Acdad Wa Bina Insan

Zahra Sami d. 1450 AH
103

Acdad Wa Bina Insan

الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية

Genres

xohoisogio

التي تعني «جميع أبناء اليد». وبدا أن بعض الأفراد في هذه القرية قد تعلموا بعض المبادئ الأساسية لتمييز الكميات، وإن كان ذلك يعود جزئيا إلى تلك الدروس على الأقل.

ولكي أتوصل إلى حل أفضل لهذه المشكلة؛ عدت إلى قرية أخرى من قرى البيراها بعد ذلك بعدة أسابيع، ثم عدت مرة أخرى في صيف عام 2010. وقد كانت ثمرة هذا البحث الذي أجريته مع أمي، التي تتحدث لغة البيراها بإتقان شديد كأبي، هو سلسلة من النتائج التي أيدت معظم ما توصلت إليه الدراستان التجريبيتان السابقتان اللتان أجريتا على أفراد البيراها. وقد قدمت هذه النتائج أيضا تأييدا قاطعا لفرضية جوردون الأولية، وهي أن أهل البيراها غير المدربين، والذين لا يستخدمون مفردات الأعداد ولا غيرها من رموز الكميات، لا يستطيعون التمييز بين الكميات الأكبر من ثلاثة على الدوام وبصورة منتظمة. وينطبق ذلك أيضا حتى على الأفراد الذين لم يطلب منهم سوى أن يؤدوا أبسط مهام المطابقة، وهي مطابقة خط بخط.

8

كررت دراستنا مهام المطابقة سابقة الذكر، باستخدام وسائل ومحفزات مماثلة لما استخدمه فرانك وزملاؤه، وهي بكرات من الخيط وبالونات من المطاط، وبعض المحفزات الأخرى، مع الحصول على النتائج نفسها في دراسة المتابعة. غير أننا حين اختبرنا أفراد البيراها في قرية أخرى غير «آه جي أوه باي»، لم يكن المشاركون في الدراسة قد تعرضوا لتدريس مفردات الأعداد في الشهور السابقة على عملنا التجريبي. وشارك في هذا المشروع أربعة عشر فردا من البالغين (ثماني نساء وستة رجال)، لكننا أجرينا بعض المهام مع الأطفال أيضا، الذين كانوا متحمسين للاشتراك. في مهام المطابقة الثلاث كانت إجابات أفراد البيراها تتضمن أخطاء حين يعرض عليهم أربعة محفزات أو أكثر. وانخفضت نسبة الإجابات الصحيحة من 100 بالمائة، عند عرض 1 أو 2 أو 3 عناصر ، إلى حوالي 50 بالمائة عند عرض 5 عناصر، وانخفضت هذه النسبة تدريجيا مع الكميات الكبيرة. وبالنسبة إلى الكمية 10، وهي أكبر كمية في الاختبار، كانت الإجابات صحيحة في ربع الوقت فقط في مهام مطابقة خط بخط ومهام المطابقة المتعامدة، وفي عشر الوقت فقط في مهام مطابقة الخط المخفي.

والأمر ببساطة أن أفراد البيراها يواجهون صعوبة في التمييز بين الكميات بدقة وتذكرها في السياقات التجريبية، متى ما كانت الكمية محل الاختبار تتجاوز ثلاثة. والدراسات التجريبية الثلاث كلها تؤيد هذا الاستنتاج، وتتسم نتائجها في معظم المهام بدرجة كبيرة من الاتساق. إضافة إلى ذلك، فإن الاختلاف ذا الصلة في نتائج فرانك وزملائه يمكن تفسيره بسهولة. وحتى إذا تشكك المرء في التفسير المقترح لهذا الاختلاف (وهو التدريب على الأعداد في قرية «آه جي أوه باي»)، فسوف تبقى الحقيقة أن مجموعات النتائج الثلاث جميعها، توضح أن أفراد البيراها يواجهون صعوبة في أداء مهام تمييز الكميات، التي نعرف أن الشعوب العددية يؤدونها بسهولة. والتفسير الأكثر وجاهة لبيانات البيراها هو أنه دون تعلم مفردات الأعداد واستراتيجيات العد المتعلقة بها، فإن الأفراد يفتقرون إلى القدرة على توحيد الحاستين الفطريتين اللتين نتشارك فيهما جميعا، من أجل التمييز بين الكميات؛ تبقى الحاستان العدديتان منفصلتين، وتصبح مهارات الإدراك الكمي محدودة، مقارنة بالإدراك الكمي لدى الشعوب العددية. ويبدو أن توحيد هاتين الحاستين يستلزم أن يولد المرء في ثقافة عددية، ويستخدم مفردات الأعداد.

9

إضافة إلى تكرار الدراسات السابقة بين أفراد البيراها، قمنا بعد ذلك باختبار مهارات الإدراك الكمي لديهم بطرق أخرى. فعلى سبيل المثال، طلبنا منهم في بعض المهام تكرار سلسلة من الإشارات، أو سلسلة من الأصوات، كالتصفيق. وفي جميع الحالات ظل أداؤهم يشير إلى أنهم يواجهون صعوبة في التمييز بدقة بين الكميات؛ إذ يبدو أنهم يستخدمون الحاسة العددية التقريبية عند التمييز بين الكميات، بصرف النظر عن كيفية استقبالهم للمحفزات المعنية.

ومن سوء الحظ أن النتائج التي جمعها الباحثون من أفراد البيراها، ما زالت تفسر على نحو غير صحيح في كثير من الأحيان؛ فمن التفسيرات السطحية والخاطئة بشكل واضح، مثلما أشرنا من قبل، هو أن أداء الأفراد يدل بطريقة ما على وجود قصور في مهارات الإدراك على مستوى السكان، وهو تفسير لا يمكن الدفاع عنه من منظور تجريبي. ومن التفسيرات الأخرى التي يمكن دحضها بسهولة أن الأفراد لا يبذلون جهدا في أداء مهام التجربة المعنية، أو يولون اهتمامهم لأشياء أخرى خلال أداء المهام. ولا يتفق هذا التفسير مع الفحص الدقيق للنتائج ؛ إذ إن المشاركين لا يخمنون الإجابة فحسب، بل إننا نجد منهم إجابات تقريبية صحيحة بصورة منتظمة. فمن الواضح أنهم يولون انتباههم إلى الكمية، لكن ذلك يكون بشكل تقريبي. وأما التفسير الثالث، وهو الأكثر وجاهة وتؤيده جميع النتائج التي حصلنا عليها من أفراد البيراها حتى الآن، فهو أنهم جماعة لا عددية، يفتقرون إلى وجود اللغة العددية أو غيرها من مظاهر الثقافة العددية، وهذا الافتقار إلى وجود الأعداد هو الذي ينتج هذا التأثير الواضح في قدرتهم على تمييز الكميات وتذكرها. وليست الدراسات التجريبية وحدها هي التي تدعم هذا التفسير، بل تدعمه أيضا تقارير كثير من الأجانب الذين تفاعلوا مع هذه الجماعة؛ فما من شيء في الثقافة الأصلية لجماعة البيراها يشير إلى وجود العد الدقيق؛ فالمباني التي يسكنون بها، والأدوات التي يصطادون بها، وغيرها من الأدوات الصغيرة، لا تستلزم في إنتاجها تمييزا دقيقا بين الكميات.

وبالرغم من ذلك، فمن المؤكد أن بعض مظاهر ثقافتهم تتطلب التمييز بين الكميات الكبيرة بصورة منتظمة، أليس كذلك؟ وفي ذلك الصدد يتضح لنا بعض من المفاهيم الخاطئة التي صادفتها مرات عديدة في المحاضرات وغيرها من السياقات، ففي الفقرة التالية التي قدمها أحد المعلقين على الإنترنت على مقالة نشرت في مجلة «سليت» بشأن نتائج هذه الدراسة التجريبية: «إذا كان ثمة سيدة في هذه الجماعة، ولديها سبعة أطفال أو حتى خمسة، فكيف ستربيهم وتهتم بهم إذا كانت غير قادرة على استخدام الحساب لمعرفة أعمارهم النسبية؟ هل يمكن للأم أصلا أن تتذكر أن لديها أكثر من طفلين أو ثلاثة؟ وإذا كانت تستطيع أن تتذكر فلا بد أنها تستطيع العد في سياقات أخرى أيضا.»

Unknown page