الحمد لله الذى جعل لمكة فى الفضل مزايا ، وخصها ببيته الذى هو قبلة للبرايا ، وبحجه الذنب مغفور ، وبالطواف به تكثر الأجور.
أحمده على ما من به من النزول فى حماه ، وأساله دوام ذلك مدة المحياة.
وأشهد أن لا إله إلا الله الذى منح شارب ماء زمزم بنيل المنى ، وأشهد أن نبينا محمدا أفضل من حج ورمى الجمار بمنى ، صلىاللهعليهوسلم ما وقف واقف بعرفات والمشعر ، ورضى الله عن آله وأصحابه ما سعى ساع بين الصفا والمروة ، وبين الميلين الأخضرين أحضر.
أما بعد : فهذا ما وعدت بذكره فى كتابى «العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين» من أخبار مكة المشرفة ، وحكم بيع دورها ، وإجارتها ، وأسمائها ، وحرمها ، وحدوده ، وشيء مما يختص بذلك من المسائل ، وفضل الحرم ومكة ، والصلاة فيها على غيرها ، وغير ذلك من فضلها ، وحكم المجاورة بها ، وفضل الموت فيها ، وفضل أهلها ، وفضل جدة ، والطائف ، وغير ذلك من خبرهما.
وأخبار الكعبة المعظمة وفضلها ، وفضل الحجر الأسود ، والركن اليمانى ، وفضائل الأعمال المتعلقة بالكعبة ، وخبر الحجر الأسود ، والحجر بسكون الجيم ومقام الخليل عليهالسلام والأماكن التى صلى النبى صلىاللهعليهوسلم فيها حول الكعبة ، والأماكن التى يستجاب الدعاء فيها بمكة ، وحرمها.
Bogga 13
وخبر المسجد الحرام وزمزم ، وسقاية العباس رضى الله عنه ، والأماكن المباركة بمكة وحرمها ، والأماكن التى تتعلق بها المناسك ، وما علمته من المآثر بمكة ، وحرمها.
وأخبار جاهلية وإسلامية ، لها تعلق بالحاج ، وغير ذلك ، وما علمته من ولاة مكة فى الإسلام على سبيل الإجمال.
وهذا الأمر لم أر من عنى بجمعه قبلى ، وجميع ذلك ملخص من تأليفى «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» وجعلته أربعين بابا كأصله ، وسميته : «الزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة».
[ولى فى معنى هذه التأكليف ثلاثة تواليف أخر، أحدها يسمى "تحفة الكرام بأخبار البلد الحرام" وهو أكبرها بعد شفاء الغرام والآخر يسمى تحصيل المرام من تاريخ البلد الحرام والآخر يسمى هادى ذوى الأفهام إلى تاريخ البلد الحرام وهو دون تحصيل المرام والذى يحتوى عليه كتابى العقد الثمين هو تراجم جماعة من ولاة مكة وقضاتها وخطبائها وأئمتها ومؤذنيها وأعيان من أهل العلم والرواية من أهل مكة وغيرهم ممن سكنها مدة سنين أو مات بها، وتراجم جماعة ممن وسع المسجد الحرام أو عمره أو عمر شيئا نم المآثر كلامساجد ولامدارس والربط وغيرها من المآثر.
وفيه سوى ذلك سيرة نبوية قبل التراجم وبعد هذا التأليف لكونه عليه السلام من اهل مكة البلد الأمي ولسيادته لخلق الله أجميعن ومع مراعاتي فيه لكثرة الاختصار يكون فى أربعة أسفار وقد شرعت فى اختصاره وسميته مختصر عجالة القرى للاغب فى تاريخ ام القرى وفيهما من نفيس الفوائد ما يغتبط به أهل البصائر وتنشرح بنظره العيون ولسماعه الخواطر وأسأل الله أن ينفع بجميع ذك وأن يهدينا إلى خير المسالك.
Bogga 15
الباب الأول فى ذكر مكة المشرفة وحكم بيع دورها وإجارتها
Bogga 17
مكة المشرفة : بلدة مستطيلة كبيرة ، تسع من الخلائق ما لا يحصيهم إلا الله تعالى ، فى بطن واد مقدس ، والجبال محدقة بها كالسور لها.
ولها مع ذلك ثلاثة أسوار : سور فى جهة المشرق ، يعرف بسور باب المعلاة ؛ لأنه فى أعلاها ، وسور فى جهة المغرب والمدينة النبوية ، يعرف بسور باب الشبيكة ، وسور فى جهة اليمن ، ويعرف بسور باب اليمن وباب الماجن.
وكان جدر هذا السور وجدر سور باب المعلاة : غير كاملين بالبناء ، وكانا قصيرين عن القامة ، فعمرا حتى زادا على القامة ، وتكمل بناؤهما إلا موضعا فى سور باب المعلاة ، لأن ما تحته مهواة.
وهذه العمارة فى النصف الثانى من سنة ست عشرة وثمانمائة ، من قبل السيد حسن بن عجلان ، بعد أن هجم مكة فى غيبته عنها بن أخيه السيد رميثة بن محمد بن عجلان فى جمادى الآخرة من السنة المذكورة .
ثم أخربت من سور باب المعلاة مواضع ، وأحرق بابه ، لفتنة كانت بين أميريها المذكورين ، فى خامس عشرين من شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة .
ثم أعيد بناء ما تخرب ، وعمل باب حديد ، وذلك فى شوال وذى القعدة من السنة المذكورة .
Bogga 19
من باب المعلاة إلى باب الماجن : أربعة آلاف ذراع وأربعمائة ذراع واثنان وسبعون ذرعا بتقديم السين بذراع اليد ، وذلك على خط الردم ، والمسعى ، وسوق العلافة.
ومن باب المعلاة إلى الشبيكة : مثل ذلك ، بزيادة مائتى ذراع وعشرين ذراعا باليد ، وذلك فى الطريق المشار إليها ، إلا أنه يعدل إلى الشبيكة من الزقاق المعروف بابن عرفة.
ومن الجبال المحدقة بمكة : أخشباها.
وهما : أبو قبيس ، والأحمر المقابل له ، على ما ذكر الأزرقى والفاكهى.
وقيل : أبو قبيس وقعيقعان. ذكر ذلك ياقوت.
وعرف أبو قبيس بالأخشب الشرقى ، وقعيقعان بالغربى ، والأخشب الجبل الغليظ.
وفى تسمية أبى قبيس أقوال : أحدها : أنه يسمى برجل من إياد.
وذكر الوراق : أنه يقال له : أبو قابوس ، وشيخ الجبال .. انتهى.
و «أبو قبيس» اسم لحصن بحلب قبالة شيزر ، على ما ذكر ياقوت.
و «قعيقعان» اسم لمواضع ذكرها ياقوت ، ولموضعين لم يذكرهما ، أحدهما : يلية من عمل الطائف ، والآخر باليمن.
وسيأتى إن شاء الله تعالى شيء فى سبب تسميته بقعيقعان.
وبمكة أبنية كثيرة ، وعين جارية ، وآبار غالبها مسبل ، وبرك مسبلة ، وحمامان.
وكان بها ستة عشر حماما ، على ما ذكر الفاكهى .
وبعض الدور التى بمكة : علامة لحد المعلاة والمسفلة ؛ لأن دار
Bogga 20
الخيزران عند الصفا علامة لحد المعلاة من شق مكة الأيمن ، ودار العجلة علامة لحد المعلاة من شق مكة الأيسر.
وذكر الفاكهى خبرا يقتضى تفضيل المعلاة على المسفلة .
وذكر الفاكهى شيئا مفيدا فى مخاليف مكة ؛ لأنه قال : وآخر أعمالها مما يلى طريق المدينة موضع يقال له : جنابذ بن صيفى فيما بين عسفان ومر ، وذلك على يوم وبعض يوم.
وآخر أعمالها مما يلى طريق الجادة فى طريق العراق : العمير ؛ وهو قريب من ذات عرق ، وذلك على يوم وبعض يوم.
وآخر أعمالها مما يلى اليمن على طريق تهامة اليوم موضع يقال له : ضنكان ، وذلك على عشرة أيام من مكة.
وقد كان آخر أعمالها فيما مضى : بلاد عك.
وآخر أعمالها مما يلى اليمن فى طريق نجد ، وطريق صنعاء موضع يقال له «نجران» على عشرين يوما من مكة .. انتهى.
وذكر بن خرداذبة فى «مخاليف مكة» ما يوافق ما ذكره الفاكهى ، وصرح فيهما بما لم يصرح به الفاكهى .
وليس كل ما ذكراه معدودا اليوم فى أعمال مكة ؛ لأن كثيرا من ذلك ليس لأمير مكة الآن فيه كلام.
Bogga 21
وأبعد مكان عن مكة لأميرها الآن فيه كلام : «الحسنة» وهى بلدة بينها وبين «قنونا» يوم ، وبين «حلى» يومان.
وكلامه فيها باعتبار أن له على مزارعها كل سنة مائة غرارة مكية ، فيما قيل ، وله أيضا رسم على أهل «دوقة» و «الواديين» و «الليث» .
وأبعد مكان بعد هذه الأماكن عن مكة لأميرها فيه كلام الآن وادى الطائف ، ووادى «لية» ، ولأمير مكة فيهما من الكلمة والعادة على أهلهما أكثر مما له فى الأماكن السابق ذكرها.
ولقاضى مكة نواب بوادى الطائف ، و «لية».
وصرح جماعة من فقهاء الشافعية بأن الطائف ووج وما ينضاف إليهما منسوبة إلى مكة ومعدودة فى أعمالها ، وهذا فى «الروضة» للنووى.
ومن أعمال مكة فى صوب الطائف : وادى نخلة الشامية ، واليمانية. ونخلة على ليلة من مكة.
وأبعد مكان عن مكة فى صوب المدينة لأمير مكة الآن فيه كلام : وادى «الهدة» هدة بنى جابر وهى على مرحلة من «مر الظهران» ، ومر الظهران على مرحلة من مكة ، وهو والهدة معدودان من أعمالها.
Bogga 22
وولاة مكة الآن يأخذون ما يغرق فى البحر فيما بين جدة ورابغ ، ويرون أن ذلك يدخل فى عملهم.
و «جدة» من أعمال مكة فى تاريخه وفيما قبله ، وهى على مرحلتين من مكة.
وليس كل ما ذكره بن خرداذبة والفاكهى فى مخاليف مكة داخلا فى الحجاز ، الذى هو : مكة ، والمدينة ، واليمامة ، ومخاليفها.
وقد عرف الحجاز بذلك الإمام الشافعى رضى الله عنه وغيره.
وقيل فى الحجاز غير ذلك.
وسمى حجازا : لحجزه بين تهامة ونجد.
وقيل فيه غير ذلك ، والله أعلم.
ذكر حكم بيع دور مكة وإجارتها اختلف فى ذلك قول مالك ، فروى عنه : أنه كره بيعها وكراء دورها ، فإن بيعت أو أكريت : لم يفسخ.
وروى عنه منع ذلك.
وليس سبب الخلاف عند المالكية : هل فتحت عنوة ، أو صلحا؟ لأنهم لم يختلفوا فى أنها فتحت عنوة ، وإنما سبب الخلاف عندهم فى ذلك : الخلاف فى مكة : هل من النبى صلىاللهعليهوسلم بها على أهلها ، فلم تقسم ، ولا سبى أهلها ، لما عظم الله من حرمتها ، أو أقرت للمسلمين؟ أشار إلى ذلك بن رشد وعلى الأول : ينبنى جواز بيع دورها وإجارتها.
Bogga 23
وينبنى منع ذلك على القول بأنها أقرت للمسلمين.
وفى هذا القول نظر ، فقد بيعت دور مكة فى عهد النبى صلىاللهعليهوسلم ، وعمر ، وعثمان رضى الله عنهما وبأمرهما اشتريت دور لتوسعة المسجد الحرام ، وكذلك فعل بن الزبير رضى الله عنهما .
وفعل ذلك غير واحد من الصحابة ، وهم أعرف الناس بما يصلح فى مكة.
وهذا مذكور فى تاريخ الأزرقى ، ما عدا بيعها فى زمن النبى صلىاللهعليهوسلم ؛ فإن ذلك مذكور فى كتاب الفاكهى عن عبد الرحمن بن مهدى .
ولا يعارض هذا حديث علقمة بن نضلة الكنانى وقيل الكندى : كانت الدور والمساكن على عهد النبى صلىاللهعليهوسلم ، وأبى بكر ، وعمر ، وعثمان رضى الله عنهم لا تكرى ولا تباع ، ولا تدعى إلا السوائب ، ومن احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن. وهذا لفظ الأزرقى ، وفى بن ماجه معناه .
لأن حاصل حديث علقمة : شهادة على النفى ، وفى مثل هذا يقدم المثبت ، والله أعلم.
واختلف الحنفية فى جواز بيع دور مكة ، واختيار الصاحبين أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن جواز ذلك ، وعلى قولهما الفتوى ، فيما ذكر الصدر الشهيد ، ومقتضى قولهما بجواز البيع : جواز الكراء ، والله أعلم.
واختلف رأى الإمام أحمد فى ذلك ، فعنه روايتان فى جواز بيع دور مكة وإجارتها ، ورجح كلا منهما مرجح من أتباعه المتأخرين .
ولم يختلف مذهب الشافعى فى جواز بيع دور مكة وكرائها ؛ لأنها عنده فتحت صلحا.
Bogga 24
وقال بعضهم عنه : فتحت بأمان ، وهو فى معنى الصلح.
وقال الماوردى من أئمة الشافعية : عندى أن أسفلها دخله خالد بن الوليد رضى الله عنه عنوة ، وأعلاها فتح صلحا.
قال النووى : والصحيح الأول ، يعنى أنها فتحت صلحا كلها.
وفى صحته نظر لأن الفتح صلحا نما يكون بالتزام أهل البلد المفتتحة ترك القتال والواقع من أهل مكة عند فتحها خلاف ذلك لأن فى مسلم من حديث أبى هريرة حديثا فى فتح مكة قال فيه ووبشت قريش أوباشا بها وأتباعا فقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا وفي ما يقتضى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم ووقوع القتل وذلك ينافى الصلح وفيه دليل على أن فتح مكة عنوة ومن أصرح الأخبار الدالة على أن فتح مكة عنوة : قوله صلىاللهعليهوسلم فى خطبته بمكة يوم فتحها : «يا معشر قريش ، ما ترون أنى فاعل بكم؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال صلىاللهعليهوسلم : اذهبوا فأنتم الطلقاء» وهذه الخطبة فى سيرة بن إسحاق تهذيب بن هشام .
قال بن الأثير فى «النهاية» فى حديث حنين : «خرج إليها ومعه الطلقاء هم الذين خلا عنهم يوم فتح مكة ، أطلقهم ولم يسترقهم» إلى آخر كلامه.
وإذا كان هذا معنى الطلقاء ، فخطاب النبى صلىاللهعليهوسلم لقريش هذا الخطاب يقتضى أنهم كانوا حين خوطبوا بذلك فى الأسر المقتضى
Bogga 25
للاسترقاق ، لو لا أن النبى صلىاللهعليهوسلم تفضل عليهم بالإطلاق ، ولو لا ذلك لم يكن لاستعلامه قريشا عما يتوقعونه منه محل ، كما لا محل لخطاب قريش بذلك بعد تأمينهم.
ويبعد الانفصال عن هذا الدليل بجواب شاف ، إلا أن يقال : إنه مرسل.
وفى أصل هذا الكتاب فيما يتعلق بفتح مكة فوائد أخرى ، مع بيان النظر فيما أجاب به النووى رحمهالله عن الأحاديث المقتضية لفتح مكة عنوة.
وفيما ذكره حجة للإمام الشافعى فى فتح مكة صلحا.
وفى أن دورها مملوكة لأهلها ، والله أعلم بالصواب.
وهذا من النووى : تأييد لقول الشافعى : إن مكة فتحت صلحا.
وفى شرح مسلم للقاضى عياض ، والمازرى ما يقتضى أنه انفرد بذلك ، ولم ينفرد به ؛ لموافقة مجاهد وغيره له على ذلك ، على ما وجدت بخط سليمان بن خليل إمام المقام الشريف بمكة ، فى حاشية فى المهذب ، نقلها عن «الشامل» ، ولم يقل فيها «لابن الصباغ» وهو له فى غالب الظن ، والله أعلم.
Bogga 26
الباب الثاني فى أسماء مكة
Bogga 27
لمكة المشرفة : أسماء كثيرة ، بعضها مأخوذ من القرآن العظيم ؛ وذلك ثمانية [أسماس]: «مكة» بالميم ، و «بكة» بالباء ، و «أم القرى» ، و «القرية» ، و «البلد» ، و «البلد الأمين» ، و «البلدة» ، و «معاد». ومواضعها فى القرآن العظيم ظاهرة.
وقد جمع شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى قاضى اليمن فى أسماء مكة أكثر مما جمعه غيره ، وذكرنا ذلك فى أصله.
وقد أغرب فى كثير مما ذكر ، وفاته مع ذلك أسماء أخر ،منها : «برة» ذكره سليمان بن خليل.
ومنها : «بساق» ذكره بن رشيق فى «العمدة فى الأدب».
ومنها : «البيت العتيق» ذكره الأزرقى.
ومنها : «الرأس» ذكره السهيلى وغيره.
ومنها : «القادسية» ذكره بن جماعة فى «منسكه» ، ولم يعزه.
ومنها : «المسجد الحرام».
ومنها : «المعطشة» ذكرهما بن خليل.
ومنها : «المكتان» ذكره القيراطى فى ديوانه ، وذكر السهيلى ما يشهد له فى غير موضع.
ومنها : «النابية» بالنون والباء ، ذكره الشيخ عماد الدين بن كثير فى تفسيره
Bogga 29
ومنها : «أم روح» ذكره بن الأثير فى كتابه «المرصع».
ومنها : «أم الرحمن».
ومنها : «أم كوثى» ذكرهما عبد الله بن عبد الملك المرجانى فى تاريخه للمدينة النبوية ، وعزا الأول لابن العربى ، وقال فيه ، بعد ذكره لأسماء مكة : ومن الخواص ، قيل إذا كتب بالدم على الجبين : «مكة وسط الدنيا ، والله رءوف بالعباد» انقطع الدم .. انتهى.
وقد اختلف فى «مكة» و «بكة» هل هما بمعنيين ، أو بمعنى واحد؟ واختلف القائلون بالأول.
فقيل : بكة : بالباء : موضع البيت ، وبالميم : القرية.
وقيل : بالباء : موضع البيت ، وبالميم : الحرم كله .
وقيل غير ذلك ، والله أعلم.
Bogga 30
الباب الثالث فى ذكر حرم مكة ، وسبب تحريمه ، وتحديده ،
Bogga 31
وعلاماته ، وحدوده وما يتعلق بذلك من ضبط ألفاظ فى حدوده ، ومعانى بعض أسمائها حرم مكة : ما أحاط بها ، وأطاف بها من جوانبها ، جعل الله تعالى حكمه حكمها فى الحرمة ، تشريفا لها ، أشار إلى ذلك الماوردى ، وابن خليل ، والنووى .
وسبب تحريمه على ما قيل : أن آدم عليهالسلام خاف على نفسه حين أهبط إلى الأرض ، فبعث الله تعالى ملائكة لحراسته. فوقفت فى مواضع أنصاب الحرم من كل جانب ، فصار ما بين آدم وموقف الملائكة حرما ، وقيل غير ذلك فى سبب تحريمه .
وللحرم علامات بينة ، وهى أنصاب مبنية من جميع جوانبه ، إلا من جهة الجعرانة ، وجدة ، فلا بناء فيهما.
والخليل عليهالسلام أول من نصبها ، بدلالة جبريل عليهالسلام ، ثم قصى بن كلاب ، ثم نصبتها قريش ، بعد أن نزعتها قبل هجرة النبى صلىاللهعليهوسلم ، وأمر عليه الصلاة والسلام بنصبها عام الفتح ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم معاوية رضى الله عنهم ، ثم عبد الملك بن مروان .
هذا ما ذكره الأزرقى فيمن نصبها .
Bogga 33
وقيل : إن إسماعيل نصبها .
وقيل : إن عدنان بن أدد أول من نصبها. ونصبها المهدى العباسى.
وفى خلافة الراضى العباسى : عمر العلمان الكبيران اللذان فى جهة التنعيم بالأرض لا الجبل وذلك فى سنة خمس وعشرين وثلاثمائة .
وفى سنة ست عشرة وستمائة : عمر العلمان اللذان هما حد الحرم من جهة عرفة ، من قبل المظفر صاحب إربل.
وعمرا فى سنة ثلاث وثمانين وستمائة من قبل المظفر صاحب اليمن .
وجميع حدود الحرم مختلف فيها ؛ لأن فى حدة من جهة الطائف على طريق عرفة من بطن «نمرة» أربعة أقوال : نحو ثمانية عشر ميلا ، على ما ذكر أبو الوليد الباجى المالكى.
وأحد عشر ميلا على ما ذكره الأزرقى ، والفاكهى ، وابن خرداذبة الخراسانى فى كتابه «المسالك والممالك» .
وتسعة أميال بتقديم التاء ذكره بن أبى زيد المالكى فى «النوادر».
وسبعة بتقديم السين ذكره الماوردى والشيخ أبو إسحاق الشيرازى والنووى .
وفيما قالوا نظر قوى ، يقتضى بعد استقامة قولهم ، كما سيأتى بيانه.
Bogga 34
وذكر النووى : أن الأزرقى تفرد بما قاله فى ذلك.
ولم يتفرد به ، لموافقة الفاكهى ، وابن خرداذبة له عليه ، ولا أعلم له فى ذلك مخالفا قبل من ذكرنا ، والله أعلم.
وفى حدة من جهة العراق أربعة أقوال : سبعة أميال بتقديم السين ، وثمانية ، وعشرة ، وستة .
وفى حدة من جهة الجعرانة قولان : تسعة بتقديم التاء ، وبريد .
وفى حدة من جهة التنعيم أربعة أقوال : ثلاثة ، ونحو أربعة ، وأربعة ، وخمسة .
وفى حدة من جهة جدة قولان : عشرة ، ونحو ثمانية عشر ، على ما ذكره الباجى .
وفى حدة من جهة اليمن قولان : سبعة بتقديم السين ، وستة ، على ما وجدت بخط المحب الطبرى فى كتابه «القرى» رأيته فى غير نسخة منه .
ووقع لبعض الحنفية فى حدود الحرام ما يستغرب جدا ، وذلك مذكور فى أصله.
وقد اعتبرت مقدار الحرم من جهته المعروفة بحبل مقدر على ذراع اليد ، وهو المعتبر فى مسافة القصر ، على ما ذكره المحب الطبرى ، فنذكر ذلك ، وهو : أن من جدر باب المسجد الحرام المعروف بباب بنى شيبة إلى العلمين اللذين هما علامة حد الحرم فى جهة عرفة : سبعة بتقديم السين
Bogga 35
وثلاثين ألف ذراع ومائتى ذراع وعشرة أذرع وسبعى ذراع باليد. ومن عتبة باب المعلاة إلى العلمين المشار إليهما : خمسة وثلاثون ألف ذراع وثلاثة وثمانون ذراعا وثلاثة أسباع ذراع بذراع اليد.
وأما حد الحرم من جهة العراق : فإن من جدر باب بنى شيبة إلى العلمين اللذين بجادة طريق وادى نخلة : سبعة وعشرون ألف ذراع ومائة ذراع واثنين وخمسين ذراعا باليد.
ومن عتبة باب المعلاة إلى العلمين المشار إليهما : خمسة وعشرون ألف ذراع وخمسة وعشرون ذراعا باليد.
وأما حد الحرم من جهة التنعيم : فإن من جدر باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة إلى أعلام الحرم فى هذه الجهة التى بالأرض ، لا التى بالجبل : اثنا عشر ألف ذراع وأربعمائة وعشرين ذراعا باليد.
ومن عتبة باب الشبيكة إلى الاعلام المشار إليها : عشرة آلاف ذراع وثمانمائة ذراع واثنى عشر ذراعا.
وأما حد الحرم من جهة اليمن : فإن من جدر باب المسجد الحرام المعروف بباب إبراهيم إلى علامة حد الحرم فى جهة الثمن : أربعة وعشرين ألف ذراع وخمسمائة ذراع وتسعة أذرع بتقديم التاء وأربعة أسباع ذراع.
ومن عتبة باب الماجن إلى حد الحرم فى هذه الجهة : اثنان وعشرون ألف ذراع وثمانمائة ذراع وستة وسبعون ذراعا بتقديم السين وأربعة أسباع ذراع.
وقال بن خرداذبة : طول الحرم حول مكة كما يدور : سبعة وثلاثثون ميلا ، وهى التى تدور بأنصاب الحرم .. انتهى.
Bogga 36
وهى فائدة حسنة ، إن صحت ، والله أعلم.
و «نفار» المذكورة فى جهة التنعيم : بنون وفاء وألف وراء مهملة.
ووقع فى حد الحرم من جهة العراق : «خل» بخاء معجمة.
وقال النووى : فيه «جل» بجيم ، ولعله تصحيف.
ووقع فى حد الحرم «لبن» وهى بكسر اللام وإسكان الباء الموحدة ، وضبطها بن خليل بفتح اللام والباء.
Bogga 37