Allah Kawn Insan
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Genres
هذه الأديان التي ابتدرها مؤسسون تاريخيون، ألا تحمل طابع التجربة الروحية لشخص بعينه عمل على نشرها وتعميمها؟ فكيف يمكن أن نصفها بأنها حكمة شعب؟ (ج):
لا أستثني هذه الأديان من صفة حكمة الشعب؛ فنحن نستطيع أن نشبه فكر مؤسس الديانة ببذرة زرعت في أرض خصبة، ونشبه ديانته التي نمت بعد وفاته بالشجرة التي نشأت عنها تلك البذرة؛ فالزرادشتية في حياة مؤسسها وخلال فترة لا بأس بها بعد وفاته، كانت تقوم على أساس مجموعة من الأناشيد الدينية التي وضعها النبي ولخص فيها عقيدته، ثم قام الكهنة بعد ذلك بصياغة شروح على هذه الأناشيد تعبر عن كيفية فهمهم لها، أو حتى عن رغبة في الإضافة إليها والتعبير عن رؤى خاصة بهم، فظهرت مجموعة الأفيستا والأفيستا الصغرى التي صارت مرجعا آخر للدين. وبعد ذلك جاءت أجيال أخرى من المفكرين الذين رأوا وجوب تقديم شروحات على الأفيستا، فظهرت مجموعة الزند أفيستا. وعندما انتشر الإسلام في إيران بعد أكثر من ألف عام على وفاة المؤسس، لم تكن الزرادشتية تشبه كثيرا ديانة مؤسسها. والشيء نفسه يمكن قوله عن البوذية التي أخذت تتبدل وتبتعد عن تعاليم المؤسس في الهند خلال القرون الثلاثة التي أعقبت وفاته، وعندما وصلت إلى الشرق الأقصى لم تعد تشبه في شيء بوذية البوذا. (س):
وماذا عن الأديان التي نصفها بالتوحيدية، وهي اليهودية والمسيحية والإسلام؟ هل خضعت أيضا للتطور على الرغم من أن عقائدها ترسخت في كتب مقدسة تم تدوينها خلال حياة مؤسسيها أو بعد فترة قصيرة من وفاتهم؟ (ج):
أولا، أريد أن أحذف اليهودية من قائمة الأديان التوحيدية لأسباب ربما نتطرق إليها لاحقا. وثانيا، إن قائمة الأديان التوحيدية لا تقتصر على الأديان الثلاثة التي ذكرت، بل يمكن أن نضيف إليها الزرادشتية والمانوية، وديانتين من بقايا ديانات الشرق القديم هما: المندائية والإيزيدية، واللتان لم يبق من أتباعهما سوى قلة قليلة تتوزع اليوم في العراق وسورية. ولقد خضعت الأديان التوحيدية للتطور والتبدل مثل غيرها من الأديان، على الرغم من تثبيت عقائدها في كتب مقدسة حفظت نصوصها من التغيير والتبديل؛ فمسيحية الأناجيل وبقية أسفار العهد الجديد لا تشبه مسيحية بولس الرسول الذي يحمل لقب مؤسس المسيحية، ومسيحية بولس لا تشبه كثيرا مسيحية قانون الإيمان الذي صاغه مجمع نيقية الذي انعقد في العام 325م، وبعد مجمع نيقية تابعت المسيحية تطورها، وترسخ مفهوم الثالوث الذي لم يقل به أصحاب الأناجيل ولا بولس الرسول ولا حتى مجمع نيقية، كما ترسخت عبادة السيدة مريم التي أعطاها أحد المجامع المتأخرة لقب «أم الله».
وفي الإسلام حصل التطور على ثلاثة محاور وهي: (1) الحديث؛ أي ما وصل المسلمين من أقوال الرسول أو أفعاله. (2) علم التفسير؛ أي تفسير ألفاظ ومعاني القرآن الكريم. (3) علم الكلام، وهو علم العقائد الإسلامية الذي يقابل اللاهوت في الديانة المسيحية. ومن خلال هذه العلوم أحدث العقل الإسلامي ما يشاء على الإسلام من تطوير وتغيير، وتعددت الطوائف الإسلامية، وكل طائفة تدعي بأنها الصيغة الحقيقية للإسلام في مقابل بقية الطوائف، وكلها تدعي أيضا بأنها تستند إلى القرآن وإلى الحديث الشريف. (س):
إذن أين ذهبت سلطة النص المقدس؟ (ج):
إن سلطة النص الديني المقدس في رأيي خرافة؛ فالسلطة الحقيقة هي للعقل الإنساني وكيفية فهمه للنص، النص المقدس بطبيعته نص إشكالي لأسباب لا أستطيع التوسع بها هنا، وهذه الإشكالية هي التي تستدعي تدخل عقل المفسر من أجل البحث عن المعاني الكامنة خلف مواضع الإشكال وهي كثيرة. (س):
لماذا تعتبر النص المقدس نصا إشكاليا؟ (ج):
يمكنك أن تتوجه بهذا السؤال إلى مفسري القرآن الكريم مثلا. لولا احتواء النص القرآني على الكثير من مواضع الإشكال في اللفظ والنحو والمعاني، هل كان من الضروري ظهور أكثر من 20 تفسيرا له في الماضي، أو ظهور تفاسير حديثة مثل تفسير سيد قطب، وتفسير الشعراوي وغيرهما؟ لست أنا القائل بأن النص المقدس نص إشكالي. (س):
نعود إلى قولك بأن التساؤل الطفولي المستمر قد قادك إلى دراسة الفلسفة أولا، قبل أن تفضل عليها دراسة الأديان، فهل من سبب شخصي إلى جانب ما ذكرت أثر على خياراتك؟ (ج):
Unknown page