Hoggaamiyeyaasha Isbeddelka Casriga Cusub
زعماء الإصلاح في العصر الحديث
Noocyada
واتصل أمره بعين من أعيان المنصورة ذي مروءة فاستدعاه وأكرمه، وفتح له دكانا يبيع فيه المناديل وما إليها، فاتخذ دكانه متجرا للمناديل ومجمعا للأدب، يجتمع فيه بعض أصحابه يتذاكرون الأدب، ويتناشدون الأشعار، ويتبادلون النوادر. وبين هذا وذاك تأتي شارية لمنديل أو شار لعصابة.
وكانت هذه العادة فاشية في المدن، فقد يكون التاجر ذا ثقافة فقهية وأدبية فيتخذ أصحابه من دكانه مكانا للبحث في الفقه أو الحديث في الأدب، إذا لم تكن قد غزتنا المدنية الأوربية فعلمتنا التخصص، وأن مكان التجارة للتجارة فقط، وأما الحديث في العلم والأدب فله مكان آخر. وقد أدركنا أول زماننا شيئا من هذا، فكانت بعض الدكاكين مدارس، وخاصة في الأدب، لأن الأدب لم يكن يدر رزقا، إنما هو فن للمتعة، وكثير من أدباء عصر عبد الله نديم كان من هذا الطراز، فحسن أفندي عبد الباسط - الأديب الشاعر الهجاء - كان في بعض أيامه يفتح دكان عطارة في الزقازيق، ويجتمع به في دكانه أدباء الزقازيق وظرفاؤها، والشيخ أحمد وهبي الشاعر الأديب كان له دكان طرابيش بالغورية، وكانت مجتمع الأدباء والشعراء، ولكن أكثر هؤلاء لم ينجحوا في تجارتهم فالأديب فنان، والفنان - في الغالب - سمح يقدر الذوق الفني أكثر مما يقدر الدرهم والدينار؛ والتجارة تحتاج إلى الضبط والدقة، والعناية بالإيراد والصرف، والفنان - عادة - طليق لا تطيق نفسه القيود والحدود. وعلى كل حال وجد عبد الله نديم بعد برهة دكانة وليس فيها مناديل ولا جوارب، ولكن جماعة يتناشدون الأشعار، ويستهلكون ولا يغلون، فأغلق دكانه وطوف بالبلاد ينزل ضيفا على هواة الأدب، إلى أن نزل بطنطا، وصادف مولد السيد، فكانت له حادثة ظريفة لفتت إليه الأنظار وشهرته بين الناس.
وكانت البيوت أعظم شأنا من الدكاكين في أنها مجتمع الأصدقاء من ذوي العلم والفن يسمرون فيها السمر اللذيذ ويتحدثون الحديث الظريف، هذا بيته منتدى الأدباء وهذا بيته مجموع الفقهاء، وهكذا كل رجل يعرف مكانه من هذه البيوت على حسب ذوقه وميله، ويكثر ذلك في طبقة الأوساط والأغنياء من ذوي الميل العلمي والفني. وأدركت في حارتنا المتواضعة ثلاث بيوت من هذا القبيل، كان صاحب أحدها قاضيا شرعيا كبيرا، فكان بيته منتدى الفقهاء والعلماء يتسامرون عنده في الدين والفقه، والثاني موظفا ظريفا يسمر عنده أصحابه بالأخبار والفكاهات، ليلة يدعون قارئا جميل الصوت، وأحيانا فكها حسن الحديث؛ والثالث دفافا يضرب على الدف في الأفراح، فكان عنده كثير من هواة الآلات الموسيقية، يحيون عنده الليالي الملاح حتى الصباح. فما بالك بالموسرين إذا شغفوا بأدب أو علم أو فن، وكانوا كراما يفتحون بيوتهم للهواة من أمثالهم، يجدون فيها الطعام الشهي والفن الشهي؟!
كان بيت شاهين باشا كنج بطنطا - وهو مفتش الوجه البحري إذا ذاك - من هذا القبيل، كرم حاتمي، وذوق أدبي، وظرف نواسي، فتعرف به عبد الله نديم، فوجد فيه شاهين باشا قبح منظر، مع طلاقة لسان، وخفة روح، وسرعة بديهة فغطى ذلك على قبح منظره، واتخذه له نديما.
2
كان مرة يجلس في قهوة أيام المولد الأحمدي سنة 1249ه ومعه طائفة من أصحابه، ومنهم علي السيد علي أبو النصر الشاعر، والشيخ أحمد أبو الفرج الدمنهوري الأديب الماجن، قطع عليهم اثنان من «الأدباتية».
والأدباتية طائفة من الشحاذين يستجدون بأدبهم العامي وطلاقة لسانهم في الشعر، وحضور بديهتهم، عرفوا بالإلحاح في الطلب، فإذا رددتهم أي رد أخذوا كلمتك على البديهة، وصاغوا منها شعرا يدل على استمرارهم في طلبهم، واستغواء ممدوحهم، وقد جمعوا إلى طلاقة لسانهم وحضور بديهتهم منظرهم المضحك في ملبسهم وحركاتهم، فزرج خارج العمامة، وطبلة تحت الإبط، وحركات يدور معها رز العمامة كأنه نحلة، وتحريك لعضلات وجوههم كأنهم قردة، وسموا «أدباتية» جمع «أدباتي» وهي لفظ سخرية لأديب. فمر هذان الرجلان من طائفة «الأدباتية» على الحاضرين حتى وصلا إلى عبد الله نديم، فقال أحدهما:
أنعم بقرشك يا جندي
وإلا اكسبنا أمال يا أفندي
أحسن أنا وحياتك عندي
Bog aan la aqoon