أما هو فكاد يبكي معها ولكنه تجلد وقال: «وستفرحين يا سيدتي متى انتقمت له!»
قالت وقد ملكت أمرها رغم ما بدا من ارتعاش أناملها: «نعم، يجب أن تنتقم له، وأنا إنما دعوتك «كيفر» رغبة في ذلك. إن اسمك يا بني معناه الانتقام. إنك ستنتقم لهذا المقتول ظلما. وكيف عثرت عليه وقد بلغنا أنهم رموه في دجلة؟»
قال: «كنت أظن ذلك، ولكنني عرفت شيخا كان حاضرا مصرعه فدلني على مدفنه في المدائن وأعانني على إخراجه. هذا هو رأس أبي مسلم بلا ريب، تفرسي فيه جيدا.»
فأعادت النظر إلى الرأس وعيناها تغشاهما الدموع وقالت: «نعم، هو بعينه، يدلني على ذلك خفقان قلبي. وهل يخفى علي رأس أبي؟ نعم الرجل أنت يا كيفر! إنك ستنتقم له ... هل آن وقت الانتقام؟»
قال: «قد آن يا سيدتي. وآن أن تقصي علي خبر نسبي وتمنحيني الوديعة التي وعدتني بأن أستخدمها في الانتقام.»
قالت: «إنها حاضرة يا ولداه، تمهل قليلا. لا بد من أن أقص عليك خبرها أولا ... اجلس، ألا تتناول طعاما!»
قال: «كلا يا سيدتي.» •••
نهضت العجوز من مكانها منتصبة القامة كأنها في عنفوان الشباب وضغطت كتف بهزاد لتمنعه من النهوض معها، ثم مشت إلى خزانة في جانب الغرفة وأخرجت من جيبها مفتاحا عالجت الخزانة به حتى فتحتها وهو ينظر إليها بلهفة، فأخرجت لفافة مستطيلة من الخز ورجعت بها فوضعتها بين يدي بهزاد وقعدت وقالت: «أنت تعلم أني فاطمة بنت أبي مسلم الخراساني؟» قال: «نعم.»
قالت: «ويعتقد الناس وأنت منهم أنك ربيت في حجري. لا تعرف أبويك ولا يعرفهما أحد سواي.»
قال: «صدقت.»
Unknown page