سأل لورانس: «أين يوجين؟ أهو بالطابق العلوي؟» «إنه يتطلع من النافذة، يشعر بالقلق من العاصفة.»
ضحك لورانس: «أخبريه أن يخلد للنوم وينسى الأمر. إنه يقيم في الغرفة المجاورة لك. ظننت فقط أنك يجب أن تعرفي هذا في حالة صياحه في أثناء نومه.» •••
كانت ليديا قد قابلت دانكن لأول مرة في مكتبة، حيث كان يعمل صديقها وورين. كانت في انتظار وورين ليخرج معها للغداء. وكان قد ذهب ليجلب معطفه. فسأل رجل شيرلي - الموظفة الأخرى في المكتبة - ما إن كانت تستطيع أن تجد له نسخة من «الخطابات الفارسية». كان هذا هو دانكن. سارت شيرلي أمامه باتجاه مكان الكتاب، وفي وسط المكتبة الهادئة استطاعت ليديا أن تسمعه يقول إنه لا بد وأن العثور على رف كتاب «الخطابات الفارسية» أمر صعب؛ فهل يجب تصنيفه تحت فئة الأدب القصصي أم المقال السياسي؟ شعرت ليديا أنه يبوح بشيء بقوله هذا. كان يبوح باحتياج افترضت شيوعه لدى العملاء في المكتبات؛ الاحتياج إلى تمييز نفسه، والظهور بمظهر المثقف. فيما بعد كانت تتذكر هذه اللحظة وتحاول تخيله مجددا عاجزا للغاية، متملقا إلى حد ما، مبديا قدرا من الاحتياج. عاد وورين مرتديا معطفه، فحيا دانكن، ولدى خروجه وليديا من المكتبة، قال وورين بصوت هامس: «الحطاب القصديري.» كان وورين وشيرلي يسليان وقتهما بإطلاق ألقاب على العملاء، وقد سمعت ليديا بالفعل عن «اللسان الفصيح» و«الحمص» و«الدوقة الاستعمارية». أما دانكن فكان الحطاب القصديري. خمنت ليديا أنهما أطلقا عليه هذا اللقب بسبب المعطف الرمادي الأملس الذي كان يرتديه، وشعره الرمادي الساطع الذي كان من الواضح أنه كان أشقر في يوم من الأيام. لم يكن نحيفا ولا بارز العظام ولم يبد مرتعش المفاصل. كان رشيقا وممتلئا وجليلا ولطيفا، فاتح البشرة، مهندما وأنيقا ومتألقا.
لم تخبره قط عن هذا الاسم. لم تخبره قط أنها رأته في المكتبة، حيث قابلته بعد هذا الموقف بأسبوع تقريبا في حفلة لأحد الناشرين. لم يتذكر أنه رآها قط من قبل، وقد خمنت أنه لم يرها بسبب انشغاله بالحديث مع شيرلي.
تثق ليديا في حكمها على الأشياء، في العادة. وتثق في رأيها في صديقها وورين، أو صديقته شيرلي، وفي المعارف الذين تتعرف عليهم بالصدفة، مثل الزوجين اللذين يديران الفندق، والسيد ستانلي، والرجال الذين كانت تلعب معهم الكوتشينة؛ فهي تعتقد أنها تعلم السر وراء تصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها، وتعتمد على نظرياتها غير المثبتة وشكوكها غير المبررة أكثر مما تعترف. ولكنها تصبح حمقاء وضعيفة عند التفكير في الصدام بينها وبين دانكن. إن لديها الكثير لتقوله في هذا الشأن لو أتيحت لها الفرصة؛ لأن الشرح من شيمها، ولكنها لا تثق فيما تقوله حتى لو لنفسها؛ فذلك لا يساعدها. قد يكون من الأفضل لها تغطية رأسها والجلوس لتنتحب على الأرض.
تسأل ليديا نفسها عما مده بهذه القوة. إنها تعلم من. ولكنها تسأل عن السبب والتوقيت: متى حدث التحول، متى تم التنازل عن كل الكبرياء وحسن الفهم؟ •••
ظلت تقرأ لمدة نصف ساعة بعد خلودها للفراش، ثم خرجت إلى الردهة متجهة إلى الحمام. كان ذلك بعد منتصف الليل، وكان الظلام يسود بقية البيت. وكانت قد تركت باب غرفتها مواربا، وعند عودتها إلى غرفتها لم تشغل مصابيح الردهة. كما كان باب غرفة يوجين مواربا بالمثل، وعند المرور من أمام غرفته سمعت صوتا خفيضا مهموما. كان أقرب إلى الأنين، وأقرب إلى الهمس. تذكرت قول لورانس بأن يوجين يصيح خلال نومه، لكن هذا الصوت لم يصدر من شخص نائم. كانت تعرف أنه مستيقظ. وكان هو يراقبها من فراشه في غرفته المظلمة وكان يدعوها للدخول. كانت الدعوة غزلية ومباشرة وتنم عن شعور بالضعف، مثلما كان اعترافه بالخوف عندما وقف أمام النافذة. تابعت السير إلى غرفتها وأغلقت الباب وأوصدته بالمزلاج. حتى وهي تفعل ذلك، كانت تعلم أنها ليست مضطرة إلى عمله؛ فهو لن يحاول الدخول أبدا؛ فهو لا يتسم بروح مستأسدة.
ثم استلقت على الفراش وهي مستيقظة. لقد تغيرت الأحوال بالنسبة إليها، ورفضت بعض المغامرات. كان بوسعها الذهاب إلى يوجين، وفي وقت سابق من الأمسية كان بوسعها إعطاء إشارة إلى لورانس. في الماضي ربما كان بوسعها عمل ذلك. ربما، وربما لا، بحسب ما كانت تشعر به حينها. ولكن الآن بدا الأمر مستحيلا؛ لقد شعرت وكأنها محجوبة بغطاء، وملتفة في طبقات وطبقات من المعرفة المملة، شعرت أنها مصونة ومحصنة. لم يكن هذا أمرا سيئا تماما؛ فقد يجعل عقلك مستنيرا. فالتأمل يمكن أن يكون أكثر لطفا، ويمكن أن يستغرق وقته عندما لا تقوده الرغبة.
فكرت ليديا فيما كان سيصبح عليه حال أولئك الرجال كعشاق. كان لورانس سيصبح خيارها المنطقي؛ فكان الأقرب إلى سنها، وكانت تصرفاته متوقعة، وربما كان معتادا على اللقاءات الكتومة. كان أسلوبه فظا، ولكن ما كان هذا ليثنيها عنه بالضرورة. سيكون مرحا، وودودا، ومتعقلا، وربما محتفيا بنفسه بعض الشيء، ومتوددا لها بصورة عملية، وسيستطيع وهو في غمرة تودده إليها أن ينجرف إلى توجيه تحذير في صورة دعابة، أو إهانة ودية، أو تذكير بكيف تستقيم الأشياء.
أما يوجين ، فلم يكن ليشعر بالحاجة إلى عمل ذلك، رغم أن ذاكرته ستكون أضعف حتى من لورانس (أضعف كثيرا؛ لأن لورانس - رغم أنه لا يفوت الفرص - سيفكر لاحقا في عاقبة ما سيئة، يجب أن يعد لها خطا دفاعيا قاطعا). ولن يكون يوجين أقل خبرة من لورانس. فلا بد من أن الفتيات والنساء طيلة السنوات الماضية قد استجبن لنوع الاستعطاف الذي سمعته ليديا، أو ذلك الاعتراف الساذج. وجال بخاطرها أيضا أن يوجين سيكون سخيا، وسيكون عاشقا ممتنا وغير أناني، وأنه سيظهر لنسائه قدرا كبيرا من العطف والحنان لدرجة أنه حين يفارقهن لن يثرن المشاكل أبدا. فلن يحاولن الإيقاع به، ولن ينتحبن عليه؛ فالنساء يفعلن ذلك مع رجال امتنعوا عن العطاء، وتناقضوا مع أنفسهم، ووعدوا فأخلفوا، وسخروا. هؤلاء هم الرجال الذين تحمل منهم النساء، ويراسلنهم بخطابات بائسة، ويلححن بحبهن السامي لهم، وينتقمن منهم. كان يوجين سيفلت حرا، سيكون بريئا، أعجوبة الحب السعيدة، إلى أن يقرر أن الوقت قد حان للزواج. وعندها سيتزوج فتاة عادية تملك روح الأمومة، وربما تكون أكبر منه سنا، وربما أكثر دهاء. ولسوف يكون مخلصا لها، وطيب المعاشرة، وستستطيع هي إدارة شئون الحياة، وسيؤسسان معا عائلة كاثوليكية كبيرة.
Unknown page