قال: «ما رأيك في صاحب الخبر الذي بعثناه بالأمس، هل تظنه تمكن من التجسس؟»
قال: «لا أظنه إلا فعل، وإذا أبطأ علينا فلا يؤخره إلا المطر والوحال؛ لأنه من أهل النجدة والهمة.»
قال: «إني في انتظاره على مثل الجمر؛ لنعلم حال أعدائنا في مرو، فنتدبر في حربهم.»
قال خالد: «ذلك هو الأمر الذي شغل خاطري الليلة وحرمني النوم، على أني واثق بالرجل وإخلاصه؛ لأنه يخشى غضبك، وهو يكره نصر بن سيار كرها شديدا.»
قال أبو مسلم: «ليس في معسكرنا من يحب نصرا، ولكنني أخاف أن يخدعهم الكرماني؛ لأنه من دهاة الرجال، وقد بلغني أنه أخرج نصرا من مرو وتملكها.»
وبينما هما في ذلك إذ سمعا حركة في داخل الدار، وإذا ببعض الغلمان قد أقبلوا وهم يحملون موقدا فيه نار قد تجمرت وضعوه في أحد جوانب الغرفة للاستدفاء، وذروا فيه شيئا من البخور، فانتشرت رائحته في الدار كلها، فاستأنس أبو مسلم بالدفء والبخور، وجلس على وسادة فوق البساط، والتف بمعطف من خز أسود، ولف عمامته على رأسه بغير نظام، وأشار إلى خالد فجلس إلى جانبه، ثم تذكر أنه لم يصل بعد، فنهض ونهض معه خالد وصليا الصبح، وجلسا وكلاهما يفكر في أمر الرجل الذي أرسلاه ليتجسس أحوال مرو قبل وصولهم إلى تلك المحلة. وكانا قد أوعزا إليه أن يوافيهما إلى هناك.
الفصل السادس عشر
أبو مسلم والضحاك
وبعد هنيهة جاء الخدم بالطعام فأكلا وغسلا أيديهما ولم يتكلما إلا قليلا؛ لأن أبا مسلم كان قليل الكلام جدا. وفي نحو الضحى، دخل أحد غلمان أبي مسلم وأومأ أنه ينقل رسالة، فقال أبو مسلم: «ما وراءك؟»
قال: «إن في الباب رجلا يطلب مقابلة الأمير.»
Unknown page