وبعد عدة قرون (القرن السادس عشر الميلادي) اكتشفت الفسيولوجية الأدق للرؤية، وتأسس علم طب العيون كما هو معروف اليوم. أما عن طريقة حدوث رؤية الألوان على وجه التحديد، فما زال هذا الأمر يمثل لغزا، وما زلنا في حاجة إلى أن يقدم العلم نظرية أو تفسيرا مقبولا على نحو كامل. (1) الرؤية بلا عيون
قبل استقصاء الجوانب الأكثر عقلانية المتعلقة بالرؤية ورؤية الألوان، وقبل مناقشة وجهات النظر الحديثة، دعوني أخبركم عن بعض الأمور الغريبة بل الملغزة.
في عام 1924، نشر المؤلف الفرنسي جول رومان كتابا يحمل عنوانا فرعيا هو «الرؤية بلا عيون». وعلى الرغم من أنه لم يسع مطلقا للحصول على مساعدة الأكاديمية الفرنسية للعلوم، فإن نجاح تجاربه أكده الكثير من الخبراء التقنيين والأكاديميين المشهورين الذين كان من بينهم أناتول فرانس، الذي دافع بحزم عن نظريات رومان. وفقا لهذا الرجل الفرنسي، فإن جلد الإنسان حساس للضوء (وهذه حقيقة بالتأكيد تنطبق على كافة أشكال الحياة تقريبا وفيها الإنسان). وأطلق على ذلك مصطلح الإدراك المجاور للشبكية. وباستخدام واقيات مصممة خصيصى لوصول الضوء إلى مختلف أجزاء الجسم - لكن ليس إلى العينين - حفز حدوث الإدراك المجاور للشبكية. واقتباسا من كتاب رومان: «على سبيل المثال، إذا كانت اليدان عاريتين، وكانت الأكمام مرفوعة إلى المرفقين، وكانت الجبهة عارية، وكان الصدر غير مغطى، فبإمكان الشخص أن يقرأ بسهولة بالسرعة العادية صفحة من رواية أو مقالة من جريدة مكتوبة بالحجم المعتاد في الطباعة.»
وأعلن رومان أن اليدين هما الأكثر حساسية للضوء، ثم الرقبة، ثم الحلق، ثم الخدين، ثم الجبهة، ثم الصدر وظهر العنق والذراعين والفخذين؛ فالصور الأساسية المكونة في أعصاب اللمس «ترى» اللون وكذلك الشكل. وفسر قائلا: «إن تجاربنا تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه يوجد لدى الإنسان «وظيفة مجاورة للشبكية»؛ أي وظيفة الإدراك البصري للأشياء الخارجية (اللون والشكل)، دون تدخل الآلية العادية للرؤية من خلال العينين.» وزعم أن أي شخص ذكي من المحتمل أن يكون قادرا على قراءة عناوين الصحف وهو معصوب العينين، وقال إنه «في ظل الإضاءة العادية يكون الإدراك النوعي للألوان ممتازا.» بل من الممكن أن يكون المرء قادرا على «شم» الألوان من خلال أنفه؛ وعن هذا يقول: «إن إدراك الألوان من خلال المخاط الأنفي لا ينتمي للنظام الشمي؛ فهو لا يعتمد على إدراك «روائح» تنتمي للمواد الملونة. إنه إدراك بصري على وجه التحديد.»
لم يحرز الكثير من التقدم على مدار السنوات التي أعقبت رومان؛ لأن العالم الذي عاش فيه كان عالما مشككا يتطلب حقائق أكثر واقعية عن تلك التي قدمها. وبعد حوالي 40 سنة، وجدت امرأة مذهلة تستطيع قراءة وتمييز الألوان بأنامل أصابعها (وبعدها وجد آخرون). أحيا هذا الانبهار تلك الظاهرة واكتسبت شهرة دولية.
ومن القصص الممتازة المعاصرة التي تتناول الرؤية بلا عيون تلك التي يرويها كتاب «الاكتشافات الروحانية خلف الستار الحديدي» للمؤلفتين شيلا أوستراندر ولين شرودر. وتتمثل تلك القصة في فتاة روسية تدعى روزا كوليشوفا تستطيع الرؤية بأصابعها! وشاهد الأطباء المشككون قدرتها على قراءة وكتابة وتسمية الألوان «كما لو كان قد نما لها زوج ثان من العيون في أناملها.» أرسلت روزا إلى موسكو حيث استمرت في تقديم أدائها المذهل تحت مراقبة شديدة، واستمرت قادرة على «رؤية» الأحمر والأخضر والأزرق عند تغطية الأوراق الملونة بورق شفاف أو ورق سلوفان أو بالزجاج. ووقف المعهد الروسي الكبير للفيزياء الحيوية في حيرة من أمره، لكنه كان مضطرا إلى الاعتراف بقدرة روزا على «الإبصار عبر الجلد». وأرسلت مجلة «لايف» في ذلك الوقت أحد المراسلين إلى موسكو، ونشرت فيما بعد قصة مصورة بارزة عنها.
ظهر أشخاص آخرون يتمتعون بالقدرة المدهشة نفسها، وكان من بينهم امرأة من فلينت بولاية ميشيجان تدعى السيدة باتريشيا ستانلي. بدا لهذه السيدة أن بعض الألوان دبقة، وبعضها ناعم، وبعضها خشن. وكما قالت باتريشيا في مجلة «لايف» (12 يونيو، 1964): «الأزرق الفاتح هو الأنعم. وتشعر أن الأصفر دبق للغاية، لكنه ليس بنعومة الأزرق الفاتح. الأحمر والأخضر والأزرق الداكن ألوان دبقة. وتشعر أن الأخضر أكثر لزوجة من الأحمر، لكنه ليس خشنا. والأزرق الكحلي يتصدرهم في اللزوجة، ويسبب إحساسا بالكبح والإبطاء. ويعطي البنفسجي إحساسا بالكبح أكثر قوة؛ يبدو أنه يبطئ اليد، ويبدو ملمسه أكثر خشونة.»
توجد علاقة هنا بالصور التخيلية (نتعرض لمناقشتها في الصفحات المقبلة)؛ حيث تبدو الرؤية بلا عيون هبة من الطبيعة، وأكثر ما نلاحظها في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين سبع واثنتي عشرة سنة. هل من الممكن تدريب الأعمى على رؤية الألوان وتمييزها باستخدام الأصابع أو المرفق أو اللسان أو الأنف؟ منذ حالة روزا كوليشوفا، أمعن الروس في استقصاء الرؤية من خلال الجلد، وعقدوا الآمال على أن يستطيعوا منح الأعمى على الأقل جزءا من الإدراك «البصري»، ولو كان ضعيفا. دربوا بعض المكفوفين على ذلك. وما دام عضو الإدراك الحقيقي موجودا في الدماغ وليس العين، فمن الممكن أن يستخدم الأعمى أدلة من الجسم والجلد «لرؤية» العالم وألوانه الطيفية. وكما قالت أوستراندر وشرودر: «إذا كانت أشياء ضرورية معينة مثل مقابض الأبواب والصنابير والهواتف، ومقابض الآنية، والأطباق، والأشياء المتحركة على وجه الخصوص ملونة، مثلا، باللون الأصفر في غرفة مضاءة بالمصابيح الصفراء إضاءة ساطعة؛ فقد يتمكن الأعمى فعليا من رؤية تلك الأشياء من خلال جلده بسهولة تضاهي تقريبا تلك السهولة التي نجد بها إبريق القهوة بأعيننا.» (2) عن «تصوير الأفكار»
يشير إدوارد دبليو راسل في كتابه «تصميم المصير» إلى البروفيسور تي فوكوراي؛ من جامعة كوياسان، الذي «اكتشف أن بعض الأشخاص يستطيعون التركيز على التصميم أو الصورة، ثم من خلال الفكر وحده ينسخون صورة واضحة من التصميم أو الصورة إلى لوح فوتوغرافي مغطى بمادة عازلة دون الاستعانة بالضوء أو العدسات.» مستحيل؟ توجد حالة مشابهة جيدة التوثيق عن رجل من شيكاجو يدعي تيد سيريوس. كان تيد سيريوس رجلا جاوز الأربعين من عمره، ولم يتلق إلا قدرا قليلا من التعليم، ويعمل خادم فندق في شيكاجو. كان تيد عصبي المزاج، وربما كان معتلا نفسيا بعض الشيء، وكان يعاني من مشكلة معاقرة الخمر.
رغم ذلك، كان تيد سيريوس يستطيع التحديق في كاميرا البولارويد فيخرج من الكاميرا، أحيانا، صورا غامضة، وكانت الصور الصادرة عن أفكاره التي تظهر الناس قليلة مقارنة بالصور التي تظهر الأماكن والمباني مثل: برج إيفل، وتاج محل، والبيت الأبيض. وأخذ الدكتور جول أيزنبود؛ الطبيب النفسي وزميل الرابطة الأمريكية للطب النفسي، ذلك الرجل تيد سيريوس تحت جناحه، ونقله إلى دنفر، وعلى مدار عامين أخضعه لسلسلة من التجارب كان يشهدها في حينها الكثير من الأصدقاء والعلماء والمصورين والسحرة. كانت النتيجة أن ألف الدكتور جول أيزنبود كتابا مصورا من 368 صفحة (انظر قائمة المراجع). يمكن للشخص المتشكك أن يحضر كاميرا بولارويد خاصة به، وفيلما خاصا به، ويمسك الآلة بنفسه، بل ويفتح مصراع الكاميرا، وستخرج (ليس دائما لسوء الحظ) صور شبحية لطواحين هواء، وسفن، وسيارات، وفندق هيلتون في دنفر، وبرج قلعة وستمنستر أو الحافلة الإنجليزية ذات الطابقين.
Unknown page