فأعجب الملك بما سمعه من تمسكها بالمبادئ النصرانية، وأثنى على عفتها وتقواها، وقال له: «هل هي معك هنا؟»
قال: «نعم هي في الخيمة الأخرى.»
فصفق الملك، فدخل غلامه فأمره أن يأتي بالفتاة القبطية، وقال لسمعان: «سأجعل سفرك إلى مصر في خدمتها؛ إكراما لكما.»
ثم عاد الغلام وقال: «إن الفتاة بالباب.» فنهض سمعان فاستقبلها تشجيعا لها على ملاقاة الملك. فدخلت وهي مطرقة، فابتدرها قائلا: «مرحبا بالفتاة الطاهرة النقية، لقد سمعنا بصدق تدينك وعفة نفسك، فأحببنا أن نراك ونهنئك - حفظك السيد المسيح وجعلك من مختاريه.»
فطأطأت رأسها حياء واحتراما فقال لها: «قد أوصيت محبنا سمعان أن يذهب معك فيوصلك إلى مأمنك.» قال ذلك باللغة القبطية لأنه كان يعرفها.
فاستأنست دميانة وفرح قلبها لاهتمام ملك النوبة بأمرها، وشكرت له تنازله، وخرجت ومعها سمعان إلى مبيتهما، فاستقرا هناك حتى أتيح لهما تعدية النيل إلى البر الآخر بدير هناك أقاما به أياما ينتظرون مرور قافلة ذاهبة إلى مصر يصطحبانها. •••
خشي ملك النوبة أن يتأخر سمعان عن أداء المهمة التي كلف بها فأمر بإعداد قافلة سير فيها جماعة من رجاله يحملون بعض أصناف التجارة إلى الفسطاط، وأمرهم أن يسيروا في طريق البادية على البر الغربي للنيل حتى يأتوا الجيزة تجاه الفسطاط، ومنها يعبرون النيل إليها، فيبيعون بضاعتهم في أسواقها ويذهب سمعان بدميانة إلى حيث تريد، ثم يبحث عن مكان البطريرك ميخائيل ويبلغه رسالته.
فلما أعدت القافلة سار سمعان ودميانة معه وكل منهما على جمله مع من يحتاج إليه من أسباب الراحة، وفي الطريق محطات تقف القافلة عندها للطعام أو الراحة أو النوم. ولم تكن دميانة تعرف أحدا في ذلك الركب إلا سمعان، فكانت تزداد استئناسا به وتقديرا له، وهو لا يفتر عن القيام على خدمتها ومؤانستها بالأحاديث المختلفة، وهي تقص عليه ما تعرفه أو ما مر بها، وتطرقت إلى سرد حكايتها وسبب خروجها من بيت أبيها، وبالغت في الثناء على زكريا لما أظهره من الغيرة عليها والتفاني في خدمتها حتى آخر عهدها به في حلوان، ثم ذكرت أنها لا تعلم عنه شيئا بعد ذاك.
فاهتم لأمرها، وسألها: «وإلى أين تقصدين الآن؟»
قالت: «لا أدري وإذا اقتربنا من الفسطاط نسأل عن المهندس سعيد بين رجال ابن طولون في القطائع، فإذا عثرنا عليه عرفت منه ما أريد.»
Unknown page