الثاني: أن العباس كان في ذكائه وفطنته لا يخفى عليه كراهية كثير من الناس لعلي عليه السلام لصلابته في الحق وكثرة من قتل من قراباتهم وأصحابهم، فلو كان العباس كلمه في هذه القضية لكان الرأي أن يقول لعلي عليه السلام: اذهب بنا إلى رسول الله فلنسأله عن هذا الأمر: أليس فينا؟ فإذا قال: (بلى) طلبنا منه التصريح للناس وزيادة البيان حتى لا يقدروا على منازعتنا فيه، فهذه العبارة تكون أحسن من أن يقول: إن كان فينا علمنا ذلك؛ لأن علمهم -أعني بني هاشم- لا يكفي لحصول المقصود الذي دل عليه بقوله -في رواية الزهري، وبزعم الزهري-: أنت والله بعد ثلاث عبدالعصا؛ لأنه لا يدفع ذلك إلا وضوح الأمر للعامة وضوحا لا يحتمل التأويل، فأما علم بني هاشم به فلا يدفع معارضة من يعارض ويستميل العامة فيغلب بني هاشم.
فالكلام في الرواية غير متناسب، وتلك نكارة لا تليق بالعباس وجودة رأيه وحسن تدبيره، فالزهري أولى بها.
الثالث: أن تولي غيرهم لا يستلزم على الإطلاق أن يكون علي عليه السلام عبدالعصا؛ لأنه يمكن أن يلي الأمر غيره ويكون لعلي عليه السلام حرية مواطن مسلم، فالعبارة ركيكة يبعد أن يعبر بها العباس، وكان القياس لو صح الكلام عن العباس أن تكون العبارة: أنت بعد ثلاث رعية، أو نحوها.
الرابع: أن هذه الرواية توهم أن عليا عليه السلام مقر للعباس بعدم النص عليه من قبل، ومقرر له على ذلك الترديد: إن كانت فينا وإن كانت في غيرنا، كأن عليا عليه السلام لم يحضر يوم الغدير، ويسمع ويرى توليته فيه، ولم يسمع حديث المنزلة ولا غيرهما، بل كأنه لا يعلم دليلا على إمامته!
وهذا هو ما يرومه البكرية والعثمانية وسائر النواصب لتصويب من تقدمه وتخطئة من قدمه.
الخامس: أن العباس لم يقل: اذهب بنا إلى رسول الله فلنسأله أن يوليك بعده الخلافة، لم يقل هذا في الرواية، إنما قال -بزعم الزهري-: اذهب بنا فلنسأله في من هذا الأمر... إلى آخره.
Bogga 43