الفصل الخامس والثلاثون
الرفض
فلما استتب به المقام خاطبته جلنار قائلة: «لقد شغلت بالنا بغيابك وأنت تعلم أن والدي إنما أذن بمجيئك لتكون معي؛ لأني لم أزل أعتبر نفسي غريبة بين هؤلاء القوم، وأنت منذ أتينا إلى هذا المعسكر لم تمكث إلا قليلا، ونحن دائما على أحر من الجمر في انتظارك.» فأطرق الضحاك ولم يجب، فاستأنفت جلنار الكلام وكأنها استدركت موقفها فقالت: «لا أنكر أنك لا تغيب إلا في مهمة تهمني، وأنك من أشد الناس غيرة علي، وسعيا في راحتي، ولكنك أقلقتني في هذا المساء حتى كادت تزهق روحي.»
فابتسم الضحاك ابتسامة اعتذار، وأجاب بسكون ورزانة واحترام: «يسوءني يا مولاتي أن أسبب لك تعبا أو قلقا، ولكني أقسم برأس مولاي الدهقان أني إنما غبت في سبيل خدمتك، ومتى عرفت من أين أنا آت الآن عذرتني.»
قالت: «من أين؟»
فالتفت إلى ريحانة كأنه يستشهدها فيما قاله لها في هذا الشأن وقال: «قصصت بعض حديثي على ريحانة في أثناء نومك، ولا بأس من الإعادة: أتيت الآن من معسكر الخراسانيين بعد مداولتي مع الأمير أبي مسلم.»
فلما سمعت الاسم بدا الاحمرار في وجهها، وظهرت علامات الحب في عينيها، وغلب عليها الحياء، فأطرقت وهي تبدي عدم الاهتمام ثم قالت: «وما الذي حدث؟»
قال: «لم يحدث شيء بعد، وأخشى ألا يحدث شيء فيذهب سعينا هباء.»
قالت وقد أوجست من ذلك القول: «ما الذي تخشاه؟»
قال وهو يخفض صوته: «أخاف أن ينقلب سعينا علينا؛ فنحن إنما ركبنا هذا المركب الخشن وحملنا دهقانة مرو إلى خيمة هذا الرجل، وحملناها ما حملناها من المشقة، وعرضناها للخطر على شرط الوصول إلى ما تبتغيه من قائد جند الخراسانيين، وقد تنسمت من كلام ريحانة الآن أن الأمر سيصير إلى غير المراد.»
Unknown page