فتكلف أبو مسلم الابتسام وهو يتناول السيف بيده، وليس في ابتسامته ما يدعو إلى الاستئناس أو السكينة . ولما تناول السيف تأمله وقلبه بين يديه، ثم نظر إلى الضحاك - وكان لا يزال واقفا - وقال: «اجلس.»
فجلس متأدبا وهو يتلفت يمينا وشمالا، فقال له أبو مسلم: «ما شأنك يا رجل؟ إني أراك عربيا.»
فتراجع الضحاك وأظهر الخوف وقال: «وهل علي بأس من وصية الإمام؟»
فلم يتمالك أبو مسلم عن الضحك من حركاته وهيئته - وكان يندر أن يضحك - ثم قال: «إن وصيته لا تجري على كل عربي؛ لأن الإمام نفسه عربي؛ فكن مطمئنا وقل ما شأنك.»
فنظر الضحاك نحو الباب نظر الخائف المحاذر وقال: «أتوسل إلى مولاي أولا أن يكتم ما سيدور بيني وبينه؛ فقد جئته بأمر أرجو أن ينفعه، وإذا ذاع أضرني.»
قال: «قل. لا بأس عليك. إننا كاتمون أمرك.»
قال: «اعلم يا سيدي أن مولاتي الدهقانة جلنار. هل تعرفها؟»
فوجم أبو مسلم لحظة ثم قال: «أليست هي ابنة الدهقان؛ صاحب هذه المحلة؟»
قال: «هي بعينها، أظنك تعرفها. فاعلم، يا مولاي، أنها شهدت مجلسك بالأمس، وقد سحرت بما شهدته من حميتك، وأعجبها الأمر الذي أنت قائم به، وعلمت بما دفعه أبوها، وأحبت أن تخص نفسها بمال تدفعه هي من جيبها الخاص، فبعثت بجانب منه في هذه الخريطة (وأومأ نحو الخريطة) على شرط ألا يعلم أحد بذلك، وخاصة أباها، وهي لا تلتمس في مقابل ذلك إلا رضى الأمير - أعزه الله - ثم إنها بعثت إليك بهذا السيف المرصع على سبيل التذكار، وهو قديم فيه سر عظيم، ولم يحمله أحد إلا هزم عدوه.»
فأعاد أبو مسلم نظره في السيف، وتناوله واستله من قرابه وتأمل فرنده، فإذا هو يلمع كالزجاج وفيه تموج بديع، فقال: «يظهر أنه مسموم؟»
Unknown page