Bidayat Mujtahid
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
Publisher
دار الحديث
Edition Number
بدون طبعة
Publisher Location
القاهرة
أَفْضَلُ، وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَالْكُوفِيُّونَ بِأَسْرِهِمْ (أَعْنِي أَنَّهُ فَرْضٌ مُتَعَيَّنٌ) وَبِالثَّانِي قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبِالثَّالِثِ (أَعْنِي أَنَّهُ سُنَّةٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ.
وَبِالرَّابِعِ (أَعْنِي أَنَّهُ رُخْصَةٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْمَعْقُولِ لِصِيغَةِ اللَّفْظِ الْمَنْقُولِ، وَمُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْفِعْلِ أَيْضًا لِلْمَعْنَى الْمَعْقُولِ وَلِصِيغَةِ اللَّفْظِ الْمَنْقُولِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ لِلْمُسَافِرِ إِنَّمَا هُوَ الرُّخْصَةُ لِمَوْضِعِ الْمَشَقَّةِ كَمَا رُخِّصَ لَهُ فِي الْفِطْرِ، وَفِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: «قُلْتُ لِعُمَرَ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١] يُرِيدُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ عُمَرُ: " عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ " فَمَفْهُومُ هَذَا الرُّخْصَةُ» .
وَحَدِيثُ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: " إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ، وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» وَهُمَا فِي الصَّحِيحِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالرُّخْصَةِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ، لَا أَنَّ الْقَصْرَ هُوَ الْوَاجِبُ، وَلَا أَنَّهُ سُنَّةٌ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ الَّذِي يُعَارِضُ بِصِيغَتِهِ الْمَعْنَى الْمَعْقُولَ، وَمَفْهُومَ هَذِهِ الْآثَارِ فَحَدِيثُ عَائِشَةَ الثَّابِتُ بِاتِّفَاقٍ قَالَتْ «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» وَأَمَّا دَلِيلُ الْفِعْلِ الَّذِي يُعَارِضُ الْمَعْنَى الْمَعْقُولَ وَمَفْهُومَ الْأَثَرِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ ﵊ مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ أَسْفَارِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَطُّ فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ فَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ " أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَمَا هَذَا شَأْنُهُ " فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: (أَعْنِي: إِمَّا وَاجِبًا مُخَيَّرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سُنَّةً) وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا مُعَيَّنًا، لَكِنَّ كَوْنَهُ فَرْضًا مُعَيَّنًا
1 / 177