قال: «لم نفعل به شيئا؛ فإنه باق على خراسان كما كانت الوصية من قبل، على أن يكون وليا للعهد.»
فما أتم كلامه حتى بانت الدهشة في وجه الأمين، ونظر إلى الملفان سعدون، فرآه مطرقا هادئا لا يخامره خوف ولا اضطراب، فلم يتمالك الأمين أن صاح به: «ويلك من أين أتاك علم الغيب؟»
فرفع بصره إلى الأمين وقال: «لا فضل لي يا مولاي، إن هذا العلم معروف عند المنجمين، ولكن الذين يصدقون في استخدامه قليلون.»
فقال: «إنما أعجبني صدقك من غير ادعاء، قد جعلناك رئيس المنجمين.»
فوقف سلمان وانحنى بين يدي الأمين ودعا له بطول البقاء ثم قال: «إن هذه نعمة لا أستحقها!»
قال: «بل أنت أهل لذلك وهذا جزاء الصادقين.» وصفق فجاء الحاجب فقال له: «قل لقيم الدار أن يعد للملفان منزلا يقيم به وأن يفرض له العطاء؛ فقد صار رئيس المنجمين.» ثم أشار إلى الملفان أن يجلس فانحنى ثانية وكرر الدعاء وجلس وهو يقول: «إن منازل أمير المؤمنين واسعة وحيثما أقمت فإنما أكون في حياطته غارقا في نعمائه، وإذا سمح لي أن أقيم حيث شئت كان ذلك أدعى لمرضاته؛ لأني لا أستغني عن الانفراد في منزلي أحيانا لعمل المندل أو مطالعة كتب التنجيم، على أن أكون بين يدي أمير المؤمنين متى شاء، ولو جاز أن ترد هبته لتقدمت إليه أن يجعلني خادما رقيقا بلا أجر؛ فإن من تعاطى هذه الصناعة على حقها وجب عليه إنكار نفسه والبعد عن ملاذ الدنيا وعن التوسع في أسباب العيش، ولكن نعم أمير المؤمنين لا ترد.»
فاستغرب الأمين هذا التعفف ولم يخطر له سماعه من مثل هذا الرجل وهو يعلم أن أمثاله إنما يتقربون إلى دار الخليفة طمعا في المال؛ فالتفت إلى ابن ماهان والاستغراب باد في وجهه كأنه يستطلع رأيه فقال ابن ماهان: «إن الملفان سعدون هذا طبعه، والأمر لأمير المؤمنين.»
فقال: «ولكنا قد نحتاج إليه في ساعة لا نجده فيها.»
فقال الملفان: «إني أقيم بدار أمير المؤمنين على أن يؤذن لي في الخروج إلى منزلي متى رأيت في الخروج فائدة فلا يعترضني أحد، ولا أظن الحاجة تمس إلى دعوتي فلا يجدوني.»
فقال الأمين: «لك ذلك.»
Unknown page