أعد المعتصم جنده للقتال، وجلس في دار العامة، وأحضر قاضي بغداد ومعه 328 رجلا هم أهل العدالة فأشهدهم على ما وقفه من الضياع، جاعلا ثلثه لله، وثلثه لولده، وثلثه لمواليه. ثم تجهز إلى عمورية بالسلاح والعدد والآلات وحياض الماء والروايا وغير ذلك، وجرد جيشا عظيما بلغ تسعمائة ألف مقاتل. عليه من القواد الأفشين وأشناس وغيرهما . وخرج المعتصم نفسه على دابته وخلفه حقيبة فيها زاد تشبها بالمجاهدين في صدر الإسلام.
وفرق جنوده في جهات مختلفة من بلاد الروم حتى التقوا قرب أنقرة وعزموا على المسير إلى عمورية. فأمر المعتصم بتعبئة الجند فجعله ثلاثة معسكرات أحدهما في الميسرة وعليه أشناس التركي، والثاني في الوسط وفيه المعتصم نفسه، والآخر في الميمنة وقائده الأفشين. وجعل بين كل معسكر ومعسكر فرسخين. وأمر بأن يكون كل معسكر ميمنة وميسرة، وبأن يحرقوا ما يصادفهم من القرى ويخربوها ويأخذوا من فيها. ثم ترجع كل طائفة إلى موضعها فيما بين أنقرة وعمورية وبينهما سبع مراحل. ففعلوا ذلك حتى وافوا عمورية وكان أول من أتاها أشناس ثم المعتصم ثم الأفشين. فداروا حولها وقسمها المعتصم بين القواد وجعل لكل واحد منهم أبراجا منها على قدر أصحابه.
وكان ضرغام في معسكر المعتصم، والمعتصم يقربه ويكرمه، وكان في حاشيته أيضا الحارث السمرقندي وقد أخذ الحسد منه مأخذا عظيما لما شاهده من منزلة ضرغام عند الخليفة، وضرغام لا يكترث وإنما همه أن يوفق إلى إنقاذ جهان، وكذلك كان وردان يتوق إلى لقاء هيلانة.
وحينما حطا رحالهما هناك، صعدا إلى رابية أطلا منها على عمورية فرأياها مدينة كثيرة الأبنية واسعة الأرجاء حولها سور عال عليه الأبراج الضخمة وله الأبواب المتينة، ورأيا بين الأبنية قصرا تخفق عليه الرايات، فعلم ضرغام أنه قصر البطريق وأن جهان فيه، فتنهد ونظر إلى وردان فرآه مطرقا فسأله: «أليس هذا قصر البطريق؟» قال: «بلى، هذا هو بعينه.»
قال: «إذا صح قول حماد فإن جهان وهيلانة محبوستان فيه، وأرى المدينة حصينة، ولكنها لا تمتنع علينا بإذن الله. هل أعددت الراية المزدوجة التي أوصانا حماد بها؟»
قال: «نعم أعددتها ولكن كيف السبيل إلى نشرها ونحن في معسكر المعتصم تحت رايته.»
قال: «ننشرها في مكان منعزل عسى حماد أن يكون في انتظار رؤيتها كما ذكر في كتابه.»
قال: «غدا أقف لها على هذه الرابية نحو ساعة لنرى ما يكون.» وعاد إلى المعسكر.
وفي اليوم التالي عقد المعتصم مجلسا حضره القواد ورجال خاصته وفيهم الصاحب والحارث السمرقندي، وأخذوا في وضع خطة القتال. ولما أذن المؤذن لصلاة الظهر تفرقوا ودخل الخليفة فسطاطه وأشار إلى الصاحب أن يأتيه صباح الغد، فرجع إلى فسطاطه فرأى وردان في انتظاره وقد أخذ الغضب منه مأخذا عظيما فسأله عن الراية فقال: «وضعتها على الرابية.»
فقال: «كيف تركتها وما لي أراك متجهما؟»
Unknown page