المجلد الأول
مقدمات
...
تمهيد:
أولا- تعريف موجز بابن هشام الأنصاري:
المولد والنشأة: ولد العلامة الشيخ، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري بالقاهرة في ذي القعدة، سنة ثمان وسبعمائة من الهجرة١، الموافق سنة / ١٣٠٩/ من الميلاد. ومن ثم ترعرع فيها، وشب محبا للعلم والعلماء، فأخذ عن الكثيرين منهم، ولازم بعضا من الأدباء والفضلاء.
شيوخه: ذكر صاحب الدرر الكامنة٢ أن ابن هشام لزم عددا من فحول عصره، وتلقى العلم على أيدي علماء زمانه، وتتلمذ لهم، ومنهم ابن السراج٣، وأبو حيان٤، والتاج التبريزي٥، والتاج الفاكهاني٦، والشهاب بن المرحل٧، وابن جماعة٨، وغيرهم.
_________
١ بغية الوعاة، للسيوطي. تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم "ط: ٢. بيروت: دار الفكر، "١٣٩٩-١٩٧٩ م"، ٢: ٦٨.
٢ الدرر الكامنة، لابن حجر "حيدر آباد، ١٣٤٨ هـ"، ٢: ٣٠٨-٣١٠.
٣ ابن السراج: محمد بن أحمد، أبو عبد الله السراج الدمشقي، مقرئ نحوي، ولد سنة ٦٦٨هـ، ومات سنة ٧٤٣هـ. بغية الوعاة: ١/ ٢٠.
٤ أبو حيان: محمد بن يوسف، أثير الدين الغرناطي، نحوي عصره، ولغويه، ومحدثه، وأديبه، له البحر المحيط في التفسير، والمدبح في التصريف وغيرهما. مات سنة ٧٤٥هـ. بغية الوعاة: ٢٨٠-٢٨٣".
٥ التبريزي: علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي، عالم ورع وأحد الأئمة الجامعين لأصناف العلوم. مات سنة ٧٤٦هـ. المصدر نفسه: ٢/ ١٧١.
٦ التاج الفاكهاني: عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندراني، له شرح العمدة، والإشارة في النحو وغيرهما. مات سنة ٧٣١هـ. المصدر نفسه ٢: ٢٢١، والدرر الكامنة: ٣/ ١٧٨.
٧ الشهاب بن المرحل: عبد اللطيف بن عبد العزيز، ولم يذكر له صاحب البغية ترجمة وافية. البغية ٢/ ٥٤١.
٨ ذكر صاحب البغية، في ترجمتة لابن هشام، أنه "حدث عن ابن جماعة بالشاطبية"، والذين سموا بهذا الاسم كُثر، ولعل المقصود بالذكر هنا بدر الدين محمد المتوفى سنة ٧٣٣هـ، والذي كان يشغل منصب قاضي قضاة دمشق، ثم مصر في أيامه.
1 / 3
تلاميذه:
لم تذكر كتب التراجم تلاميذ ابن هشام، ولعل أكثرهم كان من غير المشهورين، واكتفى صاحب البغية بالقول: "وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم"١.
منزلته العلمية:
أتقن ابن هشام العربية، حتى فاق أقرانه وشيوخه ومعاصريه، وكان لكتابيه: "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب"، و"أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك". صدى في النفوس، ونال بهما منزلة لدى العلماء والأدباء "فاشتهر في حياته، وأقبل الناس عليه"٣ غير أن شهرته لم تكن محصورة في مصر وحدها، بل تعدتها إلى المشرق والمغرب، حيث ذكر صاحب الدرر الكامنة نقلا عن ابن خلدون قوله: "ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية، يقال له: ابن هشام، أنحى من سيبويه"٣.
ذكاؤه وفطنته:
كان ابن هشام، يتمتع بذكاء خارق، وذاكرة قوية، حيث استطاع أن يجمع عدة علوم، وأن يبرز فيها، وهو "المتفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البارع، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التصرف في الكلام، والملكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد مسهبا وموجوزا"٤، وما يدلنا على مدى فطنته، وقوة حافظته حتى أواخر حياته، أنه حفظ مختصر الخرقي في دون أربعة أشهر قبل موته بخمس سنين"٥.
تدينه ومذهبه:
ابن هشام عالم ورِع، لم يتهم باعتقاده، ولا بتدينه، ولا بسلوكه، وهو شافعي المذهب، وتحنبل في أواخر حياته٦، وهذا يدل على أنه كان متعمقا في كلا المذهبين.
_________
١ بغية الوعاة: ٢/ ٦٨.
٢ المصدر نفسه.
٣ المصدر نفسه، ص: ٦٩. والدرر الكامنة: ٢/ ٣٠٨-٣١٠.
٤ البغية: ٢/ ٦٩.
٥ المصدر نفسه.
٦ المصدر نفسه، ص: ٦٨.
1 / 4
صفته وأخلاقه: كان ابن هشام يمتاز "بالتواضع والبر والشفقة ودماثة الخلق رقة القلب"١ فضلًا عن دينه، وعفته، وحسن سيرته، واستقامته، وكان إلى ذلك صبورا في طلب العلم مداوِما عليه حتى آخر حياته-كما أشرنا- ومن شعره في الصبر:
ومن يصطبرْ للعلم يظفرْ بنيلِهِ ... ومن يخطبِ الحسناءَ يصبرْ على البذلِ
ومن لا يذل النفس في طلب العُلا ... يسيرًا يَعِشْ دهرًا طويلًا أَخَا ذُل٢
آثاره:
لابن هشام مصنفات كثيرة، منها:
١- الإعراب عن قواعد الإعراب.
٢- الألغاز.
٣- أوضح المسالك إلى ألفية بن مالك.
٤- التذكرة.
٥- التحصيل والتفصيل لكتاب "التذييل والتكميل"
٦- الجامع الصغير.
٧- الجامع الكبير.
٨- رسالة في انتصاب "لُغَةً" وفَضْلًا"، وإعراب "خِلافًا" و"أيضًا" و"هَلُم جرا".
٩- رسالة في استعمال المنادى في تسع آيات من القرآن.
١٠- رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة.
١١- الروضة الأدبية في شواهد علم العربية.
١٢- شذور الذهب.
١٣- شرح البردة.
١٤- شرح شذور الذهب.
١٥- شرح الشواهد الصغرى.
١٦- شرح الشواهد الكبرى.
١٧- شرح القصيدة اللغوية في المسائل النحوية.
١٨- شرح قطر الندى وبل الصدى.
١٩- شرح اللحمة لأبي حيان.
٢٠- عمدة الطالب في تحقيق صرف ابن الحاجب. ٢١- فوح الشذا في مسألة كذا.
٢٢- قطر الندى وبل الصدى.
٢٣- القواعد الصغرى.
٢٤- القواعد الكبرى.
٢٥- مختصر الانتصاف من الكشاف.
٢٦- المسائل السفرية في النحو.
٢٧- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب.
٢٨- موقد الأذهان وموقظ الوسنان.
وفاته:
توفي ابن هشام -رحمه الله تعالى- ليلة الجمعة في الخامس من ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة، الموافق سنة ١٣٦٠ من الميلاد٣، ورثاه ابن نباتة بقوله:
سقى ابن هشام في الثرى نوء رحمة ... يجر على مثواه ذيل غمام
سأروي له من سيرة المدح مسندًا ... فما زِلْتُ أروي سيرة ابن هشام٤
_________
١ بغية الوعاة: ٢/ ٦٩
٢ بغية الوعاة: ٢/ ٦٩.
٣ المصدر نفسه.
٤ المصدر نفسه، ص٧٠.
1 / 5
ثانيا- منهج ابن هشام النحوي:
يعد ابن هشام الأنصاري شيخا من شيوخ النحاة المجتهدين، الذين لم يكتفِ بالحفظ والفهم، والتقليد، وإنما فهموا، وقارنوا، واستنبطوا، ووفقوا واصطفوا، ورجحوا، وقبلوا، ورفضوا، وهذا شأن العلماء المجتهدين والمجددين في القديم والحديث.
وابن هشام نحوي بارع في عرض مادته، كما هو بارع في تحليله ونقده، فضلًا عن براعته في تصيد أمثلته، والاستدلال بها عما يجول في خلده. وكان ابن هشام حرا في تفكيره، موضوعيا في أخذه ورده؛ فهو لم يتعصبْ لمذهب من المذاهب النحوية، أو لمدرسة بعينها، وإن كان ميالا إلى مدرسة البصرة، مبجلا علماءها وأحيانا كان يقول: "والذي عليه أصحابنا" ويعني بهم البصريين. غير أن هذا الميل لم يكن لهوىً في نفسه؛ وإنما لكونه رجح آراءهم في مواطن كثيرة، ورد عليهم في مواطن أقل، وأخذ بالرأي الأقوى كائنًا من كان صاحبه، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا نستطيع الإحاطة بها في هذه العجالة، وإنما سنقتصر على نماذج قليلة من أخذه ورده.
أولا: رجح مذهب جمهور البصريين في أن المحذوف في مثل: "تأمروني" نون الرفع، لا نون الوقاية١، كما حذا حذوهم في عد "زيد" في مثل "إن زيد قائم" فاعلا لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده، لا مبتدأ -خلافا للأخفش الأوسط- ولا فاعلا مقدما للفعل، خلافا للكوفيين٢. والأمثلة على موافقته لمذهبهم كثيرة لا تحصى.
وقد اختار مذهب سيبويه في أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع
_________
١ انظر مغني اللبيب، لابن هشام الأنصاري: ٣٨٠.
٢ التصريح على التوضيح: ١/ ٢٧٠-٢٧١.
1 / 6
المبتدأ١. وأن المضاف إليه مجرور بالمضاف، لا بالإضافة، ولا باللام المحذوفة.
ثانيًا: رجح ما ذهب إليه الكوفيون في قولهم: الفعل ماضٍ، ومضارع فقط، وأن الأمر فرع من المضارع المصحوب بلام الطلب، في مثل: "لِتَقُمْ"، فحذفت لام الطلب؛ لِلتخفيف، في مثل: "قمْ واقعُدْ" وتبعها حرف المضارعة٣.
- ورجح ما ذهب إليه الكوفيون في مسألة جملة "البسملة"، حيث عدها البصريون اسمية، على تقدير "ابتدائي باسم الله"، وعدها الكوفيون. "فعلية"، على تقدير: "أبدأ باسم الله"، فوافق الكوفيين، وقدر: "باسم الله أقرأ".
- كما وافق الكوفيين، في نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، وفي مجيء الباء" بمعنى: "من"، التي تفيد التبعيض٤، مثل: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ ٥، وفي مجيء "من" مفيدة ابتداء الغاية الزمانية٦، وفي نيابة "أل" عن الضمير٧، وفي مجيء "لا" عاطفة٨، كما وافقهم في مسائلَ كثيرةٍ، لا داعيَ لذكرها.
ثالثًا: ختار كثيرا من آراء البغداديين، واستشهد بها في مواطن كثيرة؛ منها:
- جواز نداء ما فيه "أل" في سعة الكلام، لا في ضرورة الشعر فقط٩.
- جواز إعمال اسم المصدر، إن لم يكن علمًا، ولم يكن ميميا، خلافا للبصريين١.
_________
١ التصريح على التوضيح: ١/ ١٥٨.
٢ التصريح على التوضيح: ٢/ ٢٤.
٣ انظر المغني: ٢٥٠.
٤ انظر المغني: ١٤٢-١٤٣.
٥ سورة المائدة، الآية: ٦.
٦ انظر المغني: ٤١٩-٤٢٠.
٧ انظر المغني: ٧٧-٧٨.
٨ انظر المغني: ١٠١.
٩ أوضح المسالك: ٣/ ٨٥-٨٦، وشرح التصريح: ٢/ ١٧٣.
١٠ أوضح المسالك: ٢/ ٢٤٢-٢٤٣، وشذور الذهب: ٤١٢.
1 / 7