توفي سنة 1675. (9)

فردريك الأعظم: ملك بروسيا، اشتهر بمهارته في الفنون الحربية، توفي سنة 1786. (10)

شارلس الثاني عشر: ملك أسوج، اشتهر بتغلبه على الدنماركيين، توفي سنة 1718. (11)

وينفيلد سكوت: أحد أعاظم قواد أميركا، توفي سنة 1861.

أشهر القواد:

في الشكل

3

صور أشهر قواد العالم على اختلاف الأمم قديما وحديثا، وإذا أمعنت النظر في وجوههم رأيتهم يتشابهون في أكثر ملامحهم، والنشاط والحزم وثبات الجأش تتجلى في عيونهم وأنوفهم وجباههم، فضلا عن علامات الصحة التي لا بد منها في كل عمل كبير، ناهيك بقوة الإرادة، فإنها بادية في أحناكهم، وخلاصة ما يتشابهون فيه من دلالات القوة: (1)

سعة الرأس: من الأذن وما بعدها إلى الأعلى والوراء، وهي من دلالات القوة على الحرب، ويشترك فيها أكثر القواد، وهي تدل على الأنفة والثبات والتعقل. (2)

كبر الفكين: وهو تابع لكبر قاعدة الدماغ، فكبرهما مع بروز الذقن يدلان على قوة الهيكل العظمي ونشاط الدورة الدموية وكبر المخيخ، لاحظ ذلك خصوصا في قيصر ونابوليون وولنتون وسكوت. (3)

سعة الفم وكبره: وهما يدلان على قوة المجموع العضلي. (4)

بروز الوجنات: وهو تابع لكبر الفكين. (5)

كبر الأنف: فإنه بارز فيهم، وهو دليل القوة والمطامع الكبيرة والهمم العالية، وبروزه واضح بالأكثر في هنيبال وقيصر وكرومويل وشارلس وولنتون وسكوت. (6)

العبوسة: ونريد بها انكباب مقترن الحاجبين نحو الأنف، وهو دليل السلطة. (7)

بروز الجبهة وارتفاعها: وهما دليل التعقل والذكاء والاقتدار على إعمال الفكرة.

ولو أتيح لنا أن نصور قواد الدول الإسلامية لرأينا فيهم مثل هذه الصفات، ولكنهم لم يتصوروا ولا نصبت لهم التماثيل.

أما القواد المرسومون في الشكل المشار إليه فهم أشهر قواد العالم قديما وحديثا، فيوليوس قيصر أعظم قواد العالم القديم، وقلب الأسد ملك إنكلترا، وشجاعته أشهر من أن تذكر، وهنيبال أول من اجتاز جبال الألب وحارب رومية حتى كاد يودي بها، وكرومويل المشهور بقوة التعقل والإرادة فضلا عن قيادة الجند، وأما نابولوين فهو رجل العالم وفيه كل القوى، وكذلك ولنتون الذي قهر نابوليون في واقعة ووترلو، وعلو الهمة باد في وجهه، وهو قريب من الشكل الروماني. وهكذا سائر القواد.

شكل 4: أشهر الفلاسفة. (1)

أفلاطون: الفيلسوف اليوناني المشهور، توفي في أثينا سنة 348 ق.م. (2)

أرسطو: مؤسس فلسفة المشاة، توفي في خليكيس سنة 323 ق.م. (3)

سقراط: أعظم فلاسفة القدماء، توفي سنة 400 في أثينا مسموما. (4)

جون لوك: أحد عظماء فلاسفة الإنكليز، ولد سنة 1632، وتوفي 1704م. (5)

فرنسيس باكون: مستشار إنكلترا في عهد جيمس الأول، وهو فيلسوف كبير، ولد في لندن سنة 1560، وتوفي سنة 1626. (6)

غليليو: الفيلسوف الإيطالي صاحب القول بحركة الأرض، ولد في بيزا سنة 1564، وتوفي في فلورنسا سنة 1642. (7)

آدم سميث: العمراني الإنكليزي الشهير، توفي في أيدنبورج سنة 1790. (8)

إسحاق نيوتن: العالم الإنكليزي، مكتشف الجاذبية، توفي 1727. (9)

بنيامين فرنكلين: أشهر علماء الاقتصاد السياسي في أميركا، ومخترع قضيب الصاعقة، ولد في بوستن سنة 1706، وتوفي سنة 1790.

الفلاسفة:

لا بد للفيلسوف من دماغ كبير الحجم دقيق البناء، ولا نعرف فيلسوفا لم يبد ذلك في رأسه، وقد يشتهر بعض الناس باقتدار عقلي في بعض فروع العلم أو الصناعة، وأما الإحاطة بالمبادئ العامة وتتبع المعلولات إلى عللها واستنتاج النتائج الفلسفية فإنها تفتقر إلى شيء غير السمع والبصر أو الحفظ والفهم، والبحث عن مصادر الأمور ومصيرها لا يستطيعه غير الفلاسفة، فلا عجب إذا شبههم القدماء بالآلهة؛ لأن ملاحظة الحوادث شيء وتدبرها شيء آخر، والكتابة والتكلم شيء وحل المعضلات الفلسفية وكشف النواميس الطبيعية شيء آخر، وهذه تحتاج إلى قوى سامية لا تجدها في غير الأدمغة الكبيرة.

وترى في ترتيب صور الفلاسفة شكل

4

أن أرسطو في وسطها وأعلاها مع أن سقراط أقدم منه، ولكنك إذا نظرت إلى أرسطو رأيت نحو ثلثي رأسه دماغا، ويؤيد ذلك علو مداركه في أمور لا يزال الناس إلى اليوم يعجبون بها، فقد كان دقيق الملاحظة سديد الرأي، وهو أول فيسيولوجي وصلت إلينا تعاليمه الفيسيولوجية، وكان له رأي في فن الفراسة.

وسقراط كبير الدماغ، ولكنه قبيح الوجه، وقد زاده قبحا انفطاس أنفه، على أن علو رأسه واستدارته وارتفاعه فوق الأذن تدل دلالة صريحة على كبر عقله، وكان صحيح المزاج قوي البنية.

وأما أفلاطون فإنه يختلف عن هذين؛ لأن ملامحه كانت متناسبة تكاد تكون تامة، وكان صحيح الحكم دقيق النظر، وكان عقله متغلبا على عواطفه مع رفق ودعة.

وغليليو من أعاظم الفلاسفة، وقد اكتشف ركنا من أركان علم الهيئة، وتدل فراسته على عقل قوي مع سعة وعمق، وكان أنفه وذقنه بارزين وعيناه جميلتين وشفتاه ممتلئتين، مما يدل على قوة الاختراع والثبات.

وإسحاق نيوتن كان كبير الرأس والوجه مع تناسب الجبهة وإشراق العينين وبروز الأنف وجمال الفم وعرض الفك، وكل ذلك يؤيد ما يعرف من أعماله وأخلاقه.

واللورد باكون دماغه كبير وأنفه يكاد يكون رومانيا، وكانت فيه همة الرومان.

شكل 5: أشهر المخترعين. (1)

غوتنبرج الألماني: مخترع الطباعة بالحروف، ولد سنة 1400، وتوفي 1468. (2)

دافي الإنكليزي: مخترع المصباح الأمين، ولد سنة 1778، وتوفي سنة 1829. (3)

روبرت فلتن: المهندس الأميركاني، وهو أول من أفلح في سلك البحار بالبخار، ولد في بنسلفانيا سنة 1765، وتوفي في نيويورك سنة 1815. (4)

جورج ستيفنسن الإنكليزي: واضع نظام السكك الحديدية، توفي سنة 1848. (5)

أرخميدس: الرياضي اليوناني، أشهر قدماء الرياضيين المهندسين، توفي 312ق.م. (6)

صموئيل مورس: مخترع التلغراف الكهربائي، ولد سنة 1791. (7)

داكير الفرنساوي: مخترع طريقة التصوير الفوتوغرافي المعروفة باسمه، توفي 1851. (8)

السير أركرايت الإنكليزي: مخترع آلة الغزل، توفي سنة 1792. (9)

جيمس وط الإنكليزي: صانع الآلة البخارية، توفي سنة 1819. (10)

إلي هويتني الأميركاني: ولد سنة 1765، وتوفي سنة 1825.

المخترعون:

لا تكاد تجد بين هؤلاء المخترعين رأسا ضيقا ولا وجها ضيقا ولا ملامح ضعيفة، بل كلها وجوه كاملة تدل على قوة العقل والإرادة، وكلهم عصاميون نهضوا من مصاف العامة إلى مراتب عظماء الرجال بجدهم وسعيهم، ولا يخلو أنهم قرءوا الكتب واقتبسوا من الآخرين ولكنهم تجاوزوهم إلى الاستنباط من عند أنفسهم؛ لأن العناية خصتهم بأوصاف لولاها لم يكونوا مخترعين، منها: (1)

أن رءوسهم كبيرة منتظمة، ومعدل حجم أدمغتهم أعظم من معدل أدمغة سائر الناس. (2)

أن فصي الدماغ بارزان إلى الأمام، وفيه قوتا الاستنتاج والحكم اللازمتان للمخترع.

وترى في مجموع هذه الصور صورة فلتن مخترع البواخر في الوسط والأعلى، وله رأس يدل حجمه على امتلائه وكبره، واتساع الجمجمة وارتفاعها، ووجه يدل على الثبات.

وإلى يمين فلتن ستيفنسن مخترع الآلة البخارية، وهو أيضا عظيم الجمجمة عريض الحنك، حتى يصير وجهه مربعا مستطيلا، مما يدل على التعقل والثبات.

وأرخميدس مخترع اللولب المائي المعروف باسمه - القائل: أعطوني مخلا وداركا فأنقل لكم الأرض - تأمل ملامحه إنها كبيرة واضحة، ولولا صغر الصورة لكانت أوضح.

وإلى يسار فلتن صورة دافي الكيماوي المشهور، مخترع المصباح الذي أمن به عملة المعادن من الانفجار، وترى وجهه ممتلئا، ويليه غوتنبرج مخترع طباعة الحروف، وتحت ستفنسن داكير صاحب الاختراع المعروف باسمه في الفوتوغرافيا، وترى وجهه وملامحه تدلان على التأمل والتصور.

وفي أسفل الشكل ووسطه صورة وط مخترع الآلة البخارية أو محسنها، ووجهه يكاد ينطق بما طبع عليه من التأمل والافتكار وقوة الإرادة، وكأنه يقول: «أقدر وأريد.» ولا يمكن أن تدل هذه الصورة إلا على دماغ قادر وإرادة قوية.

وإلى يمين ووط هويتني مخترع آلة القطن، وقد كان اختراعه سببا في ترويج الصناعة ورفاه الأمم، ووجهه يشبه وجه نابوليون من حيث شكله.

شكل 6: أشهر المكتشفين. (1)

أميريكوس فسبوسيوس: ومنه أخذت أميركا اسمها، توفي سنة 1514. (2)

خرستفوروس كولمبوس: مكتشف أميركا الشهير، توفي بإسبانيا 1506. (3)

سبستيان كابوت: مكتشف قارة أميركا سنة 1497، توفي سنة 1547. (4)

هنري هدسن: مكتشف نهر هدسن وخليج هدسن بأميركا، توفي سنة 1610. (5)

هرناندو دي سوتو: مكتشف نهر مسيسيبي بأميركا، توفي سنة 1542. (6)

جيمس كوك: أول من طاف حول العالم، قتل في جزائر سندويج 1779. (7)

جيوفاني فيرانسانو: الذي راد السواحل الشرقية لأميركا الشمالية، توفي سنة 1525. (8)

جون فريمون: صاحب الاستكشافات في كليفورنيا، ولد سنة 1813. (9)

أليشع كان: وهو رحالة أميركاني اكتشف بحر القطب، توفي سنة 1857. (10)

السير جون فرنكلين: رحالة إنكليزي نحو القطب، وتوفي سنة 1845.

المكتشفون:

في رجال الاكتشاف صفات مشتركة لا يكاد يخلو منها واحد؛ لأن مهنتهم تقتضيها، وذلك أن السعي في الاكتشاف وحب الاطلاع يقتضيان الأسفار وتحمل الأخطار في البر والبحر، ولا يستطيع ذلك إلا ذو الاعتقاد المتين بالخالق والاعتماد على العناية الربانية، وهم أهل الرجاء والإيمان والثبات، وترى هذه الصفات تتجلى في وجوه المكتشفين المرسومة صورها في هذا الشكل، وخصوصا في عيونهم؛ فإنك تراها شاخصة شخوص المستغرق، كأنها تنظر إلى ما وراء الأفق أو تفكر فيما وراء المنظور، وبدون الاعتقاد في الإله غير المنظور وبسلطاته على أعمال البشر وإرشادهم إلى ما يريده لا يستطيع المرء أن يسلم نفسه إلى رحمة الرياح والأنواء والعواصف، ولا أن يخترق الصحارى أو يتسلق الجبال الوعرة المحفوفة بالأخطار، أو يسير على الجليد في القطب الشمالي. وإذا تأملت في صور هؤلاء المكتشفين رأيت: (1)

أن رءوسهم تغلب فيها الاستطالة من الأمام إلى الخلف. (2)

أنها بعيدة ما بين الأذن والقمة. (3)

أن قوة الإدراك واضحة فيها.

وترى ذلك واضحا على الخصوص في فيسبوسيوس وكوك وكان وفريمون.

ثم إذا نظرت إلى كولمبوس رأيت رأسه عاليا مستطيلا، والإدراك والفهم يتجليان في عينيه، والثبات والأنفة والاحترام وصحة الاعتقاد ظاهرة فيه، وكذلك كابوت فإنه كثير الشبه بكولمبوس.

أما فيسبوسيوس فإن شكل وجهه يدل على قوة الحركة مع الاعتدال، وأنفه الروماني يدل على علو الهمة، وذقنه البارز دليل الثبات، واتساع ما بين الأذنين دليل التعقل.

وترى المزاج الصفراوي غالبا على وجه فيراتسانو، وقد كان أسمر البشرة أسود الشعر جعديه عضلي البدن قويه، وكان صبورا حازما كثير الاعتماد على نفسه.

وجيمس كوك لا نحتاج في إثبات قوته إلى أكثر من الإشارة إلى طلعته؛ فإن في جبهته وعينيه وذقنه ما ينطق بأجلى بيان عما كان فيه الأنفة والوقار وحب الاطلاع.

وانظر إلى فرنكلين فإن وجهه يدل على ما كان فيه من قوة العقل والبدن، وكان كل شيء فيه عريضا متينا.

شكل 7: أشهر رجال السياسة. (1)

كليفتون: أحد مشاهير رجال السياسة في أميركا، ولد سنة 1769، وتوفي سنة 1828. (2)

مترنيش: أشهر ساسة النمسا، وهو الذي أدار حركات الدول المتحدة في مقاومة نابوليون الأول، توفي سنة 1859. (3)

تليران بريكورد الفرنساوي: الملقب بأمير السياسة، توفي سنة 1838. (4)

جفرسن: ثالث رؤساء جمهورية الولايات المتحدة وأحد كبار المؤلفين في السياسة، توفي سنة 1826. (5)

دانيال وبستر الأميركاني: أحد خطباء السياسة العظام، توفي سنة 1852. (6)

السير روبرت بيل: أحد أكابر الوزراء في إنكلترا، توفي سنة 1850. (7)

دانيال أوكونل: السياسي والمصلح الأيرلندي المشهور، توفي سنة 1847. (8)

كونت دي كافور: أحد كبار ساسة سردينيا، توفي سنة 1861. (9)

لورد جون رسل: رئيس وزراء إنكلترا، وهو مشهور بإصلاحات أدخلها على البرلمان الإنكليزي، توفي سنة 1878.

رجال السياسة:

يحتاج رجل السياسة أولا إلى دماغ كبير وبنية قوية، بحيث تكون قواه العاقلة صحيحة سامية يستطيع بها الإحاطة بالمصالح العامة وتدبرها والحكم فيما يصلح لترقية شئونها، ويجب أن يكون ذا إحساس أدبي يساعده على الالتفات إلى مصلحة الأمة دون مصلحة نفسه، وأن يكون متوازن القوى معتدل المزاج قوي الإرادة؛ لئلا ينقاد إلى أهوائه أو يستسلم إلى عواطفه.

وإذا تأملت رجال السياسة شكل

7

رأيت وجوههم وجباههم تدل على عقل صحيح في بدن صحيح، وأكثرهم من أهل البنية القوية.

كان مترنيش أعظم رجال السياسة في عصره، وقد قادهم وقاد ملوكهم إلى آرائه كما فعل بسمارك وزير ألمانيا بعده، وعهدنا به غير بعيد.

وتليران كان كبير الدماغ وخصوصا عند القاعدة، مما يدل على الصبر وقوة العزيمة، ولكنه لم يكن حذورا داهية.

وكان وبستر كبير الدماغ كبير البدن، وكان مزاجه حيويا عصبيا صفراويا، وهي أدل الأخلاط على التعقل والقوة والحزم، وكان خروبي الشعر أسود العينين قوي البنية واسع الصدر، فكان سامي المدارك كبير العقل، فارتقى إلى منصب سياسي كبير في الولايات المتحدة، ويظهر من النظر إلى وجهه أنه كثير الشبه بالمستر غلادستون سياسي الإنكليز، وكان خطيبا مثله، ولكنه لم يكن مثله من حيث سجاياه الأدبية والدينية، ولعل هذا الذي أقعده عن أن يبلغ مبلغه في اعتبار الناس.

وكان جفرسن عالي الدماغ واضح ملامح الوجه قوي البنية، مما يدل على الثبات والاعتداد بالنفس، وكان شعره محمرا وعيناه شهلاوين، بشرته مشربة حمرة.

وكان كافور من كبار الرجال في عصره، وكانت قواه العاقلة من الطبقة الأولى، كما يتضح ذلك من النظر إلى جبهته، وكان له رأي سديد في حل المشاكل التي يعجز عنها سواه.

وكان أوكونيل في أيرلاندا كما كان وبستر في أميركا، وربما زاد عليه في حبه لوطنه وشعوره مع أبناء جلدته، وبروز ذقنه يؤيد ذلك.

شكل 8: أشهر الخطباء. (1)

شيشرون: أحد رجال المشيخة الرومانية وكبير خطبائها، قتل 43ق.م. (2)

ديموستين: أشهر خطباء اليونان، قتل سنة 322 قبل الميلاد. (3)

أشينس: هو أكبر مناظري ديموستين في السياسة، توفي سنة 317ق.م. (4)

وليم بت: المدافع عن أميركا في برلمان إنكلترا، توفي 1778. (5)

إدمون بورك: أحد بلغاء الخطابة في إنكلترا، توفي 1797. (6)

هويتفيلد: خطيب إنكليزي، توفي سنة 1770. (7)

هنري كلي: أحد كبار رجال السياسة في أميركا. (8)

كافاتزي: أحد خطباء إيطاليا وزعماء الثورة فيها، ولد سنة 1809. (9)

بتريك هنري: أحد زعماء الأحزاب في تأسيس استقلال أميركا، توفي سنة 1799. (10)

ميرابو: أحد كبار الخطباء السياسيين في فرنسا، توفي سنة 1791. (11)

وليم ويرت: أحد رجال القضاء في أميركا، توفي سنة 1835.

الخطباء:

يحتاج الخطيب إلى العقل السليم والحكم الصحيح كما يحتاج إليهما كل رجل كبير، ولكنه يحتاج أيضا إلى إحساس دقيق وعواطف قوية؛ لأن الخطابة عبارة عن التأثير على عواطف الناس أكثر مما على عقولهم، فإذا لم يكن الخطيب شديد العواطف حر القول كان كلامه باردا وبراهينه جافة، ولا بد له من الفصاحة والتوسع في اللغة وحدة الذهن وسرعة الخاطر وقوة التصور، فإذا كان مع ذلك متعلما مهذبا تمت له معدات الخطابة ونبغ بين أقرانه.

على أن هندي أميركا أو فلاح أوستراليا قد يكون خطيبا ولو كان جاهلا، لأنه يؤثر على عواطف سامعيه بما يبديه من الانفعالات الشديدة وما يرتسم في عينيه وشفتيه من دلائل الإخلاص والغيرة كأنه يتكلم من القلب إلى القلب.

تلك هي الخطابة الحقيقية، وهذا هو سرها، ولا يؤثر كلام الخطيب في سامعيه إن لم يكونوا يعتقدون في الإخلاص وصدق اللهجة.

فلا بد للخطيب من أن يكون طيب العنصر خفيف الروح حتى يحبه الناس ويكون لكلامه وقع.

اقرأ خطب الإمام علي خطيب الإسلام فترى الإخلاص والحمية تتجليان بين سطورها.

وإذا تأملت في صور الخطباء أمامك رأيت ديموستين في الوسط والأعلى، وهو بالحقيقة شيخ الخطباء وأستاذهم، وترى دماغه كبيرا وأنفه لطيفا وفمه مملوءا حبا.

وشيشرون كان عضلي المزاج عصبيه ودماغه كبير جدا وعيناه مملوءتان ذكاء وحدة.

وكان أشنس واسع الجبهة، وهنري كلي كان عاليها، وكذلك بتريك ووليم هنري ووليم ويرت.

ولكن مهما اختلفت أشكال جباههم فإنك ترى الذقون متشابهة فيهم جميعا بعظمها وبروزها إلى الأمام والأسفل، وبروز الحنك والذقن يدل على شدة العواطف والثبات والحزم، وترى ذلك ظاهرا على الخصوص في ميرابو الخطيب الفرنساوي وبورك وهويتفيلد وغيرهم.

شكل 9: أشهر الشعراء. (1)

شكسبير: الشاعر الإنكليزي المشهور برواياته التمثيلية، توفي سنة 1616. (2)

هوميروس اليوناني: شيخ الشعراء وأميرهم، عاش في القرن العاشر قبل الميلاد. (3)

جون ملتن الإنكليزي: أشعر الشعراء المحدثين في المواضيع الدينية، توفي 1675. (4)

فرجيل : أشعر شعراء اللاتين في النظم الوصفي، توفي سنة 19 ق.م. (5)

شيلر : أحد أعاظم شعراء الألمان في التمثيل، توفي سنة 1805. (6)

اللورد بيرون: أحد أعاظم شعراء الإنكليز في النظم التصويري، توفي 1824. (7)

إليزابيت برونن: شاعرة إنكليزية اشتهرت برقة شعرها وقوة الوصف فيه، توفيت سنة 1861. (8)

دانتي: أشعر شعراء الإيطاليان، توفي سنة 1321. (9)

إدكار بو: شاعر أميركاني اشتهر بوحشة تصوراته، توفي سنة 1849. (10)

بارنس: من أعظم شعراء الإنكليز، توفي سنة 1796. (11)

توماس مور: شاعر روائي إنكليزي، توفي سنة 1852.

الشعراء:

يغلب في الشعراء أن يكونوا عصبيي المزاج دقيقي الإحساس، ولا ينبغ الشاعر ويوفي الشاعرية حقها إلا إذا كان مزاجه عصبيا وشعوره دقيقا.

والشعر قريحة كقريحة التصوير والموسيقى، وقد ينظم غير الشاعر، ولكنه يكون ناظما لا شاعرا. ومن أمثال الرومان القدماء: «إن الشاعر من يولد شاعرا لا من يتعلم الشعر.»

ولكل شاعر قريحة في الشعر تمتاز عما للآخر، وتظهر في خلال أبياته فتدل على ناظمها، فإذا قرأت بيتا لا تعرف ناظمه يتبادر إلى ذهنك أنه يشبه نظم فلان أو فلان، وتلك قضية لا تخفى على قراء الأشعار، فإن نظم المتنبي غير نظم الفارض، ونظم هذا غير نظم البهاء زهير، وقس على ذلك منظومات الإفرنج وخصائصها، واعتبر أثر ذلك في وجوه أصحابها.

ففي شعر هوميروس حماسة وفخر ودقة في الوصف، وترى شبه ذلك في ملامح وجهه، وكان شعر فرجيل وصفيا، ولم يكن عاليا كشعر هوميروس من حيث التصور، والفرق بين الشعرين كالفرق بين الرأسين.

وكان شعر دانتي مرعبا يبعث إلى الخوف والحنان، كذلك كان وجه داتني.

وفي شعر شيلر تمثيل حياة الإنسان على اختلاف أدوارها وخصوصا من حيث الاجتماع.

وشعر بيرون أكثره غزلي عشقي، وتدل ملامحه على أنه مستغرق في عالم الخيال.

وشعر شكسبير كله تصور وعواطف وعقل، وشعر ملتن كله وصف وتقوى، وشعر بارنس اجتماعي وفيه انعطاف، وهكذا شعر مور.

وأما بو فقد كان شعره وصفيا محضا، وشعر برونن كله محبه وحنو وانعطاف وتصور.

وإذا نظرت في وجوه هؤلاء الشعراء نظر المتأمل رأيت أخلاقهم الممثلة في أشعارهم ظاهرة في وجوههم على الغالب، على أنها قد تبدو في وجه الشاعر وهو حي أكثر مما في صورته على الورق؛ لأن تلك الخصائص يغلب أن تكون في عينيه، وهي مياه وأنوار لا ترسم على الورق.

شكل 10: أشهر الموسيقيين. (1)

فرنسيس هيدن النمساوي: أحد كبار رجال الألحان الدينية، ولد في روهراو بالنمسا سنة 1732، وتوفي بفينا سنة 1809. (2)

لدويج بيتهوفن الألماني: المشهور بإتقانه الآلات الموسيقية، توفي سنة 1827. (3)

جورج هندل الإنكليزي: من أعظم رجال الموسيقى الدينية، توفي سنة 1759. (4)

موزارت: ألف الألحان وهو في الخامسة من عمره، ونبغ حتى صار من أكبر أساتذة الأوبرا، توفي سنة 1792. (5)

كلوك النمساوي: من كبار مؤلفي الألحان للروايات، توفي في فينا سنة 1787. (6)

فرانس ليستز: أحد أعاظم رجال البيانو، وهو من هونجاريا، ولد سنة 1811. (7)

فيلكس مندلسون: وهو مشهور بألحان ألفها بلا ألفاظ، توفي في سويسرا سنة 1847.

الموسيقيون:

الموسيقي كالشاعر، تقرأ أخلاقه على سحنته كما تقرأ في ألحانه، فمن غلب فيه التدين كانت ألحانه دينية، ومن كان من أهل الخيال تسلطت في ألحانه الأوهام مع الخفة.

والموسيقي ذو العواطف القوية يكثر في ألحانه من أنغام الحب، وقس على ذلك اختلاف ألحان الموسيقيين باختلاف أخلاقهم.

ويشترك الموسيقيون بصفات عمومية، من جملتها كبر الأذن، والكبر دليل القوة، والأذن عضو السمع، فإذا كبرت كانت أقدر على تمييز الألحان والأنغام، وقد ذكرنا ذلك في باب فراسة الأذن.

وفاتنا أن نذكر هناك أن إسحاق بن إبراهيم الموصلي المغني الإسلامي الشهير منظم الألحان العربية في عصر العباسيين كان كبير الأذنين، وكان إذا غضب أو أعمل فكرته احمرت أذناه وكثر ولوعه بهما (راجع الأغاني ج5 صفحة 53).

ولولا اختفاء آذان هؤلاء الموسيقيين تحت شعورهم لبانت كبيرة على الغالب.

وإذا نظرت إلى هذه الرسوم نظرا عاما توسمت في عيون أصحابها نظر الشاخص في شيء كأنه مصغ إلى صوت أو لحن يسمعه.

ولو أخذت كل صورة على حدة وتأملت في فراستها وتدبرت أخلاق صاحبها وأعماله لرأيت علاقة كبرى بين الظواهر والبواطن، ولكن الملامح التي تدل على قريحة الموسيقى أو الشعر أو غيرهما من الفنون الجميلة لا تظهر في التصوير كما يظهر أنف القائد وجبهة الفيلسوف.

ويغلب في وجوه الموسيقيين الابتسام أو الاستعداد للابتسام وإن لم يكن ذلك مطردا فيهم.

شكل 11: أشهر المصورين. (1)

تينيان: أمهر الملونين، توفي في البندقية سنة 1576. (2)

رافائيل: المصور الإيطالي المعروف، توفي سنة 1520. (3)

دافنسي: مصور شهير، توفي سنة 1519. (4)

نقولا بوسين: مصور فرنساوي شهير، توفي سنة 1615. (5)

روزا الإيطالي: مصور تاريخي، توفي في رومية سنة 1673. (6)

فانديك: من أشهر ملوني الصور، توفي في لندن سنة 1641. (7)

روبنسن الإنكليزي: من أمهر مصوري الأشخاص، توفي في عام 1640. (8)

ميشال أنجلو: المصور والنحات الإيطالي، أكبر مهندسي كنيسة مار بطرس في رومية، توفي عام 1564. (9)

رينولد الإنكليزي: مصور أشخاص، توفي عام 1792. (10)

توماس كول الإنكليزي: مصور خيالي، توفي عام 1848. (11)

بنيامين وست الأميركاني: توفي عام 1738. (12)

ألستن: أشهر مصوري الأميركان، توفي عام 1843.

المصورون:

والتصوير قريحة خاصة كالموسيقى والشعر، ولكنها تحتاج إلى دقة في البصر بدلا من السمع، ويغلب في نوابغ المصورين أن يكونوا جميلي الصورة متناسبي الأعضاء معتدلي الجباه معتدلي المزاج دقيقي الشعور، وخشن الإحساس لا يقدر أن يكون مصورا.

ولا بد في هذا المقام من الإشارة إلى علاقة الأذواق بالألوان ونسبة ذلك إلى درجات التمدن والارتقاء، فيقال بالإجمال: إن الجهال وبسطاء الناس يحبون الألوان البسيطة الباهرة. والمتعلمون المهذبون يفضلون عليها الألوان الممزوجة من لونين فأكثر على ألا تكون باهرة زاهية.

والقاعدة العامة أنه كلما انحطت طبيعة الأمة زادت رغبتها في الألوان الزاهية الباهرة وأحبت الأصوات القوية، وكلما ارتقت الأمم مالت إلى الألوان الصافية والأصوات الناعمة.

ولعلماء الفراسة تفصيل في الاستدلال على أخلاق الناس من معرفة أميالهم إلى الألوان لا محل له هنا.

ولكننا نقول على سبيل المثال إنه يغلب في محبي اللون الأحمر القرمزي أن يكونوا نيرانيي الطباع شديدي الحدة، ومحبو اللون الأزرق لطاف المزاج، ومحبو اللون البنفسجي أهل خيال وأوهام كالشعراء، واللون الأصفر لأهل الشعور الدقيق والأخضر لأهل السرور والسنجابي للضعفاء والودعاء.

والتصوير أرقى ذوقا من النحت وإن كانا من معدن واحد، ويغلب أن يكون المصور نحاتا والنحات مصورا، كما كان أنجلو مهندس كنيسة رومية ، ومن النظر إلى وجهه تتوسم فيه القوة والمهارة فإنه كبير الجبهة روماني الأنف.

ويصعب تعيين أخلاق كل من هؤلاء المصورين بالنظر لما يحول دون ذلك من اختلاطات واعتراضات ذكرنا بعضها في غير هذا المقام.

شكل 12: أشهر اللاهوتيين. (1)

ميلانكثون: كان من رفقاء لوثيروس، توفي عام 1568. (2)

سويدنبرج الإنكليزي: مؤسس كنيسة أورشليم الجديدة، توفي عام 1872. (3)

ويسلي الإنكليزي: لاهوتي كبير، توفي عام 1791. (4)

هيوز: لاهوتي أميركاني كاثوليكي، توفي عام 1864. (5)

ستيفن تنج: لاهوتي أميركاني عظيم، توفي عام 1800. (6)

توما تشارمر: واعظ اسكوتلاندي شهير، توفي عام 1847. (7)

إدواردس: فيلسوف لاهوتي إنكليزي، توفي عام 1758. (8)

وليم شنين: من أشهر الوعاظ الموحدين (اليونيتاريان) بأميركا، توفي عام 1842. (9)

بيتشر: لاهوتي أميركاني، توفي عام 1863. (10)

ريتشارد ستورس: مؤلف لاهوتي أميركاني، توفي عام 1821.

اللاهوتيون:

قلنا في غير هذا المكان إن فراسة اللاهوتي تقرب من فراسة القائد؛ لأن كليهما قائدان لا يستغني أحدهما عن عقل صحيح وسياسة دقيقة، ومن المقرر أن رءوس الكهنة من أكبر الرءوس وأرقاها.

لأن الكهانة تقتضي إعمال الفكرة وإجهاد العقل في موضوع واحد، فينمو الدماغ وتظهر علامات الوقار والرزانة على الوجه؛ لأنه إنما تنصرف قواه إلى ذلك على ما تقتضيه وظيفته.

وعليه فاللاهوتيون ورجال الدين يشتركون في علو الجبهة وعرضها ويغلب أن تكون أذقانهم ضيقة.

ومن الأمور المألوفة عند العامة أن القسيس أو الأسقف يجب أن يكون من أهل الهيبة والوقار. والرءوس الوقورة تكون كبيرة الجبهة واضحة الملامح، ويزيدهم التخشع وترقية العواطف الشريفة هيبة ووقارا.

والكهانة أو مهنة القسوسية من المهن الصعبة التي لا يستطيعها إلا أصحاب العقول القوية وأهل الإقدام والتدبير، ورءوسهم تشبه رءوس قواد الحرب، إلا الأنوف فإنها في رجال الحرب أكثر بروزا، لأنهم أعلى همة وأكثر مطمعا في أمجاد العالم.

أما التدبير وحسن السياسة والتنظيم فإن الأسقف أو البطريرك قد يحتاج إليها أكثر مما يحتاج إليها القائد الحربي؛ لأن هذا إذا أشكل عليه أمر قطعه بحد السيف، وأما ذاك فلا بد له من صرف المشاكل بالحكمة وحسن السياسة؛ لأن الكهنة رسل السلام، وهم مع ذلك يتعاطون مهنتهم بين أحزاب مختلفة وآراء متضادة، ومرجع الخلاف إليهم.

شكل 13: أشهر المصارعين. (1)

رتشارد شو: أحد كبار مصارعي الإنكليز، وهو مشهور عندهم. (2)

ترافيرس: مصارع زنجي اشتهر بمهارته في الملاكمة، ولد في لندن سنة 1831. (3)

هينان: مصارع أيرلندي الأصل مولود في أميركا سنة 1834. (4)

كين: أحد مصارعي إنكلترا، ولد سنة 1835. (5)

سايرس: مصارع إنكليزي أيضا، ولد سنة 1826. (6)

دان كولنس: ملاكم إنكليزي شهير. (7)

سوليفان: وهو مشهور بأميركا، ويسمونه يانكي سوليفان اشتهر بقوته، وقد مات منتحرا سنة 1856. (8)

جيمس ماس: مصارع إنكليزي مشهور يحمل الأثقال.

المصارعون:

لا يستطيع القارئ أن ينظر إلى صور المصارعين في الشكل

13

إلا ويرى بينهم مشابهة كلية فيما هو من ضروريات مهنتهم، فترى كل شيء فيهم عريضا غليظا، فهم عراض الوجوه عراض الأفواه غلاظ الأعناق عراض الصدور.

والسبب في ذلك أن المصارعة رياضة بدنية تستعمل بها العضلات فتنمو وتكبر ويهمل الدماغ فيقف نموه، ولذلك فإنك لا ترى بين هذه الرءوس جبهة عالية أو بارزة على الإطلاق، وإذا قابلت هذه الصور بصور القواد أو المصورين أو الشعراء تبين لك الفرق بأجلى بيان.

ولا يفهم من ذلك أن الفرق بين جمجمة المصارع وجمجمة الفيلسوف إنما حدث بالاستعمال والرياضة - وإن كانت الرياضة في الواقع تساعد على ذلك - ولكن الفرق بين الرأسين يظهر من الطفولية.

فالمولود وفي رأسه دماغ الفيلسوف لا يمكن أن يشتغل بالمصارعة، والذي يولد وطبعه ميال إلى الرياضة البدنية ودماغه صغير لا يمكن أن يكون فيلسوفا، ثم يتسع ذلك الفرق بالاستعمال وتوالي الأزمان.

ولا تتعب نفسك في تعليم ابنك الشعر إذا لم يكن شاعرا، ولا تغره على الاشتغال بالعلم إذا لم يكن تهيأ لذلك قبل ولادته، ولا شك أن هؤلاء المصارعين دخلوا المدارس كما دخلها نيوتن وسبنسر، ولكنهم لم يفلحوا في دروسهم فساقتهم الطبيعة إلى المهنة التي ولدوا لها، ولو كابر آباؤهم وأرادوا أن يعلموهم الفلسفة أو الشعر أو التصوير أو الطب لما استثمروا غير الفشل.

وأما بمعاطاتهم مهنة المصارعة فإنهم برعوا فيها وعاشوا منها وقاموا بالعمل الذي خلقوا له أو لمثله من نوعه.

شكل 14: أشهر الجراحين. (1)

وليم هارفي: الإنكليزي ، مكتشف دورة الدم، توفي سنة 1657. (2)

كوبر: أشهر جراحي إنكلترا، توفي سنة 1841 (في وسط الشكل أو أعلاه). (3)

البرنيتي: طبيب إنكليزي، هو أول من ربط الشريان السباتي والشريان الحرقفي، توفي سنة 1831. (4)

هنتر: أحد مشاهير علماء التشريح في إنكلترا، توفي سنة 1792 (في منتصف الشكل). (5)

جنر: الطبيب الإنكليزي مكتشف لقاح الجدري، توفي سنة 1823 (في يمين الشكل وأسفله). (6)

فالنتين موت: طبيب أميركاني مشهور، توفي سنة 1865 (في منتصف الشكل وأسفله). (7)

كرنوشان: جراح أميركاني مشهور.

الجراحون:

قابل صور هؤلاء الجراحين بصور القواد شكل

3

فترى بين الفئتين مشابهة من بعض الوجوه، تراهما تتشابهان بملامح الشجاعة والعزم وثبات الجأش؛ لأن الطبيب يحتاج إلى هذه الخلال كما يحتاج إليها القائد.

فالجراح لا يكون جراحا إلا إذا كان قوي الإدراك والذاكرة؛ ليستطيع الحكم فيما يعرض له من الحوادث مما لا يرى في الكتاب دليلا عليه، ويجب أن يكون قادرا على استعمال السلاح في العمليات الجراحية، شجاعا لا يخاف موت العليل بين يديه ولا يكترث بصياحه أو عويله وأن يكون مع ذلك صحيح الجسم قوي العضل معتدل المزاج رابط الجأش؛ لئلا يضطرب في أثناء العمليات، وأن تكون فيه قوة الاختراع ليستنبط الطرق في وصف العلاج أو إجراء العمليات، على أن الطب يقتضي خلالا ومواهب يستغني عنها القائد، فالطبيب يجب أن يكون كريم الطباع دمث الأخلاق بارا محسنا مما لا يحتاج إليه القائد.

ويجب أن يكون أديبا شريف النفس كتوما، ولا يستطيع الطبيب معالجة المريض ما لم يكتسب ثقته ويتسلط على أفكاره ويفتقر ذلك إلى غير ما يفتقر إليه القائد من المواهب والأخلاق.

ولا غرو؛ فإن صناعة الطب من أشرف الصناعات، ولا يليق أن يتعاطاها إلا أشرف الأنام مبدأ وأذكاهم عقلا وأطيبهم عنصرا، ويحسن بالجراح مع ذلك أن يكون راسخ القدم في العلم ملما بكل المواضيع العمومية، فضلا عن تبرزه في صناعة الطب، والقائد في غنى عن كل ذلك.

وترى آثار ما تقدم ذكره من الأخلاق بادية في وجوه مشاهير الجراحين، فإن التعقل والرزانة والبسالة تتجلى في وجوههم كما تتجلى في وجوه قواد الحرب.

شكل 15: أشهر الممثلين. (1)

دفنبورت: من أشهر ممثلي القرن التاسع عشر بأميركا . (2)

جون كمبل: اشتهر بتمثيل هملت، توفي سنة 1823. (3)

فورست: من أشهر ممثلي أميركا في القرن الماضي. (4)

إدموند كين: أشهر ممثلي الروايات المحزنة في لندن، توفي سنة 1833. (5)

جورج كوك: أشهر ممثلي الروايات المحزنة في القرن الثامن عشر. (6)

توما هميلين: ممثل أميركاني شهير، توفي سنة 1853. (7)

دافيد كاريك: ممثل إنكليزي مشهور، توفي سنة 1779. (8)

ماكريدي: أحد كبار الممثلين في لندن. (9)

بوث: اشتهر بتمثيله ريكاردوس الثالث، توفي سنة 1852. (10)

موات: مشخصة مشهورة. (11)

كوشمان: مشخصة مشهورة. (12)

سيدون: مشخصة مشهورة. (13)

هاين: مشخصة مشهورة.

الممثلون:

يطلب من الممثل الماهر أن يمثل الطبيعة البشرية في كل أحوالها واختلاف ظواهرها، ليس بمجرد التقليد لظواهر الحركات بل يجب عليه تمثيل الملامح والعواطف بحيث ينسى ذاتيته ويتخذ ذاتية أخرى، والممثل البارع يمثل الأدوار المحزنة والأدوار المفرحة ويبرع في كليهما، على أن الأكثرين لا يبرعون إلا في نوع واحد من أنواع هذا الفن.

وبين التمثيل والتصوير علاقة معنوية بحيث يستطيع البارع في أحدهما أن يبرع بالآخر.

ولكن يغلب ألا يشتغل في فن التمثيل إلا أهل البطالة، وأكثرهم ليس فيهم المواهب اللازمة لهذا الفن حتى في أعظم عواصم أوروبا.

أما الذين يشتغلون فيه ممن فطروا عليه فإنهم ينالون فيه شهرة عظمى وشرفا كبيرا.

وملامح الممثلين تقرب من ملامح المصورين ورجال الموسيقى؛ لأن التمثيل يعد من الفنون الجميلة، ولا يمهر فيها أصحابها إلا بالقريحة الخاصة والمزاولة الطويلة.

وخلاصة ما يقال في فراسة المهن والصناعات أن أرباب المهنة الواحدة يغلب أن تتشابه ظواهرهم وإن كان التشابه قلما يتم للأسباب التي قدمناها في صدر هذا الفصل.

وقد يبرع في فن التمثيل أو في غيره من الفنون الجميلة أناس لا تدل ظواهرهم على أنهم من أهل تلك الفنون، فهؤلاء لا بد من اختصاصهم باقتدار عقلي وذكاء حاد وصبر ومزاولة حتى يستطيعوا اكتساب تلك القريحة، وهذا نادر، ولكنه كثيرا ما يكون سببا في تشويش الحقائق على الباحث في علم الفراسة.

فراسة الحيوان

لعلماء الفراسة أبحاث في فراسة أنواع الحيوان من قديم الزمان، وقد عاد علماء الأعصر الحديثة إلى النظر في ذلك على ما يقتضيه العلم الحديث، فنظروا في مراتب الحيوان وأنواعها وأفرادها، وبينوا أخلاقها وطباعها بالنظر على ظواهرها، مستدلين على ذلك بقواعد علم الفراسة في الإنسان كما ذكرناه في مواضعه من هذا الكتاب مما يطول شرحه ولا محل له هنا.

على أننا نذكر مثالا يستدل به على ما بقي: قلنا في بعض ما تقدم عن فراسة الإنسان إن عرض الجبهة دليل القوة وشدة البأس وحب القتل، فإذا اعتبرنا ذلك في الحيوان رأيناه ينطبق على ما قررناه هناك كل الانطباق، لأنك ترى أكثر الحيوانات ذوات الجباه العريضة من الحيوانات المفترسة آكلة اللحوم، ومن طباعها التعدي والهجوم والافتراس.

وبخلاف ذلك الحيوانات ذوات الجباه الضيقة فإنها ضعيفة جبانة، وأكثرها من أكلة النبات كالغزال والماعز والضأن وغيرها.

وقد لاحظوا أيضا أن الحيوان الواحد يتفاوت رأسه بعدا بين الأذنين بتفاوت تطبيعه وتعليمه. فالكلب البري ضيق الرأس مستطيل الفم، والكلب الفوندلاندي يكاد وجهه يستدير وعيناه تشبهان عيني الإنسان، وقس على ذلك سائر أنواع الحيوان.

فراسة الحيوان عند العرب:

قلنا: إن القدماء من عهد اليونان بحثوا في فراسة الحيوان ونقلها العرب عنهم وتوارثوها ودونوها في كتبهم، وقد وقعنا عليها فاقتطعنا منها ما يأتي وأوضحناه بالرسوم على قدر الإمكان، قالوا:

الأسد:

رفيع الهمة حيي صبور جبار خدوع جريء غضوب بعد حلم، ملوكي النفس ذكري الفعل.

شكل 1: الأسد.

النمر:

صلف تياه فخور كتوم لما في نفسه ذو همة وحياء حقود، محب للقتل والقهر لمن عارضه، مسالم لمن سالمه، متأنث الأفعال لا يألف ولا يؤلف.

الفهد:

حيي غضوب صلف معجب بنفسه ألوف ذو دلال وحدة نفس، يحب الرفاهية والتكرمة، متكلف للشر.

شكل 2: الفهد.

الدب:

خبيث بجهل وغفلة، غدور لاه، يقدم متجنبا ويذل صبورا مع قوة، ويعبث غضوبا.

شكل 3: الدب.

الضبع:

قوي أحمق، ذليل في عقر داره شجاع في الغربة، نهم بغاء منخدع، تغلب عليه الغفلة.

الذئب:

غدار غشوم لص حريص متظلم مقدام مرافق على الظلم موافق الرفيق.

شكل 4: الذئب .

الخنزير:

دنيء النفس محام نخي حقود مقدام مع جهل ولجاجة عباث يستزري بمن يراه مقهورا معه.

القرد:

زان محتال عابث محال زكي مع خبث وجهالة.

الكلب:

ألوف وفي قذر طماع شحيح لحوح حريص مهذار نهم صبور محام وضيع الهمة سيئ الخلق قليل الحياء مبغض للغريب ذليل في الغربة شجاع في عقر داره مخادع عند حاجته يقظان للحمية.

شكل 5: الكلب.

البحشور:

متولد من الضبع والذئب، ويقال إنه الذئب، شرير خبيث مخادع جريء دنيء النفس نفور غيور غشوم.

الثعلب:

محتال مكار ذليل نفور مراوغ لص عياث.

ابن آوى:

ويسمى الوعول وكلب البر، ضعيف النفس لص خوار حزين متباك نفور دنيء النفس.

الهر:

وهو القط، ألوف معجب بنفسه محب الرفاهية نشيط متخنث حريص مخادع مراقب، يألف بالمكان ولا يألف بالإنسان إلا عند الحاجة.

شكل 6: الهر.

الأرنب:

صلف ألوف مذكر بنفسه صبور قليل الشر قنوع.

الفيل:

قوي النفس ذكر شجاع عالي الهمة وقور دعاب خبيث السريرة خائن محب الفساد.

شكل 7: الفيل.

الكرك:

ويسمى كركدن زكي شديد قوي، حديد النفس مغتال لا يألف أحدا.

الجاموس:

زكي غيور ألوف نخي شجاع حقود جبار يكره الغريب.

البقر:

ألوف زكي صبور غليظ الطبع حزين شبق مقدام.

شكل 8: البقر.

الجمل:

صبور جاهل ألوف حقود كريم مهذار ذليل.

شكل 9: الجمل.

المعز:

زكي وقح مخادع قليل الرحمة كثير العبث قائد عند نفسه مقدم.

الضأن:

غافل ألوف خير عديم الشر مقدام في عيشه بغيره.

الفرس:

قوي مزاح ألوف صبور معجب بنفسه عابث خائن شجاع مقدام مع تخيل.

شكل 10: الفرس.

البغل:

خبيث خائن قوي ألوف مزاح عباث.

الزراف:

لطيف النفس جاهل عبث ألوف معجب بنفسه ضنين بنفسه ألوف جاهل مقهور غافل شديد العداوة للأشرار.

النعام:

جهول أحمق صبور ذو همة ومرج وخفة نفس.

شكل 11: النعامة.

شكل 12: الحمار.

شكل 13: الضأن.

الحمار الوحشي:

غيور حسود نفور حذور جاهل لا يألف، محام عن إناثه. انتهى.

ولهم أقوال في فراسة الهوام والأسماك لا حاجة بنا إلى ذكرها حرصا على المكان.

فراسة المقابلة

إذا عرفت أخلاق أشهر أنواع الحيوان ورأيت رجلا تقرب ملامح وجهه من ملامح وجه أحدها كان ذلك الرجل يشبه ذلك الحيوان في ظواهره، فيحكم علماء الفراسة بمقتضى ذلك أن أخلاقه تشبه أخلاقه، وللقدماء أقوال طويلة من هذا القبيل أكثرها لا يعتد به، وقد جاراهم المحدثون في ذلك ولكن بعضهم اتخذ البحث فيه على سبيل الفكاهة والمجون.

والحقيقة أن فراسة المقابلة لا تخلو من أساس علمي لا يزال ضائعا حتى تكشفه الأيام.

ومن الاعتقادات الشائعة بين العامة أن المشابهة المشار إليها إنما تظهر خصوصا في العينين وما يحيط بهما، فيغطون نصف الوجه السفلي حتى تظهر العينان والجبهة ويبدو في الوجه شبه بعض الحيوانات فيقترب شكله من شكل الأسد أو الدب أو الثعلب أو غيرها.

وإليك أمثلة من المشابهة التي تتفق بين الإنسان والحيوان مما لا يسع العقل معها إلا التسليم بإمكان المشابهة الباطنة.

وقد وقفنا في بعض مطالعاتنا على مقارنة بين وجوه بعض الناس وبعض أنواع الحيوان نقلناها في ما يلي على سبيل المثال، وهي لا تخلو من الفائدة:

من ينظر إلى الشكل

1

ولا يرى فيه علامات الشجاعة وعلو الهمة والأنفة؟ وهي صفات الأسد شكل

2

والوجهان متشابهان.

شكل 1: شبه وجه الأسد.

شكل 2: وجه الأسد.

وانظر على الثعلب شكل

4

وإلى وجه رفيقه شكل

3

واعتبر ما بينهما من المشابهة وكيف أن المكر والدهاء والتحيل بادية في وجه ذلك الإنسان، وهي صفات الثعلب الخصوصية.

شكل 3: شبه وجه الثعلب.

شكل 4: وجه الثعلب.

ومثل ذلك ما يبدو لنا من أخلاق صاحب الوجه شكل

5

فإن فيه دلائل الصبر والقوة وهي من طباع الدب، وهو يشبهه في ملامحه ومجمل هيئته شكل

6 .

شكل 5: شبه وجه الدب.

شكل 6: وجه الدب.

وهذا الوجه شكل

7

لا تلتفت إليه إلا ويذكرك بوجه الخنزير، وإن كان بالتأمل يظهر بعيدا عنه، وإنما نريد المشابهة البعيدة.

شكل 7: شبه وجه الخنزير.

شكل 8: وجه الخنزير.

ووجه هذا الرجل شكل

9

بعيد عن خلقة الآدميين؛ لتدلي شفته وبروز أنفه، ولكن وجود هذه الصورة ممكن في الناس، فإذا وجدت وأردت تشبيهها ببعض أنواع الحيوان لا ترى أقرب إليها من وجه الحمار وتتوسم فيها أخلاق ذلك الحيوان.

شكل 9: شبه وجه الحمار.

شكل 10: وجه الحمار.

وأغرب من ذلك مشابهة وجه الآدميين للوز، كما ترى في شكل

11

وشكل

12

وصاحب هذا الوجه تشبه أخلاقه أخلاق الوز.

شكل 11: شبه وجه الوز.

شكل 12: وجه الوز.

هذه أمثلة من فراسة المقابلة مهما قيل فيها فإنها لا تخلو من طلاوة وفكاهة وفائدة.

هذه مبادئ علم الفراسة على ما بلغ إليه جهد أصحابه في أبحاثهم حتى الآن، وقد قلنا في صدر هذا الكتاب - فراسة الأعضاء بالتفصيل - أننا لا نتحمل تبعة شيء من ذلك إلا ما نخصه بدليل فيسيولوجي أو نبدي رأينا فيه.

قلنا ذلك لأننا نرى بعض تلك الأقوال يعسر تصديقه، وإن كان أكثرها صحيحا على إجماله وفي أكثر وجوهه، فالفراسة عندنا صحيحة وإن كثرت شواذها، وقواعدها العامة صادقة وإن اختلفت في تفاصيلها عند تطبيقها، على ما نراه من أشكال أعضاء معارفنا وما نعلمه من أخلاقهم؛ لأن لذلك الاختلاف أسبابا طارئة بيناها في كلامنا عن «هل الفراسة علم صحيح» و«هل تصدق الفراسة دائما» فلتراجع هناك.

وأما كون الفراسة علما صحيحا فمما لا نشك فيه، من يرى وجه الأمير بشير الشهابي شكل

47

ولا يتوسم فيه الشجاعة وعلو الهمة والإقدام؟ ومن يتفرس في وجه جمال الدين الأفغاني شكل

41

ولا يرى الذكاء وحدة الذهن تتجليان فيه، وقس على ذلك ما يقع عليه نظرنا من وجوه الناس على اختلاف مواهبهم وقواهم، ويغلب أن نستدل على أخلاقهم وأطوارهم من النظر إلى وجوههم.

ومما لا بد من الانتباه له أنه لا يجوز لنا الحكم في أخلاق رجل بمجرد الاستدلال بعضو من أعضاء وجهه، فإذا رأينا أنفه رومانيا لا يجوز لنا الحكم بعلو همته وإقدامه إلا إذا لم نر في فراسة أعضائه الأخرى ما ينافي ذلك، وإذا رأينا حنكه عريضا قد لا يصح حكمنا بثباته ورباطة جأشه ما لم تؤيده أشكال الأعضاء الأخرى، إذ قد يكون في دلالات تلك الأعضاء ما يناقض ذلك. أما إذا تدبرنا كل الأعضاء واتخذنا معدلا وسطا فيندر أن يخطئ حكمنا.

وقد أتينا في كلامنا عن «هل تصدق الفراسة دائما» على الأسباب التي تدعو إلى خطأ الفراسة في بعض الأحوال، ونزيد على ذلك الآن أن التربية والعقل من أكبر تلك الأسباب؛ لأن الإنسان قد يولد وفيه ميل خلقي إلى بعض الرذائل، وترى ذلك الميل ظاهرا في وجهه، فإذا تربى وتثقف وكان عقله كبيرا وإرادته قوية استعان بهما في التغلب على ذلك الميل، وقد يتغلب عليه وتبقى دلالة تلك الرذيلة بادية في بعض ظواهره، فيؤخذ ذلك ذريعة لتكذيب علم الفراسة، وقس عليه.

وفي كل حال فإننا نزف إلى قراء اللغة العربية علما جديدا على أسلوب جديد مهما قيل في شأنه، لا خلاف في أنه من العلوم الأخلاقية التي ترقي أذواق الناس وتنور أذهانهم وتروض عقولهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

Unknown page