Asliha Nawawiyya Muqaddima Qasira
الأسلحة النووية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
ثمة مؤشرات على أن البرنامج الياباني كان أكبر مما يعتقد إجمالا، وأنه كان هناك تعاون وثيق بين قوات المحور، بما في ذلك التبادل السري للمواد الحربية. فالغواصة النازية «يو-234» التي استسلمت للقوات الأمريكية في مايو 1945 كانت تحمل 560 كيلوجراما من أكسيد اليورانيوم الموجه للبرنامج الذري الياباني. وقد احتوى هذا الأكسيد على 3,5 كيلوجرامات من اليورانيوم 235؛ وهو ما يعادل خمس إجمالي كمية اليورانيوم 235 المطلوبة لبناء قنبلة واحدة. وبعد أن استسلمت اليابان في أغسطس 1945، عثرت قوات الجيش الأمريكي على خمسة معجلات دورانية من الممكن استخدامها في فصل اليورانيوم القابل للانشطار عن اليورانيوم العادي. وقد حطم الأمريكان هذه المعجلات وأغرقوها في ميناء طوكيو.
الطريق إلى ترينيتي
ضم مشروع مانهاتن - ذلك المشروع العلمي الصناعي الضخم الذي عمل به 65 ألف شخص - بين جنباته أعظم فيزيائيي العالم في المناحي العلمية والتطويرية. ومن جانبها، استثمرت الولايات المتحدة استثمارا غير مسبوق في أبحاث الحرب من أجل هذا المشروع، وهو المشروع الذي امتد عبر 30 موقعا في كل من الولايات المتحدة وكندا. كان التصميم والبناء الفعلي للأسلحة يتركز في مختبر سري في لوس ألاموس - بولاية نيومكسيكو - كان في السابق مدرسة ريفية بالقرب من سانتا في. وقد بدأ المختبر الذي صمم أولى القنابل الذرية وصنعها يأخذ شكله النهائي في ربيع عام 1942 مع التوصية بأن ينظر كل من «المكتب الأمريكي للتطوير العلمي والبحثي» والجيش في سبل تعزيز عملية تطوير القنبلة. وحين تولى الجنرال جروفز إدارة المشروع في سبتمبر كانت لديه أوامر بإنشاء لجنة لدراسة التطبيقات العسكرية للقنبلة. بعدها بوقت قصير ترأس جيه روبرت أوبنهايمر مجموعة من الفيزيائيين النظريين أسماهم النجوم الساطعة - تضمنت فيليكس بلوش، وهانز بيته، وإدوارد تيلر، وروبرت سيبر - بينما عاونه جون إتش مانلي عن طريق التنسيق بين الأبحاث التي تجري في جميع أنحاء البلاد على الانشطار النووي، وكذا دراسات المعدات والقياسات الآتية من مختبر علوم السبائك في شيكاجو. ورغم عدم اتساق النتائج الآتية من التجارب، كانت الآراء في بيركلي (حيث أعير أغلب العلماء) تجمع على أن المقدار المطلوب من المادة القابلة للانشطار يزيد بنحو الضعف عن ذلك الذي قدر قبل ستة أشهر. كان ذلك أمرا مقلقا، خاصة في ضوء وجهة النظر العسكرية التي كانت ترى أن ثمة حاجة لأكثر من قنبلة واحدة من أجل الانتصار في الحرب.
بطرق عدة، سار العمل في مشروع مانهاتن على نحو مشابه لما يحدث في أي شركة إنشاءات كبرى. فاشترى المشروع مواقع العمل وجهزها، وأجرى مناقصات لعقود العمل، وعين الموظفين ومقاولي الباطن، وبنى المساكن والمنشآت الخدمية وقام على صيانتها، وقدم طلباته من المواد الخام، وطور الإجراءات المحاسبية والإدارية، وأسس شبكات التواصل. وبنهاية الحرب، كان الجنرال جروفز والعاملون لديه قد أنفقوا نحو 2,2 مليار دولار على منشآت الإنتاج ومدنها في ولايات تينيسي وواشنطن ونيومكسيكو، وأيضا على الأبحاث التي تجري في المختبرات الجامعية في كل من جامعة كولومبيا، ومدينة نيويورك، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، علاوة على أوجه أخرى للإنفاق. لكن ما جعل مشروع مانهاتن مختلفا بوضوح عن أي شركة تؤدي وظائف مشابهة هو أنه بسبب الحاجة إلى التحرك بسرعة، فقد استثمر المشروع مئات الملايين من الدولارات في عمليات غير معروفة وأخرى لم تثبت صحتها حتى ذلك الوقت، وفعل كل هذا على نحو سري بالكامل. فقد كانت السرعة والسرية هما شعار مشروع مانهاتن.
وكم كانت السرية أمرا مفيدا! فرغم أنها اقتضت العمل في مواقع نائية، وتطلبت التمويه عند الحصول على العمالة والموارد، وشكلت مصدر إزعاج دائم للعلماء الأكاديميين العاملين بالمشروع، إلا أنها كانت ذات مزية طاغية؛ وهي أنها مكنت من اتخاذ القرارات دون اهتمام يذكر بالاعتبارات السائدة وقت السلم. كان جروفز يعلم أنه طالما حظي بدعم الرئيس فستكون الأموال متاحة وسيمكنه تكريس طاقته بالكامل لإدارة المشروع. وقد كانت السرية كاملة لدرجة أن العديد من العاملين بالمشروع لم يعلموا ما كانوا يعملون عليه إلى أن سمعوا بقصف هيروشيما على المذياع .
علاوة على ذلك، تسببت الحاجة إلى السرعة في توضيح الأولويات، وصارت سمة لعملية صنع القرار. فقد تعين استخدام أبحاث غير منتهية على ثلاث عمليات غير مثبت صحتها في تشكيل خطط التصميمات من أجل منشآت الإنتاج، حتى رغم معرفة أن النتائج اللاحقة ستحتم عمل بعض التغييرات. وفي خرق لجميع ممارسات التصنيع المتعارف عليها تم التغاضي عن المرحلة الاستطلاعية بالكامل، وهو ما أدى إلى عمليات توقف مؤقتة وعمليات لانهائية لحل المشكلات خلال التجارب الأولى في منشآت الإنتاج. وقد تسببت المشكلات الكامنة في ضغط المراحل بين المختبر والإنتاج الكامل في خلق مناخ مشحون انفعاليا، تقلبت فيه المشاعر بين التفاؤل والإحباط في تناوب محير.
ورغم تأكيدات جروفز أن القنبلة الذرية سيكون من الممكن إنتاجها بحلول عام 1945، فإنه هو وكبار المدراء ذوي الصلة بالمشروع أدركوا تمام الإدراك مدى عظم المهمة التي تنتظرهم. وإنه لإنجاز صناعي عظيم أن تستطيع مؤسسة كبرى أن تنقل أبحاث المختبرات إلى مرحلة التصميم، ثم البناء، ثم العمل، ثم تسليم المنتج في فترة قوامها عامان ونصف العام (من 1943 إلى أغسطس 1945). كان السؤال عن قدرة مشروع مانهاتن على إنتاج القنابل بحيث تؤثر على نتيجة الحرب العالمية الثانية سؤالا مختلفا بالمرة مع مطلع عام 1943. ورغم وضوح الأمر أمامنا الآن، ينبغي أن نتذكر أنه ما من أحد في ذلك الوقت كان يعلم أن الحرب ستنتهي في عام 1945، أو من الأطراف المتناحرة المتبقية - وهو الأمر المساوي في الأهمية - عندما تصبح القنبلة الذرية جاهزة للاستخدام، هذا إن أصبحت جاهزة للاستخدام من الأساس.
شكل 2-1: نسخة من قنبلة «الرجل البدين».
وفي تمام الخامسة والنصف صبيحة يوم الاثنين الموافق السادس عشر من يوليو 1945، شهدت مجموعة من المسئولين والعلماء تحت قيادة جروفز وأوبنهايمر التفجير الأول للقنبلة الذرية، وذلك في «ترينيتي»؛ وهو الاسم الكودي لموقع الاختبار التابع لمشروع مانهاتن في ألاموجوردو بنيومكسيكو. ولكم كان عرضا مذهلا! فقد شق سهم من الضوء الساطع ظلمة صحراء نيومكسيكو، مبخرا البرج ومحيلا الأسفلت حول القاعدة إلى رمل أخضر منصهر. أطلقت القنبلة قوة تفجيرية مقدارها نحو 19 ألف طن من مادة تي إن تي، وعلى نحو مباغت صارت سماء نيومكسيكو أشد سطوعا من شموس عدة. عانى بعض المراقبين من عمى مؤقت رغم أنهم كانوا ينظرون إلى الضوء الساطع عبر زجاج معتم. وبعد الانفجار بثوان حلت موجة انفجارية هائلة، أطلقت الحرارة المتقدة عبر الصحراء، وأطاحت أرضا ببعض المراقبين الواقفين على بعد 1000 ياردة. كما أطيح بحاوية من الصلب وزنها 200 طن تقف على بعد نصف الميل من نقطة الانفجار أرضا وتمزق جزء منها. وبينما تمددت كرة النار ذات اللونين البرتقالي والأصفر وانتشرت، ارتفع عامود آخر - أرفع من السابق - عاليا وتسطح على صورة سحابة عيش الغراب، مقدما للعصر الذري رمزا صار محفورا منذ تلك اللحظة في الوعي البشري. وقد أطلق ويليام لورانس - مراسل نيويورك تايمز - على الانفجار «أولى صرخات عالم وليد».
ولكسر من الثانية، كان الضوء المنبعث في موقع ترينيتي أعظم من أي ضوء أنتج من قبل على الأرض، وكان من الممكن رؤيته من كوكب آخر. وبينما خفت الضوء وارتفعت سحابة عيش الغراب، تذكر أوبنهايمر شطرا من نص بهاجافاد جيتا الهندوسي المقدس يقول: «أنا أصبحت الموت/مدمر العالم.» أما التعليق الأقل اقتباسا لكن الأكثر رسوخا في الذاكرة؛ فكان تعليق مدير الموقع كينيث برينبريدج الذي قال لأوبنهايمر: «أوبي، الآن صرنا جميعا أبناء عاهرات.» وقد ظل شبح القوة المدمرة المرعبة للأسلحة الذرية وما قد تستخدم هذه الأسلحة فيه يطارد العديد من علماء مشروع مانهاتن لبقية حياتهم.
Unknown page