وبعد ذلك بثلاث سنوات استخدم سليمان فرنجية شعار «ما هو ضروري لمنع تدمير البلاد» ليبرر الأمر الذي أصدره في مايو (آيار) 1973م إلى قائد الجيش بمهاجمة المخيمات المحيطة ببيروت لإنهاء سيطرة المقاومة عليها. وقد وصف دبلوماسي أمريكي هذا الهجوم الذي اشتركت فيه الطائرات بقوله: «كانت المرة الأولى التي أرى فيها الجيش اللبناني يتحرك بفاعلية.»
لكن الجيش اللبناني فشل في مهمته، فشرعت الأحزاب المارونية في تدعيم ميليشياتها المسلحة لتقوم بما عجز الجيش عن القيام به. وتحملت جماعة «الكسليك»، وهي مجموعة من الرهبان والمثقفين الموارنة، العبء الأكبر في جمع التبرعات لهذا الهدف، وتمكنت من جمع 56 مليون ليرة؛ أي 21 مليون دولار بأسعار 73 / 74؛ ولهذا الهدف أيضا زار بيار الجميل المملكة العربية السعودية في أول أبريل (نيسان) 1974، على متن طائرة سعودية خاصة، وأعدت الخطط لتدريب ميليشيا الكتائب في ألمانيا الغربية وإسرائيل والأردن. وخرج إسكندر غانم من قيادة الجيش ليتولى قيادة ميليشيا الكتائب.
وقد ذكر «أنتوني سامسون» في كتابه «سوق السلاح» الذي صدر في منتصف 1977، أن الجبهة المارونية اشترت كمية من السلاح يتراوح ثمنها بين 200 و600 ميلون دولار، جاءت - على حد قوله - من البنوك التي نهبتها المليشيات المارونية في لبنان ومن وكالة المخابرات الأمريكية، وإسرائيل، وألمانيا الغربية، والفاتيكان، وشاه إيران، والدول العربية الإسلامية.
ومن الطبيعي أن الطرف الآخر - ابتداء من المقاومة الفلسطينية إلى الأعداء الدينيين التقليديين للموارنة، مرورا بأصحاب البرامج الاقتصادية والاجتماعية «التقدمية» - ما كان ليقف مكتوف الأيدي أمام هذه الحملة الضخمة من التسليح، ووجد قادته الخزائن مفتوحة أمامهم في بغداد وليبيا والسعودية أيضا، فسلح كمال جنبلاط رجاله من الدروز، وكون الإمام الصدر جهازا عسكريا لحركة «المحرومين» الشيعية، وتجمعت العناصر السنية الشابة في تنظيم «المرابطون» الناصري المسلح، وشكل الشيوعيون والبعثيون ميليشياتهم المسلحة.
ولم يعد ثمة مفر من الحرب.
8
ظلت هناك جوانب عديدة غامضة في نظري. لكن الوقت كان ضيقا. وكنت أعرف بتجربتي أن الأمور تتضح دائما أثناء العمل نفسه.
تلفنت أنطوانيت، واتفقت معها على موعد. وما إن وضعت السماعة حتى دق جرس الجهاز، فرفعتها إلى أذني من جديد.
جاءني صوت أنثوي ناعم: أستاذ ... ؟
قلت مقلدا اللهجة اللبنانية: مين عم بيحكي؟
Unknown page