فقال: «هو في دار الخاصة يا مولاي.»
قال: «وكيف ذلك واليوم موعد جلوسه في دار العامة؟»
فقال: «كان عازما على الجلوس فيها، فجاءه وفد من ملك الهند، فأحب أن يجلس لهم في دار الخاصة؛ لأن ذلك أقرب للرهبة والعظمة.»
الفصل الثامن والثلاثون
وفد ملك الهند
فتحول إسماعيل نحو تلك الدار، وقبل الوصول إليها رأى صفين من جند الخليفة الأتراك وقد وقفوا بانتظام، ولبسوا الحديد حتى لا يرى منهم غير حدقات عيونهم، فقال لمسرور: «ما بال هؤلاء؟ وما الذي بعث على وقوفهم بالحديد كأنهم في ساحة الحرب؟»
قال: «لما علم أمير المؤمنين بمجيء الوفد من ملك الهند أحب أن يوقع الرعب في قلوبهم؛ ليبلغوا ملكهم بما شاهدوه من قوة الإسلام، فأمر بوقوف هؤلاء كما ترى.»
1
فانبسطت نفس إسماعيل لما لمسه من رغبة الرشيد في أبهة الدولة، ولكنه ما لبث أن تذكر ما يخشاه عليها من الدسائس فانقبض صدره، على أنه تماسك ومشى نحو الدار بين الصفين، حتى دنا من بابها وكان مرتفعا يصعد إليه على درجات عريضة من الرخام الأبيض يتخللها قطع من البلاط الأخضر، والشاكرية وقوف إلى الجانبين وفي أيديهم السيوف، فدخل مسرور أمامه ليخبر صاحب الإذن (الحاجب) بحضوره؛ ليستأذن له في الدخول.
فصعد إسماعيل في أثره وهو يتباطأ في مشيته ريثما يؤذن له، فما لبث أن جاء يدعوه للدخول، فمشى في دهليز عريض مبلط ببلاط أحمر مشدود بعضه إلى بعض بقضبان الذهب، والآذن يسير بين يديه، فرأى في آخر الدهليز ثلاثة كلاب هائلة المنظر كبيرة الأبدان كأنها أسود، وقد أوثقت من أعناقها بسلاسل من الحديد، وأمسك السلاسل ثلاثة رجال عرف من منظرهم وألوانهم أنهم من أهل الهند، وهم مكشوفو الرءوس، فاشتغل خاطره بتلك الكلاب، وتهيب من توقد أبصارها وضخامة أبدانها.
Unknown page