قال: «إذن أنت دليلنا بل أنت قائدنا، هلم إلى رجالنا ليتأهبوا من الآن، ثم ننتقل بهم أصيل اليوم إلى الطريق الذي تعرفه حتى نصل في العشاء إلى تجاه المدينة.» قال: «حسنا.» ومشيا وكلاهما ساكت يفكر، يريان الخطر الذي يهددهما واليأس يعزيهما عنه حتى وصلا إلى معسكر الفراغنة، وكانوا قليلين لا يتجاوز عددهم بضع مئات لكنهم أشداء منتخبون يتفانون في طاعة ضرغام لو قال لهم ادخلوا النار لتسابقوا إليها.
أما الأفشين فجاءه سامان بعد خروج ضرغام فقص عليه ما فعله وقال: «والباقي عندك يا سامان.» فقال: «سمعا وطاعة.» وخرج. وعبأ الأفشين جنده للهجوم في ذلك الليل ليأخذوا القوم على غرة وجعل فرقته بحيث تهاجم المدينة من جهة الباب المؤدي إلى قصر النساء الذي تقيم فيه جهان أو جلنار، حتى إذا فتح البلد ودخل الناس للنهب استولى هو على قصر النساء وأعطى جهان إلى من يحتفظ بها وانصرف إلى قيادة الجند.
أما ضرغام فجهز رجاله ومشى بهم ووردان دليلهم، وداروا حول التل حتى وصلوا إلى مكان فيه يشرف على البذ من الغرب، فمكثوا هناك حتى أظلمت الدنيا فأمرهم ضرغام أن يتربصوا ويكونوا على أهبة الهجوم، وخلا إلى وردان على أكمة ونظر إلى البذ فرأيا فيه أنوارا متفرقة كما يطل القادم على بلد في الليل فإنه لا يرى إلا أنوارا ويندر أن يتبين شيئا من أبنيتها أو قلاعها. فقال وردان: «إن أقرب هذه الأنوار إلى السور وأكثرها إشعاعا أنوار قصر بابك، وهو الذي سنفتحه أو نموت دونه، وترى أنوارا بعيدة في الجانب الآخر من البلد فهناك قصر النساء، ولا أظنك تجهل استكثار هذا الرجل من النساء وانغماسه في الملذات.»
قال: «وقد رويت لي ما طرأ عليه من التغيير من عهد بعيد بفعل امرأة من نسائه ذات عقل وتدبير. ما أكبر عقل تلك المرأة!»
فقال: «إنها عاقلة؛ ولذلك تسلطت عليه، فأصبح لا يقطع بأمر إلا برأيها.»
فتنهد ضرغام وقال: «ما لنا ولهذا الآن! دعنا ننظر في الطريق الذي نسلكه في الهجوم. ما الذي يحول بيننا وبين المدينة الآن؟» قال: «بيننا وبينها واد.»
قال: «وكيف نقطعه؟» قال: «نقطعه من مكان فوقه قائم كالجسر، ومتى صرنا في الجانب الآخر أصبحنا قريبين من السور فنهجم ونتسلقه، ولا أظننا نجد عليه حامية؛ لأن الخرمية لا يخطر لهم أن عدوهم يأتيهم من هذا الطريق الوعر أو يجسر على النزول هنا.»
قال: «إذن هلم بنا ننزل.»
قال: «تمهل يا مولاي حتى تطمئن القلوب ويهجع الناس فلا يجدر بنا أن نزحف قبل نصف الليل وبعد أن نرى نيران الأفشين.»
قال: «حسنا.» وتحول إلى رجاله وأوصاهم بالسكون والتربص وبألا يوقدوا نارا ولا يسمعوا صوتا حتى يأمرهم بالتقدم، ثم تركهم وأشار إلى وردان فلحقه فقال له: «تعال نتجسس الممر الذي قلت عنه لنرى هل هو سالم أو لعل فيه عقبة.»
Unknown page