قال: «سننظر فيما ينفعه.» ولم يتم عثمان كلامه حتى دخل مروان فجأة بلا استئذان ومعه جماعة من شباب بني أمية، فلما رأته أسماء أجفلت وانقبضت وهمت بالخروج، ولكنها استحيت فانزوت في بعض جوانب الغرفة.
أما مروان فإنه دخل متقلدا سيفه وقد أرخى رداءه تيها وعجبا، حتى إذا اقترب من الخليفة جلس إلى جانبه وحياه بتحية الخلافة ثم حياه رفاقه وجلسوا، وساد السكوت حتى لاحت من مروان التفاتة إلى جانب الغرفة فرأى أسماء فسر لتقربها من نائلة، وأحب أن يظهر لها نفوذه عند الخليفة لعله ينال حظوة في عينيها، فنظر إلى عثمان وقال: «يا أمير المؤمنين أتكلم أم أسكت؟»
فابتدرته نائلة قائلة: «لا بل اصمت، فإنهم والله قاتلوه ومؤتمرون به، إنه قد قال مقالة لا ينبغي أن ينزع عنها.»
فحملق مروان فيها وقال: «ما أنت وذلك؟! فوالله قد مات أبوك وهو لا يحسن أن يتوضأ.»
فقالت: «مهلا يا مروان عن ذكر الآباء! تخبر عن أبي وهو غائب فتكذب عليه، وإن أباك لا يستطيع أن يدافع عن نفسه. أما والله لولا أنه عمه (عم الخليفة) وأنه يناله غمه، لأخبرتك عنه ما لن أكذب عليه فيه!»
وكانت أسماء تسمع كلامها وهي تكاد تتميز غيظا، ولكنها احترمت المقام وخافت أن يستهجنها عثمان، فصبرت لتسمع ماذا يريد أن يقول.
أما مروان فأعرض عن نائلة مخافة أن تزيده تعنيفا، ونظر إلى عثمان فقال: «يا أمير المؤمنين ، أتكلم أم أسكت؟» قال: «تكلم».
فقال: «بأبي أنت وأمي، والله لوددت أن مقالتك التي قلتها اليوم على مسمع من المسلمين كانت وأنت ممتنع، فكنت أول من رضي بها وأعان عليها! ولكنك قلت ما قلت وقد بلغ الحزام الطبيين وبلغ السيل الزبى وحين أعطي الخطة الذليلة الذليل. ووالله لإقامة على خطيئة ويستغفر منها أجمل من توبة يخوف عليها! وأنت إن شئت تقربت بالتوبة ولما تقربت بالخطيئة، وقد اجتمع بالباب أمثال الجبال من الناس يريدون أن ينزعوا ملكنا من أيدينا.»
وكان عثمان يسمع مقالة مروان وهو مطرق يفكر، وأسماء تراقب حركاته وتخاف أن يصغي عثمان له فيعود الأمر إلى أعظم مما كان، فوقفت بقامة تخجل البان وقد زادها العبوس مهابة وخاطبت الخليفة قائلة: «أيأذن أمير المؤمنين لأمته في كلمة؟»
فأعجب بشجاعتها، وتحولت إليها أنظار الحاضرين، وقال عثمان: «قولي يا بنية.» فقالت: «إن وقوفي بين يدي أمير المؤمنين ودخولي في شئون إمارته لتطفل جريء، وعذري أنني أقولها كلمة خالصة لوجه الله والخليفة. إني يا أمير المؤمنين أرى ما يقوله ابن عمك إيقادا للفتنة بعد أن نامت، ومدعاة للقتال وإثارة للحرب وشرا مستطيرا.»
Unknown page