Alf Layla Wa Layla Fi Adab
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Genres
ورواية ميريدث الثانية، «هاري رتشموند»، تحكي قصة نضج بطلها في مسيرة حياته، على نسق مغامرات الأمير قمر الزمان وأحداثها؛ فهاري محكوم بشخصية أبيه «روي» الذي يبني حياته على الأوهام والأحلام، على نحو ما جاء في قصص الصعاليك الثلاثة. وفي رواية ميريدث تلك، يقرأ الأب والابن «الليالي العربية»، وهي إشارة ورمز لما سيقوم به الأب من إدخال ابنه في سلسلة من الوقائع والأحداث التي تشبه ما جاء في قصص ألف ليلة وليلة. وتوفر قصص الكتاب العربي ذريعة لهاري رتشموند كيما يضفي عقلانية على الوهم الذي يقدمه له أبوه: «وفي ثنايا هذه الليالي العربية، جلسنا على بساط طار بنا إلى القارة الأوروبية، حيث اعتللت ثم شفيت عن طريق شم إحدى التفاحات، ووجه أبي حركاتنا عن طريق منظار تلسكوبي كان ينبئنا بأسماء الفنادق الجاهزة لاستقبالنا.» بيد أن ذلك الوهم لا يمكن أن يدوم، فعدم القدرة على التمييز بين الفانتازيا والواقع مناسب للطفل، أما إذا جاء من جانب الكبار، فيكون أثره مدمرا.
ويقوم ميريدث في تلك الرواية بعملية تناص غير ظاهري بينها وبين حكاية الأمير أحمد وبري بانو في ألف ليلة، كي يصور إسقاطات كثيفة على حياة هاري رتشموند وعلاقاته بعدد من الفتيات والسيدات، إلى جانب علاقاته المعقدة بأبيه، على النحو الذي سارت عليه أحداث الحكاية العربية، بما في القصتين من مشاعر غيرة وخيانة تشف عن ملامح أوديبية ظاهرة في رواية ميريدث، كما تذكر الباحثة «كورنيليا كوك» في مقالها عن ميريدث وألف ليلة. ويتحرر هاري رتشموند من أسر طفولته التي شيدها أبوه من حوله، ولا يصل إلى تحقيق الذات الناضج إلا خارج الإطار الأبوي، بعد التغرب عن أبيه وهزيمة الأب ووفاته.
وثمة رواية ثالثة لميريدث هي «إيفان هارنجتون» تضرب أيضا على أوتار ألف ليلة وليلة، حيث يتم تصوير إيفان فيها بوصفه علاء الدين الآخر. والساحر الذي كان يتسلط على علاء الدين ، هو توم كوجلزبي الذي يقوم أيضا بدور هارون الرشيد في تحقيقه للعدالة ولكن ليس قبل تدبير بعض «المقالب» لمعارفه، على نحو ما فعل الخليفة العربي مع أبي الحسن، النائم اليقظان. وتمتلئ هذه الرواية بالشخصيات المضادة، على نسق سندباد وهندباد، بل إن المؤلف يسير على نفس النمط، لنجد أسماء مثل كارنجتون وبارنجتون يتلازمان مع هارنجتون!
ولا يفوتنا قبل الانتقال إلى مجموعة أخرى من الأدباء الإنجليز التالين لهؤلاء أن نذكر أن ثمة عددا من المفكرين والمؤرخين في تلك الفترة قد أبدوا اهتماما مماثلا بالحكايات العربية والشرقية، فقد طالع المؤرخ المشهور إدوارد جيبون، صاحب «اضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية» ألف ليلة وليلة في سن مبكرة، ووجد أنها كتاب «لن يكف عن امتاع القارئ بما يقدمه من صور مؤثرة للعادات الإنسانية والمعجزات الغريبة.» ويذكر كاتب سيرة جيبون، ج. م. يونج، أن إعزاز جيبون لحكايات ألف ليلة وليلة قد يكون السبب في التعاطف الحار الذي يبديه في كتابه تجاه الشرق الأدنى - خاصة الخلافة العباسية - الذي يفوق تعاطفه مع أوروبا في عصور الإقطاع.
وكما ألهمت قراءة إلياذة هوميروس قيام البروفيسور شيلمان بكشف آثار طروادة وأطلالها، ألهمت قراءات السير هنري لايارد لحكايات ألف ليلة وغرامه بقصص الحصان الأبنوس ومدينة النحاس قيامه بعد ذلك بالكشف عن أطلال نينوى عام 1840م.
أما أغرب الآراء فهي التي ذكرها «روبرت إروين» من أن الصفات الغرائبية والعجائبية لحكايات ألف ليلة وليلة قد تركت فيما يبدو أثرا قويا في ذهن الكاردينال نيومان في طفولته، أدت به إلى أن يقبل بسهولة، بعد ذلك، الإيمان الكاثوليكي، الذي تمثل فيه المعجزات واقعا حقيقيا في نفس المؤمنين. كذلك تمثل حالة توماس كارلايل (1795-1881م) واقعة فريدة في الدافع له إلى الاهتمامات الشرقية والإسلامية التي انتهت إلى محاضرته الهامة عن رسول الإسلام بوصفه البطل في صورة الرسول، إذ يذكر الباحث «جيمس أنتوني فرود»، الذي أرخ لحياة كارلايل في جزأين عام 1884م، أن قراءته وحبه لقصص ألف ليلة وليلة كانت هي الدافع لديه للاهتمام بالأمور الشرقية، والاطلاع على أصول الدين الإسلامي وحياة النبي محمد ،
صلى الله عليه وسلم ، وتخليص كل ذلك من الأغاليط والخرافات التي شاعت في الغرب، وكانت محاضرة كارلايل التي ضمها في كتابه الهام «عن الأبطال وعبادة البطولة» الصادر عام 1841م، من أوائل الكتابات الموضوعية عن الإسلام ونبيه في وقتها، والتي غيرت أفكار الأوروبيين عن الإسلام ونبيه الكريم تغييرا جذريا. (4) أوائل القرن العشرين
تناولنا في فصول أخرى من هذا الكتاب أعمالا لكونراد وويلز، ونضيف هنا تفاصيل أخرى عن صلتهما بألف ليلة وليلة.
رغم صدور ترجمة بولندية لألف ليلة وليلة عام 1874م، قبل أن يغادر كونراد موطنه بولندا بعام، نجده قد تعرف على الكتاب في طبعاته الفرنسية، ثم اتصلت معلوماته عن الإسلام والمسلمين منذ إقامته في الملايو، وعبر مطالعاته لكتب السير ريتشارد بيرتون، خصوصا كتابه عن زيارته لمكة والمدينة. وقد نجح الباحث «هانز فان مارل» في إرجاع الكثير من الإشارات والأفكار عند كونراد عن الإسلام إلى كتب بيرتون.
وبما أن كونراد كان بحارا وضابطا بحريا، ومعظم رواياته تدور حول البحر والجزر والرحلات البحرية، فقد انصب اهتمامه «الألف ليلي» على رحلات السندباد، وكانت الصورة البديعية التي أثرت فيه وترددت في أعماله هي صورة «شيخ البحر» الذي لاقاه السندباد البحري في سفرته الخامسة، والذي خدعه وركب فوق كتفيه وسخره كأنه بهيمة تحمله من مكان إلى مكان. وقد استخدم كونراد ذلك الرمز لتصوير العبء الثقيل الذي يمكن أن تحمله شخصية من شخصياته. وقد وردت تلك الصورة في روايتيه «الأوتوكراسية والحرب» (1905م) و«نوسترومو» (1904م). وقبل ذلك، كتب كونراد في خطاب له عن المصاعب التي يلاقيها في كتابة قصته «العودة» قائلا «إنها مثل شيخ البحر بالنسبة لي، فليس بوسعي أن أنزلها من فوق كتفي.» ويعيد نفس الصورة في خطاب له إلى «مننجهام جراهام»: «إننى كشيخ البحر، لا يمكنك أن تتخلص مني بمجرد اقتراح أن أكتب إلى أخيك.»
Unknown page