Cabd Rahman Nasir

Jurji Zaydan d. 1331 AH
188

Cabd Rahman Nasir

عبد الرحمن الناصر

Genres

قالت الزهراء: «أما عبد الله فإني سأعود إلى مخاطبته، وأنا على ثقة من ندمه ورجوعه؛ لأن في فطرته شيئا من طيب عنصر والده، وإنما خدعته أقوال المفسدين كالفقيه ابن عبد البر وأمثاله، أما هو فإنه طيب القلب شديد التدين كما لا يخفى على أمير المؤمنين.»

وكان الناصر طروبا بحديثها لأنه كان يطرب لكل حركة من حركاتها، فلما أثنت على عبد الله وقالت إنها كانت ترجو صلاحه أحس بتسرعه في قتله، وشعر بالندم. لكنه تذكر الخطر الذي كان يهدده لو لم يفعل، فبادر الزهراء قائلا: «أنا لا أرجو صلاحا ممن يخون أباه وأخاه، وعلى كل حال فقد قضي الأمر.» ورفع اللوح بيده ووجهه نحوها لتقرأه، فما أتت على بعضه حتى صاحت: «ويلاه! قتلت عبد الله؟!» ولطمت وجهها ونظرت إلى عيني الناصر وتفرست فيهما كأنها تستوضحهما الأمر، فرأت الشرر يكاد يتطاير منهما، فأعادت قراءة اللوح حتى بلغت إلى اسم صاحب النقمة فاقشعر بدنها؛ لأنها تذكرت أخاها وأنه سيقتل مثلهم، فغلب عليها البكاء للسببين معا، فظنها الناصر تبكي على عبد الله فقال: «ما بالك تبكين؟»

فقالت الزهراء: «أبكي على شباب عبد الله.»

قال في لهجة الغضب: «أتبكين الخائن وأنت أعلم الناس بخيانته؟!»

قالت الزهراء: «أوليس هو بضعة من أمير المؤمنين؟ فكيف لا أبكيه وقد كنت أعتقد أنني سأتمكن من إرجاعه عن خطئه.»

قال الناصر: «أنت أمرت بالقبض عليه بعد أن يئست من صلاحه.»

قالت الزهراء: «قبضت عليه إرهابا، ولم يكن عندي ريب من ندمه في الغد، ولكن ويلاه! هل قتل عبد الله فعلا؟»

قال الناصر: «نعم قتل، وكذلك سيقتل أمثاله الخائنون، فبعد أن يعلموا أني قتلت ابني لهذه الخيانة فلا يلومون إلا أنفسهم إذا وقعوا في يدي، فإني قاتلهم جميعا، والقتل أنفى للقتل.»

فتذكرت أخاها وما يكون من أمره إذا وقع في قبضة الناصر، فأحبت أن تستطلع رأي الخليفة في العفو عن أمثاله فقالت: «وإذا رجعوا تائبين؟»

قال الناصر: «أقتل ابني وأعفو عن سواه؟! لا يقع في يدي واحد من الخائنين إلا قتلته أيا كان.»

Unknown page