ولكنها فرانسيس.
جال بخاطرها وهي تستدير متلهفة لتتلقى تعازي أحدهم أنها ستكون بنفس سوء أمها عندما يتقدم بها العمر، لكن لا بأس، فلا يزال أمامها الكثير لتحققه.
حافلة باردون
1
أتخيل نفسي فتاة عانسا من جيل آخر. كانت عائلتي تحفل بالعوانس. فأنا أنتمي إلى عائلة يتسم أفرادها بالتحفظ والسرية الشديدة والعناد والحرص؛ وشأني شأنهم، كنت أستطيع أن أتدبر أمري بالقليل لفترة طويلة. هنا قطعة من الحرير الصيني مطوية في درج قد بليت من لمسها بأصابعي في الظلام. أو رسالة واحدة مدسوسة تحت ملابسي عذرية الطابع، لا حاجة قط لأن تفتح أو تقرأ؛ لأن كل كلمة تحويها محفوظة عن ظهر قلب، ومجرد لمسها لمسة واحدة ينقل كل ما فيها. وربما حتى لا يوجد شيء ملموس على الإطلاق، لا شيء سوى ذكرى كلمة غامضة، أو نبرة صوت حميمية عابرة، أو نظرة متفحصة يائسة. ذلك كفيل بإبقائي على قيد الحياة. أستطيع أن أتدبر أمري بما لا يزيد على ذلك، عاما بعد عام بينما عكفت على تنظيف أسطال الحليب، وأسياخ الشوايات، واقتفيت أثر الأبقار بطول الطريق الوعر بين أشجار جار الماء وأزهار السوزان سوداء العين، وبسطت بدلات العمل النظيفة المبتلة لكي تجف على الحاجز، ومناشف الصحون على الشجيرات. ترى من سيكون الرجل؟ يمكن أن يكون أي شخص. لعله جندي لقي حتفه في معركة السوم، أو مزارع يعيش على الطريق له زوجة سليطة اللسان وعصبة من الأطفال؛ ربما أنه صبي ذهب إلى ساسكاتشوان ووعد أن يراسلني لكنه لم يف بوعده قط، أو لعله الواعظ الذي يوقظني كل أحد بالوعيد والثبور وعظائم الأمور. هويته ليست مهمة. فبإمكاني أن أتعلق بأي منهم، سرا. سر يدوم ما دامت الحياة، حلم يمتد طول العمر. يمكنني أن أنشد في المطبخ وأنا أجلي الفرن وأمسح زجاجات مصابيح الجاز، وأصب ماء للشاي من سطل الشرب، حيث الرائحة الكريهة بعض الشيء للصفيح المغسول، والخرق الرثة المهلهلة لأغراض الفرك والدعك. في الدور العلوي يستقر سريري بمقدمته العالية، وغطائه المشغول يدويا، والملاءات القطنية القاسية بأريجها المألوف، وقارورة الماء الساخن التي تخفف من الشد العضلي الذي ينتابني أو التي أقبض عليها بإحكام بين ساقي. هنالك أعود مرارا وتكرارا إلى قلب عالمي الخيالي، إلى تلك اللحظة التي يطلق الإنسان لنفسه العنان، ويسلم نفسه كليا إلى الشعور الجارف الذي لا مراء أنه يقضي على كل ما كنت عليه في السابق: إيمان راسخ لدى العذارى بالكمال المثالي؛ أي زوجة محبطة يمكن أن تؤكد لك أن إيمانك هذا لا مكان له في عالم الواقع.
وإذ أغمس المغرفة في السطل وجنوني البريء يكتنفني، أنشد التراتيل دون أن يتساءل أحد:
هو زنبق الوادي.
نجم الصباح الساطع.
بالنسبة لروحي هو أبهى طلعة من عشرة آلاف.
2
Unknown page