لذا فقد اتجهت للولو أطلب منه الإرشاد والنصح. ولم يكن لولو شخصا كثير الكلام، لكن من المريح أن تكون معه، وكان يقدمني لعائلته وأصدقائه بصفتي ابنه، لكن الأمور بيننا لم تتطور إلى أكثر من نصائح مباشرة، ولم يتظاهر أن علاقتنا أكثر مما هي عليه حقا. وأنا تفهمت هذه المسافة؛ فقد كانت تعني ضمنا وجود ثقة بيننا كرجلين. وبدت معلوماته عن العالم لا تنضب. فلم تتضمن هذه المعلومات كيفية تغيير الإطار الذي تسرب منه الهواء، أو الثغرات في لعبة الشطرنج فحسب. بل كان يعرف أمورا تتصف بقدر كبير من المراوغة، وطرقا للتعامل مع المشاعر التي كانت تنتابني، وطرقا لشرح ألغاز القدر المستمرة.
على سبيل المثال مسألة كيفية التعامل مع المتسولين. بدوا أنهم كانوا ينتشرون في كل مكان؛ فقد كانوا معرض للمرضى من الرجال والنساء والأطفال الذين يرتدون ملابس رثة تغطيها القاذورات، وبعضهم فقد ذراعيه والبعض الآخر فقد قدميه، وبعضهم ضحايا لمرض الإسقربوط أو شلل الأطفال أو الجذام يسيرون على أيديهم أو يتدحرجون على الأرصفة المزدحمة في عربات بالية، وسيقانهم ملتوية خلفهم مثل البهلوانات المتخصصين في تنفيذ حركات صعبة بأجسادهم. في البداية كنت أرى أمي تعطي نقودا لأي شخص يتوقف عند باب بيتنا أو يمد لها يده ونحن نسير في الشوارع. بعد ذلك عندما أصبح من الجلي أن فيضان الآلام لا ينتهي كانت تنتقي من تمنحهم نقودا بعد أن تعلمت تقييم درجة البؤس. ورأى لولو أن حساباتها الأخلاقية مثيرة للإعجاب لكنها سخيفة، وكلما رآني أنهج نهجها وأمنح المتسولين العملات القليلة التي أمتلكها رفع حاجبيه وانتحى بي جانبا وسألني: «كم معك من النقود؟»
فكنت أفرغ جيبي. وأقول: «30 روبية.» «وكم عدد المتسولين في الشارع؟»
حاولت أن أتخيل عدد من مر إلى جوار منزلنا في الأسبوع المنصرم. فيقول بمجرد أن يظهر علي أني لا أستطيع إحصاء العدد: «أرأيت؟» ويتابع: «من الأفضل أن تدخر أموالك وتحرص على ألا ينتهي بك الأمر أنت شخصيا في الشارع.»
وكان يطبق المبدأ نفسه مع الخدم الذين كان معظمهم فلاحين. كانوا شبابا وصلوا إلى المدينة حديثا ويعملون غالبا لدى عائلات ليسوا أحسن حالا منهم بكثير، ويرسلون النقود إلى أهلهم في القرية أو يدخرون ما يكفي لأن يبدءوا مشاريعهم الخاصة. وعندما كان لولو يرى أن لديهم طموحا، كان يساعدهم ليبدءوا أعمالهم الخاصة، ويتسامح بصفة عامة مع صفاتهم الشخصية غير المألوفة؛ فقد استأجر لأكثر من عام شابا طيبا يحب أن يرتدي ملابس نسائية في عطلة نهاية الأسبوع ، وكان لولو يحب الطعام الذي يطهوه، لكنه من الممكن أن يطرد الخدم دون أي شعور بالذنب إذا كانوا غير مهرة أو كثيري النسيان أو يكلفونه نقودا كثيرة، وكان يشعر بالحيرة عندما أحاول أنا أو أمي أن نحميهم من حكمه عليهم.
وقد قال لي لولو في أحد الأيام بعد أن حاولت أمي أن تتحمل هي اللوم لإسقاط جهاز راديو من على الخزانة: «إن أمك رقيقة القلب.» وتابع: «وهذه صفة جميلة في النساء. لكنك ستكون رجلا يوما ما، ويجب على الرجل أن يتحلى بمزيد من العقل.»
وقال إن هذا ليس له علاقة بما إذا كان المرء طيبا أم شريرا، أو يحب الناس أو يكرههم. إنها مسألة تقبل الحياة بشروطها.
شعرت بضربة عنيفة في الفك، ونظرت إلى أعلى إلى وجه لولو الذي يتصبب عرقا. «انتبه. وأبق يديك مرفوعة لأعلى.»
تدربنا نصف ساعة أخرى قبل أن يقرر لولو أن وقت الراحة قد حان. كانت ذراعاي تؤلمانني، ورأسي يخفق بألم مستمر. أخذنا إبريقا مليئا بالماء وجلسنا بالقرب من بحيرة التماسيح.
وسألني: «أتشعر بالتعب؟»
Unknown page