البني والأسود والرمادي نادرا ما تروق للأطفال كألوان مفضلة. وقد تنكشف الشخصية الشرجية التي صنفها فرويد عند توزيع البني على نحو عشوائي؛ فربما يدل ذلك على تحدي أحد الأمور الضرورية للبالغين المتمثلة في الحفاظ بشدة على الصحة والنظافة الشخصية. وقد يستخدم الأسود لمجرد التخطيط أو رسم الإطارات. وإذا استخدمه الأطفال على نحو عفوي، فقد يظهر هذا تحديا، أو قد يكشف عن الخوف أو القلق. (6) كتاب بيرين لتحليل الشخصية على أساس الألوان
كما ذكرت في بداية هذا الفصل، فإن كتابي الأول عن الألوان المفضلة والشخصية، الذي وقعته باسم مارتن لانج، يعود تاريخه إلى عام 1940. وعلى حد علمي، فقد كان هذا الكتاب أول عمل مخصص لهذا الموضوع فحسب. لقد بدأ اهتمامي بهذا المجال في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين عن طريق المصادفة إلى حد ما. لقد أعددت سلسلة دراسات عن الألوان التجريدية حملت التصميم نفسه، لكنها كانت تظهر الألوان الأساسية للطيف من الأحمر إلى البرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والبنفسجي، والأرجواني، وكانت معروضة على جدران المرسم على صف متعاقب. ولاحظت فجأة أن كثيرا من الزوار والأصدقاء أعربوا عن الحب والكره الشديدين الموجهين إلى الألوان؛ لأن المرسم كان متماثلا فيما سوى ذلك، وبدأت أحتفظ بمجموعات المراجع وأطالع مكتشفات الآخرين (رورشاخ وينش). وخلال وقت قصير، كونت مكتبة من المراجع وسير الحالات. واستقبل الجمهور بحفاوة مجموعة من المنشورات الصغيرة حملت عنوان «ما هو لونك المفضل؟» كنت قد أعددتها لأحد العملاء. وبعد ذلك ألفت كتاب مارتن لانج. واكتسب بحثي كلا من السرعة والحجم. وفي عام 1952، ألفت كتابا جديدا تماما بعنوان «لونك وذاتك»، وحقق مبيعات هائلة، وأدى ذلك إلى كتابة المقالات والنقد عنه في داخل إنجلترا وخارجها، وإلى ظهوري عبر أثير الإذاعة وعلى شاشة التليفزيون. واطلعت على دراسات حالة أخرى. وفي عام 1962، كتبت كتابا ثالثا حمل عنوان «لون عالمك»، وكان كتابا ذا غلاف ورقي، وكانت طبعته مكونة من 90 ألف نسخة. ونشرت طبعته الرابعة والمراجعة بالكامل على يد مؤسسة ماكميلان (1978). ويقدم الكتاب بيانات أكثر حداثة معتمدة على مزيد من الأبحاث وسير الحالات المتعلقة بالأهمية العاطفية للألوان المفضلة. (7) الاستجابة العامة للألوان
يمكن للقارئ الرجوع للكتاب المذكور سابقا. أما في هذا الفصل فسوف أتناول في الغالب خبراتي، ومقابلاتي الشخصية، وكيف توصلت إلى استنتاجاتي حول دلالة كل لون من الألوان. لا يوجد شيء ثابت أو أكاديمي، وأزعم ببساطة أن ما سيقوله الناس عن الألوان التي يحبونها (ويكرهونها) يقول الكثير عن شخصياتهم، وأنه إذا جمع قدر هائل من البيانات، فمن الممكن التوصل لاستنتاجات دقيقة وكاشفة إلى حد مدهش، لدرجة أنها إن لم تنطبق على كل الأشخاص فإنها قطعا سوف تنطبق على غالبيتهم!
فيما يتعلق بالاستجابة «العامة» للألوان، من الطبيعي تماما بالنسبة للبشر أن يحبوا أي لون، وكذلك كل الألوان. إن الرفض، أو التشكيك، أو الإنكار الصريح للمحتوى العاطفي للألوان يشير - على الأرجح - إلى إنسان مضطرب، أو محبط، أو غير سعيد. أما الابتهاج غير المستحق بالألوان، فقد يكون علامة على التشوش العقلي، وعلى تقلب الرأي، وعلى أن الشخص ينتقل من خيال أو لهو إلى آخر، ويتسم بضعف التوجه والثقة بالنفس. ومن الحكمة الوضع في الاعتبار أن الألوان المفضلة قد تتغير عبر السنوات. وإذا اعترف الشخص بذلك، فقد يدل هذا بالفعل على أن شخصيته قد خضعت للتغيير. وهذا من المحتمل وجوده إلى حد كبير بين الأشخاص الانقباضيين مقارنة بالأشخاص المنبسطين.
يوجد فرق كبير بين الأشخاص المنبسطين، الذين يحبون الألوان الدافئة، والأشخاص الانقباضيين، الذين يحبون الألوان الباردة. واقتباسا لكلام الدكتور ماريا ريكيرز-أوفزيانكينا: «أخيرا، توصل ينش مرة أخرى، بمفرده تقريبا ، إلى الفرق نفسه [الذي توصل إليه رورشاخ] بين الأصفر المحمر والأخضر المزرق. لقد وجد أن كل الناس يمكن تصنيفهم بطريقة مشابهة إلى أشخاص مصابين بعمى الألوان الذي لا يميز الأحمر والأخضر؛ أي يمكن تصنيفهم إلى أشخاص أكثر حساسية للطرف الدافئ من الطيف، وإلى الأشخاص الأكثر حساسية للطرف البارد منه. ويتسم الأشخاص الذين تسيطر عليهم الألوان الدافئة بعلاقة حميمة مع العالم المدرك بصريا؛ فهم منفتحون ومتقبلون للتأثيرات الخارجية، ويبدو أنهم ينخرطون بسهولة كبيرة في محيطهم الاجتماعي، وتتسم حياتهم العاطفية بالمشاعر الدافئة، وقابلية الإيحاء، والمشاعر القوية، وتتسم كل وظائفهم العقلية بالسرعة والتكامل الشديد بعضها مع بعض. وفيما يخص علاقة الفاعل والمفعول، فإن تركيزهم منصب على المفعول.
أما الأشخاص الذين تسيطر عليهم الألوان الباردة في تجارب ينش، فلديهم توجه منعزل «منفصل» عن العالم الخارجي؛ فهم يجدون صعوبة في تكييف أنفسهم مع الظروف الجديدة والتعبير عن أنفسهم بحرية. أما على الصعيد العاطفي، فهم باردون ومتحفظون. وفي علاقة الفاعل والمفعول، فإن تركيزهم ينصب على الفاعل. باختصار، الأشخاص الذين تسيطر عليهم الألوان الدافئة هم من النوع المتكامل خارجيا في رأي ينش. أما الأشخاص الذين تسيطر عليهم الألوان الباردة، فيعتبرهم من النوع المتكامل داخليا.» ويوجد قدر كبير من الحقيقة في ذلك، وهو قدر كاف لاعتبار هذه الملاحظة «حقيقية». وكحقيقة إضافية، فإن الأشخاص أصحاب الشخصية المنفتحة والطبع المنفتح من المحتمل أن يفضلوا الألوان البسيطة. أما الأشخاص الأكثر تعقيدا وتمييزا فقد يعبرون عن خيارات لونية تتسم بقدر كبير من الفروق الصعبة التمييز. (7-1) الأحمر
اللونان الأكثر شيوعا كلونين مفضلين هما الأحمر والأزرق، ويرتبطان عادة بالأشخاص أصحاب الميول الانبساطية أو الانقباضية، سواء من الناحية الطبيعية أو من ناحية الاختيار المتعمد. وتوجد أنواع مختلفة من الشخصيات الحمراء. والنوع الأول يختار اللون حقيقة من منطلق اهتمامات متوجهة للخارج، فالشخص عفوي، ومن الممكن أن يكون رياضيا، جذابا، سريعا في الإفصاح عن آرائه، سواء أكانت صحيحة أم خاطئة. والسمة الظاهرة للنوع الأحمر الحقيقي هو ميله إلى التقلبات العاطفية، ولوم الآخرين، أو لوم الدنيا على أي مضايقات تحدث له ؛ فالحياة بالنسبة له لا بد أن تكون مثيرة وسعيدة، وإن لم تكن كذلك، ظن أنه توجد مشكلة على نحو مؤكد. وقد يميلون إلى الإصابة بذهانات الاكتئاب الهوسي؛ ولذلك لا بد من تعزيز السيطرة على النفس.
أما النوع المكمل من الشخصيات الحمراء (يلاحظ على نحو أفضل في التعاملات الشخصية)، فهو الشخص الخانع والخجول الذي قد يختار هذا اللون لأنه يرمز إلى صفات الشجاعة التي يفتقر إليها. ابحث عن تلبية الرغبة، عن التسامي، عن رغبات خفية تتمنى امتلاك شجاعة اللون الأحمر.
وإذا كان الأحمر مكروها - وهذا شائع إلى حد ما - فابحث عن شخص تعرض لخيبة الأمل والهزيمة بطريقة ما، ويشعر بالسخط والغضب بسبب عدم تحقق رغباته. وهذا الشخص ربما حرم من الحياة السعيدة أو الناجحة بشكل أو بآخر، وهو شديد الاضطراب، ومريض عقليا - على الأرجح - إن لم يكن مريضا جسمانيا أيضا. (7-2) الوردي
عقب برنامج إذاعي في منطقة كونتيكيت التي تنتمي للطبقة فوق المتوسطة؛ ذلك البرنامج الذي سألني فيه المحاور عن مجموعة من الألوان، تساءلت الكثير من المكالمات الهاتفية والخطابات عن سبب عدم ذكر أي إشارة إلى اللون الوردي. وأجرى مذيع البرنامج الإذاعي حلقات أخرى عن هذا الموضوع. كانت الشخصيات الوردية هواة إلى حد كبير؛ فقد كانوا يسكنون الأحياء الشديدة الثراء، وعلى قدر عال من التعليم والترف والحماية. لقد كانوا أرواحا حمراء، بسبب الوصاية الشديدة التي يخضعون لها؛ لم يمتلكوا الشجاعة لاختيار اللون الأحمر بكامل قوته. وقد يرمز الوردي أيضا إلى تذكر الشباب والرقة والعطف، وربما يكون لونا مفضلا مصطنعا أو مكتسبا من قبل بعض الأشخاص الذين عايشوا فترة عصيبة من حياتهم، والذين تعرضوا لسوء المعاملة، والذين يشتاقون إلى رقة الوردي.
Unknown page