131

Aqmar Mushtari

أقمار المشتري

Genres

لم يفاجئني تشخيص الطبيب. كنت على أهبة الاستعداد لسماع أخبار مثيلة، وشعرت بالرضى عن نفسي؛ إذ تعاملت مع الموقف بهدوء، تماما كما كنت سأشعر بالرضى عن نفسي لتضميد جرح أو التطلع من شرفة آيلة للسقوط في بناية عالية. حدثت نفسي بأن الأوان قد آن؛ لا بد أن يحدث شيء ما. ها هو ذا، لم يراودني أي شعور بالاعتراض أو الرفض الذي كان يراودني منذ عشرين عاما، بل منذ عشرة أعوام. وعندما رأيت في ملامح أبي شعوره بالاعتراض على ما جرى له - شعور بالرفض ملأ قلبه وكأنه أصغر بثلاثين أو أربعين عاما - قسا قلبي وحدثته بانشراحة صدر ملحة ومزعجة، قلت: «بخلاف ذلك الاحتمالات كثيرة.» •••

في اليوم التالي عاد إلى طبيعته مرة أخرى.

قال أبي ما كنت سأقوله له تماما. قال إنه يرى أن الطبيب الشاب ربما كان متحمسا أكثر من اللازم لإجراء العملية. وأضاف أنه «سعيد بمشرط الجراحة.» كان ساخرا ومتباهيا بالألفاظ الشائع استخدامها في المستشفى. قال إن طبيبا آخر فحصه، طبيبا أكبر سنا، وقرر أن الراحة والعلاج سيؤديان الغرض.

لم أسأله عن التفاصيل. «قال إن لدي صماما معيبا، حسنا، لا شك أن هذه مشكلة. أرادوا أن يعرفوا إذا كنت قد عانيت من حمى روماتيزمية في طفولتي، فقلت إني لا أعتقد ذلك . لكن آنذاك لم يكن الأطباء يشخصون ما يعانيه المرضى في معظم الوقت. كما أن والدي لم يكن ممن يستعينون بالأطباء.»

جعلني التفكير في طفولة أبي التي تخيلتها دوما بائسة وخطيرة - المزرعة المعدمة والأخوات المذعورات والأب القاسي - أقل استسلاما لموته. تخيلته هاربا للعمل على قوارب البحيرة، تخيلته يعدو بطول شريط السكك الحديدية، وباتجاه جودريتش في ضوء القمر. اعتاد أن يحكي عن هذه الرحلة. في مكان ما على طول السكك الحديدية عثر على شجرة سفرجل. أشجار السفرجل نادرة في البقعة التي نعيش فيها من الريف؛ الواقع أنني لم أر واحدة قط. ولا حتى تلك التي عثر عليها أبي، مع أنه اصطحبنا يوما في رحلة استكشافية للبحث عنها. ظن أنه يعرف تقاطع الطرق الذي كانت قريبة منه، لكننا لم نستطع العثور عليها. لم يستطع وقتئذ تناول ثمار الشجرة بالطبع، لكنه انبهر بفكرة وجودها؛ فقد جعلته يشعر وكأنه وصل إلى جزء جديد من العالم.

ذلك الطفل الذي فر من بيته، الذي نجا من المخاطر وظل على قيد الحياة، أضحى اليوم عجوزا محجوزا هنا بسبب قلبه الواهن. لم أتابع هذه الأفكار. لم أعبأ بالتفكير في شخصياته وهو أصغر سنا. حتى جذعه العاري الأبيض الممتلئ - كان يتمتع بجسم عمال جيله الذين نادرا ما يتعرضون للشمس - كان خطرا علي؛ بدا قويا جدا ومفعما بالشباب. العنق المجعد، والنمش الذي يغطي يديه وذراعيه، ورأسه الصغير اللطيف بشعره الخفيف وشاربه الرمادي، كانت تلك هي الأشياء التي اعتدت عليها.

سألني أبي بعقلانية: «ما الذي يدفعني إلى الخضوع لعملية جراحية إذن؟ فكري في الخطر الذي تنطوي عليه العملية لمن هم في مثل سني، ومن أجل ماذا؟ بضع سنوات خارج المستشفى. أعتقد أن الخيار الأفضل بالنسبة لي أن أعود إلى البيت ولا أشق على نفسي. أستسلم بهدوء. هذا كل ما يستطيع من هم في عمري القيام به. موقف الإنسان يتغير حسب عمره كما تعرفين. تطرأ على المرء بعض التغييرات النفسية. ويبدو ذلك الشيء طبيعيا بقدر أكبر.»

سألته: «أي شيء تقصد؟» «الموت. لا شيء أكثر طبيعية من الموت. لا، ما أعنيه تحديدا هو أنني لن أخضع للعملية.» «أيبدو لك هذا قرارا طبيعيا؟» «نعم.»

قلت: «الأمر يرجع إليك.» ولكنني كنت أوافقه الرأي تماما. هذا ما كان يجب أن أتوقعه منه. كلما حدثت الناس عن أبي، أكدت على استقلاله واعتماده على نفسه وصبره. لقد عمل في أحد المصانع، وتعهد حديقته بالرعاية، وقرأ كتب التاريخ. يمكنه أن يقص عليك قصص الأباطرة الرومان أو حروب البلقان. لم يحدث جلبة في حياته. •••

استقبلتني جوديث - ابنتي الصغرى - في مطار تورونتو منذ يومين. وكان بصحبتها الفتى الذي تعيش معه؛ اسمه دون. كانا يعتزمان الرحيل إلى المكسيك في صباح اليوم التالي، وكان المخطط أن أنزل ضيفة على شقتهما طوال إقامتي في تورونتو. في الوقت الراهن، أعيش في فانكوفر. وأحيانا أقول إن محل إقامتي في فانكوفر.

Unknown page