Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
بينما كانت ناسا تتكيف مع تقنياتها التكنولوجية الجديدة، كان السوفييت يتتبعون نجمهم الخاص، من خلال رحلات مأهولة طويلة المدى في «ساليوت». مع ذلك، تجاوزت بعثة «ساليوت 4» التي استغرقت 63 يوما في عام 1975 الحدود المعروفة للبقاء في الفضاء، حيث كان على رائديها بيوتر كليموك وفيتالي سيفاستيانوف جلب كل المؤن التي كانا يحتاجانها. للبقاء مدة أطول، كان لا بد أن يتمكن طاقم الرحلة من الحصول على كميات إضافية من الغذاء والماء والأكسجين أثناء وجودهم في المدار.
من ثم، أدخلت موسكو تعديلات على «سويوز» و«ساليوت» لإفساح المجال أمام بعثات طويلة المدة للغاية. حول المهندسون «سويوز» إلى مركبة فضائية غير مأهولة، باسم «بروجرس»، يمكنها حمل المؤن. زودت المركبة بكاميرتين تليفزيونيتين، بهما عدستان تسمحان للمراقبين الأرضيين بتوجيه الكاميرتين لرصد عملية التحام آلي مع «ساليوت». ونظرا لأن المركبة «ساليوت» المدارية كان ملتحما بها عند أحد أطرافها مركبة «سويوز»، التي وصل على متنها رواد «ساليوت»، والتي سيغادرون على متنها أيضا، كان من الضروري إضافة موضع التحام ثان على الطرف الآخر. وكان مقررا عندئذ أن تضم «ساليوت» كلا من «سويوز» و«بروجرس» في آن واحد، مثل قاطرة تجر عربة قطار عند كل طرف.
كان الهدف المبدئي هو إطلاق رحلة مدتها ثلاثة أشهر، حيث انطلقت «ساليوت 6» إلى السماء أعلى الصاروخ «بروتون» في سبتمبر 1977. انطلق رائدا فضاء لكنهما فشلا في محاولة الالتحام؛ تبعهما رائدان آخران: يوري رومانينكو قائد المركبة، وجورجي جرتشكو مهندس كان على دراية وثيقة بآلية الالتحام؛ والتحما في الموضع المخصص لمركبة «بروجرس». أجرى جرتشكو عملية سير في الفضاء وتحقق من أن موضع الالتحام الآخر على ما يرام، بينما كان رومانينكو يشاهده من فتحة خروج. من الواضح، أن المشكلة كانت تكمن في نموذج «سويوز» الأول الذي فشل في الالتحام، وليس في «ساليوت».
مع وجود الكثير من الأمور التي انشغلا بها، مكثا فترة بقائهما الطويلة. استغرقت الفحوص الطبية وقتا طويلا، مثلما استغرقت عمليات التنظيم والترتيب. على أي حال، كان من بين أهداف إرسال رواد إلى الفضاء هو الاعتناء بمعدات دعم الحياة، وللحفاظ على صحتهما ولياقتهما البدنية، تضمنت المعدات الموجودة على متن المركبة مشاية ودراجة رياضية (إكسرسايكل) ومجموعة من حبال بانجي. لم ترق لهما تلك الأدوات؛ إذ كانت التمرينات الرياضية تجعلهما يتصببان عرقا وتفوح منهما الروائح الكريهة، وكانا يتجنبانها متى استطاعا. في بعض الأوقات، كانا يشغلان المعدات على متن المركبة؛ كانت هذه المعدات تشمل كاميرا متعددة الأطياف للأرصاد الأرضية، وكاميرا لرسم الخرائط، وتليسكوبا يعمل عند الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء البعيدة.
وصل صديقان لهما في زيارة، حيث أرسلا مركبة «سويوز» جديدة، ثم عادا إلى الأرض في المركبة القديمة بعد أن مكثا في الفضاء خمسة أيام. جلبا معهما البريد والصحف، ثم جاءت مركبة المؤن «بروجرس»، محملة بكميات وفيرة من الطعام تضمنت الفاكهة الطازجة، ومسجل كاسيت يحتوي على أشرطة، وملابس نظيفة وملاءات، فضلا عن الأدوية والبهارات. وضع جرتشكو ورومانينكو نفاياتهما على متن هذه المركبة، ثم أنزلاها من المدار لتحترق في الجو، ومعها النفايات وكل شيء. ثم جاءت زيارة ثانية من «سويوز»، على متنها رجل من تشيكوسلوفاكيا يدعى فلاديمير ريمك، وهو أول إنسان في الفضاء لم يكن سوفييتيا ولا أمريكيا، وهو ما دشن برنامجا جديدا، كان يتضمن رواد فضاء من دول أخرى يحلقون ضيوفا ضمن الأطقم السوفييتية.
المحطات الفضائية الأولى: «سكايلاب» بأعلى، المركبة «أبولو» الفضائية في وضع التحام إلى اليسار، ملحقا بها حامل منظار «أبولو» الذي يشبه الطاحونة الهوائية، والذي استخدم في الأرصاد الشمسية. «ساليوت 6» بأسفل. مركبة «سويوز» في وضع التحام إلى اليسار، بينما تقترب مركبة المؤن «بروجرس» من اليمين (دان جوتيه).
هبط جرتشكو ورومانينكو في مارس 1978، بعد أن سجلا رقما قياسيا ببقائهما لمدة 96 يوما في مدار فضائي. تلت ذلك بعثات أطول استمرت لمدة 140 يوما، ثم 175 يوما، ثم 185 يوما، وقورن ذلك مع فترة 84 يوما التي استغرقتها أطول بعثة لمحطة «سكايلاب» ووفرت رؤية مفيدة حول الآثار الطبية لانعدام الوزن. تمثلت أكثر الآثار خطورة في فقدان الكالسيوم من العظام، وهو ما زاد من مخاوف أن تتسبب رحلة فضائية في تحويل العمود الفقري لرائد فضاء قوي البنية إلى هلام. لم تكن لدى الأطباء السوفييت أي وسائل مفيدة لقياس الكمية الفعلية المفقودة من الكالسيوم؛ ومع ذلك، تراجعت هذه المخاوف بالنظر إلى الصحة الجيدة التي كان عليها رائدا الفضاء عند عودتهما.
كانت «ساليوت 6» محطة فضائية. بعد النجاح المبدئي للمكوك الفضائي، في أبريل 1981، كانت ناسا مستعدة للإعلان بوضوح عن رغبتها هي أيضا في محطة فضائية. على أي حال، كانت المحطة الفضائية تحتل مكانا بارزا في أجندة الوكالة لما يزيد عن عقد من الزمن، وقد اشتريت بالفعل المعدات اللازمة ودفع ثمنها، فصار هناك مختبر «سكايلاب» ثان جاهز للعمل، فضلا عن مركبتي إطلاق «ساتورن 5». لسوء الحظ، كانت «سكايلاب» في متحف الطيران والفضاء الوطني، بينما كانت مركبتا «ساتورن» معروضتين في مركزي ناسا في هيوستن وكيب كانافيرال؛ حيث كانتا عرضة للرياح والأمطار. ربما كان يمكن للوكالة أن تضعها جميعا في مخزن آمن، مثلما فعلت مع «ساتورن 1-بي» ومركبة «أبولو» اللذين كانا قد انطلقا للالتحام بالمركبات الروسية في عام 1975؛ لكن كما بدت الأمور آنذاك، كان برنامج المحطة الفضائية يسعى إلى تحقيق ما كانت ناسا قد امتنعت عن فعله من خلال صواريخ ومختبر مداري جرى بناؤهما وصارا جاهزين للاستخدام.
في هيوستن، كانت مجموعة صغيرة من المصممين قد أعادت إشعال هذا الحماس باقتراح إنشاء مركز عمليات للفضاء. كان هذا النموذج يستدعي نقل مجموعة من الوحدات في المكوك الفضائي وتجميعها في مدار فضائي، في ظل حيز يتسع لعدد من الأشخاص يتراوح بين تسعة أشخاص واثني عشر شخصا. كان من المقرر أن يتولى هؤلاء الأشخاص تجميع مركبة فضائية ضخمة مثل الهوائيات، للاستخدام في علم الفلك اللاسلكي والمنصات المدارية لتكون بمنزلة الأقمار الصناعية للاتصالات. كان من المقرر أن يوفر مركز عمليات الفضاء أيضا قاعدة لإصلاح المركبات الفضائية الموجودة وصيانتها. لنقل الأقمار الصناعية ذهابا وإيابا إلى مداراتها المناسبة، كان من المقرر أن تكون لمركز عمليات الفضاء مركبته الصاروخية الخاصة، التي توضع في حظيرة وتزود بوقود دفعي مستمد من خزانات في مركز عمليات الفضاء نفسه.
كان نموذج مركز عمليات الفضاء يتماشى كثيرا مع خلفية المكوك الفضائي؛ فقد صمم المكوك الفضائي لإطلاق المركبات الفضائية للبلاد، مع الاحتفاظ بقوة رفع تكفي لبناء محطة فضائية في الخطوة التالية. كشف مركز عمليات الفضاء عن الهدف من إنشائه، وهو تجميع الأقمار الصناعية وصيانتها، ومع ذلك، لم يكن الأمر يتطلب أن يكون المرء عالم صواريخ حتى يدرك أن مداه الفضائي، الذي كان يبلغ مدارا جيوتزامنيا، يمكن أن يفسح المجال أمام نموذج أكبر يحمل رواد الفضاء مجددا إلى القمر، كبداية لإرسال بعثة إلى المريخ.
Unknown page