Abu Muslim Khurasani

Jurji Zaydan d. 1331 AH
184

Abu Muslim Khurasani

أبو مسلم الخراساني

Genres

ثم نهض وودعهما وخرج، ودخلتا تتأهبان للرحيل وهما مضطربتان، ولا سيما جلنار، فقد أصبحت كلما تذكرت ذلك اليهودي ترتعد فرائصها وتتألم من انطلاء حيلته عليها حتى كشف أسرارها، ثم تتذكر ذهاب العيارين في أثره فيطمئن خاطرها، وريحانة مشتغلة عنها بتدبير الثياب والحلي ، وانتقاء ما خف حمله.

الفصل التاسع والستون

بنو العباس

أما صالح، فإنه خرج يلتمس قصر أبي سلمة ليسأله عما فعله أبو ضرغام ورفاقه، وقد عزم على أنه إذا رآهم قد أتوا به حيا أن يحرض أبا سلمة على قتله حالا، ويخفي ذلك عن جلنار. وكانت الشمس قد مالت إلى الأصيل. وقبل وصوله إلى القصر سمع ضوضاء وقرقعة وصليلا وراء بعض البيوت مما يلي طريق الشام، فالتفت إليها فرأى قافلة من الجمال يقودها حمار عليه عبد أسود، وحول القافلة بغال بسروج، عليها رجال بملابس حسنة كلهم ملتفون بالعباءات، ويكاد يزيد عددهم على العشرين غير المشاة في ركابهم من الخدم والعبيد، وفي مؤخرة القافلة بغال عليها الهوادج لحمل النساء والأطفال، ويتقدم الجميع فارس بملابس أهل الكوفة يظهر من شكله أنه خرج من الكوفة للقائهم، فتفرس في الرجل فعرف أنه من حرس أبي سلمة.

وقد فكر صالح قليلا فبدا له أنهم بنو العباس القادمون من الحميمة بعد القبض على إبراهيم الإمام، فتقدم حتى وقف بحيث يراهم وهم يمرون - والناس لا يهتمون بهم؛ لأنهم لا يعرفونهم، وقد تعودوا أمثال هذه القافلة من الضيوف ينزلون في دور لأبي سلمة خاصة بالضيوف - فأخذ صالح يتفرس في الراكبين على البغال فرأى المنصور بينهم، فتحقق أنهم بنو العباس، وتذكر ما دار بينه وبين أبي سلمة بشأنهم في هذا الصباح. وقد وقع نظر المنصور على صالح، ولكنه لم يعرفه ولا فطن له؛ لاختلاف سحنته عما كانت عليه يوم أن قابله. وكان صالح يتوسم في المنصور قوة ودهاء، ويتوقع له الخلافة بعد أبي العباس إذا ثبتت الخلافة في العباسيين. ولما بشره بالخلافة يوم مقابلته في الحميمة لم يقل ذلك عن روية ونظر، وإنما قاله لمجرد استرضائه؛ لعلمه أن كل واحد من أبناء الخلفاء وأخوتهم يعتقد أنه أحق بالخلافة، وقد يوفق إليها غير أهلها، فقال له ذلك كي يسره، فإذا صدق قوله وتولى المنصور الخلافة كانت له يد عنده، فلعله ينفعه في أمر من الأمور.

على أن صالحا كان في أثناء تلك المقابلة لا يزال يعتقد في قدرته على نقل الخلافة إلى العلويين، فلما رأى ما رآه من ضعف أبي سلمة، وعجزه عن الفتك، وتحريمه الغدر، أصبح لا يرجو للعلويين فوزا، وفترت همته في نقل الخلافة، وحصر همه في مقتل أبي مسلم انتقاما منه، وثاراته كثيرة عليه، وفي جملتها أن سقوط الخوارج إنما كان بسببه، فإذا قتله فإنه ينتقم لشيبان؛ أمير الخوارج، وسائر رجاله.

وظل واقفا حتى مرت القافلة، ولما اقتربت من دار الضيوف تقدم إليها أحد أهل القصر ليحولها إلى قصر أعده لهم في بعض أطراف المحلة، فأدرك صالح أن أبا سلمة ينوي كتمان أمرهم عن الناس، وعلم أنه لا يلبث أن ينزل لملاقاتهم أو زيارتهم للترحيب بهم، فأسرع لمقابلته قبل خروجه ليسأله عن نتيجة سعي العيارين، فسار ماشيا حتى دخل القصر وطلب مقابلة أبي سلمة فأدخلوه إليه، فرآه جالسا وقد زاد غضبه وظهر الارتباك على وجهه، فلما دخل عليه صالح لم يتمالك عن القيام بغتة، ومشى نحوه مشية مستنجد وقال: «كأننا سعينا بقتل أحد هؤلاء العباسيين أن نتحمل أثقال سائرهم. هل رأيتهم قادمين؟»

فلما أدرك صالح استياءه استبشر لعله يستطيع إغراءه على قتلهم فقال: «ولو علمت يا مولاي أنك تقف في نصرتك للشيعة العلوية عند هذا الحد، فيذهب سعيك بذلك وجهدي هباء، وتعرض حياتك وحياة سائر أهلك وأصحابك للخطر ما أقدمت على ما أقدمت عليه، مع أنك قادر في هذه الساعة أن تنقل الخلافة إلى العلويين كما أخبرتك في هذا الصباح، ولا يكلفك ذلك إلا كلمة. قل هذه الكلمة وأنا أقضي الأمر، فإنها فرصة لا ينبغي ضياعها. ووالله لو ظفر أبو مسلم بمثلها ما أغفلها، وزد على ذلك أن حياتك أصبحت في خطر إذا استبقيتهم.»

فقال أبو سلمة: «وأي خطر؟»

فقال صالح: «إذا لم يظفر عياروك بذلك العراف، وتمكن من الفرار إلى أبي مسلم، وأطلعه على خبرك، فهل تظنه يعفو عنك؟»

Unknown page