كان من الممكن أيضا استخدام وصفات من الفطر المأخوذ من القبر، والندى المأخوذ من الحشائش، واستخدام أعضاء الكائنات ذات الدم البارد والكائنات ذات الدم الحار، والنباتات التي تشبه اليد في الهيئة (لعلاج اليد)، أو تشبه السن (لعلاج السن). وفي الوقت الحاضر ما زالت توجد سوق كبيرة في الصين لبيع الجنسنج الصيني الذي يقال إنه يطيل العمر، ويعمل كمنشط جنسي، بالإضافة إلى فوائد أخرى. (4) الخرافات اليوم
يوجد أناس في عصرنا الحالي يخافون من القطط السوداء، ومن ارتداء اللون الأصفر في المسارح، ومنهم العروس التي ترتدي شيئا أزرق اللون، ومنهم من تعج لغاتهم بإشارات إلى حراس سود، وأيام حمراء، وظلام أزرق، وحسد أخضر، وغضب أرجواني، وطعم بني في الفم، ووثنيين صفر. ومنذ فترة ليست ببعيدة، كان الأطباء يرتدون معاطف قرمزية، وكان يستخدم قماش الفانلة الحمراء في علاج الحمى القرمزية والتهاب الحلق. واقتباسا لكلام بودج: «وجد عدد كبير من الخواتم المصنوعة من حجر اليشم الأحمر، ومن الخزف الأحمر والزجاج الأحمر في مقابر في مصر؛ كلها غير منقوشة، وكلها بها فجوة، ولا يعرف كيف ولماذا استخدمت هذه الخواتم، لكن وجهة النظر الحديثة تقول إن الجنود والرجال الذين كانت أعمالهم أو واجباتهم تدفعهم إلى الاشتباك مع أعدائهم كانوا يرتدون تلك الخواتم لتمنعهم من الإصابة، أو لكي توقف النزيف في حالة تعرضهم للجراح. ومن الممكن أن تكون قد ارتدتها النساء لمنع النزف.» (5) أصول الطب الحديث
في العادة، يبجل الطب الحديث أبقراط (460 إلى حوالي 370 قبل الميلاد) بصفته مؤسس الطب الحديث. كان أبقراط قليل الاهتمام بالأمور الغامضة مقارنة باهتمامه بالعادات والحميات التي يتبعها البشر، وضربات قلب الإنسان، وشحوب الجلد. وبذلك يكون قد أسس توجها تشخيصيا وعلميا تجاه أمراض البشر. وما زال حتى يومنا الحاضر يقسم خريجو كليات الطب قسما منسوبا لأبقراط.
في القرن الأول الميلادي، كتب أورليوس كورنيليوس سيلسوس ثمانية كتب عن الطب. كان توجهه نحو الألوان عمليا وعقلانيا أكثر منه باطنيا. كانت الأدوية توصف مع وضع الألوان في الاعتبار . وكانت توصف مجموعة كبيرة من الزهور - مثل: البنفسج، والسوسن، والنرجس، والورد، والليلك - والمعاجين باللون الأسود والأخضر والأحمر والأبيض. وكتب عن المعجون الأحمر فقال: «يوجد أحد أنواع المعاجين لونه أحمر تقريبا يبدو أنه يجعل الجرح يلتئم سريعا جدا.» وقال عن الأصفر: «عند وضع مرهم الزعفران مع زيت السوسن على الرأس، فإنه يعمل على استدعاء النوم وتهدئة العقل.»
كان جالينوس (130 إلى حوالي 200 بعد الميلاد) الطبيب الملكي لماركوس أورليوس وغيره من الرومان المشهورين، وقد كتب ما يقرب من 500 أطروحة، وألقى المحاضرات، وألقى الدروس، وقام بالتجارب والتشريح، وظل يمثل مرجعية في الطب لا يشق لها غبار فعليا على مدار عدة قرون. وكان جالينوس منجذبا إلى الألوان فقال: «لقد مسحت بمرهم أبيض من شجرة الحياة.» وكانت تغيرات الألوان بارزة في تشخيص الأمراض. وإليكم أحد تساؤلاته: «إذن كيف يمكن أن يتحول الدم إلى العظم دون أن يصبح أولا، وقدر الإمكان، متخثرا ومبيضا؟ وكيف يمكن للخبز أن يتحول إلى دم دون أن يفارق تدريجيا بياضه، ويكتسب الحمرة تدريجيا؟»
وفي العصور المظلمة، انتقل مقر التقدم في الطب من روما إلى العالم الإسلامي. وكان ابن سينا (980 إلى حوالي 1037 بعد الميلاد)، ذلك العربي الذي قضى معظم حياته في فارس، قد كتب كتاب «القانون في الطب»، الذي يعد تحفة عصره، ومنحه مكانة هائلة حتى القرون الوسطى. كانت الألوان تظهر في كل كتابات ابن سينا، وكانت توجد أهمية تشخيصية في لون الشعر واللحم والعيون والبول والبراز. ووضع جدولا يوضح فيه علاقة الألوان بالحالة المزاجية للإنسان وبالحالة البدنية للجسم. ومثل سابقيه من الأطباء، كان مهتما بالأخلاط، أو بسوائل الجسم، فكتب يقول: «حتى الخيال، والحالات العاطفية، وغيرها من العوامل تؤدي إلى تحرك الأخلاط؛ ولذلك إذا حدق المرء بتركيز في شيء لونه أحمر، فإنه سيؤدي إلى تحرك الخلط الدموي؛ ولهذا السبب يجب عدم السماح للشخص الذي يعاني من نزيف الأنف بالنظر إلى الأشياء ذات اللون الأحمر الفاقع.» وقال إن الأزرق يهدئ من حركة الأخلاط. وعلى غرار سيلسوس الذي سبقه، فقد كانت الزهور جزءا أساسيا من علاجاته، وكانت الزهور الحمراء تشفي أمراض الدم، بينما الزهور الصفراء تشفي أمراض الجهاز الصفراوي. (6) عودة إلى الصوفية
اختفى منطق أبقراط وسيلسوس وجالينوس وابن سينا - المتمثل في دراسة الأدلة الموضوعية والعلمية البحتة للمرض - خلال العصور الوسطى. وتصدر المشهد أخوية من الصوفيين والخيميائيين الذين تحدثوا عن التناغم مع القوى الإلهية، وعن الرب، وعن الفلسفة، وعن قوانين الطبيعة.
وعلى صلة وثيقة بهذه القصة المختصرة التي تتحدث عن الألوان في تاريخ الطب، يأتي اسم باراسيلسوس (1493-1541) الذي حرق على الملأ كتب جالينوس وابن سينا معلنا أن المرض سببه عدم التناغم مع الطبيعة. كان يرى أن الإنسان يتكون من جسم مادي، وجسم أثيري، وجسم نجمي، وذات، وذات عليا، وزعم أن الشمس تحكم قلب الإنسان، وأن القمر يحكم عقله، وأن زحل يحكم الطحال، وأن عطارد يحكم الرئتين، وأن الزهرة تحكم الكليتين، وأن المشتري يحكم الكبد، وأن المريخ يحكم الصفراء، وقال إن جسم الإنسان يتكون من الملح والكبريت والزئبق، وإذا اختل توازن هذه العناصر فإن هذا الاختلال يتبعه المرض. وأصبح العبقري والمرجعية باراسيلسوس مشهورا في كل أنحاء أوروبا (وما زال يحظى بتقدير الصوفيين حتى وقتنا الحاضر). كان يعالج باستحضار الأرواح، والموسيقى، والألوان، والتمائم، والأعشاب، وتنظيم الحمية الغذائية، والفصد، وتليين البطن.
أما الخيمياء، وحجر الفيلسوف، وإكسير الحياة، فهي قصة في حد ذاتها. إنها بمنزلة مقدمة للكيمياء الحديثة تفخر بأسماء مثل: روجر بيكون، وبن جونسون، وألبرتوس ماجنوس، وتوما الأكويني، ونيكولاس فلاميل، وريموند لولي، وجيكوب بومه، وباراسيلسوس السالف الذكر. ربما كانت الخيمياء معنية بتحويل المعادن، لكنها فوق كل ذلك كانت «علما» صوفيا وخفيا. ويمكن تشبيه حجر الفلاسفة بالمسيح، فهو مزيج من الوثنية والمسيحية. وما زالت مخطوطات ومجلدات موجودة حتى الآن عن الخيمياء، وقد جذبت كارل يونج لأنها مليئة بكشوف عميقة وروحانية متعلقة بما أسماه «اللاوعي الجمعي»، وألغاز الكون، والجنة والجحيم، وإعادة الخلق الممكنة للإنسان نفسه.
تزخر الخيمياء بالإشارات إلى الألوان، وكانت الألوان الرئيسية فيها هي الأسود والأبيض والأحمر، وكانت تضم سبعة معادن متعلقة بالكواكب السبع، بالإضافة إلى النسور، والسمندرات ، والأسود، والغربان ، والحمام، والبجع، والطواويس، والزهور، وكلها تستخدم في الجمال والرمزية. كانت لغة الخيميائي مخفية في الاستعارات، وكانت معانيها معروفة فقط لممارسيها، وكان أكبر الإنجازات التي تحلم بها هو إكسير حقيقي للحياة؛ وهو حجر أحمر وذهب صالح للشرب يمكن أن يمنح الحياة الأبدية والخلو من الأمراض. واليوم أصبحت أحلام الخيميائيين حقائق من خلال صناعة البلاستيك، والأحجار النفيسة، والتطبيقات المذهلة للطاقة الإلكترونية، وانشطار الذرة. (7) الطبيب بابيت الرائع
Unknown page