Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
11
في عام 1956، تخرج في الاتحاد السوفييتي ما يقرب من سبعين ألف مهندس جديد، مقابل ثلاثين ألف مهندس في الولايات المتحدة.
كان الديمقراطيون قد سعوا طويلا لتفعيل برنامج مساعدة فيدرالية في مجال التعليم، وقد فتح قمرا «سبوتنيك» المجال أمامهم. قدم مشروع القانون الأول - قانون تعليم الدفاع الوطني لسنة 1958 - مصادر تمويل في مجال تدريس العلوم والرياضيات واللغات الأجنبية. وبناء عليه، حقق التحدي السوفييتي ما هو أكثر من مجرد رد فعل عسكري؛ إذ أثار ما صار بمنزلة المعول الأول في أجندة شاملة على نحو متزايد للإصلاح الاجتماعي. بيد أنه في ذلك الوقت، كان الموضوع الرئيسي الأهم هو نصب مركبة على منصة إطلاق، وإطلاق شيء ما في مدار فضائي.
فعلها فون براون في نهاية شهر يناير من عام 1958، عندما نجح من المحاولة الأولى في إطلاق القمر «إكسبلورار 1»، أول قمر صناعي تطلقه البلاد، يزن أحد عشر رطلا. ووضعت مجلة «تايم» صورة فون براون على غلافها؛ وهو ما جعل البلاد تمر بلحظة ابتهاج وغبطة، وتلتها لحظة أخرى في منتصف شهر مارس عندما حمل الصاروخ «فانجارد» جهاز الإشارة الخاص به زنة ثلاثة أرطال. وكان جيمس فان آلان قد صمم معدات القمر «إكسبلورار 1» فضلا عن معدات قمر فون براون الثاني «إكسبلورار 3» الذي أطلق في أواخر شهر مارس. ومن خلال هذه المعدات، توصل فان آلان إلى اكتشاف كبير، ألا وهو حزام من الإشعاع المكثف حول الأرض، محتجز بفعل المجال المغناطيسي للأرض، وهو الاكتشاف الأهم والأكثر أثرا لأن السوفييت لم يتمكنوا من رصده.
كان لدى السوفييت اختصاصي من الدرجة الأولى في مجال الأشعة الكونية، وهو عالم الفيزياء سيرجي فرنوف، الذي كان قد ابتكر معدات مماثلة جرى وضعها على متن «سبوتنيك 2». ومع ذلك، لم تكن لدى الاتحاد السوفييتي شبكة تتبع عالمية، ولم يكن يمتلك إلا محطات أرضية فقط في الأراضي السوفييتية فقط. وعندما صار القمر «سبوتنيك 2» في نطاق المحطات، كان على ارتفاع منخفض، أسفل منطقة الإشعاع، وعندما بلغ «سبوتنيك 2» ارتفاعا كبيرا، استطاعت أجهزة فرنوف تحديد الإشعاع المحتجز، بيد أن «سبوتنيك» كان قد بلغ الطرف الآخر من الكرة الأرضية آنذاك. وعلى الرغم من ذلك، استطاع فنيو محطات الاتصال اللاسلكي التقاط إشارات المنطقة الإشعاعية في أستراليا وأمريكا الجنوبية، وأشارت البيانات التي جرى جمعها إلى وجود حزام إشعاعي. لكن لأسباب تتعلق بالسرية، لم تجر موسكو أي ترتيبات مع أي دول أخرى لتفسير الإشارات، ولم تشارك البيانات التي حصلت عليها مع أي دولة أخرى. وصارت المنطقة الإشعاعية معروفة باسم حزام فان آلان، في حين كان يمكن أن يطلق عليه حزام فرنوف لولا ستار السرية.
لم يكن خروتشوف ليدع أحدا ينسى من هو سيد الفضاء حقا؛ ففي تلك الأثناء، كانت المركبة «دي»، تلك المركبة الفضائية الثقيلة المكتظة بالمعدات، جاهزة للانطلاق. حاول كوروليف إجراء عملية إطلاق في أواخر شهر أبريل، لكن الصاروخ تحطم بعد دقيقة ونصف من ارتفاعه عن منصة الإطلاق. وبينما كان يتخذ الاستعدادات لإجراء عملية إطلاق أخرى، علم بوجود عطل في جهاز تسجيل على متن الصاروخ. كان هذا التسجيل مهما؛ إذ كان يحتاج إليه علماء فريق كلديش لجمع البيانات عندما تغادر المركبة نطاق محطة أرضية.
كان من الطبيعي أن يتوقع كوروليف أن تتأخر عملية الإطلاق إلى حين إصلاح العطل؛ ولكن، وفقا لما أورده روالد سجدييف، وهو عالم فضاء بارز، تلقى كوروليف مكالمة هاتفية من خروتشوف نفسه. كانت إيطاليا وقتها على وشك أن تعقد الانتخابات العامة، وكان الحزب الشيوعي قويا فيها، وكان خروتشوف يعتقد أن إجراء عملية إطلاق ناجحة لقمر «سبوتنيك» جديد سيؤدي إلى تصويت الملايين لصالح الحزب الشيوعي هناك. أمر خروتشوف كوروليف أن يجري عملية إطلاق جديدة في الحال؛ فحلق القمر «سبوتنيك 3» في مدار حول الأرض، وعلى الرغم من أن هذا الأمر لم يكن له تأثير كبير على الانتخابات في إيطاليا، فإنه جذب الأنظار بلا شك وكان موضع تقدير الجميع. كان وزن القمر 2925 رطلا، وهو ما كان يساوي تقريبا ثلاث مرات وزن القمر «سبوتنيك 2» الضخم.
في أحد لقاءات الصداقة السوفييتية-العربية في الكرملين، أخبر خروتشوف ضيوفه أن أمريكا ستحتاج إلى «عدد هائل من الأقمار الصناعية في حجم البرتقال حتى تتمكن من اللحاق بالاتحاد السوفييتي». ولكن، استطاعت الولايات المتحدة أيضا أن تمارس لعبة النفس الطويل؛ حيث كان الصاروخ «أطلس» في مراحل التطوير الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، أصبح آيك يمتلك مقعدا في البنتاجون، وهو وكالة المشروعات البحثية المتقدمة، الذي سيبدأ لاحقا سلسلة جهود عسكرية جديدة في مجال الفضاء.
كان الصاروخ «أطلس» يحمل محركين صاروخيين من إنتاج شركة «روكت داين»، قوة دفع كل منهما 150 ألف رطل كمحركي تعزيز، فضلا عن محرك مركزي قوة دفعه 60 ألف رطل كمحرك أساسي. اعتمدت عمليات الإطلاق التجريبية الأولى على محركات التعزيز فقط، وكانت تتزود بحمولة مخفضة من الوقود، وهو ما كان يعني أنه حتى عند نجاح عملية الإطلاق - وهو أمر لم يكن يحدث كثيرا - كانت تطير مسافة 600 ميل تقريبا، وهو ما كان يمثل عشر المدى الكامل للصواريخ العابرة للقارات. ومع ذلك، أسفرت هذه التوليفة من المحركات والصواريخ عن عملية إطلاق جيدة في ديسمبر 1957. وتلت ذلك عمليات إطلاق ناجحة أخرى، وبحلول الربيع التالي كانت كفاءة الصاروخ وموثوقيته للإطلاق قد بدأتا تتأكدان.
كان رئيس وكالة المشروعات البحثية المتقدمة، روي جونسون، يشغل منصب نائب رئيس شركة «جنرال إلكتريك». وفي يونيو 1958، في أعقاب إطلاق القمر «سبوتنيك 3»، ذهب جونسون إلى شركة «كونفير» في سان دييجو والتقى زملاءه التنفيذيين هناك، وقال: «يجب أن نطلق قمرا كبيرا.» فأجابه أحد كبار المديرين قائلا : «حسنا، يمكننا أن نطلق الصاروخ أطلس بالكامل في مدار فضائي.» وافق جونسون على دعم هذا المشروع والتشديد على تنفيذه في واشنطن، بينما اتفق الآخرون على أن يظل المشروع سريا. وخلال الأشهر التي أعقبت ذلك، لم يكن ثمة أكثر من ثمانية وثمانين شخصا يعرفون ما سيجري إطلاقه.
Unknown page