فاستغرب ضحكها، ورأى جلنار تضحك معها، كأنهما تكتمان خبرا مضحكا، فقال لها: «ما بالك تضحكين؟ ألم يبلغ رسولنا الرسالة كما يجب؟»
قالت ريحانة: «لا أضحك على ذلك، فإنه بلغها كما ينبغي، ولكنني تذكرت حاييم العراف الذي جاء معه.»
فخفق قلبه عند سماع ذلك الاسم واضطربت جوارحه وقال: «أي عراف؟ ومن هو حاييم هذا؟»
قالت ريحانة: «هو عراف يهودي من أهل حران التقى به سائسنا أثناء رجوعه من مهمته.»
فعلم صالح أنها تعني إبراهيم الخازن، فخشي أن يكون قد اطلع منها على شيء، فقال: «وما الذي أضحكك من هذا العراف؟»
قالت ريحانة: «أضحكني منه أنه خفيف الروح، كثير المجون، فضلا عن مهارته في استطلاع الخفايا بالتنجيم. إني لا أنسى حركاته في استخدام الأسطرلاب؛ فقد أضحكنا كثيرا، ولولا السائس لم يتيسر لنا الاجتماع به. وقد كان لمولاتي الدهقانة تسلية كبرى في أثناء انتظارها رجوعك. ومع خفة روحه، فإنه نادر المثال في استطلاع الخفايا، وقد رأينا منه المعجزات.»
فازداد خوف صالح وقال لها: «ما الذي كشفه لكم من الخفايا؟»
قالت ريحانة: «كشف لنا عن أشياء كثيرة، وأغرب ما في مهارته أنه كان يطلعنا على أسرارنا بالإشارة، ولا ينطق لفظا.»
فتحقق صالح أن ذلك العراف لم يكشف لهم سرا، ولكنه ساقهم إلى كشف أسرارهم بالإشارات المبهمة على عادة أولئك المشعوذين في مثل هذه الحال، فإنهم يستخدمون إشارات تنطبق على عدة معان، فإذا كان السائل يعتقد صدق العراف فسر إشارته وأولها حتى توافق ما في نفسه، فيبوح بسره وهو يحسب أن المنجم قد كشفه بمهارته، فأيقن صالح أن ذلك اليهودي اطلع على أخبارهم بالتنجيم على هذه الصورة، فاستعاذ بالله وهز رأسه، وظهر الارتباك في عينيه، فظنته ريحانة لم يصدقها فقالت: «يظهر أنك لم تصدقني، فاسأل مولاتي كيف قص عليها حديث والدها ومقتله، وفرارها معك إلى هنا حتى ذهابك إلى الشام.»
فلم يتمالك صالح أن صفق تصفيق الخاسر، ووثب من مجلسه وهو يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.»
Unknown page