Amal Wa Yutubiya
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
Genres
لذلك فإن نقطة البداية أو الأصل والأساس للعالم كله قائمة على التحديد في «الهنا والآن» الذي لم يخرج بعد ولم ينبثق من نفسه، أو لم يتحرك من مكانه على الإطلاق. كما أن «اللا» الكامنة فيه أو الملازمة له هي على التحديد «اللا» التي تحرك التاريخ، وتهيئ العمليات التاريخية لتحقيق أهدافها، دون أن تصبح هي نفسها تاريخية.
6
ومن ثم يجوز القول بأن الأصل هو المجهول الذي تتخلل حركته كل الأزمان والأشياء، وإن لم يبزغ هو نفسه من نفسه ولم يصبح شيئا بعد. ولذلك فإن كل لحظة معيشة - إذا كان لها عينان - لا بد أن تكون شاهدا على بداية العالم الذي يبدأ فيها، ولا زالت تتجدد في كل لحظة إلى أن تتحدد هذه «اللا» غير المحددة تبعا لمضمونها، ومن خلال التجارب اللانهائية لعملية الصيرورة التاريخية بأشكالها وتحقيقاتها المتجددة التي لا حصر لها، لأن كل لحظة هي نقطة الصفر في بداية العالم كما تتضمن تاريخ العالم.
إن عملية التكوين والتشكل المستمرة والمتجددة عبر صيرورة العالم والتاريخ - التي تفترض الجديد - لا تتوقف مع كون الشيء قد صار، وإنما تبقى الصيرورة مستمرة. لكن السؤال الآن: هل تأتي عملية الصيرورة دائما - وبالضرورة - بما هو جديد بحق؟ طبيعي أن العملية يمكن أن تتمخض عن الجديد جدة حقيقية ، كما يمكن أن تفرز المظاهر الخداعة التي تظهر على الأفق في صورة الجديد، دون أن تعبر عن مضمون الجديد الحقيقي الذي اتجهت إليه حركة العالم والتاريخ، ودون أن تثمر الثمرة التي نفتقدها ونشعر دائما بالافتقار لها، أعني الافتقار إلى ذلك «الشيء الواحد» الذي هو خير، ذلك الشيء الواحد الذي سيأتي معه بالحل والخلاص، أي اليوتوبيا.
7 (2) ال «ليس-بعد
Not yet »
هنا تتبدى «اللا» المتكررة والمستمرة في صورة ال «ليس-بعد» التي تخترق الصيرورة التاريخية وتتخطاها في وقت واحد، ويصبح الجوع هو «قوة الإنتاج في جبهة العالم الذي لم يتم أو لم يكتمل بعد.»
8
لكن كيف تتحول «اللا» الكائنة في «الهنا والآن» إلى ال «ليس-بعد» الكائنة بطبيعتها في المستقبل؟ إن الدافع أو الحافز على هذا التحول يكمن فينا نحن، يكمن في جوعنا وتعطشنا وشوقنا لتحقيق الهدف. إنه يأتي من «اللا» التي لا تملك أو التي تحس في كل لحظة إحساسا غامضا ومباشرا بأنها تفتقد شيئا وتفتقر إلى شيء، فنحن لا نعيش لأجل أن نعيش، وإنما نعيش لأجل هدف، ولأجل هذا الهدف لا نشعر بالاستقرار ولا الاطمئنان لأمر واقع، وإنما نشعر بالقلق الدائم بسبب هذه «اللا» النافذة في صميم كينونتنا القائمة. هذه «اللا» التي لا نتحملها ولا نطيقها فتتحول إلى ال «ليس-بعد» هي التي تدفعنا إلى الهدف التاريخي الذي نسعى إليه.
9
Unknown page