فتأثر ضرغام من حكاية ياقوتة؛ لأنه واقع في مثلها. والإنسان إنما يشارك الناس في المصائب التي أصيب بمثلها أو يخشى أن يصاب بها. فالأعزب لا يشعر بمصاب الآباء بفقد أبنائهم كما يشعر من تزوج وله ولد، ولا يشارك المحب في شعوره إلا الذي جرب الهوى. فقال ضرغام لحماد: «هون عليك ولعلي أنفعك في شيء من شكواك. وقد آن لي أن أسألك عن الأمر الذي جئت في هذا الليل لأجله فأعرني سمعك واعلم أني أول من يشاركك إحساسك؛ لأني واقع في مثل ما أنت فيه.»
فقال حماد: «قل أيها البطل فإني سامع.»
قال: «لي خطيبة كانت في فرغانة وأنا في سامرا، فركبت مع أخيها وجاريتها، فلما وصلوا إلى همذان هجم عليهم اللصوص واختطفوا الفتاة وجاريتها وجاء إلي أخوها بالخبر فأسرعت للبحث عن الجناة فأنبأني صاحب البريد عن هذا المكان فأتيت، فما قولك؟»
قال: «أما نحن فلا نختطف نساء. وقد أخبرتك بما نفعله، وأنا على يقين أنه ليس في هذا الجوار لصوص أو قاطعو طريق.»
قال: «ولكن أخا الفتاة شهد الوقعة وهو الذي نجا من المعركة وأخبرني.»
فهز رأسه هزة الإنكار وقال: «نحن هنا منذ أسابيع، ولم نسمع بحدوث شيء من ذلك وأظن الراوي كاذبا.»
فانتبه ضرغام إلى ما يعلمه من سوء نية سامان من يوم عرفه فقال: «إن الراوي واقف في مدخل هذه الشعب. وسأستقدمه إليك لتسأله.»
فأشار حماد إلى بعض رجاله أن ينادي الرجل الواقف هناك، فذهب وعاد يقول إنه لم يجد أحدا. فذهب ضرغام بنفسه فلم يجد سامان. وسأل الدليل عنه فقال إنه مضى إلى حيث لا يعلم. فبعث في البحث عنه فلم يقف له على أثر، فرجح لديه أن في الأمر سرا غامضا وأن الرجل قد يكون كاذبا فيما رواه حتى عن الأفشين، فقلت ثقته بما رواه عن جهان. ولم ير بدا من الرجوع إلى سامرا، فاستأنف الكلام مع صديقه ونصح له أن يرجع معه فلم يرض وقال: «لا أرى في رجوعي فائدة ولو اقتصر ظلم صاحبك على خسارة المال لتحملته ولكنه طعنني في قلبي وأنت تقدر شعوري. فلا تلمني.»
فتذكر ضرغام مصيبته وتصور نقمته على خاطف حبيبته فعذره وقال: «صدقت إني معك فيما ذكرت، ولو علمت أن الخليفة صادرني في خطيبتي لنقمت عليه مثل نقمتك وأشد منها. فافعل ما بدا لك. وعلى كل حال أرجو أن تذكرني ولك مني مثل ذلك.» وأطرق قليلا ثم قال: «وإذا حدث ما يدعو إلى الاتصال بك أو المجيء إليك فهل أجدك هنا؟»
فأجاب: «لا أعلم أين يكون مقري بعد الليلة ، وما قيامي هنا إلا إلى أجل موقوت. وأنا إذا وفقت إلى أمر يسرك وأردت أن أراك فأين تكون؟»
Unknown page