إن الفقير الذي لا رغبات له يملك أعظم الكنوز؛ هو مالك نفسه، أما الغني ذو المطامع فليس إلا عبدا شقيا. ***
لا جمال في الدنيا إلا جمال الأهواء، ولا نصيب لها من العقل، وأجملها أيضا أبعدها عن الصواب وهو العشق. هل كان في رأس روميو وجوليت ذرة من العقل؟ ولكن لله ما أحبهما إلى النفس، يوجد هوى أقرب إلى الصواب من سائر الأهواء وهو البخل، ولكن لله ما أشنعه وما أكرهه! كان دكنز يقول: «لا يسليني إلا المجانين.» فيا لشقاء من لا يشبه في بعض الأحيان دون كيشوت! فيحسب طواحين الهواء جبابرة يحاربون، لقد كان دون كيشوت العجيب ساحر ذاته، فرفع الطبيعة وساواها بنفسه الكبيرة.
ومن كان كذلك، فليس مخدوعا ولا مغبونا، إنما المخدوعون الذين لا يرون أمامهم شيئا جميلا أو شيئا جليلا. ***
لولا الحب لجهلنا الحد الذي يبلغ إليه صبر البشر وشجاعتهم. ***
إن الحرب اليوم هي عار الإنسانية، وكانت من قبل فخرها، لقد أوجبتها الضرورة على الممالك، فكانت مربية النوع البشري الكبرى، فيها مارس أبناء آدم الفضائل التي تشاد عليها الحضارات، وتدعم بها قواعدها؛ علمتهم الصبر والحزم، والاستهانة بالمخاطر، ومجد التضحية، ويوم دحرج الرعيان قطع الحجارة الضخمة ليبنوا منها سورا يحامون وراءه عن نسائهم وثيرانهم، أنشئ أول مجتمع إنساني وضمن ترقي الصناعات، وهذا الخير العظيم الذي ننعم به؛ أعني الوطن أو المدينة، أو ذلك الشيء الجليل الذي عبده الرومان ورفعوه فوق الآلهة، إنما هو ابن الحرب.
كانت أول مدينة سورا حصينا، وفي هذا المهد الخشن الدامي تغذت الشرائع القدسية، والصناعات الجميلة، والعلوم والحكمة؛ لذلك أراد الإله الحق أن يدعى إله الجيوش. ... ولكن ليست الحرب في مجتمعنا الحاضر إلا داء وراثيا، أو رجعة فاسقة إلى الحياة البربرية أو حماقة مجرمة، فإن أمراء هذا العصر، ولا سيما الملك المتوفى، قد وسمت جباههم بالعار على أنهم جعلوا الحرب لعبة يتلهى بها رجال البلاط، ويحزنني التفكير بأننا لن نشهد ختام هذه المجازر المجمع عليها.
أما المستقبل، المستقبل الذي لا يسبر غوره، فأذن لي يا بني أن أتمثله أقرب إلى روح العدل والوداعة الذي يكنه فؤادي، فالمستقبل خير موضع نضع فيه أحلامنا؛ فيه يبني الحكيم، كما في «الأوتوبيا» أو مملكة الخيال، وأود أن أعتقد أن البشر سيعرفون أخيرا الفضائل الهادئة، فإني لأجد علامة السلام العام البعيدة في ذات تكاثر التسليح وتعاظمه، إن الجيوش لا تفتأ في ازدياد عددا وعددا، وستقع ذات يوم في مهاويها السحيقة شعوب برمتها، وحينئذ يموت الوحش بداء الشبم، وينفجر لفرط السمن. ***
لم يبق لنا إلا إجلال الماضي دينا، وفي هذا الدين صلة العقول المجددة بعضها ببعض. ***
ينعم المرء إذ يعيش بمخيلته في الماضي نعيم الشعراء، ولكن فلنعلم أن سحر الماضي ليس إلا من أحلامنا، وأن العصور الغابرة التي ننشق عرفها بلذة، كان لها في جدتها ما لكل الأشياء التي تجري في وسطها الحياة الإنسانية، من طعم عادي داع إلى الحزن. ***
كبار الشعراء هم لكل الناس، أما صغارهم فأحق بالغبطة أيضا؛ لأن شعرهم لذة للمترفين الذين لا يقنعون بما يقنع به العامة. ***
Unknown page