352

ابن رواحة حين حلف أن لا يدخل على ختنه ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين امرأته ، وكان يقول : إني حلفت بهذا فلا يحل لي أن أصلح بينهما ، فنزلت. والعرضة فعلة بمعنى المفعول ، كالقبضة والغرفة. والفعلة للمقدار ، أي : اسم ما يعرض من أي شيء كان ، سواء كان العارض حاجزا بين شيئين ، كما يقال : فلان عرضة دوننا ، أو لم يكن بل يكون معرضا للشيء ، كما يقال : فلان عرضة للناس ، أي : نصب للوقوع فيه.

فعلى هذا يحتمل أن تكون الآية من المعنى الأول ، أي : ولا تجعلوا الله حاجزا لأيمانكم ، أي : حاجزا لما حلفتم عليه. فالمراد بالأيمان الأمور المحلوف عليها. وحينئذ تسمية المحلوف عليه يمينا يكون لتلبسه باليمين ، كقوله صلى الله عليه وآلهوسلم لعبد الرحمن بن سمرة : «إذا حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيرا منها ، فأت الذي هو خير». ويكون قوله : ( أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ) عطف بيان لأيمانكم ، أي : للأمور التي هي البر والتقوى والإصلاح. كذا قيل.

وفيه بحث ، لأن حمل الأيمان على المحلوف عليه إن صح كان مجازا ، ولا يصار إليه إلا مع تعذر الحقيقة ، وليست متعذرة ، لجواز أن تكون الآية من المعنى الثاني ، أي : لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم ، أي : لا تكثروا الحلف به حتى في المحقرات وفي غير المهمات ، لا في المهمات الضرورية ، ولذلك ذم الحلاف بقوله : ( ولا تطع كل حلاف مهين ) (1). ويكون «أن تبروا» علة للنهي ، أي : أنهاكم عن ذلك إرادة بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس ، فإن الحلاف مجترئ على الله ، والمجترئ لا يكون بارا ولا متقيا ولا موثوقا به في إصلاح ذات البين.

ويستفاد من التأويل الأول أنه متى تضمن اليمين ترك بر أو تقوى أو إصلاح ، فإنها باطلة لا يجب العمل بمضمونها ، ويجوز مخالفتها ، ومن الثاني النهي عن كثرة

Bogga 357