في صباح يوم السبت، وجدت فرانسيس رسالة في صندوق بريدها يطلب تيد فيها أن تسمح له بدخول الكنيسة تلك الليلة. كانت متوترة طوال اليوم مثلما كانت متوترة عند انتظارها مقابلته في المرة الأولى، في بستان بيتيز بوش. انتظرته في الظلام بالقرب من باب أحد فصول مدرسة الأحد الدينية. كانت ليلة غير مناسبة، ليلة الأحد، كان من المحتمل أن يظهر القسيس أو عامل النظافة، وقد كان كلاهما موجودا بالفعل في المدرسة في وقت سابق، عندما كانت فرانسيس تعزف الأرجن مشتتة البال. لكنهما عادا لبيتهما؛ هذا ما كانت تأمله.
عادة كانا يمارسان الغرام هنا في الظلام، ولكن في تلك الليلة ظنت فرانسيس أنهما في حاجة إلى الضوء لأنهما يحتاجان إلى التحدث، فقادته فورا إلى فصل بمدرسة الأحد خلف شرفة الكورال. وكان الفصل عبارة عن غرفة طويلة وضيقة ومكتظة بالأشياء ولا تحتوي على أي نوافذ. كانت كراسي مدرسة الأحد مكدسة في أحد الأركان أحدها فوق الآخر، وكان هناك شيء غريب على منضدة المعلم، منفضة سجائر بها عقبان، ورفعتها فرانسيس. «لا بد أن غيرنا يأتي إلى هذا المكان.»
كان عليها أن تتحدث عن شيء آخر بخلاف الحادث؛ لأنها كانت متأكدة أنها لن تستطيع أن تتفوه بالكلمات المناسبة عن الأمر.
أجابها تيد - وهو ما بث بها بعض الراحة - قائلا: «المحبون يتناوبون على المكان. لا يفاجئني هذا.» وعدد أسماء محتملة لبعض المحبين: سكرتيرة المدرسة والناظر، وزوجة شقيق فرانسيس وقسيس هذه الكنيسة. ولكن كانت نبرة الحزن تخيم على صوته. «ربما نحتاج إلى وضع جدول لاحقا.»
لم يكترثا بإنزال الكراسي المكدسة أحدها فوق الآخر، فجلسا على الأرض واتكآ بظهريهما على الجدار تحت صورة للمسيح وهو يسير بجوار بحيرة طبرية.
قال تيد: «لم أشهد أسبوعا كهذا في حياتي. لا أعلم من أين أبدأ الحديث، عدنا من لندن يوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء جاءتنا عائلة جريتا، قادوا سيارتهم طوال الليل، على مدار ليلتين متواصلتين. لا أعلم كيف فعلوا ذلك، وقد استعانوا بكاسحة ثلوج لتتقدمهم في الطريق طوال خمسين ميلا تقريبا في إحدى المناطق. هؤلاء النساء قادرات على أي شيء؛ أبوهم مجرد خيال، أما النساء فمروعات وكارترود أسوؤهن. لديها وحدها ثمانية أبناء ولم تتوقف عن التحكم في شقيقاتها وعائلات شقيقاتها وأي شخص آخر يسمح لها بذلك، حتى جريتا ضعيفة أمامها.»
قال إن المشكلات بدأت على الفور بعد وفاة الصبي بشأن الجنازة؛ إذ إنه قرر إتمام إجراءات جنازة غير دينية. وكان قد اتخذ قراره منذ فترة طويلة أنه في حال وفاة أي فرد من عائلته فإنه لن يستدعي الكنيسة، ولم يقتنع الحانوتي بقراره ولكنه وافقه، وجريتا قالت لا بأس. فكتب تيد بضع فقرات توديعية نوى أن يقرأها بنفسه، هذا كل شيء، بلا ترتيل للترانيم ولا صلوات. لم يكن تيد أول من يفعل ذلك، والجميع يعرف شعوره، وجريتا تعرف حاله وعائلتها كذلك. ومع هذا، بدءوا يتصرفون كأن ما قاله شيء غريب لم يحدث من قبل، بل ومرعب. وتصرفوا كأن الإلحاد نفسه حالة لم يسمعوا بها من قبل، فحاولوا إقناعه بأن جنازة بهذا الشكل غير قانونية، وأنه قد يحبس على إثرها. «جاءوا برجل عجوز معهم، ظننت أنه عمهم أو أحد أقاربهم أو شيء من هذا القبيل. لم أقابلهم جميعا، فهي عائلة كبيرة. لهذا بعد أن أخبرتهم بخططي بالنسبة إلى الجنازة أخبروني أنه قسيسهم؛ قسيس فنلندي من معتنقي المذهب اللوثري نقلوه مسافة أربعمائة ميل ليرهبوني به . كان في حال مزرية هو أيضا، ذلك التعس العجوز، كان يعاني نزلة برد. وكانوا في حالة من الارتباك الشديد، يجرون هنا وهناك، يضعون لصقة الخردل على جسده، ويضعون قدميه في الماء، ويحاولون جعله في حالة صحية جيدة ليؤدي المهمة التي جاء لأجلها. يستحقون ما يحدث لهم إن مات بين أيديهم.»
كان تيد قد نهض على قدميه في هذه اللحظة، وأخذ يسير جيئة وذهابا في الفصل بمدرسة الأحد، قائلا إنه ما من شيء يمكن أن يرهبه، وأخبرهم أنهم بوسعهم الإتيان بالإبرشية كلها والكنيسة اللوثرية نفسها في شاحنة سكة حديدية؛ فسيدفن ابنه بطريقته. ولكن وقتئذ كانت جريتا قد استسلمت لهم، وانحازت لصفهم، ليس بدافع التدين - ولو مثقال ذرة - ولكن فقط بسبب البكاء والاتهامات المضادة وضعفها المعهود أمام عائلتها. ولم يقتصر الأمر على العائلة؛ فقد تدخل أيضا العديد من الفضوليين في هانراتي، كان المنزل مكتظا بهم، وكذلك قسيس الكنيسة المتحدة الذي ظهر في مرحلة ما للتشاور مع القسيس اللوثري. لكن تيد طرده، ثم اكتشف بعد ذلك أنها لم تكن غلطة القسيس أن يتدخل، فهو لم يأت من تلقاء نفسه، بل استدعته كارترود، وأخبرته أن الموقف بائس، وأن شقيقتها مصابة بانهيار عصبي.
سألته فرانسيس: «وهل كانت فعلا؟» «ماذا؟» «هل كانت - زوجتك - مصابة بانهيار عصبي؟» «أي شخص سيصاب بانهيار عصبي إذا وجدت في منزله تلك الثلة من المجانين.»
قال تيد إن الجنازة كانت عائلية، ولكن هذا لم يمنع أي أحد أراد التعزية من القدوم. كان واقفا هو بنفسه إلى جوار التابوت مستعدا لأن يطرح أرضا أي شخص يتدخل في الأمر، حتى لو كانت شقيقة زوجته - وكان ذلك سيسعده - أو القسيس العجوز المريض، أو حتى جريتا نفسها لو أقنعوها بمعتقدهم.
Unknown page