سر جديد
فلما جلسا قال أبو مسلم بصوت منخفض: «أنت تعلم كم معي من رجال خراسان وهم طوع إرادتي، ولكنني لا أثق إلا ببعضهم، ولا أسلم سري إلى أحد منهم، وقد خطر لي في هذه الساعة خاطر أردت أن أستشيرك فيه؛ لما آنسته من إخلاصك وصدق خدمتك ودهائك، وإن كنت تتظاهر بالبله والمجون، فأنت أهل للمناصب العالية. فاعلم أن تواطؤنا على قتل ابن الكرماني لا يعلم به أحد من رجالي، حتى ولا خالد بن برمك ولا سليمان بن كثير؛ مخافة أن يطرأ ما يفسد علينا تدبيرنا، وقد خطر لي الآن أمر زادني خوفا من الفشل.»
قال الضحاك: «وما هو يا مولاي؟»
قال: «إذا نحن قتلنا ابن الكرماني، فمن يضمن لنا انصياع رجاله إلينا وهم عرب ونحن فرس؟ ألا تظنهم ينحازون إلى غيرنا؟»
فتجاهل الضحاك وقال: «وإلى من تعني يا مولاي؟ أما انحيازهم إلى نصر فأمر بعيد؛ لأنه قتل أميرهم الكبير.»
فقطع أبو مسلم كلامه قائلا: «أنا أعلم أنهم لا يحبون نصرا، ولكنهم قد ينحازون إلى جند الخوارج المعسكرين هنا. اصدقني لأنك عربي وتعرف ميول العرب؛ ألا تظن أمراء اليمنية يفضلون أولئك العرب علينا؟»
فأطرق الضحاك وقد وقع في حيرة لا يدري بماذا يجيب، واستغرب هذا السؤال، ولكنه تجلد وتظاهر بالسذاجة وقال: «أظنهم يفضلون العرب طبعا.»
قال أبو مسلم: «يخطر لي خاطر أنصحك به؛ فإما أن توافقني عليه، أو ندفنه هنا ولا يعلم به أحد.»
قال الضحاك: «إني طوع أمرك يا مولاي.»
قال: «قد علمت من أصحاب الخبر الذين بثثتهم في معسكر الخوارج منذ مجيئي إلى هذا المكان أنهم ينوون محالفة نصر بن سيار؛ صاحب مرو، على حربنا وحرب ابن الكرماني، فيخطر لي الآن أن أحالف هؤلاء الخوارج على نصر وابن الكرماني، فإذا قتلنا هذا جعلنا قيادة العرب اليمنية كافة على الأمير شيبان، بشرط أن يكون حليفنا على نصر؛ لأن الغرض الأصلي الذي قمنا من أجله بدعوة الإمام إنما هو إخراج الخلافة من بني أمية، وليس الغرض أن نفتح مرو أو غيرها من مدن خراسان. وهذا سر عميق لو علمت أن طائرا تنسم ريحه قتلتك، وأنت تعلم أني أقتل لمجرد الاتهام بأمر الإمام.»
Unknown page