ومشكلة نزع الطابع الأسطوري ليست وقفا على اللاهوت، فهي قائمة في محاولة فهم أي عمل قديم عظيم: كيف نفهم مثلا أي مسرحية لسوفوكليس ونحس لها أي معنى يخصنا إذا كانت آلهة الإغريق قد ماتت؟ ما هي الطريقة التي ينبغي أن تفهم بها الألفاظ القديمة؟ كيف يمكن أن نحول دون أن تبدو الأعمال القديمة مجرد كوميديات للأخطاء؟ لعل الكثيرين من أساتذة الآداب القديمة كانوا في حقيقة الأمر «ينزعون الطابع الأسطوري » فيما كانوا يبررون أهمية العمل الأدبي لنا بالنظر إلى دلالته الإنسانية التي لا تزول، ثمة «رؤية للعالم»
World view
قابعة في صميم أي نص ومفترضة مسبقا في أسطره وداخلة من ثم في فهمه وتقديره ، ولا بد لنا من أن نستل هذه الرؤية ونأخذها مأخذ الجد وألا ننصرف عنها باعتبارها أغلوطة بائدة أو خرافة.
ثمة شيء في الأسطورة يخاطبنا، أينما كنا ووقتما كنا، وينبغي أن نصغي إليه، ولن يتسنى لنا أن نفهم هذا الشيء إلا في إطار «رؤية العالم» الخاصة به، ليست الأسطورة وهما أو كذبة أو خرافة، إنها حقيقة كبرى نضجت على مهل في ضمير الأجيال كما ينضج اللؤلؤ في ضمير الصدف، فاكتسبت قواما واتخذت شكلا وصارت مشهدا حيا يملأ علينا مسارح الوجدان ويأخذ بمجامع الوعي، ويوقظ فينا شيئا هاجعا ما كنا لنذكره، وما كنا لننساه.
2
مآخذ وانتقادات
وقد تأخذ على اللألاء هنات هينات، تنزلات عن مستوى يكاد إن استمر يتعب.
1
لعل أكبر المآخذ التي يمكن أن تؤخذ على «عزاء الفلسفة» هو أنه يستخدم الألفاظ، في أسلوبه الجدلي الأفلاطوني، كما لو كانت قيمها ثابتة لا تتغير، شأنها في ذلك شأن رموز الجبر أو المنطق، ولعل هذا هو ما يجعل الحجج غير مقنعة للقارئ المعاصر في بعض الأحيان: في الكتاب الثالث مثلا تجد حجة كهذه:
الشر لا شيء، ذلك أن الله الذي يستطيع أن يفعل كل شيء لا يستطيع أن يفعل الشر، وما لا يستطيع الله فعله هو لا شيء فمثل هذه الحجة قلما تنجح في إقناعنا، وإن كانت تحمل بذورا لنقاش تال في الفصل الرابع.
Unknown page