أن البر هو التوجه إلى قبلته ، وصرفوا أكثر أوقاتهم إلى البحث عنه ، حتى اشتغلوا عن أكثر أمورهم ، فنزلت : ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ) البر كل فعل مرضي. ومعناه : ليس البر ما أنتم عليه ، فإنه منسوخ ، بل البر إنما يكون ما اتبعه المؤمنون. وقيل : كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر القبلة ، فقيل : ليس البر الذي يجب صرف الهمة إليه مقصورا بأمر القبلة. أو ليس البر العظيم الذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمر القبلة. وقرأ حمزة وحفص البر بالنصب ، بتقديم الخبر على الاسم.
( ولكن البر من آمن بالله ) أي : لكن البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن بالله ، أو ولكن ذا البر من آمن بالله. يدخل فيه جميع ما لا يتم معرفة الله إلا به ، كمعرفة حدوث العالم ، وإثبات المحدث ، وصفاته الواجبة والجائزة ، وما يستحيل عليه تعالى ، ومعرفة عدله وحكمته ( واليوم الآخر ) يدخل فيه : التصديق بالبعث ، والحساب ، والعقاب ، والثواب ( والملائكة ) بأنهم عباد الله المكرمون ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (1) ( والكتاب ) وبالكتب المنزلة ، ومنها القرآن ( والنبيين ) وبالأنبياء كلهم ، وأنهم معصومون ، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وآلهوسلم ، وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع ، والتمسك بها لازم لجميع المكلفين إلى يوم القيامة. وقرأ نافع وابن عامر : ولكن ، بالتخفيف ورفع البر.
( وآتى المال ) أعطاه ( على حبه ) أي : حب المال والشح به ، كما قال ابن مسعود ، عن رسول الله حين سئل عنه : «أي الصدقة أفضل؟ قال : أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح ، تأمل العيش وتخشى الفقر ، لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ، ولفلان كذا». وقيل : الضمير لله تعالى أو للمصدر ، أي : حب الله أو حب الإيتاء ، أي : يعطيه وهو طيب النفس. والجار والمجرور في موضع الحال.
Bogga 288