ولغز إحياء لعازر «الأسرار» أو
Mysteria
باللغة اليونانية، و
Mysteries
بالإنكليزية، هي العبادات السرية التي تمارس طقوسها في الخفاء. وهي تختلف عن العبادات التقليدية الظاهرية، سواء في ممارساتها الشعائرية، أم في مفاهيمها اللاهوتية التي لا تكشف إلا للمريدين الذين تم قبولهم فيها وتعديتهم إلى أسرارها بعد المرور بالطقوس الإدخالية، أو طقوس الاستسرار (Initiation =) . وهذه الطقوس هي التي تعبر بالمريد إلى الحلقة الداخلية للعارفين بالألوهة المعبودة، وذلك على عدة مراحل ترتقي بالمنتسب الجديد تدريجيا، وعبر فترات زمنية تطول أو تقصر تبعا لاستعداده الروحي، حتى تصل به إلى الدرجة العليا التي تكتمل عندها معارفه ويغدو حكيما. وعلى المنتسب بعد عبوره إلى أسرار العبادة ألا يبوح بمعارفه التي اكتسبها لمن هم من خارج أو لمن هم دونه في المرتبة. ومثل هذا الارتقاء عبر درجات المعرفة ما زال معمولا به لدى الجماعات السرية الحديثة مثل الماسونية والصليب الوردي.
وعلى الرغم من قدم عبادات الأسرار، إلا أنها لم تبلغ أوج قوتها وازدهارها إلا في القرن الأول الميلادي حيث شاعت في جميع أصقاع الإمبراطورية الرومانية، ومنها أسرار ديمتر المعروفة بأسرار إيليوسيس، وأسرار ديونيسيوس، وإيزيس، وسيرابيس، وميترا. وكانت بعض هذه العبادات تحظى بتعاطف شعبي واسع، مثل أسرار إيليوسيس التي كان جمهور كبير من اليونانيين غير المنتسبين يشاركون في الجزء الظاهري من احتفالاتها الدورية. كما كانت تحظى أحيانا بتأييد إمبراطوري عندما كان بعض الأباطرة يميلون إلى واحدة من هذه العبادات أو تلك.
ونظرا للطابع السري لطقوس الأسرار، فإن أحدا لم يعطنا صورة دقيقة عنها، واكتفى المؤلفون القدماء بإيراد ما سمعوه عنها، أو بتقديم القليل العام إذا كان أحدهم قد اطلع على جوانب منها أو جرى تنسيبه إليها. فالمؤرخ الإغريقي هيرودوتس الذي يدعي اطلاعه على أسرار أوزوريس وأسرار إيليوسيس يكتب ما يلي: «في ذلك الزمان، وعلى تلك البحيرة في الدلتا، يقيم المصريون طقوسهم المكرسة لإلههم الذي لن أنطق اسمه. وعلى الرغم من شهودي لكل ما جرى في ذلك المكان، فإني لن أزيد في الكلام عنه شيئا وأمسك لساني عن البوح بما رأيت، كما أمسكته عن البوح بما رأيت من طقوس الإلهة ديمتر في إيليوسيس. ولكني أستطيع القول فقط، ودون أن أقع في التجديف، إن بنات دناوس (وهو سلف سكان آرجوس في اليونان، وجاء إليها من مصر) هن من آتي بهذه الطقوس من مصر ودربن نساء بيلاسيان عليها».
1
وهيرودوتس هنا يؤسس للفكرة القائلة بأن عبادات الأسرار قد جاءت إلى اليونان من أقطار الشرق القديم، وهذا ما يتبناه اليوم العديد من الباحثين في تاريخ الأديان.
على أننا نستطيع الكلام بشكل عام عن نوعين من الطقوس كانا غالبين في عملية تنسيب المريدين الجدد والعبور بهم إلى أسرار العبادة، وهما طقس العماد بالماء وطقس الموت الرمزي، وكلاهما يتضمن مفهوم الفناء عن الذات القديمة المنذورة للموت، والانبعاث إلى حياة جديدة تقهر الموت. وهذان الطقسان يلتقيان أحيانا في طقس العماد بالدم، كما هو الحال في أسرار ديونيسيوس؛ حيث يوضع المريد في حفر تمثل القبر تختم فوهتها بغطاء شبكي، ثم يؤتى بثور يمثل الإله ديونيسيوس الذي قتل في هيئة الثور، فيذبح عند فوهة الحفرة وتترك دماؤه لتسيل على المريد الذي يدهن نفسه بها ويأخذ بعضها في فمه، ثم يخرج وكأنه قام من بين الأموات.
Unknown page