الفصل الخامس والخمسون
كشف السر
وكان أرجوان مشتغلا بالتأهب للسفر، كما علمت، وقد اطلع على سر مولاته وسبب سفرها، وهو حريص على راحتها، متفان في سبيل مرضاتها، فإن أولئك الخصيان إذا طابت سرائرهم كانوا نعمة على مواليهم؛ لأن الرجل منهم إذا أخلص النية نسي نفسه، وانقطع لخدمة مولاه بكل جوارحه. ولعل السبب في ذلك أنهم لا يتزوجون، فلا يعلقون آمالهم بولد أو ابنة، فتنصرف عواطفهم إلى مواليهم يسرون لسرورهم، ويحزنون لحزنهم، لا يبالون بما يقاسونه في سبيل ذلك، ولا يهمهم إن كان مولاهم على حق فيما يعمله أو على باطل. وكان أرجوان من أطيب الناس قلبا، وأكثرهم تعلقا بمولاته، ولا سيما العباسة، فإنها نظرا لما كانت تتمتع به على يده من أسباب الراحة بما يسهله لها من دخول جعفر إلى قصرها وخروجه، فإنها كانت تبالغ في إكرامه، وتتلطف في معاملته، وهو يزداد تفانيا في خدمتها.
فكان أرجوان في ذلك المساء يعد معدات السفر. وإذا بالخدم يدعونه فخرج، فرأى شاكريا ينتظره بالباب، فعرف أنه رسول من زبيدة فقال: «ما وراءك؟»
قال الشاكري: «مولاتنا أم جعفر تستدعيك.»
فقال أرجوان: «الساعة؟»
قال الشاكري: «نعم، في هذه الدقيقة.»
فقال أرجوان: «تمهل ريثما أخبر مولاتي العباسة بذلك.»
فقال الشاكري: «لا داعي إلى إخبارها؛ فإنها كلمة تقولها مولاتنا لك ثم تعود.»
فصدقه أرجوان وخرج والعباسة لا تعلم.
Unknown page